أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

اتجاه جديد:

لماذا تزايد الجدل حول تناول الإعلام الغربي للهجمات الإرهابية؟

09 أبريل، 2017


اتسع نطاق الجدل تدريجيًا حول دور وسائل الإعلام في مواجهة ظاهرة الإرهاب، في ظل خلاف متزايد تركز على التغطية الإعلامية المُثْلى للعمليات الإرهابية التي تشهدها بعض الدول، وآليات تجنب الوقوع بشكل مستمر في فَخَّيِ التهوين والتهويل، حيث واجهت العديد من وسائل الإعلام هذه المشكلة فعلا خلال الفترة الماضية، لدرجة أبعدت أداءها عن المهنية والحياد، وبدا ذلك بشكل واضح في مرحلة ما بعد تصاعد نشاط تنظيم "داعش"، والذي أشارت اتجاهات عديدة إلى أنه استفاد، في بعض الأحيان، من التغطية الإعلامية لممارساته، سواء من خلال التهوين من قوته، أو عبر التهويل فيها.

ولم تُستثنَ بعض وسائل الإعلام في عدد من الدول الغربية من الوقوع في الأخطاء المهنية المرتبطة بالتعامل مع خطر الإرهاب، والتي ساهمت، وفقًا لتلك الاتجاهات، في تقديم خدمات إعلانية مجانية لبعض التنظيمات الإرهابية والعناصر المتطرفة، ودفعهم إلى تنفيذ مزيدٍ من العمليات، مستغلين في هذا السياق الرسائل الخاطئة التي تُوجه تلقائيًّا بسبب هذه التغطية الإعلامية، والتي تؤثر أيضًا على الأداء الاقتصادي وحالة الاستقرار، الأمر الذي دفع العديد من الخبراء إلى التحذير من مغبة المبالغة في التغطية الإعلامية لبعض وسائل الإعلام الغربية -المقروءة والمرئية- للعمليات الإرهابية، وتأثيرها السلبي المادي والمعنوي على مجتمعاتها.

انتقادات متزايدة:

في ظل ما تشهده بعض الدول الغربية من استهداف متزايد منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات من قبل التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم "داعش"، الذي استند إلى ما يسمى بـ"الذئاب المنفردة" في تجاوز الإجراءات الأمنية والقيود المشددة التي تفرضها السلطات في تلك الدول من أجل تنفيذ عمليات إرهابية؛ اتسمت تغطية بعض وسائل الإعلام لهذه العمليات بتكثيف واضح في التناول، من خلال توظيف برامج المحطات التلفزيونية المختلفة لمناقشة هذه العمليات، بالإضافة إلى البرامج السياسية والنشرات الإخبارية، فضلا عن المساحات الواسعة من صفحات الصحف المطبوعة، وتصدرت صور هذه الحوادث صفحات المواقع الإلكترونية الخبرية، بشكل بات يثير مخاوف عديدة لدى المواطنين في بعض الدول من احتمال تصاعد حدة العمليات الإرهابية خلال الفترة القادمة، لا سيما مع التحذيرات المتكررة من عودة الإرهابيين الأوروبيين إلى بلادهم عقب الخسائر الكبيرة التي متى بها تنظيم "داعش" في الفترة الأخيرة بسبب الضربات العسكرية التي تعرض لها في كل من سوريا والعراق، فضلا عن التهديدات التي توجهها التنظيمات الإرهابية ضد بعض تلك الدول.

وقد أدى ذلك إلى ظهور دعوات عديدة لضبط التناول الإعلامي لما تشهده المدن الأوروبية من عمليات إرهابية، وهو ما بدا جليًا -على سبيل المثال- في المقال الذي نشرته صحيفة "الجارديان" البريطانية للكاتب سيمون جينكينز، في 10 يونيو 2016، بعنوان ?The question terrorists love: Can you guarantee safety at Euro 2016، والذي أشار فيه إلى أن  تسعين في المائة من التداعيات التي يفرضها الإرهاب الحديث لا تكمن في الفعل نفسه بقدر ما تكمن في الضحيح الذي يتصاعد حوله، مؤكدًا أن التناول الإعلامي الغربي للعمليات الإرهابية في فرنسا أثار تخوفات حول تنظيم منافسات كأس الأمم الأوروبية "يورو 2016" وكيفية تأمينها. 

