أخبار المركز
  • إصدارات جديدة لمركز "المستقبل" في معرض الشارقة الدولي للكتاب خلال الفترة من 6-17 نوفمبر 2024
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

المصري اليوم:

د. أحمد يوسف أحمد يكتب: «قمة جدة» بين استقلالية القرار العربى ومتطلبات تعزيز الفاعلية

27 مايو، 2023


ينطوى هذا المقال على محاولة لبلورة رؤية شاملة لنتائج القمة العربية الـ32، التى عُقدت فى مدينة جدة السعودية يوم 19 مايو 2023، وذلك من خلال أربع نقاط: تحلل أولاها الدلالات المهمة لانعقاد القمة، وتشرح الثانية مواقفها من قضايا الصراع فى منطقة الشرق الأوسط، أما الثالثة فتقدم نظرة نقدية لموقف القمة من القضايا الدولية، وتشير الرابعة إلى قضايا جديدة طرحها البيان الختامى للقمة. ويعتمد التحليل بطبيعة الحال أساسًا على هذا البيان، بالإضافة إلى القرارات التفصيلية للقمة، التى يربو عدد صفحاتها عادة على المائة صفحة، وجرى العرف على أن تتضمن متابعة تفصيلية للقضايا المعتادة الموجودة على جداول أعمال القمم العربية.

دلالات انعقاد القمة:

ثمة دلالتان مهمتان لانعقاد قمة جدة، تتمثل أولاهما فى دلالة الانعقاد بالنسبة لانتظام عقد القمم العربية، والثانية فى أنها مثلت قمة جمع الشمل العربى لأول مرة منذ أن قرر مجلس وزراء الخارجية العرب فى عام 2011 حرمان النظام السورى من تمثيل بلاده فى الجامعة العربية.

1- بالنسبة للدلالة الأولى المتعلقة بانتظام عقد القمم العربية، يُلاحظ أن قمة جدة قد انعقدت بعد أقل من سبعة شهور على انعقاد قمة الجزائر فى مطلع نوفمبر 2022، وهو ما يشير إلى تأكيد حل أزمة انتظام عقد القمم العربية، فمن المعروف أن بروتوكول الانعقاد الدورى للقمم العربية الذى أقرته قمة القاهرة 2000 قد نص على الانعقاد السنوى للقمة فى مارس من كل عام، وأن تطبيق هذا البروتوكول قد انتظم منذ انعقاد قمة عَمان 2001 وحتى قمة تونس 2019. ولم يحدث استثناء لهذا الانتظام إلا فى أمرين، أولهما أن القمة لم تنعقد فى عام 2011 بسبب أحداث ما عُرف بـ«الربيع العربى»، والثانى أن الالتزام بانعقاد القمة فى مارس من كل عام قد اهتز مرات قليلة لأسباب رأتها الدولة المُضيفة، كما فى قرار تونس تأجيل قمة 2004 إلى مايو من نفس العام لأسباب ترتبط فى الأغلب بزلزال الغزو الأمريكى للعراق عام 2003، وتأجيل قمة 2016 إلى يوليو لاعتذار المغرب عن استضافتها وعقدها فى موريتانيا فى ذلك التاريخ.

وبدءًا من قمة تونس 2019، بدا أن مؤسسة القمة تواجه تحديًا حقيقيًّا، فلم تُعقد قمة فى عام 2020 ولا فى 2021، كما أن قمة 2022 لم تُعقد فى مارس، وإنما عُقدت فى الجزائر فى نوفمبر من هذا العام، وقِيل فى البداية إن جائحة «كوفيد- 19» هى السبب، غير أن معظم اللقاءات الدولية المهمة كانت تُعقد بسلاسة بتقنية «الزوم» (عن بُعد)، ولم يكن هناك مفر من الاعتراف بأن ثمة خلافات حقيقية حول قضايا أساسية مثل عودة الحكومة السورية لتمثيل دمشق فى الجامعة العربية وغير ذلك. وفى النهاية تمكنت الجزائر من عقد القمة فى نوفمبر 2022، وإن لم تتمكن من حل معضلة عودة النظام السورى إلى الجامعة، وساد مع انعقاد تلك القمة نوع من الاطمئنان لعودة الانتظام إلى انعقاد القمم العربية، وهو ما تأكد بانعقاد قمة جدة بعد أقل من سبعة شهور، والتزام ملك البحرين فى كلمته أمام القمة بعقد قمة 2024 فى بلاده، بل مبادرة رئيس وزراء العراق فى كلمته بطلب استضافة قمة 2025، وهو ما يعنى بكل المعايير أن مؤسسة القمة قد رُد إليها اعتبارها، وزال عنها الخطر الذى كان يهددها، وبقى أن يفضى هذا التطور الإيجابى إلى المزيد من الفاعلية العربية فى مواجهة التحديات الراهنة للنظام العربى.

2- الدلالة الثانية هى استكمال حل معضلة عودة سوريا إلى أسرتها العربية، ولهذه العودة بدورها أكثر من دلالة أتخير منها ثلاثًا، وهى كالتالى:

أ- أنها أكدت عجز منطق المقاطعة وفرض العقوبات عن حل المشكلات، وهو عجز سبق إثباته عربيًّا وإقليميًّا ودوليًّا، ففى السياق العربى مثلًا، عُلقت عضوية مصر فى الجامعة العربية بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، وظل هذا التعليق لعقد من الزمان تم فيه تبنى نهج التسوية السياسية للصراع العربى الإسرائيلى رسميًّا بموافقة قمة فاس 1982 على مبادرة ولى العهد السعودى آنذاك، واتضحت كذلك الانعكاسات الاستراتيجية السلبية لعزل مصر مع تطورات الحرب العراقية الإيرانية. وهكذا فتحت قمة عمَان 1987 (بقرارها اعتبار إعادة العلاقات مع مصر عملًا سياديًّا بعد أن كان الموقف العربى الرسمى أنها تحتاج قرارًا جماعيًّا) الباب لعودة مصر إلى الصف العربى، ومع عامى 1989 و1990 اكتملت عودة مصر إلى محيطها العربى بحضور رئيسها قمة الدار البيضاء 1989، وعودة مقر الجامعة إلى مصر عام 1990 دون أن يتحقق أى من شروط رفع التعليق، بل تأكد انخراط النظام العربى فى عملية التسوية السياسية للصراع العربى الإسرائيلى أولًا بمبادرة فاس 1982 كما سبقت الإشارة، ثم المبادرة العربية التى تبنتها قمة بيروت 2002. وها هى سوريا تعود إلى الجامعة العربية دون أن يتغير الوضع الذى فُرِضت المقاطعة بسببه، ولذلك آن الأوان لإسقاط هذا الأسلوب من السياسة العربية، على أساس أن الأسلوب الأكثر فاعلية هو إدارة الخلاف داخل الأسرة العربية، وهو أسلوب لا يمنع الاختلاف وإنما يُيسر إدارته نحو التوصل إلى رؤى مشتركة.

ب- تتمثل الدلالة الثانية لعودة سوريا إلى الجامعة العربية فى عجز أسلوب التدخل فى الشؤون الداخلية عن تحقيق الأهداف التى يُفترض أنه يتم من أجل تحقيقها. والمعروف أن المواثيق الدولية لا تُقر هذا التدخل كما هو الحال فى ميثاقى الأمم المتحدة والجامعة العربية على سبيل المثال، لكن دعاوى انتهاك هذا المبدأ تتذرع بالاعتبارات الإنسانية، بمعنى أن التدخل يمكن أن يتم لحماية شعب من ممارسات نظامه، وهو هدف يمكن أن يكون مشروعًا، بيد أن الخبرة العملية أثبتت أنه كان فى أحوال كثيرة كلمة حق يُراد بها باطل. ويكفى فى هذا الصدد الاستشهاد بالمثال الشهير للغزو الأمريكى للعراق بحجة إنقاذ شعبه من نظام صدام حسين، ولقد كان ذلك النظام غير ديمقراطى بكل تأكيد، لكن ما فعله الاحتلال الأمريكى بالعراق دولةً ومجتمعًا كان أسوأ بكثير بما لا يدع مجالًا لأى شك، فقد فُتت العراق دولةً ومجتمعًا وشُرعت أبوابه للإرهاب والنفوذ الخارجى على نحو غير مسبوق. ويجب أن يكون واضحًا أن عدم التدخل لا يعنى ألّا يكون للخارج أى شأن بما يجرى فى الداخل ومحاولة تقويمه، ولكن المقصود هو إسقاط الأساليب الإكراهية للتدخل كالغزو والتخريب وما إلى ذلك، وقد أحسن بيان قمة جدة صنعًا بالتشديد فى بنده السادس على «وقف التدخلات الخارجية فى الشؤون الداخلية للدول العربية، والرفض التام لدعم تشكيل الجماعات والميليشيات المسلحة الخارجة عن نطاق مؤسسات الدولة».

