أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

المواجهة الغربية:

كيف تتعامل موسكو مع الحروب الهجينة؟

30 نوفمبر، 2020


عرض: عبدالمجيد أبو العلا - باحث مساعد - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

ترى روسيا أنها تخوض حربًا هجينة مستمرة ضد الولايات المتحدة، وتسعى لحشد أدواتها العسكرية وغير العسكرية من أجل تحقيق الانتصارات في هذه الحرب، حيث تعتبر موسكو أن الحروب الهجينة هي التطور العسكري المستقبلي والأكثر فعالية، وليست مجرد ظاهرة مؤقتة، في ظل تراجع الحروب التقليدية نتيجة التغيرات التكنولوجية وتوازنات القوى الاستراتيجية.

في هذا السياق، أصدر "معهد دراسة الحرب"، في سبتمبر 2020، ورقة بحثية للباحث "ماسون كلارك" حول "الحرب الهجينة الروسية"، تناول فيها التعامل الروسي مع الحروب الهجينة، وكذلك السياسات التي ينبغي على الولايات المتحدة وحلف الناتو اتباعها لفهم السلوك الروسي بشكل أدق ومواجهته.

الحرب الهجينة من المنظور الروسي

يُعرِّف الجيش الروسي الحرب الهجينة بأنها جهد على المستوى الاستراتيجي لتشكيل الحكم والتوجه الاستراتيجي لدولة مستهدفة، واستخدام مجموعة من الوسائل لتحقيق سياسة الدولة، وتضطلع الحكومة ككل بأنشطة هذه الحرب. وتعتبر موسكو الأزمة الرئاسية الفنزويلية، والأزمتين السورية والليبية، وأزمة بيلاروسيا، أمثلة على الحرب الهجينة.

ويقدر الكرملين أن احتمالية نشوب حرب تقليدية ضد روسيا آخذة في التناقص، وأنه ينبغي على موسكو تحسين قدراتها في الحروب المختلطة للاستعداد بشكل أفضل للمستقبل.

ومن وجهة النظر الروسية، فإن الدول أو الائتلافات المنتصرة في الحروب الهجينة تفرض رؤيتها للعالم وقيمها ومصالحها وفهمها للتوزيع العادل للموارد على الدولة المستهدفة. وكذلك تكتسب الحق في تحديد مستقبل الدولة.

ويرى الكرملين أن الولايات المتحدة قادت الغرب في حرب مختلطة مستمرة ضد روسيا منذ نهاية الحرب الباردة، وأنه في صراع حضاري دفاعي ضد جهود الغرب للسيطرة على العالم. ويجادل المفكرون العسكريون الروس بأن الولايات المتحدة تحاول الاحتفاظ بوضعها أحادي القطبية بأي وسيلة، باستخدام حلف شمال الأطلسي لتعزيز هذه الهيمنة وتقييد موسكو. ويفسرون العولمة بأنها جهد غربي منسق للسيطرة على العالم منذ عام 1991.

وقد تكيّفت الولايات المتحدة مع التكلفة المتزايدة للعمليات التقليدية من خلال تطوير وسائل لتمكين الحروب المختلطة. حيث يعتبر الروس حرب الخليج عام 1991 هي أحدث حرب غربية تقليدية تمامًا، وأن الغرب يحقق الآن أهدافًا سياسية من خلال جعل العدو يخضع لإرادته باستخدام أساليب أخرى.

وترى الورقة أن السردية الروسية تخدم المصالح الدعائية للكرملين، وتخطئ في توصيف نوايا الولايات المتحدة وقدراتها، لكنها تشكل التفكير والتخطيط العسكري الروسي، حيث يعتقد الروس حقًّا أن الغرب يشن حربًا مختلطة ضدهم في أوكرانيا وليبيا وسوريا وأماكن أخرى.

السياسات الروسية للحرب الهجينة

يسعى الكرملين نحو تحسين قدرته على شن حرب هجينة للرد على الحرب الأمريكية الهجينة المتصورة. ويجادل المنظرون الروس بأهمية إجراء تغييرات شاملة للحكومة للتكيف مع هذه الحرب، ومنها:

أولا- تعظيم المركزية: يعطي المنظرون والمحللون العسكريون الروس الأولوية لعملية صنع القرار المركزية باعتبارها العامل الرئيسي الذي يمكن أن يؤدي إلى نجاح الحروب المختلطة. ويؤكدون أن الحرب الهجينة تتطلب تركيز جميع هيئات صنع القرار الروسية المحتملة لتنسيق جهود الحكومة بأكملها.

وقد أنشأت روسيا بالفعل مركز التحكم في الدفاع الوطني (NDCC) في ديسمبر 2013 كهيئة مركزية لإدارة السياسة الأمنية الروسية، واستخدمته لإدارة مشاركة موسكو في الحرب السورية وأزمة القرم. ويربط هذا المركز 73 سلطة تنفيذية اتحادية، و1320 شركة حكومية ومؤسسات دفاعية، في نظام واحد للتفاعل بين الإدارات.

