أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

سيناريوهات متخيلة:

"درونز تحت الماء" للأمن البحري.. و"روبوتات" لغذاء المستقبل

17 يناير، 2019


عرض: رغدة البهي، مدرس العلوم السياسية، بجامعة القاهرة.

لا شك في تسارع وتيرة التطورات والاكتشافات العلمية التي من شأنها أن تعصف بالثوابت المسلّم بها، والحقائق الثابتة، على نحو يغير من ملامح الظواهر المستقبلية. ومع تزايد التحديات وتغير طبيعتها، على نحو يطال الأفراد، والمجتمعات، والدول؛ يتجه مختلف المحللين والمفكرين والمراكز البحثية إلى استشراف ملامح التطورات والتحديات المستقبلية.

وفي هذا الإطار، تبرز أهمية التقرير الصادر عن مجلة "الإيكونومست" في عام ٢٠١٨، المعنون "العالم لو"، والذي يضم جملة من السيناريوهات المُتخيَّلة في مجالاتٍ متباينةٍ بما فيها: السياسية، والتكنولوجية، والعلمية، والاقتصادية، والتاريخية. وفيه يجادل التقرير بتسارع وتيرة التطورات التكنولوجية والعلمية إلى حد استخدام "الدرونز" تحت سطح الماء، وإمكانية وجود فرص للحياة على كواكب أخرى. ناهيك عن التغير الجذري في طبيعة الغذاء بالتوازي مع تزايد عدد السكان عالميًّا.

الدرونز البحرية:

يتوقع التقرير تزايد استخدام "الدرونز البحرية"، بفعل اتصالها المباشر بالأقمار الصناعية، وانخفاض تكلفة صناعتها وتشغيلها، وقدرتها على مراقبة قوارب الصيد عن بعد. ومن خلالها، يمكن مراقبة الأنشطة البحرية غير القانونية، وغير المرئية أيضًا، لما لها من قدرة على مراقبة مسطحات مائية وبحرية شاسعة، ورصد ومتابعة مختلف الظروف البيئية. ومن ثم، تشكل رادعًا قويًّا. وعليه يتوقع تعزيز مصائد الأسماك والحفاظ على استدامتها، بجانب الحد من التلوث.

وتعتمد "الدرونز البحرية" على حركة الأمواج أو طاقة الرياح أو الألواح الشمسية. وتستطيع اكتشاف أنشطة الصيد غير القانونية؛ حيث يتم اصطياد خُمس الصيد العالمي السنوي -الذي تبلغ قيمته نحو 23,5 مليار دولار- بشكلٍ غير قانوني. حيث يتجاوز الصيادون الحصص المقررة، ويصطادون الأسماك من المناطق المحمية، ويستخدمون أساليب محظورة، كالصيد بالمتفجرات.

ويمكن للدرونز البحرية أيضًا الكشف عن الملوثات البحرية. فوفقًا لأحد التقديرات، تقوم السفن بتفريغ حوالي 276 ألف طن من المواد الزيتية السامة في البحر عن قصد كل عام. إذ يمكن للدرونز البحرية استخدام أجهزة الاستشعار عن بعد بحثًا عن: آثار الوقود، والمذيبات، وزيوت المحركات. كما يمكنها استخدام كاميرات صغيرة لالتقاط صور جوية للبقع الزيتية. 

وفي المياه الساحلية، يمكن للدرونز البحرية مراقبة العوادم المنبعثة من السفن الكبرى، للتأكد من عدم تجاوزها حدود الانبعاثات المسموح بها. ويمكن لها أيضًا معالجة الاتجار بالبشر، من خلال اكتشاف الأنشطة المشبوهة، بما في ذلك القوارب التي لا ترسو في الموانئ البحرية. ويعتقد أن عشرات الآلاف من الرجال من كمبوديا، وإندونيسيا، وميانمار، والفلبين، وتايلاند، وفيتنام، استُعبدوا على متن سفن الصيد، لتفادي هروبهم، وتأمين الإمدادات من سفنٍ أخرى بعيدة في البحر.

