أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

مراوغة "الحوثي":

لماذا تتعثر مفاوضات حل الأزمة اليمنية؟

06 يناير، 2019


اعتادت ميليشيا "الحوثيين" عرقلة وإفشال كل محاولات الحل السياسي للأزمة اليمنية، وهي المساعي التي تمت برعاية الأمم المتحدة وأطراف إقليمية ودولية، وآخرها ما تم الاتفاق عليه في محادثات السويد خلال ديسمبر 2018. وتشير تطورات الأزمة اليمنية منذ الانقلاب "الحوثي" على الحكومة الشرعية، إلى تكرار تبني "الحوثيين" هذا النهج القائم على المراوغة والتسويف، حيث تلجأ الميليشيا إلى الادعاء بقبولها بمبادرات الحل السلمي للصراع، والجلوس على طاولة المفاوضات، وذلك فقط من أجل تخفيف الضغوط الدولية عليها، وإعادة تنظيم صفوفها في ظل الخسائر الميدانية التي تتعرض لها في مواجهة المقاومة اليمنية المدعومة من قوات التحالف العربي.

مراوغات معتادة: 

ثمة العديد من المحاولات السابقة التي قادتها الأمم المتحدة وبدعم من أطراف إقليمية (مثل: سلطنة عُمان، والكويت) لحل الأزمة اليمنية، وفقًا للمرجعيات الثلاث المعترف بها، وهي: المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وعلى وجه الخصوص القرار 2216 لعام 2015 الذي طالب "الحوثيين" بسحب قواتهم من جميع المناطق التي استولوا عليها ومنها صنعاء، والتخلي عن أسلحتهم، والتوقف عن جميع الأعمال التي تندرج ضمن نطاق سلطة الحكومة الشرعية. غير أن كل تلك المباحثات لم يُكتب لها النجاح، في ظل مراوغة "الحوثيين" ورفضهم حل الأزمة اليمنية وفقًا لهذه القرارات الدولية. ومن أبرز المؤشرات الدالة على هذا التعنت "الحوثي" والقيام بعرقلة حل الأزمة سياسيًّا، ما يلي:

1- مفاوضات جنيف (يونيو 2015): عقدت الأمم المتحدة أول محادثات سلام بشأن اليمن في مدينة جنيف السويسرية، في منتصف يونيو 2015، غير أنها لم تُحقق نجاحًا. وحمَّل وزير الخارجية اليمني آنذاك "رياض ياسين"، وفد "الحوثيين" المشارك في المحادثات مسئولية الفشل في التوصل لاتفاق يُنهي الصراع.

2- مشاورات جنيف (ديسمبر 2015): انعقدت هذه المشاورات برعاية الأمم المتحدة، في 15 ديسمبر 2015، في سويسرا، وكان هدفها التوصل إلى وقف دائم وشامل لإطلاق النار في اليمن، وتحسين الوضع الإنساني. ولكن انتهت هذه الجولة دون تحقيق أي تقدم يُذكر.

3- مفاوضات سلطنة عُمان (2015 و2016): سعت سلطنة عُمان، منذ تصاعد المواجهات العسكرية في اليمن، إلى التوسط من أجل حل الأزمة، واستضافت مفاوضات غير معلنة في مايو 2015 بين مسئولين أمريكيين ووفد "حوثي" لمناقشة سُبل الوصول إلى حل بين أطراف الصراع اليمني. كما استضافت مسقط، في نوفمبر 2016، محادثات أخرى بين "الحوثيين" ووزير الخارجية الأمريكي السابق "جون كيري"، لحثهم على وقف إطلاق النار، والانخراط في مفاوضات جديدة. أيضًا أشار عدد من التقارير الإعلامية، في يناير 2018، إلى استضافة عُمان مباحثات سرية بين قيادات "حوثية" ودبلوماسيين أمريكيين وروسيين وبريطانيين، للبحث عن مخرج للأزمة اليمنية، بيد أن كل تلك المساعي فشلت بسبب مراوغات "الحوثيين".

4- محادثات الكويت (2016): تدعم الكويت الحل السياسي للأزمة اليمنية، ولذا استضافت في الفترة (أبريل - أغسطس 2016) محادثات سلام برعاية الأمم المتحدة، ولكنها فشلت في التوصل لاتفاق بين أطراف الأزمة بالرغم من استمرارها أكثر من 3 أشهر. وتمثلت المعضلة الأكبر في انعدام الثقة في "الحوثيين"، في ظل رفضهم الاعتراف بالحكومة الشرعية، وتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة.

5- مباحثات جنيف (سبتمبر 2018): كان من المفترض عقد جولة أخرى من المفاوضات بين الحكومة الشرعية اليمنية وميليشيا "الحوثيين" في جنيف، برعاية الأمم المتحدة، خلال الأسبوع الأول من سبتمبر 2018، بيد أن المبعوث الدولي لليمن "مارتن غريفيث"، أعلن فشل هذه المباحثات قبل أن تبدأ، بسبب عدم حضور وفد "الحوثيين"، وهو ما كان متوقعًا، لأن "الحوثيين" اعتادوا ذلك، وإن كانوا قد تحججوا هذه المرة بعدم موافقة دول التحالف العربي على شروطهم بنقل وفدهم إلى جنيف بطائرة خاصة دون تعرضها للتفتيش، ومنح ممثليه ضمانات للعودة إلى صنعاء، بالإضافة إلى نقل جرحى من عناصر الميليشيا إلى سلطنة عُمان. واتهم وزير الخارجية اليمني "خالد اليماني" "الحوثيين" بتخريب مفاوضات جنيف، قائلا إن "هذا الأمر يحدث في كل مرة".