ثانيا- تكامل المؤسسات: يعمل الكرملين على توسيع مجموعة الجهات المشاركة في صيانة الأمن القومي لتشمل المجتمع الروسي بأسره، بما في ذلك المؤسسات الحكومية والتجارية والثقافية والإعلامية.

ثالثا- الوضع الاقتصادي: يسعى الكرملين إلى تقليل تآكل الاقتصاد، للاستعداد للحرب الهجينة. وذلك عبر تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية، والحد من الفساد، والسيطرة المركزية على الاقتصاد.

رابعا- حملات إعلامية ومجتمعية: يشدد الجيش الروسي على الحاجة إلى تحسين قوة الحملات الإعلامية لغرس أيديولوجيا موحدة للتخفيف من آثار التآكل المعلوماتي والأيديولوجي للروس، وذلك عبر المنصات الإعلامية التي يديرها الكرملين مثل RT وSputnik، وكذلك عبر المديرية العسكرية السياسية التي أنشأتها وزارة الدفاع في يوليو 2018، لغرس الأيديولوجيا الموحدة اللازمة لشن حروب هجينة، وخلق قناعة ثابتة في كل من الجيش والمجتمع حول سبب وجوب خدمتهم لروسيا. 

فقد أوصى المخططون العسكريون الروس في سبتمبر 2017 بأن الأرثوذكسية، ومصالح الدولة، والتقاليد العسكرية الوطنية، وعلم النفس والثقافة القومية، وأمورًا أخرى؛ يمكن أن تشكل عقيدة وطنية للدولة في نظام جديد. وتعمل المديرية مع السكان والشباب من خارج الجيش باعتبار أن "طالب اليوم هو جندي المستقبل".

خامسا- الغطاء الدبلوماسي العسكري: يجادل المحللون الروس بأن الدول غالبًا ما تنشر قوات تقليدية كخطوة ختامية لحرب مختلطة، وأن هذه القوات غالبًا ما تُستخدم تحت غطاء الأطر القانونية مثل حفظ السلام. ويؤكد الضباط الروس أن موافقة مجلس الأمن الدولي على عمليات حفظ السلام أو عمليات الناتو متعددة الجنسيات، هي طرق لتمكين الدول من نشر قوات عسكرية، بغض النظر عن الطبيعة والأسباب المعلنة للانتشار. ولذلك يعمل الكرملين على دمج الجيش الروسي في العديد من المنظمات الأمنية الدولية، من أجل الحصول على الغطاء الدبلوماسي الذي تعتقد موسكو بأهميته في استخدام القوات التقليدية في الحروب الهجينة. 

سادسا- قوات غير حكومية: يعتبر المحللون الروس الجماعات المسلحة والمتمردة، والشركات العسكرية الخاصة؛ هي الجهات الرئيسية في الحروب الهجينة، والتي تديرها الدول دائمًا تقريبًا. ويعطي الكرملين أولوية متزايدة لتوظيف هذه القوات بالوكالة، والاستعداد لمكافحتها.

ويجادل محللون روس بأن الشركات العسكرية الخاصة مفيدة بسبب انخفاض تكلفتها، وإمكانية إنكارها المتصورة بالنسبة للقوات المسلحة التقليدية. كما تناقش باحثو هيئة الأركان العامة الروسية علنًا في يناير 2015 حول فكرة تحصين الشركات العسكرية الخاصة للسياسة الخارجية للدولة من النقد والقانون الدولي، حيث يمكن للدول الرد على أي انتقاد بالقول إن "الدولة لا تتدخل في الشؤون الداخلية للشركات الخاصة"، وإنكار الصلة الحكومية بالشركات الخاصة.

استراتيجية مقترحة: 

يري الكاتب أنه يجب على الولايات المتحدة إعادة تقييم وفهم التهديد الروسي، وطبيعة الحروب الهجينة، وفقًا للشروط والاستراتيجيات الروسية، وهي خطوة ضرورية لتطوير استجابات فعالة للحرب الروسية الهجينة. وفي هذا الإطار تقدم الورقة بعض التوصيات، ومن أبرزها:

أولا- فهم الحرب الهجينة الروسية: يجب على الولايات المتحدة تقييم الأهداف الروسية المحتملة. ولذلك لا ينبغي أن تقيد نفسها بمواجهة حروب الكرملين الهجينة الفردية ضد الدول المستهدفة، بل أن تفهم أن الروس يخوضون هذه الصراعات في إطار جهود التغيير الاستراتيجي طويل المدى للدولة المستهدفة.