وترتبط "الدرونز البحرية" ليس فقط بالتطورات التكنولوجية، ولكن بارتفاع تكلفة وسائل الإنقاذ التقليدية. فعادةً ما يتكلف تشغيل القطع البحرية لخفر السواحل الأمريكي ما بين 1500 و3000 دولار في الساعة. وتكلف الطائرات أكثر من 10 آلاف دولار لكل ساعة طيران. ومن ثمّ، لا يُمكن حتى للولايات المتحدة، بتكنولوجيا اليوم، القيام بدورياتٍ كاملة في "المناطق الاقتصادية الخالصة"، في المياه الواقعة على بعد 200 ميل من شواطئها. إذ تَخرج ثلثا المحيطات خارج نطاق الولاية القضائية لأي دولة. فعلى سبيل المثال، يمكن للدرونز البحرية التبليغ عن السفن التي تتجنّب الموانئ أو تبحر في المناطق البحرية المحمية. ذلك أن نصف قوارب الصيد القريبة من السواحل الشرقية والغربية لإفريقيا لا تنقل مواقعها للجهات الرسمية. وتعتمد الدرونز البحرية على "خوارزميات تحليل الحركة"، لتحديد طبيعة أنشطة السفن المدنية. ويشمل ذلك تحديد مواقع السفن التي تهرب المخدرات أو الأسلحة أو البشر.

وإجمالًا، يتوقع تزايد الاعتماد على "الدرونز البحرية" لتعزيز الجهود الرامية إلى فرض القانون في البحار، على الرغم من تكلفتها الباهظة، غير أن تلك التكلفة آخذة في الانخفاض مع مرور الوقت، نظرًا لاشتراك عدد من مكوناتها مع مكونات الهواتف الذكية. 

أرض بلا قمر:

على صعيد التطورات التكنولوجية والعلمية أيضًا، يطرح التقرير سؤالا افتراضيًّا مفاده: كيف يكون كوكب الأرض بدون القمر؟ وفي سبيل للإجابة على هذا السؤال، تناول التقرير طبيعة القمر، وجملة من الافتراضات العلمية التي قدمها العلماء في السنوات الأخيرة. ووفقًا له، يتكون القمر من 73 ألف تريليون طن من الصخور، التي تدور على مسافة 380 ألف كم. 

فعلى الرغم من الكبر النسبي للكواكب الصخرية الأخرى -على شاكلة "كوكب الزهرة"- الأقرب إلى حجم كوكب الأرض، إلا أنها تخلو من الأقمار. ويعتقد العلماء أن القمر تَشَكَّلَ بشكلٍ استثنائي بفعل التصادم العنيف بين الأرض وكوكبٍ صغيرٍ آخر بحجم المريخ، وذلك عقب نشأة النظام الشمسي.

ويراهن العلماء على إمكانية الحياة في أماكن أخرى من الكون. فقد جادل كل من "دونالد براونلي" (عالم الفلك)، و"بيتر وارد" (عالم الحفريات)، في كتاب "الأرض النادرة"، في عام 2000، بأن الحياة الميكروبية قد تتطور بسهولة على جميع أنواع الكواكب. ويرتبط ذلك جذريًّا بالأقمار.

فقد جادل البعض بأنه، من دون القمر، سيكون للأرض جو سميك خانق مثل كوكب الزهرة. وتقترح تلك النظرية أن الأثر الذي شكّل القمر ساعد في طرد المواد الكيميائية المتطايرة التي شكلت الغلاف الجوي الأصلي للأرض، مما سمح بوجود غلاف أدق بكثير من الغازات التي سبقته. وقد اقترح آخرون أن المد والجزر كان شرطًا رئيسيًّا للحياة، وذلك من خلال تدفق مياه البحر بشكلٍ متقطع، وتبخرها، ثم تركزها في صورة موادٍ كيميائية ضرورية للحياة. 

وفي "الأرض النادرة" جادل "براونلي" و"وارد" بأن الكوكب الذي يخلو من الأقمار، سيكون له مناخ فوضوي مليء بالكوارث، مما يحول دون ازدهار الحياة. وبدون القمر، ستعاني الأرض من تغيرات فوضوية جذرية في مناخها. ولا يمكن حساب معدل دوران الأرض إذا خلت من القمر ابتداء.

ويرى "ديفيد والتهام" (عالم الجيوفيزياء البريطاني) في كتابه "الكوكب السعيد" الصادر في عام 2014، أن الكواكب ذات الأيام القصيرة، تقل بها كفاءة نقل الحرارة من خط الاستواء إلى القطبين. ويجادل بأن القمر يلعب دورًا مهمًّا في توزيع الحرارة بشكلٍ متوازن، للحيلولة دون حدوث عصرٍ جليديٍ ثانٍ.

ويجادل "إسحاق آسيموف" (كاتب الخيال العلمي)، في مقالته المعنونة "مأساة القمر"، المنشورة في عام 1972، بأن دوران القمر حول الأرض جعل من الطبيعي افتراض أن كل الأشياء الأخرى في السماء تفعل ذلك أيضًا، وأن الأرض وكل شيء آخر يدوران حول الشمس.

مستقبل الغذاء

يجادل التقرير بضرورة إعادة النظر في كيفية تعاطي العالم مع الغذاء، وبخاصة مع تزايد عدد سكان العالم إلى 9,7 مليارات شخص بحلول عام 2050، في ظل اعتماد الغالبية العظمى منهم على النمط الغذائي الغربي. ومن ثم، تتعدد الخيارات المطروحة لتشمل: اللحوم المصنعة من البروتين النباتي، والحشرات والديدان، والسبيرولينا والأشكال الأخرى من الطحالب. وذلك بهدف إيجاد مصادر متنوعة من البروتين والمكملات الغذائية.

ويتوقع التقرير مستقبلًا استخدام "روبوتات الطعام" التي تقوم بتنزيل الوصفات، وطباعة الوجبات ثلاثية الأبعاد، بما يعدد من خيارات الطهاة في المستقبل. ويجادل بأن كافة الأساليب المطروحة أعلاه لها من المزايا والمثالب أيضًا؛ فاللحوم المصنعة -على سبيل المثال- على الرغم من انخفاض تكلفتها وانخفاض ما يترتب عليها من غازات مسببة للاحتباس الحراري، إلا أنها تؤثر بالسلب على 1,3 مليار شخص يعتمدون على تربية الماشية للعمل والأمن الغذائي.

وتُستهلك الحشرات بالفعل على نطاق واسع في معظم أنحاء العالم، ولكن تساءل التقرير عن قدرة المستهلكين الغربيين على مواجهة نمو السبيرولينا المتنامي في كل من فول الصويا واللحم البقري. ولا يمكن إغفال أنواع الطحالب السامة، ولذا فإن ضمان النقاء أمر حيوي.

ولا شك في أن تفضيلات المستهلك من شأنها أن تلعب دورًا كبيرًا في تحديد طبيعة الأطعمة المستقبلية. وهو ما يرتبط بدوره بما يسمى "سحر الواقع المعزز" الذي يبرز الأشياء الافتراضية في العالم الحقيقي. فقد بات ممكنًا إلقاء نظرةٍ فاحصة على بعض خيارات الطعام المستقبلية.

فقد قدمت شركة "كاباك"، وهي شركة أمريكية متخصصة في الربط بين التكنولوجيا والغذاء، تطبيقاتٍ متقدمة، تُمكّن المستخدمين -من خلال الهواتف الذكية- من تصفح رموزٍ مختلفة لكل نوع من أنواع الطعام، بما في ذلك الطحالب والحشرات الصالحة للأكل. ويمكن بعد ذلك وضع الطعام على الطاولة، وتكبيره أو تدويره. غير أن تلك التقنيات لم تنجح بعدُ في الربط بين الأطعمة ورائحة وطعم كل منها.

وختامًا، قدّم التقرير عدة استشرافاتٍ مستقبلية، منها ما يجلب الأمل، ومنها ما يدق ناقوس الخطر. فلا يمكن التقليل من أهمية التطورات الهائلة على الصعيدين الصناعي والتكنولوجي، مما يساهم في التصدي للتحديات الأمنية، بما في ذلك: التهريب، والاتجار بالبشر. غير أنه وفي المقابل، لا يمكن إغفال الأزمات المستقبلية العالمية، بما في ذلك الأزمة الغذائية العالمية المرتقبة التي تتكشف ملامحها في ضوء نمط الغذاء الغربي الآخذ في الانتشار.

المصدر:

The Economist, The World If, 2018, pp. 11-14.