أخبار المركز
  • إصدارات جديدة لمركز "المستقبل" في معرض الشارقة الدولي للكتاب خلال الفترة من 6-17 نوفمبر 2024
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

التسامح كقيمة إنسانية راقية

31 أكتوبر، 2019


يتناول منتدى الاتحاد السنوي، الذي يعقد بالعاصمة أبوظبي، والذي يعتبر تظاهرة ثقافية وعلمية، مختلف القضايا المعاصرة التي تعنى بشؤون الحياة والمجتمع، بما فيها قضايا التنمية أو تلك التي على علاقة معها، حيث تناول المنتدى الرابع عشر لهذا العام، والذي عقد يوم 20 من شهر أكتوبر الجاري، قضية التسامح المتشعبة، التي تمس حياة الناس في مختلف مناحيها، بما فيها المعيشية والاقتصادية.

التسامح، كقيمة إنسانية راقية وعظيمة، بدأت تأخذ أبعاداً مؤثرة لارتباطها بآفاق تطور المجتمعات، باعتبارها أحد الأسس الضرورية للأمن والاستقرار اللذين يشكلان أحد المستلزمات اللازمة للتنمية المستدامة، مما يعني أن للتسامح قيمة شاملة لا تقتصر على جانب دون غيره، فالتسامح الديني على سبيل المثال على علاقة مباشرة بقبول الآخر، والتعامل معه بصورة إنسانية، كما أنه يعني المداراة في الجوانب العرقية والتفاوتات الاجتماعية، والتي ترتبط بالمساواة في الحقوق والواجبات ضمن مجتمع عادل يوفر فرصاً متساوية لكافة أفراده، مما يعني أن قضية التسامح لا يمكن تجزئتها، كما أؤكد على ذلك، وإذا أخذنا ببعض تفاصيل الجانب الاقتصادي للتسامح، فإننا سنرى أن المجتمعات التي تعاني من الفقر والتخلف الاقتصادي، هي تلك المجتمعات التي تهيمن عليها فئات عرقية أو طائفية عمدت إلى مصادرة حقوق الآخرين، مما أدى إلى انتشار الفساد والتوترات الاجتماعية، وبالتالي ضياع فرص استمارية وتقلص الاستثمارات، وعدم الاستفادة من إمكانيات كفاءات مهنية وعلمية، وفقدان قدراتها ومساهماتها، التي يمكن أن تلعب دوراً محورياً في التنمية والتقدم.

لذلك، فان التجربة التاريخية تبين أن أكثر المجتمعات تطوراً، هي تلك المجتمعات المتسامحة والعكس صحيح، فالبلدان التي حققت قفزات تنموية، وقادت تجارب تنموية ناجحة أبهرت العالم، فإن أحد أسباب نجاحها كان وما يزال يكمن في هذه الكلمة السحرية المسماة «التسامح»، إذ إنها وفرت وقبل كل شيء فرصاً متساوية لكل من يعيش على أراضيها، بغض النظر عن عرقه أو طائقته أو لونه أو مكانته الاجتماعية، مما فتح المجال للإبداع والاختراع، وأيضاً تعميق الانتماء للدولة والمجتمع.

وفي الوقت نفسه، ضمنت هذه المجتمعات الحد الأدنى من المستويات المعيشية الكريمة لكافة أفراد المجتمع، من خلال أنظمة وتشريعات تضمنت إعطاء كل ذي حق حقه، وهي أحد الأسس المهمة للتسامح، وأيضاً، للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وللأمن والاستقرار، واللذين لا يمكن الحديث عن تنمية اقتصادية من دونهما.

وبالنتيجة، ما تشهده المنطقة العربية الآن من عدم استقرار واضطرابات، فهو نتيجة مباشرة لعدم التسامح وهضم حقوق الآخرين والتفاوت الكبير في الدخل بين فئات المجتمع، والتفرقة الشوفينية والطائفية والعرقية، والتي بسببها فقدت تلك المجتمعات قوة دفعها الذاتية، وفوتت على نفسها فرصاً تنموية لسنوات طويلة، وأهدرت بسببها طاقات مادية وبشرية هائلة.

في المقابل، فإن التعامل بصورة صحيحة مع قضية التسامح سيفتح مجالات واسعة للأمن والاستقرار الاجتماعي والتنمية، بحيث يشارك كافة أفراد المجتمع في عملية البناء والتطور، ضمن تشريعات وأنظمة عادلة تضمن حقوق كافة أفراد المجتمع.

وفي هذا الصدد تبرز، كأساس وثيقة الأخوّة الإنسانية التي وقعها بأبوظبي بداية العام الجاري، شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب، والبابا فرنسيس بابا الكنسية الكاثوليكية، والتي تؤكد على التسامح والأخوّة بين البشر من كافة الأديان والمذاهب، والتي يمكن البناء عليها لتثبيت أسس التسامح في المجالات الأخرى، وهي عديدة ومتنوعة، كقبول الآخر، وتوفير أسس المساواة لأفراد المجتمع، ومنحهم حقوقهم، وإتاحة فرص متساوية لهم للمشاركة في البناء والتنمية، مما سيوفر بدوره الأسس الضرورية لبناء مجتمعات عصرية متقدمة بعيدة عن الصراعات والتفرقة، تلك التوجهات التي تلحق الأذى بالتنمية، وتؤدي إلى هجرة الكفاءات، مما يتطلب وضع أسس قوية للتسامح، بحيث تتصدر أجندات الدول، ويتم تقنينها ضمن لوائح وتشريعات حديثة، يكون للقضاء العادل الحكم الفصل فيها.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد