أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

حروب الفضاء:

لماذا أثارت منظومة "ستارلينك" للإنترنت الفضائي قلقاً صينياً؟

16 مارس، 2023


نشرت وكالة "رويترز" تقريراً أشارت فيه إلى مراجعتها لـ100 مقالة منشورة في حوالي 20 مطبوعة صينية متخصصة في مجال الدفاع، تعكس عمل مئات الباحثين التابعين لجامعات مرتبطة بجيش التحرير الشعبي ومصانع الأسلحة المملوكة للدولة ومراكز أبحاث الاستخبارات العسكرية. 

وأفاد الخبراء فيها بأن الأقمار الاصطناعية "ستارلينك" التي تستخدمها القوات الأوكرانية للتواصل في ساحة المعركة، تقوم بعملها بشكل جيد، ومن ثم يجب تطوير وسائل لتدمير هذا النظام، وذلك في أول مؤشر على أن الصين تتعلم من الحرب الروسية الأوكرانية استعداداً للصراع القادم مع واشنطن حول تايوان. 

منظومة "ستارلينك" المدنية 

يلاحظ أن مشروع "ستارلينك" كان مشروعاً مدنياً لتوفير خدمة الاتصال بالإنترنت، غير أنه مع بدء العمليات العسكرية في أوكرانيا، تم توظيفه ليكون أداة اتصال عسكرية، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي: 

1- شركة للإنترنت الفضائي: أعلنت شركة "سبيس إكس" التابعة لرجل الأعمال الأمريكي، إيلون ماسك، عام 2015 إنشاء مشروع "ستارلينك"، بهدف توفير خدمات إنترنت عالية السرعة من الفضاء، تصل إلى المناطق النائية على الأرض، وكذلك غير المتوفر بها تغطية جيدة لشبكات المحمول اللاسلكية، بجانب العمل على توفير الاتصال بالإنترنت في أوقات الأزمات والكوارث الطبيعية، بالاعتماد على الأقمار الاصطناعية المحلقة في المدار المنخفض حول الأرض، وذلك من دون حاجة إلى "كابلات" الألياف الضوئية أو شبكات الهاتف المحمول. وبعد سلسلة من المحاولات، تمكنت "ستارلينك" من إطلاق أول أقمارها التجريبية إلى الفضاء في 2018، ليتم بعد ذلك إطلاق أول 60 قمراً عام 2019. 

وحتى الآن، نجحت "سبيس إكس" في إرسال 3 آلاف قمر اصطناعي من نظام "ستارلينك"، في إطار خطط لنشر 42 ألف قمر اصطناعي لإيصال الإنترنت بسرعات عالية لكل بقعة على كوكب الأرض، وبتكلفة معقولة. ووصل عدد منصات الاستقبال المبيعة إلى 500 ألف شخص على مستوى العالم.

2- التوظيف العسكري في أوكرانيا: عمدت روسيا منذ الأيام الأولى لحربها على أوكرانيا، في 24 فبراير 2022، إلى استهداف مراكز القيادة والاتصالات وأبراجها، من أجل عزل الوحدات العسكرية الأوكرانية عن القيادة المركزية. وقامت واشنطن بتدارك ذلك من خلال إمداد الجيش الأوكراني بأدوات الاتصال بمنظومة "ستارلينك"، ووفقاً لتصريحات أوكرانية في مايو 2022، يستخدم حوالي 150 ألف أوكراني يومياً خدمات "ستارلينك"، كما أشارت كييف إلى أن الشركة ساعدت أوكرانيا على استعادة الاتصالات في عدة مناطق، وأن المحطات المنتشرة في البلاد تستخدم من قبل الجيش وعمال سكك الحديد والسكان.

وساعد نظام "ستارلينك" الجيش الأوكراني في توفير وسيلة اتصال آمنة، كما وفر الإنترنت السريع للطائرات المسيرة، التي صورت وتعقبت الجيش الروسي، وساعدت في تدمير دبابات الروس، واستهدفت مراكز قيادة متنقلة ومركبات عسكرية أخرى، ناهيك عن استخدامه في تحديد الأهداف لقطع المدفعية والطائرات المسيرة، من خلال التواصل مع القادة عبر الهواتف الذكية وإرسال صور الأهداف.

