أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

جدل القمة التنموية الرابعة

29 يناير، 2019


ثار جدل واسع في الأوساط المعنية حول القمة التنموية العربية الرابعة التي انعقدت في بيروت مؤخراً وقيل إن نتائجها جاءت متواضعة وإن تواضع نتائجها هذا يعود لانعقادها في بيروت نظراً لملابسات الوضع السياسي في لبنان، بما جعل حضور القادة العرب في حده الأدنى (3 من 21).

ولا شك أن لبنان لم يكن المكان الأمثل لانعقاد القمة لاعتبارات عدة، أولها أنه بحكم المعادلة الحالية بين القوى السياسية الرئيسية فيه، يقع في بؤرة الاستقطاب العربي والإقليمي الراهن، مما يجعل حضور قائدٍ ما القمة يبدو وكأنه تأييد لخيارات الدولة اللبنانية التي تثير الكثير من الملابسات، أما الاعتبار الثاني فإن القمة نتيجة هذه الملابسات عُقدت في ظل استمرار عجز لبنان عن تشكيل حكومته، وهو وضع غير ملائم لانعقاد مؤتمر على مستوى القمة. والثالث أن حادثة إهانة العلم الليبي ومرورها دون حساب، مثّل رسالة سلبية لكل المعنيين بأمن المشاركين في القمة.

غير أن المعضلة هي أن تحديد مكان انعقاد قمةٍ ما يتم في القمة السابقة عليها، وهي في حالتنا قمة الرياض 2013 التي نص بيانها على عقد القمة التنموية الرابعة في تونس 2015 وهو ما لم يحدث، والخامسة في لبنان 2017 وهو ما لم يحدث أيضاً وإنما عقدت القمة الرابعة في لبنان متأخرة عن موعدها أربع سنوات، وهو ما يثير قضية أخرى مؤداها أن انعقاد القمم التنموية يبدو وكأنه بات يمثل عبئاً على الدول العربية. ومن المؤكد أن للظروف العربية الراهنة دخلاً في ذلك، فقد عُقدت القمم التنموية الثلاث الأولى في مواعيدها (الكويت 2009 ومصر 2011 والسعودية 2013) ثم غابت القمة الرابعة التي كان مقرراً أن تُعقد في تونس، وكذلك القمة الخامسة في بيروت.

وقد قُدم اقتراح في قمة بيروت مؤداه الجمع بين القمم التنموية التي تُعقد في يناير من كل عام والقمم السياسية الدورية في مارس، وهو اقتراح بالغ الصعوبة، لكن يمكن التفكير في تنظيم هذه القمم على مستوى رؤساء الوزارات بما يتسق أكثر مع طبيعتها الفنية التخصصية. 

وقد يكون الأهم من مسألة مستوى التمثيل في القمة وانتظام انعقادها، مضمون ما انتهت إليه كما بدَا في بيانها الختامي، وبغض النظر عن أي ملاحظات على المواقف التي تبنتها القمة كما في تناولها قضية اللاجئين نتيجة الصراعات الراهنة في الوطن العربي وتركيزها على التخفيف من معاناتهم، وليس الحث على التوصل لحلول جذرية لهذه الصراعات، أو في إغفالها قضايا بالغة الأهمية كالأمن المائي العربي المهدَد من كلٍ من إثيوبيا وتركيا وإسرائيل وإيران، أو إعادة الإعمار في دول الصراعات.. فإن المرء لا يمكنه أن يتجنب ملاحظة تباطؤ معدل التقدم نحو تحقيق أهداف القمم التنموية العربية منذ بدايتها. وعلى سبيل المثال فإنه بينما حددت قمة بيروت عام 2030 لتحقيق هدف خفض معدل الفقر متعدد الأبعاد بنسبة 50?‏، نذكر أن قمة الكويت كانت قد حددت عام 2012 موعداً لذلك، أي أننا حتى لو نجحنا في تحقيق هذا الهدف في موعده الجديد، نكون قد تأخرنا 18 سنة كاملة عن المستهدف في قمة الكويت. كذلك كانت قمة الكويت قد حددت عام 2015 موعداً لتحقيق الاتحاد الجمركي العربي والسوق المشتركة العربية، ثم أجلت قمة شرم الشيخ الموعد خمسة أعوام كاملة إلى 2020، ثم آثرت قمة بيروت السلامة فتركت المسألة دون تحديد زمني أصلاً.. وهو ما يشير إلى وجود مشكلات حقيقية تعترض تحقيق هذه الأهداف، ولا أدري ما إذا كانت قد دارت داخل القمم المتتالية مناقشات جادة وصريحة لأسباب هذا التعثر أم لا، وهي مسألة يجب أن تُشرك فيها النخب العربية المتخصصة والمهتمة بهذه القضايا، فلعل لديها من الأفكار والمقترحات ما يواجه هذه الأسباب ويضع حلولاً مناسبة لها.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد