أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

العقدة الكردية:

خيارات أنقرة تجاه "اتفاق أضنة" مع سوريا

11 فبراير، 2019


تصاعد الجدل حول"اتفاقية أضنة" الموقَّعة بين تركيا وسوريا في عام 1998، بشأن التعاون بين البلدين في مكافحة الإرهاب، حيث قال الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، خلال استقباله نظيره التركي "أردوغان"، في يناير 2019، إن الاتفاق المبرم بين أنقرة ودمشق في عام 1998 يُمكن أن يساعد تركيا بشكل كبير في مكافحة الإرهاب، وضمان أمن حدودها مع سوريا. وفي أعقاب ذلك، شدد الرئيس التركي "أردوغان"، في أكثر من مناسبة، على أن أحكام "اتفاقية أضنة"لا تزال سارية المفعول، مبررًا تواجد القوات التركية في سوريا بأنه جاء استنادًا لهذه الاتفاقية. ودعا "أردوغان" -في الوقت ذاته- إلى إعادة طرح الاتفاقية ومناقشتها مجددًا.

بدورها، تدخلت سوريا في الجدل المثار حول الاتفاقية، حيث أعلنت وزارة الخارجية السورية، في بيان لها، في 26 يناير 2019، أن سوريا ملتزمة باتفاقية أضنة والاتفاقيات المتعلقة بمكافحة الإرهاب بأشكاله كافة من قبل الدولتين، غير أنها اشترطت لتفعيل هذا الاتفاق أن تتم إعادة الأمور على الحدود بين البلدين كما كانت، وأن يلتزم النظام التركي بالاتفاق، ويتوقف عن دعمه وتمويله وتسليحه وتدريبه للإرهابيين، وأن يسحب قواته العسكرية من المناطق السورية التي يحتلها، وذلك حتى يتمكن البلدان من تفعيل هذا الاتفاق الذي يضمن أمن وسلامة الحدود لكليهما. ويتضح مما سبق، أن كل طرف من الأطراف الثلاثة (روسيا، تركيا، سوريا) لديه دوافعه وأهدافه الخاصة من وراء إعادة طرح "اتفاقية أضنة"، وهي أهداف ليست بالضرورة متوافقة مع بعضها بعضًا، وذلك على نحو ما يلي تفصيله.

بنود "اتفاقية أضنة":

وُقعت اتفاقية أضنة بين تركيا وسوريا، في 20 أكتوبر عام 1998، في ولاية أضنة التركية، بوساطة مصرية- إيرانية، لتفادي اندلاع مواجهة عسكرية مباشرة بين أنقرة ودمشق، وذلك على خلفية اتهام تركيا لسوريا بدعم وإيواء عناصر حزب العمال الكردستاني، المصنف كمنظمة إرهابية في تركيا، والذي يخوض مواجهات مسلحة ضد الدولة التركية، واستضافة زعيمه "عبدالله أوجلان"، المسجون حاليًّا في تركيا.

وتضم الاتفاقية 4 ملاحق، ينص الملحقان الأول والثاني على مجموعة من الالتزامات يجب على سوريا تنفيذها لإنهاء التوتر مع تركيا، أبرزها: طرد زعيم حزب العمال الكردستاني من سوريا، وعدم السماح له ولعناصر الحزب بدخول سوريا، وتصنيف العمال الكردستاني منظمة إرهابية وحظر أنشطته على أراضيها، وعدم السماح للحزب بإنشاء مخيمات أو مرافق أخرى لغايات التدريب والمأوى أو ممارسة أنشطة تجارية على أراضيها. 

وعدم سماح سوريا، وعلى أساس مبدأ المعاملة بالمثل، بأي نشاط ينطلق من أراضيها بهدف الإضرار بأمن واستقرار تركيا، كما لن تسمح بتوريد الأسلحة والمواد اللوجستية والدعم المالي والترويجي لأنشطة حزب العمال الكردستاني على أراضيها. وينص الملحق الثالث على اعتبار الطرفين أن الخلافات الحدودية بينهما منتهية، وأنّ أيًّا منهما ليست له أي مطالب أو حقوق مستحقة في أراضي الطرف الآخر. فيما يشير الملحق الرابع إلى أنه في حال إخفاق الجانب السوري في اتخاذ التدابير والواجبات الأمنية المنصوص عليها في هذا الاتفاق؛ فإن لتركيا الحق في اتخاذ جميع الإجراءات الأمنية اللازمة داخل الأراضي السورية حتى عمق 5 كم.

