أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

ضبط التنافس:

قمة G20 .. رهانات التعافي تصطدم بالصراعات الدولية

25 نوفمبر، 2022


تركت القضايا المحورية المدرجة على جدول أعمال قمة مجموعة العشرين التي عُقدت في جزيرة بالي الإندونيسية يومي 15 و16 نوفمبر أثرها على التنافس الأمريكي الصيني من ناحية، وعلى الصراع بين الغرب وروسيا جراء الحرب في أوكرانيا من ناحية ثانية، وهو ما انعكس على البيان الختامي من ناحية ثالثة. وهو ما جعلها "قمة التحديات الصعبة" لأنها ناقشت عودة النمو بعد جائحة كورونا والعدالة في الحصول على اللقاحات، وتأثر إمدادات الغذاء والطاقة بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، فقد كانت هناك تأكيدات أن الفشل في الاتفاق في هذه القمة سيكون له عواقب كارثية على الدول منخفضة الدخل. لذا جاءت قضايا انتقال الطاقة والصحة العالمية والاقتصاد الرقمي على رأس قضايا القمة هذا العام، حيث بحث طرق النمو بعد الأزمة ودعم الفئات الضعيفة ودعم التعاون مع شركات الدول النامية. 

خطوط حمراء

على هامش القمة، انعقد لقاء قمة بين الرئيسين الصيني "شي جين بينج" والأمريكي "جو بايدن"، وُصف هذا اللقاء بأنه يضع "الخطوط الحمراء" في التنافس بين البلدين كي لا يتجاوزها أي من الطرفين بما يحفظ مصلحة كل منهما، ويمكن في هذا السياق الإشارة لمجموعة نقاط:

• رسم مسار للعلاقات: إذ أشار الرئيس "شي" خلال الاجتماع إلى حاجة الجانبين "لرسم المسار الصحيح للعلاقات الثنائية التي لا يتوافق في شكله الحالي مع مصالح الدولتين أو يلبي توقعات المجتمع الدولي"، وأكد على ضرورة "ألا تكون العلاقات بين البلدين صفرية تؤدي لازدهار طرف على حسب الآخر". لكنه أكد فيما يخص تايوان على أنها تمثل عنصر أساسي في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، فهي "خط أحمر" يجب عدم تجاوزه لأن "أي سعي لفصل الجزيرة عن الصين يمثل انتهاك للمصالح الأساسية للأمة الصينية".

• تنافس وليس صراع: من جانبه، أوضح "بايدن" أنه لا يبحث عن الصراع مع الصين أو الدخول في حرب باردة جديدة، وإنما التنافس بما لا يتجاوز الخطوط الحمراء للمصالح الحاسمة سواء للولايات المتحدة أو الصين. وفي معرض حديثه عن تايوان؛ ذكر البيت الأبيض في بيانه عن اللقاء عدم التراجع الأمريكي عن سياسة "الصين واحدة" لكن مع التصريح بأن الوضع غير مستقر في تايوان وأشار إلى "إجراءات قسرية وعدوانية متزايدة تمارسها الصين تجاه الجزيرة تقوض الاستقرار عبر المضيق". وقالت وزيرة الخزانة الأمريكية إن غرض اللقاء هو "تحقيق الاستقرار في العلاقة بين البلدين وتوفير بعض اليقين للشركات الأمريكية في مسارها المستقبلي"، خاصةً أن هناك اعتماد أمريكي كبير على الصين في المعادن التي تدخل في بطاريات السيارات الكهربائية والألواح الشمسية وأشباه الموصلات. وبالفعل اتفق الجانبان على "رغبتهما في عدم خروج العلاقات بينهما عن السيطرة" حتى إن لم تكن الخطوات لتحقيق ذلك واضحة، ولم تتعدى سوى التعهد بدعم إنشاء مجموعات عمل مشتركة تتم متابعتها منذ بداية العام 2023.

• موقف مشترك من الحرب النووية: على الجانب الآخر، اتفق الجانبان على أن الحرب النووية "لا ينبغي خوضها ولا يمكن الانتصار فيها". وبالنسبة لمسألة الحوار أو محادثات السلام؛ رأت الصين أن المفاوضات لا يجب أن تكون بين موسكو وكييف فقط، بل يجب على الولايات المتحدة والناتو والاتحاد الأوروبي فتح حوار مع روسيا، في إشارة ضمنية إلى أن هؤلاء طرف مباشر في الأزمة. 

