أخبار المركز
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (المعضلة الروسية: المسارات المُحتملة لأزمات الانتخابات في جورجيا ورومانيا)
  • إسلام المنسي يكتب: (جدل الوساطة: هل تخلت سويسرا عن حيادها في قضايا الشرق الأوسط؟)
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)

اليمين الرابح:

تحديات تشكيل حكومة إسرائيل بعد الانتخابات

21 أبريل، 2019


أكدت نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة استمرار هيمنة أحزاب اليمين على التفاعلات السياسية الداخلية، إذ تمكنت هذه الأحزاب من حصد ما يُقدر بحوالي 65 مقعدًا مقابل 55 لأحزاب يمين الوسط والوسط واليسار والعرب، كما رفع حزب الليكود عدد مقاعده من 30 مقعدًا في انتخابات 2015 إلى 36 مقعدًا في الكنيست الجديد، وأتى حزب "كاحول لافان" خلفه بـ 35 مقعدًا.

ويتولى "بنيامين نتنياهو" مهمة تشكيل الحكومة الجديدة. وفي حال نجاحه في تكوين ائتلاف من أحزاب اليمين، فإن الوضع سيَبقى على ما هو عليه منذ 10 سنوات، حيث سيحكم بائتلاف ضيق مهدَّد نظريًّا بالسقوط في حال انسحاب بعض أحزابه، بيد أن السوابق تؤكد أن حكومات "نتنياهو" تمكنت من الصمود مرات متعددة، ولديها قدرة على العودة مجددًا في حال تفكك الائتلاف.

نتائج الانتخابات:

خاض 47 حزبًا الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، إلا أنه لم تتمكن سوى 11 قائمة من تجاوز نسبة الحسم التي تُقدر بحوالي 3.25٪، وهو ما يُمكن إيضاحه من خلال الجدول التالي:

 

ويمكن مقارنة هذه النتائج مع نظيرتها في الانتخابات السابقة عام 2015 التي كانت قد أسفرت عن النتائج التالية: الليكود (30 مقعدًا)، وكولانو (10 مقاعد)، والبيت اليهودي (8 مقاعد)، وشاس (7 مقاعد)، ويهدوت هتواره (6 مقاعد)، ويسرائيل بيتينو (6 مقاعد)، أي إن أحزاب اليمين حصلت على ما يقدر بحوالي 67 مقعدًا في الانتخابات الأخيرة.

في المقابل، حصل حزب يمين الوسط "يش عتيد" على 11 مقعدًا، وأحزاب الوسط المتمثلة في العمل وهتنوعاه على 24 مقعدًا، وأحزاب اليسار "ميرتس" على 5 مقاعد، وأخيرًا حصلت الأحزاب العربية وهي: القائمة المشتركة 11، وتعال 2 على ما يقدر بحوالي 13 مقعدًا.

وقد تراجعت أغلب التكتلات التي فازت في انتخابات عام 2015، حيث خسرت أحزاب اليمين مقعدين، وأحزاب الوسط 18 مقعدًا، وأحزاب اليسار مقعدًا واحدًا، والأحزاب العربية 3 مقاعد، فيما تمكنت أحزاب يمين الوسط من زيادة مقاعدها بـ24 مقعدًا دفعة واحدة، مما يعني أن اليمين خسر خسارة هامشية، في مقابل تدهور شديد لكتلة أحزاب الوسط، وخسائر متوسطة لليسار والأحزاب العربية، وصعود قوي لكتلة أحزاب يمين الوسط.

وقد يعني ذلك نظريًّا أن الخريطة السياسية الإسرائيلية تتجه نسبيًّا نحو يمين الوسط، ولكنّ واقع الأمر أن صعود هذا الاتجاه سيظل محل اختبار، إذ طالما شهدت الانتخابات الإسرائيلية منذ التسعينيات ظهور أحزاب منتمية لمثل هذا التوجه تتمكن من الحصول على نسبة كبيرة من المقاعد في أول انتخابات تخوضها، ولكنها تعود للتفكك والتدهور السريع وصولًا للاختفاء التام من الخريطة السياسية في النهاية، مثل حركة "داش" عام 1977، وحزب المركز عام 1999، وحزب "شينوي" عام 2003، وحزب كاديما عام 2005.