الدوافع الروسية -السورية:

تتمثل أبرز الدوافع الروسية – السورية للتفاوض على "اتفاق أضنة" مجدداً فيما يلي: 

1- تعزيز السيطرة السورية: حيث يرغب الطرفان في أن تقوم تركيا بسحب قواتها من شمال سوريا، وتسليمها لقوات النظام السوري، بما يحقق هدفًا رئيسيًّا طالما أكدت عليه روسيا والحكومة السورية وهو سيطرة القوات السورية على كامل الأراضي السورية.  ويأتي ذلك انطلاقًا من أن اتفاق أضنة قَصَرَ مهمة مكافحة عناصر حزب العمال الكردستاني على الدولة السورية، ورهن تدخل القوات التركية بعمق 5 كم داخل الأراضي السورية بإخفاق الجانب السوري في تنفيذ التزاماته الواردة بالاتفاق، وهو ما يستوجب دخول القوات السورية لمناطق سيطرة القوات التركية حتى تتمكن الدولة السورية من تنفيذ التزاماتها. 

2- معارضة "المنطقة الآمنة": الالتفاف على المقترح الأمريكي-التركي بتأسيس منطقة آمنة في شمال سوريا بعمق 32 كم، وتقديم بديل لتركيا لمعالجة مخاوفها الأمنية من التهديدات الكردية، حيث تعارض موسكو ودمشق تأسيس منطقة آمنة تسيطر عليها قوات أجنبية، وهو ما ظهر بوضوح في تصريح وزير الخارجية الروسي "لافروف"، في 25 يناير 2019، بأنه "في نهاية المطاف هناك ضرورة واضحة لإعادة سيطرة الحكومة السورية على كامل أراضي البلاد، بما في ذلك المنطقة الآمنة التي يدور الحديث عنها".

3- إعادة العلاقات الدبلوماسية: حيث سيؤدي هذا إلى تفعيل قنوات الاتصال المباشرة بين تركيا والنظام السوري، والحصول على اعتراف تركي بشرعية النظام السوري، وذلك عبر تواصل تركيا مع الجانب السوري لتنفيذ الالتزامات الأمنية الواردة باتفاقية أضنة لمكافحة عناصر حزب العمال الكردستاني في سوريا. حيث ينص الاتفاق على قيام تركيا وسوريا بإقامة وتشغيل خط اتصال هاتفي مباشر فورًا بين السلطات الأمنية العليا لدى البلدين، وتعيين ممثلين خاصين أمنيين في بعثتيهما الدبلوماسيتين في أنقرة ودمشق، لضمان تنفيذ الإجراءات الواردة بالاتفاق بفاعلية وشفافية، وهو ما يستلزم إعادة فتح سفارتي الدولتين لدى الآخر.

4- إيقاف دعم جماعات المعارضة: فبناءاً عليه يجب على تركيا أن تقوم بإيقاف دعمها لجماعات المعارضة السورية التي تعارض نظام "الأسد"، وذلك انطلاقًا من مبدأ المعاملة بالمثل الوارد باتفاقية أضنة، عندما ألزمت سوريا بعدم السماح بأي نشاط ينطلق من أراضيها بهدف الإضرار بأمن واستقرار تركيا، أي إن هذا الأمر ينطبق -في الوقت ذاته- على أنقرة، وهو ما لم تلتزم به.

الأهداف التركية:

فيما تتمثل أبرز الدوافع التركية فيما يلي: 

1- إيجاد غطاء شرعي وقانوني لتواجد القوات التركية في شمال سوريا، وذلك بالاستناد لنص اتفاقية أضنة التي أعطت الحق للقوات التركية بالتوغل داخل الأراضي السورية حتى عمق 5 كم، حال إخفاق الجانب السوري في اتخاذ التدابير والواجبات الأمنية المنصوص عليها في الاتفاق. وهو ما ظهر في تصريحات الرئيس التركي "أردوغان" ووزير خارجيته "جاويش أوغلو" اللذين أكدا حق تركيا في مكافحة التنظيمات الإرهابية (حزب الاتحاد الديمقراطي الذي تعتبره تركيا الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني) داخل الأراضي السورية، في حال لم يقم الجانب السوري بما يقع على عاتقه من واجبات وفق اتفاقية أضنة التي تُلزم الجانب السوري بمكافحة التنظيمات الإرهابية التي تهدد أمن تركيا وحدودها، وتسليم الإرهابيين لأنقرة.

2- البحث عن أفضل البدائل المتاحة لتأسيس منطقة آمنة في شمال سوريا، في ظل التخوفات التركية من تداعيات الرفض الروسي لإقامتها، واستمرار الخلافات التركية الأمريكية حول دور قوات سوريا الديمقراطية التي تضم مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية في تأمين هذه المنطقة. ففي الوقت الذي تُصر فيه تركيا على ضرورة انسحاب المقاتلين الأكراد من هذه المنطقة، وتؤكد قدرتها على إقامة هذه المنطقة بمفردها، ترغب الولايات المتحدة في إعطاء المقاتلين الأكراد المدعومين من قبل واشنطن دورًا في هذه المنطقة لضمان مصالحها هناك، ومنع سيطرة قوات النظام السوري عليها، وهو ما ترفضه أنقرة خوفًا من تكرار سيناريو شمال العراق.