• تأكيد الصين لحضورها الإقليمي والدولي: تبلور خلال قمة العشرين الحضور الصيني القوي الذي انعكس في مشاركة بكين في الاجتماع التاسع والعشرين لمنتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ APEC في تايلاند، مما يعد خطوة صينية لطرح أفكارها بشأن إزالة الحواجز وتنسيق التعاون بين الاقتصادات، ويعكس تزايد دور الصين في الشؤون الدولية والإقليمية من حيث الحفاظ على ساحة متعددة الأطراف، ومحاولة تخفيف حالة عدم اليقين التي تواجه المجتمع الدولي في ظل تراجع الاقتصادات والصراع الروسي الأوكراني. 

• رفض دولي لسياسات الاستقطاب: تنعكس التوترات المتتالية بين الولايات المتحدة والصين على اقتصادات الدول الواقعة في العلاقة بينهما خاصةً داخل المحيط الآسيوي، وتزيد المخاوف الدولية من دخول العالم مرحلة ركود قوية، تضاف إلى الأزمات التي يواجهها العالم بالفعل بسبب التهديدات النووية من كوريا الشمالية أو التهديد الروسي باستخدام النووي في أوكرانيا، فضلا عن الأزمات الاقتصادية وأزمات سلاسل الإمداد جراء الحرب الأوكرانية ومن قبلها الجائحة، وهي المخاطر التي تهدد السلام والاستقرار الدوليين. 

وكانت هناك توقعات باستخدام الولايات المتحدة ساحات مثل قمة العشرين ومنتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ للترويج للإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ IPEF، وتحالفاتها الأخرى في المنطقة. لكن في المقابل من ذلك، اتفقت معظم الاقتصادات الآسيوية على أنها لا تريد فصلًا بين التحالفات، أو أن تضطر للتحيز بين الصين والولايات المتحدة، وكان هناك إصرار على التركيز على هدف القمة وقضاياها الاقتصادية والتنموية بدلًا من السياسية.

ورغم أن الاجتماع ساعد في إزالة بعض سوء التفاهم بين البلدين بشأن تايوان، واستئناف التعاون في مجال المناخ الذي انسحبت منه بكين بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي "نانسي بيلوسي" إلى تايوان في أغسطس عام 2022، لكن لا تزال كل دولة تحمل وجهات نظر مختلفة، حيث يستعد الكونجرس للموافقة على زيادات في المساعدات العسكرية المقدمة لتايوان، بالإضافة إلى الاختلاف بشأن منطقة المحيطين الهندي والهادئ التي ستكون أحد أهم محددات العلاقة بين البلدين في المستقبل.

انعكاسات الحرب

لم يكن التنافس الأمريكي الصيني وحده هو الحاضر في القمة؛ فقد كان للحرب الروسية الأوكرانية انعكاس على مجريات أحداث القمة، ويمكن ذكر هذا في النقاط التالية:

• عدم حضور روسيا: تنوعت تفسيرات غياب الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" عن القمة حيث أرجع البعض بكونه ضمن توابع العزلة الدولية المفروضة على روسيا، وأنه تجنبا للمواجهات مع الغرب، مما يعني أن عدم حضوره يؤكد موقفه فيما يخص الحرب على روسيا وعدم قابليته للتفاوض، فقد سبق أن رأى "لافروف" أن الغرب يستغل القمة لأغراض تختلف عن كونها تناقش المشكلات العالمية الكبرى، وسبق أن أشار "بوتين" إلى أن القمة من المفترض أن تكون حول الاقتصاد والتنمية وليس منتدى سياسيًا يساهم في تصعيد التوترات الدولية.

• تأكيد موقف عدم الإنحياز الإندونيسي: تعرضت إندونيسيا لضغوط غربية لسحب دعوتها لـبوتين" للمشاركة في القمة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية. لكن إندونيسيا كان لها موقف من روسيا واضحًا باحترام القرار الروسي، لكنها في نفس الوقت دعت –بصفتها مضيف للقمة- إلى وضع حد للنزاع بعد التحذير من عواقبه على العالم كله. فقد اتبعت إندونيسيا خلال فترة الرئيس الحالي تقليد عدم الانحياز في الصراعات، وحاولت العمل على دور الوساطة، وقد ظهر هذا كونه كان أو زعيم آسيوي يذهب إلى كييف وموسكو لمحاولة مد جسر للسلام بين البلدين.