أبعاد التخوفات الصينية 

حذرت العديد من التحليلات الصينية من خطورة التوظيف العسكري لمنظومة "ستارلينك"، والتي يمكن استعراضها على النحو التالي:

1- تهديدات الاستخدامات العسكرية: عبّر الباحثون العسكريون الصينيون عن قلقهم من الاستخدامات العسكرية لمنظومة "ستارلينك"، خاصة بعدما وقعت "سبيس إكس" عقداً مع وزارة الدفاع الأمريكية عام 2020 لاستخدام "ستارلينك" للأغراض العسكرية. وأسهمت المنظومة، حتى الآن، في تعزيز سرعات نقل البيانات من الطائرات الأمريكية المسيرة، لاسيما وأن الطائرات الشبحية والمسيرة الأمريكية أصبحت تمتلك قدرة أعلى بـ100 مرة على نقل البيانات بفضل "ستارلينك".

كما أنه من الممكن أن يتم تطوير أجيال جديدة من الأقمار الاصطناعية، بحيث يتم تحويلها إلى شبكة من أجهزة الاستشعار، والتي من شأنها أن تقوم برصد التهديدات الصاروخية، فقد وقعت شركة "سبيس إكس" عقداً مع وزارة الدفاع الأمريكية لتطوير أدوات يمكنها اكتشاف وتتبع الصواريخ الفرط صوتية، خاصة وأنه ليس هناك أي نظام دفاع جوي غربي قادر على رصدها. ويلاحظ أن القدرة على رصد الصواريخ الفرط صوتية لا تعني امتلاك القدرة على اعتراضها، فذلك الأمر يحتاج إلى تطوير سلاح مختلف. 

وبالإضافة إلى ما سبق، يخطط الجيش الأمريكي لبناء كوكبة من الأقمار الاصطناعية الصغيرة في مدار الأرض المنخفض، وهي الأقمار المعروفة باسم مشروع "بلاك جاك"، وستشمل ما بين 300 و500 قمر اصطناعي مخصص لدعم العمليات العسكرية، وهو ما كشف عن توسع الاستخدام العسكري لهذه النوعية من الأقمار. 

2- التوظيف في الحرب القادمة: أشار باحثون صينيون إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية قد تستخدم شبكة من الأقمار الاصطناعية بطريقة مماثلة أثناء الأعمال العدائية المستقبلية المحتملة في تايوان. وتعزز هذا الرأي بعدما أشارت عده مقالات عسكرية صينية إلى أن روسيا لم تنجح، حتى الآن، في عرقلة الاتصالات عبر هذه الأقمار الاصطناعية، أو التشويش عليها، وبالتالي لم تمنع نقل المعلومات الاستخباراتية من "الناتو" إلى القوات المسلحة الأوكرانية، مما كبد الجيش الروسي خسائر كبيرة.

3- تفكير تايوان في اقتناء نظام مماثل: نقلت صحيفة "فايننشال تايمز" عن وزيرة الشؤون الرقمية التايوانية، أودري تانغ، قولها: "ندرس الغزو الروسي لأوكرانيا، وكيف اُستخدم ستارلينك بنجاح كبير". ولذلك تخطط تايوان لجذب المستثمرين المحليين، والدوليين لجمع الأموال اللازمة لمساعدتها في إنشاء نظام مماثل لـ"ستارلينك" في أوكرانيا، وذلك في إطار استعدادها للحرب القادمة المحتملة مع الصين، إذ ما قررت الأخيرة اكتساح تايوان عسكرياً.

4- تهديد الفضاء الصيني: أرسلت بكين وثيقة، في ديسمبر 2021، إلى مكتب شؤون الفضاء الخارجي التابع للأمم المتحدة في فيينا، أكدت فيها أن محطة الفضاء الصينية "تيانغونغ" اضطرت مرتين في يوليو وأكتوبر 2021، إلى القيام بمناورات مراوغة من أجل تجنب "اصطدام" مع أقمار من مجموعة "ستارلينك"، التي انتقلت، في المرتين، إلى مدارات دفعت مشغلي المحطة الفضائية إلى تغيير مسارها، وهو ما يشكل تهديداً خطراً على الفضاء الصيني ككل. لهذا السبب، طالبت بكين الأمين العام للأمم المتحدة بتعميم المعلومات على جميع الدول الأطراف في معاهدة الفضاء الخارجي، كي تتحمل مسؤوليتها عن الأنشطة التي تقوم بها الهيئات الحكومية وغير الحكومية في الفضاء.

