أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تفاهمات جزئية:

هل يُسهم لقاء بارزاني وطالباني في تسوية الخلافات داخل كردستان العراق؟

13 مايو، 2023


استقبل رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، مسرور بارزاني، في 8 مايو 2023، نائب رئيس الحكومة قوباد طالباني، وذلك لمناقشة المشاكل المالية والإدارية التي تواجه حكومة إقليم كردستان، وتم الاتفاق على حل جميع المشاكل من خلال الحوار والتعاون بين جميع الكتل الوزارية ضمن التشكيلة الحكومية. ويُعد هذا اللقاء هو الأول بين الطرفين منذ أشهر، ويُشير إلى إمكانية حلحلة الملفات العالقة بين الحزبين الكردييْن الرئيسيْن، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، خلال الفترة المقبلة.

أبعاد متعددة 

جاء اللقاء بين بارزاني وطالباني، في سياق عدد من الأحداث والتطورات ذات الصلة، والتي يمكن تناولها على النحو التالي:

1- وساطات للتقريب بين الطرفين: جاء اللقاء بين بارزاني وطالباني في أعقاب قيام عدد من أعضاء حكومة إقليم كردستان العراق بالوساطة من أجل إقناع نائب رئيس حكومة الإقليم قوباد طالباني بعودة فريقه الوزاري لجلسات مجلس وزراء الإقليم، حيث سبق وأعلن طالباني، مقاطعة فريقه الوزاري، المكون من 5 وزراء من أصل 18 في حكومة الإقليم، اجتماعات مجلس الوزراء في نهاية 2022.

هذا بالإضافة إلى طلب رئيس إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، من رئيس الوزراء العراقي، محمد شيّاع السوداني، خلال مشاركة الأول في فعاليات منتدى العراق المنعقد في بغداد، مطلع مايو 2023، التوسط لحل الخلافات بين الحزبيْن الرئيسيْن في الإقليم، وذلك في ضوء ما يتمتع به السوداني من علاقات جيدة مع الحزبيْن. وتُشير المصادر إلى استجابة الأخير للطلب وقيامه بالتوسط وإجراء الاتصالات مع زعيم "الحزب الديمقراطي"، مسعود بارزاني، ورئيس "الاتحاد الوطني"، بافل طالباني، الأمر الذي أسفر عن عقد اللقاء الأخير بين رئيس حكومة الإقليم ونائبه.

2- سعي أمريكي لتسوية الخلافات: تحرص الإدارة الأمريكية على وضع حد للخلافات داخل إقليم كردستان العراق للحيلولة دون انفراط الوضع في الإقليم بما يهدد المصالح الأمريكية. وقد التقت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط باربارا ليف، أثناء زيارتها للعراق في 3 مايو 2023، برئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني. وتم الاتفاق أثناء اللقاء على تسوية الخلافات الداخلية في الإقليم، وإجراء الانتخابات التشريعية خلال العام الحالي، بالإضافة إلى استئناف تصدير النفط من الإقليم وتسريع إصلاحات قوات "البيشمركة" الكردية. 

وعلّقت السفيرة الأمريكية في العراق، ألينا رومانوسكي، على لقاء بارزاني وطالباني، بعد أشهر من القطيعة، في تغريدة عبر "تويتر": "أُثني على قيادة رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، مسرور بارزاني، ونائب رئيس وزراء حكومة كردستان العراق، قوباد طالباني، اللذان يعملان معاً للبدء في حل المشكلات من خلال الحوار"، وهو ما يكشف عن أداء الولايات المتحدة الأمريكية دوراً في التقريب بين الجانبين.

3- تصاعد الأزمات السياسية والاقتصادية: تزامن اجتماع بارزاني وطالباني مع عدد من الأزمات التي شهدها الإقليم في الآونة الأخيرة. فعلى صعيد التأزم السياسي، أعلن حزب جماعة العدل الكردستانية في الأول من مايو 2023، استقالة نوابه السبعة من برلمان كردستان، اعتراضاً من جانبه على عدم إقامة الانتخابات الخاصة ببرلمان الإقليم في موعدها المُقرر وتمديد الدورة النيابية للبرلمان، وهو ما قد تترتب عليه إمكانية تكرار نفس الخطوة من جانب أحزاب سياسية أخرى في الإقليم. 

وجدير بالذكر أنه كان من المُفترض إجراء الانتخابات التشريعية، في أكتوبر 2022، لكن الخلافات حول قانون الانتخابات والهيئة العليا للانتخابات، حالت دون ذلك، مما أدى إلى تمديد عمل المجلس الحالي لعام كامل، وفي نهاية مارس 2023، توصلت الأحزاب الكردية إلى اتفاق بشأن تلك الأزمة، وتحديد يوم 18 نوفمبر 2023 موعداً لإجراء الانتخابات.