وقد تبنّت غالبية هذه الأحزاب أجندة سياسية تدعم مبادئ اقتصاد السوق، وتشجع المزيد من السياسات التي تستهدف علمنة الدولة والمجتمع، وتعلن عدم رفضها مبدأ حل الدولتين، مع وضع شروط قاسية لقبول التسوية السياسية النهائية مع الفلسطينيين، وانتهى الأمر بتفكك هذه الأحزاب بعد دورتين انتخابيتين على الأكثر، وهو ما يمكن أن يحدث للتحالف الفائز في الانتخابات الأخيرة بثاني أكبر عدد من المقاعد وهو "كاحول لافن".

تحديات تشكيل الحكومة:

أعلنت الأغلبية المطلقة من النواب الإسرائيليين عن رغبتهم في أن يتولى "بنيامين نتنياهو" الحكومة القادمة، ومن شبه المؤكد أن "نتنياهو" سيتمكن من تشكيل حكومة جديدة من كتلة أحزاب اليمين بدون مشاكل كبرى، إلا فيما يتعلق بتوزيع الحقائب، خاصة للوزارات السيادية (الدفاع، الخارجية، المالية، الداخلية)، إذ ستسعى أحزاب مثل "إسرائيل بيتينو" للحصول على إحدى الحقيبتين (الدفاع أو الخارجية)، فيما ستذهب حقيبة المالية إلى زعيم حزب كولانو "موشيه كحلون" (وزير المالية في الحكومة السابقة)، خاصة إذا تكللت محاولات دمج الحزب مع الليكود بالنجاح.

في المقابل، سيتمسك حزب شاس بوزارة الأمن الداخلي التي تتيح له السيطرة على ملف تحديد "من هو اليهودي" اللصيق بقضية الهجرة والاستيعاب الداخلي، وقد لا يجد تحالف أحزاب اليمين مشكلة كبرى في انتزاع حقيبتي التعليم والعدل، بينما لا ينافس حزب يهدوت هتوراه على الحقائب الوزارية، ويقبل بوزارات تمكّنه من تقديم خدمات لأتباعه من الحريديم الذين لا يقبلون على المشاركة في الحكومات بمناصب وزارية لأسباب أيديولوجية.

ويمكن القول إن لدى "نتنياهو" قدرة على تجاوز هذه المشكلات، حيث تمكن من تشكيل العديد من الائتلافات، كما أنه بعد استقالة "أفيجدور ليبرمان" من منصبه كوزير للدفاع تمكن الائتلاف من الاستمرار مدعومًا بـ61 نائبًا من الكنيست حتى قام "نتنياهو" بحله.

وسيحرص "نتنياهو" على الاحتفاظ بعدة وزارات لصالح حزبه تحسبًا للمناورات التي يمكن أن يقوم بها أحد الأحزاب بعد تشكيل الائتلاف، واحتمالية الضغط عليه بهدف الحصول على بعض المكاسب الفئوية مقابل عدم الانسحاب من الائتلاف وتقويضه، وهو النهج المعتاد من بعض الأحزاب مثل "شاس" الذي سيتمكن بمقاعده الثمانية من أن يمنع تفكك الائتلاف في حالة انسحاب أحزاب أصغر مثل "كولانو" إذا لم يندمج مع الليكود، ولكن في مقابل ذلك سيضغط "شاس" لمنع الأحزاب العلمانية من تمرير قانون "تجنيد أبناء الحريدية" الذي تم تأجيل تطبيقه عدة مرات، وهو ما سيزيد من الضغوط على "نتنياهو". 

وتملك بعض الأحزاب مثل "إسرائيل بيتينو" واتحاد اليمين ما يقدر بحوالي 5 مقاعد في الكنيست الجديد، مما يعطيهما القدرة على منع تشكيل الائتلاف الجديد، ومن غير المتوقع أن يحاول "ليبرمان" زعيم "إسرائيل بيتينو" الدخول في خلافات مجددًا مع "نتنياهو"، ولا سيما بعد انسحابه الأخير من الحكومة الائتلافية لنتنياهو والتي لم تؤثر على نتائج الانتخابات، بل وفقد مقعدًا من مقاعده في الكنيست السابق، وهو ما يراه بعض الناخبين تصويتًا عقابيًّا من الناخبين على انسحابه من الائتلاف.

وقد يقبل "ليبرمان" بمنصب وزير الخارجية في حال إصرار "نتنياهو" على الاحتفاظ بحقيبة الدفاع لنفسه. أما اتحاد اليمين ففي الأغلب لن يسعى لتحدي "نتنياهو" لحرصه على تأمين الحقائب الوزارية التي سيطلبها، ولإدراكه أن تحدي "نفتالي بينت" زعيم حزب البيت اليهودي سابقًا لنتنياهو، لم يسفر عنه سوى خسارة "بينت" لكل شيء، بدءًا من زعامة حزب البيت اليهودي الذي تمرد عليه، ونهاية بخسارة حزبه الذي أسسه قبل الانتخابات (اليمين الجديد) وعدم تمكنه من اجتياز نسبة الحسم.

 خيارات المعارضة:

لم يحدد "كاحول لافان" موقفه من اختيار قائد المعارضة في الكنيست، ولم يُبدِ تجاوبًا كذلك مع محاولات الرئيس "رؤوفين ريفلين" لإقناعه بالانضمام لحكومة موسعة بقيادة "نتنياهو"، فقد حاول الرئيس في البداية أن يتم تشكيل الائتلاف الحاكم بعد اتفاق الحزبين الكبيرين في ظل رغبته في توحيد الصف في ظل التحديات التي يُتوقع أن تُواجه إسرائيل في المستقبل القريب، مثل تطبيق "صفقة القرن" التي لم يتم الإعلان عنها بعد، والمخاطر الأمنية المتمثلة في تمدد إيران في مناطق قريبة من إسرائيل، وسعيها لتطوير منظومة صواريخها طويلة المدى.

وتجدر الإشارة إلى أن العديد من المحللين يرون أن تحالف "كاحول لافان" لا يمكن الثقة بتماسكه على المدى الطويل، ولا سيما مع اختلاف مواقف قادته. فعلى سبيل المثال، لم يُظهر "بيني جانتس" رفضًا قاطعًا لفكرة الانضمام إلى الائتلاف الذي يقوده "نتنياهو"، فيما رفض "يائير لبيد" الفكرة من أساسها معلنًا تفضيله البقاء في المعارضة، ومن ثم قد يحاول "نتنياهو" استقطاب "جانتس"، وعرض بعض الحقائب الوزارية عليه، وهو ما سيؤدي إلى تفتت تحالف "كاحول لافان".

وفي حالة اختيار "بيني جانتس" الذي يرأس "كاحول لافان" البقاء في المعارضة فستواجهه نفس المشكلة التي تعرض لها المعسكر الصهيوني (العمل - تنوعاه) عقب انتخابات 2015، حيث أصبحت فاعلية المعارضة ضعيفة داخل الكنيست بسبب تشرذم ما يمكن تسميته بكتلة المعارضة بين أحزاب يسارية هامشية مثل "ميرتس" التي لا تتواءم أيديولوجيتها كحركة مع مواقف أحزاب الوسط ويمين الوسط، بالإضافة إلى وجود بعض أحزاب المعارضة المعزولة بحكم الطبيعة الطائفية للمجتمع الإسرائيلي، مثل الأحزاب العربية التي لا يقبل أي من الأحزاب الصهيونية التحالف معها داخل الكنيست وخارجه.

ختامًا، لم تسفر الانتخابات الأخيرة في إسرائيل عن جديد، فاليمين سيحكم لأربع سنوات مقبلة وربما أكثر حتى لو لم يستمر الائتلاف القادم لمدة طويلة، والرهان الوحيد أمام المعارضة الممثلة في كتلة "كاحول لافان" الحفاظ على تماسكها لأطول فترة ممكنة، وفي حال نجاح القضاء الإسرائيلي في إدانة "نتنياهو" بتهم الفساد واستغلال النفوذ التي تطارده منذ عامين فسيؤدي هذا إلى انتهاء تماسك كتلة اليمين، بعد أن تم تشكيل معادلة على مدار السنوات السابقة مفادها: لا يمين قوي بدون "نتنياهو"، ولا معارضة قوية قادرة على الحلول مكان اليمين دون اختفاء "نتنياهو" حتى ولو كان ذلك بحكم قضائي وليس بمنافسة سياسية.