6- اتفاقيات السويد (ديسمبر 2018): انطلقت مباحثات السلام بشأن اليمن، برعاية الأمم المتحدة، في مدينة استكهولم السويدية، يوم 6 ديسمبر الماضي، وأسفرت عن توصل الحكومة الشرعية و"الحوثيين" إلى اتفاق يقضي بانسحاب الميليشيا من مدينة الحديدة وموانئها الثلاثة (الحديدة والصليف ورأس عيسى)، ووقف إطلاق النار هناك، فضلًا عن الاتفاق على إطلاق سراح سجناء من الجانبين، والتوصل إلى تفاهم مشترك حول تعز يهدف إلى فتح ممرات إنسانية وإدخال مساعدات.

على الجانب الآخر، التزمت الحكومة الشرعية والتحالف العربي في اليمن بتقديم كافة التسهيلات لإنجاح محادثات السويد وما ترتب عنها من اتفاقيات، ومنها تسهيل نقل 50 جريحًا "حوثيًّا" إلى مسقط عبر طائرة تابعة للأمم المتحدة لتلقي العلاج. كما وافق مجلس الأمن الدولي، يوم 21 ديسمبر 2018، على مشروع قرار بريطاني – أمريكي لدعم اتفاقيات السويد، ودعا إلى نشر فريق من الأمم المتحدة لمراقبة وقف إطلاق النار في الحديدة.

ومع كل ذلك، انتهك "الحوثيون" كعادتهم ما تم الاتفاق عليه في السويد، واستمروا في خروقاتهم لوقف إطلاق النار في الحديدة، وعدم الانسحاب من المدينة، وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية لليمنيين، وهو ما دفع برنامج الغذاء العالمي، في نهاية ديسمبر 2018، إلى اتهام الميليشيا الانقلابية بالاستيلاء على شحنات الإغاثة في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وطالبها باتخاذ إجراء فوري للتصدي للتلاعب بالمساعدات الغذائية.

أسباب التعنت "الحوثي":

هناك عدة أسباب تُفسّر اتباع ميليشيا "الحوثيين" هذا النهج المتكرر من المراوغة والتعنت ووضع العراقيل أمام أي تسوية سلمية محتملة للأزمة اليمنية، ومن بين هذه الأسباب الآتي:

1- الدعم الإيراني لـ"الحوثيين": تُعد إيران هي الداعم الرئيسي لـ"الحوثيين" في مواجهة الشرعية اليمنية، وهو ما يشجع الميليشيا الانقلابية على مواصلة انتهاكاتها، حيث تستغل طهران وكيلها "الحوثي" في الضغط على السعودية وقوات التحالف العربي، فضلًا عن مساومة طهران بالملف اليمني لتحقيق مكاسب في ملفات أخرى، وعلى رأسها تخفيف الضغوطات والعقوبات الأمريكية عليها في القضية النووية، وفي هذا الإطار، تتواصل إيران مع قادة "الحوثيين" للتنسيق معهم بشأن أي مبادرات يتم طرحها للأزمة اليمنية، مثل استقبال وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف"، للمتحدث باسم ميليشيا "الحوثيين" "محمد عبدالسلام"، في طهران، خلال فبراير 2018، كما تعتبر إيران هي الداعم الرئيسي لـ"الحوثيين" بالأسلحة، وعلى رأسها الصواريخ الباليستية التي يستهدف بها "الحوثيون" قوات الشرعية في اليمن، وكذلك الأراضي السعودية، ما يُشكل انتهاكًا لحظر توريد الأسلحة لـ"الحوثيين" المفروض من قِبل مجلس الأمن الدولي منذ عام 2015.

وظهرت العديد من التقارير الدولية التي تؤكد الدعم العسكري الإيراني لـ"الحوثيين"، ومنها تقرير صادر عن منظمة أبحاث التسلح في النزاعات "كار"، ومقرها بريطانيا، في نوفمبر 2016، حيث أكد وجود خط بحري لتهريب الأسلحة من إيران إلى الانقلابيين في اليمن عبر الصومال، كما خَلُصَ تقرير لمنظمة الأمم المتحدة، أعده فريق مراقبة تابع للمنظمة الدولية في ديسمبر 2017، إلى أن الصواريخ الباليستية التي أُطلقت من اليمن باتجاه السعودية هي مصنوعة في إيران. كما كشف فريق خبراء العقوبات المعنيّ باليمن والمُكلف من مجلس الأمن الدولي، في فبراير 2018، عن توثيق أسلحة إيرانية تستخدمها ميليشيا "الحوثيين" في اليمن، وتأكيدًا على ما سبق، شدد وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو"، في سبتمبر 2018، على أن تحقيق السلام في اليمن ممكن إذا توقفت إيران عن دعم ميليشيا "الحوثيين" بالأسلحة والصواريخ.