ج- تتمثل الدلالة الثالثة لعودة سوريا إلى الجامعة فى كونها إثباتًا جليًّا لاستقلالية القرار العربى، فمن المعروف أن قوى دولية بعينها، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، تُعارض هذه العودة، وهو سلوك غريب مادام القرار يخص النظام العربى. وقد مر هذا القرار بتفاعلات صحية بدأت بعد أن اتضحت الآثار السلبية لاستمرار بقاء سوريا خارج الجامعة، وبدأت بعض الممارسات تتحفظ على هذا الاستمرار، وتتصرف على نحو مغاير، كما اتضح فى سلوك عدد من الدول العربية كانت الإمارات على رأسها، حيث أُعيد افتتاح السفارة الإماراتية فى دمشق فى ديسمبر 2018، وتهاتف الرئيسان الإماراتى والسورى فى مارس 2020 بمناسبة جائحة «كورونا»، وزار سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية الإماراتى، دمشق والتقى بالرئيس السورى فى نوفمبر 2021، ثم زار الرئيس بشار الأسد دولة الإمارات فى مارس 2022، وكانت أول رحلة خارجية له إلى بلد عربى منذ اندلاع أحداث 2011 فى سوريا. كما بذلت الجزائر جهودًا حثيثة وجادة قبل قمة نوفمبر 2022، وإن لم تُكلل بالنجاح، إلى أن حدث التوافق العربى على عودة سوريا. وهنا يصبح الاعتراض الخارجى على هذا القرار غير ذى موضوع، ويُعد تدخلًا مرفوضًا فى الشأن العربى، ويكون القرار تأكيدًا لاستقلال القرار العربى، الذى يُرجى أن يفضى إلى المزيد من الفاعلية العربية فى مواجهة التحديات.

ولعل من المهم الإشارة إلى أن قمة جدة انتصرت للشرعية القائمة فى دول الصراعات والنزاعات، بغض النظر عن الخلافات الموجودة داخلها والفصائل المعارضة لهذه الشرعية، فقد مُثلت سوريا بحكومتها الشرعية بغض النظر عن استمرار وجود فصائل أو قوى أو قطاعات معارضة، ومُثل اليمن بمجلس قيادته الرئاسى الشرعى بالرغم من وجود سلطة الحوثيين غير الشرعية فى صنعاء، ومُثلت ليبيا برئيس مجلسها الرئاسى محمد المنفى، ومُثل السودان بمبعوث قائد الجيش بالرغم من الانشقاق الحاصل مع قوات الدعم السريع وقيادتها، وهو إرساء لمبدأ محمود مادام بقى الاعتراف بأن هناك مشكلات داخلية واجبة الحل عن طريق التفاهم والحوار.

القمة وقضايا الصراع:

تبنت قمة جدة مواقف سليمة من قضايا الصراع وعدم الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط، سواءً كانت تدور داخل الدول العربية، أو بين دول عربية ومحيطها الإقليمى. وأبدأ هنا بالقضية الفلسطينية، التى أكد «إعلان جدة» مركزيتها للدول العربية، وأدان بأشد العبارات الممارسات والانتهاكات التى تستهدف الفلسطينيين فى ممتلكاتهم وأرواحهم، بل وجودهم، كما أكد التمسك بخيار التسوية الشاملة والعادلة على أساس حل الدولتين وفقًا للقرارات الدولية والمبادرة العربية، ودعا المجتمع الدولى إلى الاضطلاع بمسؤولياته لإنهاء الاحتلال ووقف اعتداءاته وانتهاكاته المتكررة التى تعرقل الحلول السياسية، وحماية القدس المحتلة ومقدساتها.

أما باقى القوى الإقليمية، فقد وردت مواقف القمة بشأنها فى القرارات التفصيلية وليس فى البيان، فعلى سبيل المثال، فإن الموقف المؤيد لمصر والسودان فى قضية سد النهضة الإثيوبى ورد فى القرار الخامس عشر، وكذلك وردت القرارات المتعلقة بالتدخلات الإيرانية والتركية فى الشؤون العربية (القرارات من 11- 14)، ومعظمها وافقت القمة بشأنها على مشروعات قرارات قدمتها الدول العربية ذات الصلة.

وفيما يتعلق بالأوضاع داخل بعض الدول العربية، أعطى البيان الختامى للقمة الأولوية لتطورات السودان، وأبدى القلق من تداعياتها على أمن الدول العربية واستقرار شعوبها، وأكد ضرورة التهدئة وتغليب لغة الحوار ورفع المعاناة عن الشعب السودانى والمحافظة على مؤسسات الدولة الوطنية والحيلولة دون أى تدخل خارجى فى الشأن السودانى، واعتبار اجتماعات جدة التى بدأت فى 6 مايو الجارى بين الفرقاء السودانيين خطوة مهمة يمكن البناء عليها. ورحب بطبيعة الحال باستئناف مشاركة الحكومة السورية فى اجتماعات مجلس الجامعة والمنظمات والأجهزة التابعة لها، وأعرب عن أهمية مواصلة الجهود العربية وتكثيفها لمساعدة سوريا على تجاوز أزمتها.

وفى الشأن اليمنى، جدد «إعلان جدة» تأكيد دعم كل ما يضمن أمن الجمهورية اليمنية واستقرارها، وكذلك دعم الجهود الأممية والإقليمية الرامية للتوصل إلى حل سياسى شامل استنادًا إلى المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطنى وقرار مجلس الأمن 2216، كما جدد الإعلان دعم مجلس القيادة الرئاسى. وأخيرًا، أعرب الإعلان عن التضامن مع لبنان، وحث الأطراف اللبنانية كافة على التحاور لانتخاب رئيس للجمهورية يُرضى طموحات اللبنانيين، وانتظام عمل المؤسسات الدستورية وإقرار الإصلاحات المطلوبة.

وثمة ملاحظتان على هذه التوجهات السليمة التى تبنتها قمة جدة، وهى كالتالى:

1- أن نصوص «إعلان جدة» خلت مما يفيد بمتابعة القرارات الماضية، وآخرها قرارات قمة الجزائر 2022، وهو أمر ربما تكرر فى قرارات القمم، فعلى سبيل المثال، أقرت تلك القمة إعلانًا مهمًّا للمصالحة بين الفصائل الفلسطينية وقّعت عليه هذه الفصائل، ولم يُنفذ منه شىء كما جرت العادة فى محاولات سابقة عديدة للمصالحة، وكانت متابعة تنفيذ هذا الإعلان واجبة لأهمية المصالحة فى تحقيق الأهداف التى دعا إليها البيان، بل إن «إعلان جدة» لم يُشِر إلى موضوع المصالحة أصلًا.

2- اكتفاء الإعلان بالتوجهات السليمة دون الآليات المطلوبة لتجسيد هذه التوجهات فى الواقع العملى، كالإشارة مثلًا إلى سُبل دعم المطالب الفلسطينية القانونية تجاه المنظومة الدولية. وتنسحب الملاحظة نفسها على المواقف من كل من سد النهضة الإثيوبى والتدخلات الإيرانية والتركية. كذلك تصح الملاحظة على مستوى النزاعات الداخلية، فلا حديث مثلًا عن سُبل مساعدة الحكومة السورية على حل المعضلات المعقدة التى تواجهها، أو تقديم مقترحات بآليات محددة لدعم الحوار الوطنى فى الدول ذات الصلة مثل لبنان واليمن والسودان، بل غابت الإشارة فى الإعلان إلى ليبيا أصلًا، وحتى لو عدّدنا بنده السادس الذى تضمن الرفض التام لدعم تشكيل الجماعات والميليشيات المسلحة الخارجة عن الدولة إشارة إلى ما يجرى فى ليبيا، فلماذا التلميح دون التصريح، خاصة أن ظاهرة الميليشيات ليست خاصة بليبيا وحدها بطبيعة الحال؟.

القمة والقضايا الدولية:

كان إعلان قمة الجزائر 2022 قد أَوْلَى اهتمامًا خاصًّا بالتطورات الدولية الراهنة، وبلور بشأنها رؤية متكاملة يمكن أن يُبنى عليها دور عربى فاعل فى إعادة تشكيل النظام الدولى، فقد رأى أن التوترات الدولية المتصاعدة تُسلط الضوء على الاختلالات الهيكلية فى آليات الحوكمة العالمية، وعلى الحاجة المُلِحّة لمعالجتها ضمن مقاربة تكفل التكافؤ والمساواة بين جميع الدول، وتضع حدًّا لتهميش الدول النامية، وأكد ضرورة مشاركة الدول العربية فى صياغة معالم المنظومة الدولية الجديدة كمجموعة منسجمة وموحدة، وكطرف فاعل لا تعوزه الإرادة والإمكانات والكفاءات لتقديم إسهامات فعلية إيجابية فى هذا المجال. كما أكد هذا الإعلان الالتزام بمبادئ عدم الانحياز كأساس للموقف العربى من الحرب فى أوكرانيا، والذى يقوم على نبذ استخدام القوة والسعى لتفضيل خيار السلام عبر الانخراط الفعلى لمجموعة الاتصال الوزارية العربية فى الجهود الدولية الرامية إلى بلورة حل سياسى لهذه الأزمة يتوافق مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ويراعى الشواغل الأمنية للأطراف كافة. وفى هذا السياق، ثمّن إعلان قمة الجزائر قرارات «أوبك+»، التى أدت فيها كبريات الدول العربية المُصدرة للنفط دورًا رائدًا باعتبارها قرارات ضامنة لاستقرار الأسواق العالمية للطاقة، وكانت هذه القرارات باعثة للأمل فى إمكان بلورة دور عربى موحد تجاه تلك التطورات وعملية إعادة تشكيل النظام الدولى ليعزز مكانة الدول العربية فى هذا النظام.

غير أنه لُوحظ خلو البيان الختامى لقمة جدة وكذلك القرارات التفصيلية للقمة من أى إشارة لهذه التطورات الدولية والموقف العربى منها، وهو ما يحتاج تفسيرًا، خاصة بالنظر إلى دعوة الرئيس الأوكرانى، فولوديمير زيلينسكى، إلى حضور القمة وإلقاء كلمة أمامها.

قضايا جديدة:

تتميز القمم العربية عادة بطرح كل قمة لقضايا جديدة، وتضمن «إعلان جدة» عددًا من هذه القضايا، أتخير منها المبادرات الثلاث التى وردت فى البند 11 من الإعلان، وأولاها مبادرة تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، والتى تستهدف تحديدًا أبناء الجيلين الثانى والثالث من المهاجرين العرب، وأحسب أن هذه المبادرة شديدة الأهمية لاتصالها بتعزيز الحضور العربى فى بلدان المهجر وربطه بالثقافة والوجدان العربيين، ما من شأنه أن يعود بفائدة جمة على المصالح العربية إذا تحقق النجاح فى تكوين لوبى عربى فى بلدان المهجر يدافع عن القضايا العربية العادلة. أما المبادرة الثانية فهى مبادرة استدامة سلاسل إمداد السلع الغذائية الأساسية للدول العربية، بما يسهم فى تحقيق الأمن الغذائى للدول العربية. وأخيرًا مبادرة البحث والتميز فى صناعة تحلية المياه بغرض تحفيز البحث العلمى والتطبيقى والابتكار فى إنتاج المياه المحلاة، والإسهام فى تحسين اقتصاديات هذه الصناعة لخفض التكلفة، وتوفير المقومات اللازمة لجعلها صناعة استراتيجية للدول العربية. كما تضمن البند 12 من «إعلان جدة» مبادرة رابعة لإنشاء «حاوية فكرية للبحوث والدراسات فى الاستدامة والتنمية الاقتصادية»، وذلك لتعزيز التوجهات والأفكار الجديدة فى مجال التنمية المستدامة.

ولا تخفى بطبيعة الحال الأهمية الفائقة للمبادرات السابقة لمواجهة التحديات الاقتصادية الراهنة للدول العربية، وبالذات فى مجال شح المياه والأمن الغذائى. ويُرجى أن تسير هذه المبادرات جنبًا إلى جنب مع جهود تحقيق الأمن الغذائى العربى، وأن تكون مرتبطة بآليات تنفيذية، وأن يتم التنسيق فى هذا الصدد مع القمة التنموية الخامسة، التى من المقرر أن تُعقد فى موريتانيا لاحقًا هذا العام. والأهم من هذا كله أن تحظى تلك المبادرات بمتابعة جادة، بحيث لا تكون مجرد بنودٍ فى إعلان، وإنما يتم تجسيدها على أرض الواقع، والحقيقة أن هذه النقطة بالغة الأهمية بسبب ما يُلاحظ أحيانًا من محدودية الفاعلية فى متابعة قرارات القمم العربية.

* أستاذ العلوم السياسية فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية- جامعة القاهرة

ينشر بالتعاون مع مركز المستقبل للابحاث والدراسات المتقدمة

*لينك المقال في المصري اليوم*