ومن جهة أخرى، فإنه من المُنتظر أن تنظر المحكمة الاتحادية العليا، وهي أعلى هيئة قضائية في العراق، بشأن دعوى تطالب بعدم دستورية تمديد عمل برلمان كردستان العراق، في 24 مايو 2023، بما يُضعف من شرعية البرلمان وكذلك حكومة الإقليم المنبثقة عن البرلمان. 

هذا إلى جانب ما شهده الإقليم خلال الفترة الماضية، من أزمات تتعلق بتأخير دفع رواتب موظفي الإقليم، وضعف الخدمات البلدية، ولاسيما في محافظة السليمانية، التي يُسيطر عليها الاتحاد الوطني الكردستاني، وتوقف بعضها أحياناً أخرى، علاوة على تعطل بعض المشاريع التنموية والخدمية، ونقص المستلزمات والأدوية الطبية، بما قد يفتح المجال لحالة من عدم الاستقرار الداخلي.

4- حرص "الديمقراطي" على تصفية الأجواء: يدرك الحزب الديمقراطي الكردستاني أهمية تنظيم وإجراء الانتخابات التشريعية في موعدها المُقرر، وذلك لتفادي الوقوع في أزمة دستورية في حال فشل تسوية الخلافات مع الاتحاد الوطني الكردستاني وباقي الأحزاب في الإقليم حول تنظيم الانتخابات التشريعية، بالإضافة إلى إدراك رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني اهتمام الخارج، بشكل عام، والأطراف الغربية والأمريكية، على وجه الخصوص، بالملف الانتخابي في الإقليم، وهو ما تجلى في تصريحات السفيرة الأمريكية، ألينا رومانوسكي، بشأن اللقاء بين بارزاني وطالباني، كما تمت الإشارة آنفاً، وكذلك في لقاء السفير البريطاني، مايك برايسون، مع رئيس الإقليم، في 7 مايو 2023، واهتمامه بضرورة حل الخلافات الداخلية في الإقليم وإجراء الانتخابات في موعدها.

توافقات مُحتملة 

قد يُسفر الاجتماع بين رئيس حكومة إقليم كردستان ونائبه، إلى التوصل لعدد من التوافقات، والتي يمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو التالي:

1- عودة "الاتحاد الوطني" للحكومة: قد يُسهم الاجتماع الأخير بين بارزاني وطالباني في عودة الحزبيْن للعمل سوياً في إطار حكومة الإقليم، من أجل التغلب على المشاكل الداخلية في الإقليم سياسياً وأمنياً واقتصادياً، وإفساح المجال لترتيب أوراقهما الخاصة بالتعامل مع حكومة المركز في بغداد، وتسوية الخلافات معها حول ميزانية الإقليم.

2- إجراء الانتخابات في نوفمبر: من المُتوقع أن يُسهم اللقاء المُشار إليه في تقارب وجهات نظر الطرفين حول آليات تنظيم الانتخابات التشريعية المُقررة في نوفمبر المقبل، وإرساء بوادر بناء الثقة بين الطرفين، وإمكانية التعامل مع مخاوف الاتحاد الوطني الكردستاني في هذا الخصوص، ولاسيما فيما يتعلق بتحديد نسب "كوتا" الأقليات، واتخاذ الإجراءات لضمان عدم وجود تزوير في سجلات الناخبين، وكذلك الذهاب إلى تشكيل مفوضية انتخابات جديدة.

وفي التقدير، يمكن القول إنه من المُرجح أن تحدث انفراجة مؤقتة أو محدودة للأزمة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، بعد لقاء بارزاني مع طالباني، على اعتبار أنه سيُمهد للتعاطي مع بعض الملفات الخلافية، وفي مقدمتها ملف الانتخابات التشريعية القادمة في الإقليم، إلا إنه من المُتوقع تأجيل حل الخلافات حول عدد من القضايا الجوهرية، ولاسيما تلك المتعلقة بتفرد رئيس حكومة كردستان العراق مسرور بارزاني بالملفين الأمني والنفطي، وتهميش المحافظتين التابعتين لـ"الاتحاد الوطني"، ليكون بذلك التقارب بين الطرفين هو "تقارب الضرورة" لتجاوز تلك المرحلة الحرجة، نظراً لوجود ضغوط داخلية وخارجية على الحزبيْن الرئيسيْن، لتعود الخلافات لتطفو على السطح مرة أخرى عقب إجراء الانتخابات القادمة، واتضاح أوزان القوى السياسية الجديدة.