سلبيات عديدة:

اتسمت التغطيات الإعلامية لعدد من وسائل الإعلام الغربية للعمليات الإرهابية التي تشهدها بعض المدن الأوروبية، بخصائص سلبية عديدة يمكن تناولها على النحو التالي:

1- الانتقائية في التناول: وهو ما اتضح من خلال التركيز على بعض العمليات الإرهابية دون غيرها، وتضخيم الأضرار والتداعيات الناتجة عن تلك العمليات التي تشهدها بعض المدن الأوروبية، وتقليص مساحة التناول لعمليات مماثلة وقعت خارج أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما لوحظ بشكل واضح في أغلب الحوادث التي شهدتها تركيا على سبيل المثال، فضلا عما تشهده سوريا والعراق وبعض دول المنطقة الأخرى.

وقد وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في خطاب ألقاه في 6 فبراير 2017، انتقادات لبعض وسائل الإعلام الغربية، حيث وصفها بأنها "غير نزيهة"، وقال أنها تتغاضى عن بعض الهجمات الإرهابية، وقام البيت الأبيض، في اليوم نفسه، بنشر قائمة تحتوي على 78 هجومًا إرهابيًّا، أشار إلى أنها لم تحظ بتغطية إعلامية ملاءمة.

2- الازدواجية وغياب المعيارية: كشف مقال للكاتب روبرت فيسك نُشر في صحيفة "الإندبندنت" في 24 يوليو 2016، تحت عنوان We love to talk of terror – but after the Munich shooting, this hypocritical catch-all term has finally caught us out، عن بُعد آخر للأخطاء التي وقعت فيها بعض وسائل الإعلام الغربية، والسلبيات التي اتسم بها تناولها للعمليات الإرهابية، وهو الازدواجية في تعريف مفهوم العمليات الإرهابية، وتحديد معايير توصيف الإرهابيين الذين يقوموا بتنفيذها.

فقد أوضح فيسك أن تلك الجهات عادةً ما تسارع إلى توصيف أي حادث تفجير أو إطلاق نيران بأنه حادث إرهابي دون النظر في دوافع وخلفيات منفذ الهجوم، في حين تقوم، في بعض الأحيان، بتوصيف منفذي هجمات مماثلة في أفغانستان-على سبيل المثال- بأنهم "مسلحون".

3- المساهمة في تصاعد جرائم العنف والكراهية: تشير آراء العديد من الخبراء إلى أن تأثير الإرهاب غير المباشر الناتج عن تضخيمه إعلاميًّا يفوق، في أحيان عديدة، تداعيات العمليات الإرهابية نفسها، بسبب ما تُنتجه الضجة الإعلامية من زيادة في الشعور بعدم الأمان، وانتشار حالة من عدم الثقة في أداء الأجهزة الأمنية وقدرتها على منع وقوع عمليات جديدة.

ويبدو أن هذا الجدل حول تغطية بعض وسائل الإعلام في الدول الغربية للعمليات الإرهابية التي تجاوزت منطقة الشرق الأوسط ووصلت إلى بعض المدن الأوروبية بعد أن نجحت بعض العناصر التي تنتمي للتنظيمات الإرهابية في تجاوز الإجراءات الأمنية المشددة التي تتخذها السلطات في تلك الدول، سوف يتزايد خلال المرحلة القادمة، خاصة في ظل ارتباطه بالموقف تجاه قضايا أخرى على غرار تأثير التناول الإعلامي لخطر الإرهاب على الوضع الاقتصادي والاستقرار الأمني والسياسي، إلى جانب استمرار مشكلات اللاجئين من دول الأزمات في الشرق الأوسط إلى الدول الأوروبية.