ثانيا- القوات التقليدية: لا تقتصر الحرب الروسية الهجينة على مجالات المعلومات والإنترنت. فمن الخطأ اعتبار الولايات المتحدة أن مواجهة الحروب المختلطة هي في الأساس جهد غير عسكري، بل يجب عليها أن تكون مستعدة أيضًا لمواجهة الحروب الروسية الهجينة بالقوات التقليدية. وتعتبر الوحدات العسكرية التقليدية التي تنشرها واشنطن وحلفاؤها ضرورية، ولكنها غير كافية لمحاربة الحروب الروسية الهجينة، فلا تستطيع ردع العمليات المختلطة أو مكافحتها؛ إلا أن هذه القوات يمكن أن تعمل كقاعدة أساسية لمزيد من العلاقات السيبرانية، والعسكرية، والمدنية، والاستخباراتية، والتقنية، والعمليات الخاصة التي تعتبر ضرورية في الحروب المختلطة.

ثالثا- المواجهة العالمية: تركز الولايات المتحدة بشكل طبيعي على التهديد الروسي لحلفائها الأوروبيين وحلف شمال الأطلسي، ولكن ينبغي ألا تغفل طموحات روسيا العالمية. فيجب على السياسة الأمريكية والمجتمع العسكري زيادة تحليلهما لحروب الكرملين الهجينة خارج أوروبا، بما في ذلك سوريا وليبيا وفنزويلا.

رابعا- تعزيز التنسيق: لا تستطيع الولايات المتحدة تشكيل ردود شاملة على الحرب الروسية الهجينة دون زيادة التنسيق والتخطيط. ويجب أن يضطلع الكونجرس بدور رئيسي في تسهيل التعاون من خلال لفت الانتباه إلى التهديد الروسي عبر جلسات الاستماع والتشريعات المناسبة.

خامسا- تعزيز الأعراف والمؤسسات الغربية: ينظر الكرملين بشكل أساسي إلى حربه المختلطة مع الولايات المتحدة على أنها صراع على المعايير والقيم العالمية، ولذلك يجب ألا تسمح واشنطن للروس بإساءة استخدام الأطر والمؤسسات الدولية القائمة لتعزيز حروبها المختلطة، مثل السعي إلى تسمية قوات التدخل السريع التابعة لها بـ"قوات حفظ السلام".

سادسا- مواءمة السياسات مع الحلفاء: يسعى الكرملين إلى استغلال الانقسامات بين الولايات المتحدة وحلفائها، لا سيما في حلف الناتو، ولذلك يجب على واشنطن العمل مع حلفائها لمواءمة السياسات تجاه روسيا، وتوحيد الخطوط الحمراء فيما يتعلق بالردود على الإجراءات الروسية عبر حلف الناتو.

سابعا- الشراكة العسكرية: رغم أن عمليات نشر القوات التقليدية في أوروبا ضرورية، إلا أنه يجب على الولايات المتحدة وحلفائها إعادة تقييم موقفهم العالمي للاستعداد لمواجهة الجهود الروسية الهجينة. ولا تحتاج واشنطن إلى نشر قواتها العسكرية في كل مكان تخوض فيه موسكو حربًا هجينة، بل عليها إيجاد وتطوير قوات عسكرية حليفة وشريكة لأداء المهام العسكرية الأساسية لمواجهة التهديد العسكري، ومعالجة الجوانب غير العسكرية للحرب المختلطة.

ثامنا- مواجهة الحملات الإعلامية: تعتبر الورقة أن حملة الكرملين الإعلامية هي مركز ثقله في الحروب الهجينة، وأن الولايات المتحدة لا تستطيع الانتصار إذا خسرت مجال المعلومات. ولذلك تنصح بزيادة قدرات الرسائل المضادة لدحض المعلومات الروسية.

تاسعا- كشف الوكلاء العسكريين: يستخدم الكرملين علنًا الشركات العسكرية الخاصة، مثل مجموعة فاغنر وغيرها، لشن حروبها المختلطة، لتفادي خطر الرد العسكري الغربي الذي من المحتمل أن يقع إذا استخدم الكرملين القوات التقليدية علانية. لذا يجب على الولايات المتحدة وحلفائها كشف الروابط بين هذه القوات والكرملين، وإبراز أنها أدوات مباشرة للسياسة العسكرية الروسية، للحد من حرية العمل الروسية.

إجمالًا، يجب على صانعي القرار والعسكريين الغربيين دراسة روسيا تحت حكم الرئيس فلاديمير بوتين بفهم كامل للنوايا -وليس فقط القدرات- الروسية، حيث تعتبر الورقة التحليل الاستخباراتي للقدرات العسكرية الروسية دون تحليل النية الروسية "أمرًا ذا قيمة، ولكنه غالبًا ما يكون مضللًا"، فغالبًا ما تحدد التحليلات الغربية القدرات ونقاط الضعف الروسية بشكل صحيح، ولكنها لا تتصور كيف ستستخدم روسيا قوتها المحدثة بشكل متزايد بطرق تتفق مع نوايا الكرملين ووجهات نظره بشأن الحرب الهجينة.

المصدر: 

Mason Clark, RUSSIAN HYBRID WARFARE, Military Learning and The Future of War Series, Institute for the Study of War, September 2020.