3- إعادة فتح اتفاقية أضنة للتفاوض من جديد عبر الوسيط الروسي لتضمين المخاوف الأمنية لتركيا فيها، كالنص على أن حزب الاتحاد الديمقراطي هو الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني ما يستوجب على الدولة السورية تفعيل الالتزامات الأمنية الواردة باتفاق أضنة ضد عناصره وقادته، فضلًا عن الحصول على تعهدات من الجانب السوري باتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع قيام كيان كردي على حدود تركيا.

وقد ظهر ذلك الهدف بوضوحٍ في دعوة الرئيس التركي "أردوغان" لإعادة طرح اتفاقية أضنة ومناقشتها مجددًا، وهي الدعوة التي قابلها وزير الخارجية الروسي بتأكيده على أن المناقشات الجارية بخصوص المنطقة الآمنة لا يمكن أن تكون موضوعًا للاتفاق بين روسيا وتركيا، بل يجب أن تكون موضوعًا للاتفاق بمشاركة الحكومة السورية. الأمر الذي ولّد مزيدًا من التحديات لتركيا التي لا تزال ترفض التواصل مباشرة مع النظام السوري.

سيناريوهات المفاوضات:

يتضح مما سبق أن التهديدات الكردية باتت تحتل أولوية في سياسة تركيا تجاه الأزمة السورية، وهي الموجه الرئيسي لتحركاتها تجاه أطراف الأزمة، وذلك بعدما كان هدف إسقاط نظام الرئيس السوري "بشار الأسد" هو الهدف الرئيسي لها، وهو ما باتت تدركه أطراف الأزمة السورية، خاصة روسيا ونظام الرئيس "الأسد".

ومن ثمّ، فمن المرجّح أن تشهد الفترة المقبلة تحركات متوازية من قبل تركيا تجاه كلٍّ من روسيا والنظام السوري من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى، للحصول على أفضل بديل ممكن يراعي مخاوفها الأمنية في سوريا، والتي يأتي على رأسها منع قيام كيان كردي على حدودها الجنوبية مع سوريا، ومن المتوقع أن تأخذ التحركات التركية أحد السيناريوهين التاليين:

1- السيناريو الأول- الانخراط في مفاوضات مع الجانب السوري عبر روسيا، للتوصل لأحد الخيارين التاليين:

أ‌- الخيار الأول: توسيع اتفاقية أضنة، بحيث يتم النص على أن "حزب الاتحاد الديمقراطي" هو الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، ما يستوجب على الدولة السورية تطبيق الالتزامات الأمنية الواردة باتفاق أضنة، وتعهد سوريا باتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع قيام كيان كردي على حدود تركيا. وفي مقابل ذلك تتعهد تركيا بالتخلي عن فكرة إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري، ووضع جدول زمني لسحب قواتها من سوريا.

ب‌- الخيار الثاني: إنشاء تركيا لمنطقة آمنة بشمال سوريا يُستبعد منها المقاتلون الأكراد، ويعود إليها اللاجئون السوريون، على أن تسحب تركيا كافة قواتها منها عقب التوصل إلى حلٍّ سياسي للأزمة السورية بما يمكّن القوات السورية في النهاية من بسط سيطرتها على تلك المنطقة، وتطبيق التزاماتها الواردة باتفاق أضنة.

ويدعم هذا السيناريو تصريح الرئيس التركي في 3 فبراير الجاري، بأن علاقات بلاده مع سوريا مستمرة على مستوى منخفض، حيث تتواصل أجهزة استخبارات البلدين مع بعضها، مضيفًا: "حتى إذا كان لديك عدو فعليك عدم قطع العلاقات فربما تحتاجه فيما بعد". وتصريح وزير الخارجية التركي، في 24 يناير 2019، بأن "أنقرة على اتصال غير مباشر مع دمشق عن طريق روسيا وإيران".

غير أن هذا السيناريو يحمل مجموعة من المحاذير للجانب التركي، على رأسها توتر علاقة تركيا مجددًا بالولايات المتحدة التي تسعى لجذب تركيا بعيدًا عن موسكو، واعتراف تركيا بشرعية النظام السوري التي سعت لإسقاطه.

2- السيناريو الثاني: توصل تركيا إلى اتفاق مع الولايات المتحدة بخصوص المنطقة الآمنة يحقق مطالبها المتمثلة في استبعاد قوات سوريا الديمقراطية التي تضم مقاتلين أكرادًا من المنطقة، والتوقف عن تقديم الدعم لها، وإعطاء دور أكبر لتركيا في إداراتها. وفي حال قبول تركيا بهذا السيناريو، فمن المرجّح أن تتوتر علاقاتها مع موسكو والتي من المحتمل أن تدفع النظامَ السوري لإجراء مصالحة مع الأكراد والتحالف معهم، وتوظيف وحدات حماية الشعب الكردية ضد القوات التركية والجماعات المتحالفة معها في شمال سوريا.