2- عدم حسم الأمم المتحدة: ثمة اتهامات للأمم المتحدة ومبعوثيها في الملف اليمن بتبني مواقف غير حاسمة فيما يتعلق بالمبادرات التي تطرحها لحل الأزمة اليمنية، وعدم إجبارها "الحوثيين" على الالتزام بالقرارات الدولية الصادرة في هذا الشأن، وأهمها القرار 2216، فضلًا عن أن التقارير الصادرة عن المنظمة الدولية تساوي في تقييمها للأحداث باليمن بين ممارسات الشرعية اليمنية وانتهاكات ميليشيا "الحوثيين"، على الرغم من أن هؤلاء المتمردين هم السبب في الأزمة اليمنية. وقد شجع كلُّ ذلك "الحوثيين" على المراوغة في التعامل مع أي جهود لحل الأزمة سياسيًّا، بل والتمادي في انتهاكاتهم ضد اليمنيين.

ولذلك وجّهت الحكومة الشرعية في اليمن انتقادات، في أكثر من مناسبة، للأمم المتحدة، حيث سبق أن رفضت البعثة اليمنية لدى المنظمة الدولية، في ديسمبر 2016، خطة كانت مطروحة من المبعوث الأممي آنذاك "إسماعيل ولد الشيخ أحمد"، لإنهاء الحرب في اليمن، واعتبرت أنها تضفي الشرعية على تمرد الانقلابيين، كما انتقد التحالف العربي، في أغسطس 2018، تقرير المفوض الأممي لحقوق الإنسان حول حالة حقوق الإنسان في اليمن، مؤكدًا أن التقرير تضمّن مغالطات بشأن عدم تسهيل التحالف وصول المساعدات للسكان، ناهيك عن تجاهله أسباب النزاع ودور إيران في دعم الانقلاب "الحوثي"،  واستمرارًا لتساهل الأمم المتحدة مع "الحوثيين"، اتفق وزير خارجية حكومة "الحوثيين" الانقلابية غير المعترف بها "هشام شرف"، والمنسقة الأممية للشئون الإنسانية في اليمن "ليز غراندي"، في سبتمبر 2018، على تنظيم رحلات جوية لإجلاء الحالات الحرجة للعلاج خارج البلاد. وهذا الاتفاق بمثابة وسيلة من "الحوثيين" لتهريب عناصرهم تحت زعم تلقيهم العلاج.

3- غياب ضغوط القوى الدولية: تكشف سياسات الدول الكبرى في اليمن عن غياب الإرادة الحقيقية لها للتدخل بشكل فعَّال لحل الأزمة، وتمكين الحكومة الشرعية بقيادة الرئيس "عبدربه منصور هادي" من استعادة سيطرتها على كافة الأراضي اليمنية، وإجبار المتمردين "الحوثيين" على الالتزام بقرارات مجلس الأمن الدولي، والتراجع عن انقلابهم، وتسليم السلاح، فعلى سبيل المثال، ركزت الولايات المتحدة على محاربة تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" وتنظيم "داعش" في اليمن، والاكتفاء بدعم وساطة الأمم المتحدة في اليمن، وتقديم المساعدات الإنسانية للشعب اليمني. وعلى الرغم مما بدا مع بداية فترة الرئيس الأمريكي "ترامب" من زيادة الدعم المقدم لقوات التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن، غير أن ثمة تحركات في الكونجرس مؤخرًا لإنهاء الدعم الأمريكي للحرب في اليمن.

كذلك فإن روسيا لم تتخذ مواقف مناهضة بشكل صريح لـ"الحوثيين"، وأحد مؤشرات ذلك اتجاهات تصويتها داخل مجلس الأمن الدولي على القرارات ذات الصلة بالأزمة اليمنية. فمثلًا، امتنعت موسكو عن التصويت على قرار مجلس الأمن 2116 لعام 2015 الذي فرض عقوبات على "الحوثيين". فيما استخدمت روسيا "الفيتو" لإجهاض مشروع قرار تقدمت به الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في مجلس الأمن، في فبراير 2018، لإدانة إيران بسبب تهريبها أسلحة لـ"الحوثيين" في اليمن.

ختامًا، من المتوقع أن تستمر ميليشيا "الحوثيين" في المراوغة بشأن أي مبادرات سياسية لحل الأزمة اليمنية، طالما أدركت غياب الضغوط الدولية الحقيقية عليها لإجبارها على قبول الحل السياسي وفقًا للمرجعيات الثلاث المعترف فيها، وهو ما يستدعي من الحكومة الشرعية اليمنية، وبدعم من التحالف العربي، مطالبة المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات حاسمة ضد خروقات "الحوثيين"، ودفعهم إلى الالتزام بالقرارات الدولية وأهمها القرار 2216، مع الاستمرار في الضغط عسكريًّا على "الحوثيين" وتكبيدهم مزيدًا من الخسائر الميدانية التي قد تدفعهم إلى المسار السياسي.