• مشادات كلامية وتبادل للاتهامات: شهد اجتماع وزراء الخارجية انتقادات وجهتها وزيرة الخارجية الألمانية "أنالينا بيربوك" إلى نظيرها الروسي "سيرجي لافروف" بمعارضة الحوار مع شركاء دوليين، ما دفعه لمغادرة الاجتماع قبل مشاركة نظيره الأوكراني افتراضيًا. كما شهدت تلك الاجتماعات رفض وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن" لقاء منفرد مع نظيره الروسي على اعتبار أن القمة تستهدف وقف "العدوان" الروسي، لكن يبدو من التصريحات الوزارية أن روسيا لا تهتم بالتعاون الدولي أو الحوار. 

• حضور أزمة الطاقة والغذاء: انعكست تداعيات الحرب على قضايا القمة، من حيث ارتفاع معدلات التضخم وضعف النمو وقضية أزمة الغذاء والطاقة، إذ يواجه حوالي 828 مليون شخص خطر الجوع مما جعل الأمم المتحدة تناشد بتقديم 17.1 مليار دولار كمساعدات إنسانية للأمن الغذائي لعام 2022، لكن لم يتم منح سوى 7 مليار دولار وفقًا لتقرير صادر عن منظمة "أوكسفام" الخيرية الدولية. 

نتائج ختامية

على الرغم من عدم التوافق بين الأعضاء في الاجتماع الوزاري على كيفية التعامل مع روسيا، عرج الإعلان الختامي للقمة على قضايا مشتركة بين الجميع تأتي كرد فعل للأزمات الدولية المتلاحقة، كالآتي:

• التمسك بالقواعد الدولية: فقد أكد على ضرورة التمسك بالقانون الدولي والنظام التعددي الذي يحافظ على السلام والاستقرار، وفي إطار هذا الهدف شدد الإعلان على عدم القبول بالتهديد باستخدام الأسلحة النووية، والتأكيد على أن "الحرب في أوكرانيا تقوض الاقتصاد العالمي وتحد نموه وتزيد التضخم، وتعطل سلاسل التوريد وتزيد انعدام الأمن الغذائي والطاقة"، ومن ثم اتفق الأعضاء على أهمية صفقة الحبوب وتنفيذها في الوقت المناسب.

• تحفيز مالي: توصل الإعلان لضرورة قيام البنوك المركزية للأعضاء بالعمل على ضبط التضييق النقدي، وأن التحفيز المالي يجب أن يكون موجهًا لمساعدة الضعفاء مع عدم رفع الأسعار، خاصةً مع تزايد قلق الاقتصادات الناشئة من قرارات رفع أسعار الفائدة الأمريكية، بما يفرض على المجموعة ضرورة العمل على تجنب التقلبات المفرطة في أسعار الصرف، بجانب عدم الإضرار بالدول متوسطة الدخل عبر تقاسم العبء بين جميع الدائنين. 

• متابعة جهود مكافحة التغير المناخي: كانت قضايا التغير المناخي ضمن الإعلان حين اتفق القادة على متابعة الجهود للحد من زيادة درجة حرارة الأرض إلى 1.5 درجة مئوية، والإسراع من جهود التخلص التدريجي من طاقة الفحم، وأعلنت مجموعة دول منها الولايات المتحدة واليابان جمع 20 مليار دولار من التمويل العام والخاص لمساعدة إندونيسيا على إغلاق محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم وتقديم موعد ذروة انبعاثات القطاع بسبع سنوات حتى عام 2030.

استنادًا لذلك؛ لا تزال هناك رهانات على دور مجموعة العشرين كمنصة لتنسيق التعافي الاقتصادي خاصةً بعد مرحلة الجائحة، ويعد انعقاد هذه الدورة في إندونيسيا خطوة لوضع مصالح الدول النامية على مسار الانتعاش العادل والمستدام، بجانب إيجاد إطار يركز على التأثير الاقتصادي للصراع وتسوية وضع ما بعد الحرب. وسيكون العامل الأمريكي محوري في التوصل لمواءمات تسهل تنسيق السياسات لمعالجة القضايا العالمية، خاصة مع إشارة كثير من التحليلات إلى ممارسات السياسيين الأمريكيين لحيل جيوسياسية في الاجتماعات الحاسمة تعطل بشكل أساسي تحقيق نتائج ذات مغزى في ظل مواجهتها مع كل من روسيا والصين، وهو ما اتضح على سبيل المثال في الانسحاب الأمريكي من الاجتماعات التحضيرية مما أدى لعدم التوصل لبيان مشترك بسبب إثارة الصراع الروسي الأوكراني.