البحث عن بدائل 

يرى الباحثون الصينيون أن على بلادهم اتخاذ مجموعة من الإجراءات لمواجهة نظام "ستارلينك"، وذلك على النحو التالي:

1- تطوير أنظمة رادار للرصد: أكدت العديد من التحليلات أن الصين تخطط لبناء أنظمة رادار قوية مدعومة بتكنولوجيا جديدة لتحديد وتتبع أقمار "ستارلينك"، وأبرز مثال على هذا هو الرادار الذي كُشف عنه في معرض "تشوهاي Zhuhai" الجوي الصيني أخيراً، ويدعى رادار "الصفيف المرحلي النشط النطاق" "أس أل سي – 18 بي SLC-18 P"، حيث يمكنه إجراء البحث والاستحواذ وقياس التتبع وحساب المدار والفهرسة والتنبؤ بالأهداف الفضائية مثل الأقمار الاصطناعية ذات المدار المنخفض، لأنه يعمل في جميع الظروف الجوية، فضلاً عن قدرته على المراقبة الشاملة لأهداف الأقمار الاصطناعية العابرة وتقييم الأهداف الفضائية، بجانب قدرته على إسقاط الأقمار الاصطناعية مسبقاً؛ بناءً على بيانات التتبع التي يوفرها الرادار وتحديد المدار المستهدف، مما يمنح المشغلين الأرضيين وقتاً كافياً للقيام بالإجراءات المضادة المناسبة. 

2- تدمير منظومة "ستارلينك": نشر باحثون صينيون عسكريون بقيادة، رين يوانزين، الباحث في معهد بكين للتتبع والاتصالات السلكية واللاسلكية، وهو جزء من قوة الدعم الاستراتيجي للجيش الصيني، ورقة بحثية في إبريل 2022 في "مجلة تكنولوجيا الدفاع الحديثة في الصين"، أشارت إلى أن بكين بحاجة إلى تطوير قدرات لتتبع ورصد، وإذا لزم الأمر تدمير كل قمر اصطناعي لـ"ستارلينك". 

وفي هذا السياق، اقترح الباحثون طريقتين للتعامل مع هذه الأقمار: أولهما "التعامل الناعم" عبر التتبع والرصد بالتشويش وأسلحة الليزر، وثانيهما "التعامل الصلب" عبر الإسقاط والتدمير بالصواريخ، لإفقاد أقمار "ستارلينك" لوظائفها العسكرية لحماية الأمن القومي الصيني. كما أكد فريق البحث أن الصين بحاجة إلى تطوير أقمار مراقبة فضائية فائقة الدقة للتجسس على نظام "ستارلينك"، والتوصل لطريقة متطورة لاعتراض وتحليل البيانات التي يتم إرسالها من الأقمار لاستباق أي تهديدات محتملة.

3- تطوير نظام مماثل: تسرع شركات صينية ناشئة، خاصة ومملوكة للدولة، مثل "جالاكسي سبيس" و"تشاينا أيروسبيس ساينس أند تكنولوجي كوربوريشن"، نشر مجموعاتها من الأقمار الاصطناعية في مدار أرضي منخفض، من أجل منافسة "ستارلينك". 

4- محاربة "ستارلينك" تجارياً: كشفت صحيفة "إنسايدر" الأمريكية، عن خطط الصين لبناء شبكة أقمار اصطناعية ضخمة تعرف باسم مشروع "جي دبليو GW" في مدار قريب من الأرض لتوفير خدمات إنترنت للمستخدمين على مستوى العالم، بهدف "كبح" شبكة أقمار "ستارلينك"، حيث ستضم هذه الشبكة حوالي 12 ألف قمر اصطناعي، وهو ما سيحد من أرباح شركة "ستارلينك" الأمريكية. 

ومن جهة أخرى، تخطط بكين لوضع هذه الأقمار الصينية في مدارات لم تصل إليها بعد أقمار "ستارلينك"، كما أنه يمكن تزويد الأقمار الصينية بمعدات تمكنها من تنفيذ مهام مراقبة قريبة وطويلة المدى لأقمار "ستارلينك".

وفي التقدير، يرى كثيرون في خدمة "ستارلينك" أو منافساتها ممن تقدم خدمات الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية مثل "وان ويب" و"فياسات"، أنها تنتزع من الدولة جانباً كبيراً من سلطتها على الفضاء المعلوماتي، وتزيد من التحديات أمامها في ممارسة تدخلها ورقابتها بشكل مطلق، وهو قد يكون أحد الأهداف المستقبلية لواشنطن من توظيف هذه الأقمار الاصطناعية، غير أن توظيف "ستارلينك" في الحرب الأوكرانية، فاقم من التهديدات النابعة من هذه الأقمار، ودفع الصين إلى بحث مختلف الخيارات للتعامل معها، وهو ما يعني أن بكين وواشنطن يستعدان للمعركة القادمة في الفضاء القريب من الأرض.