أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

قيود التقارب:

تداعيات تطبيع العلاقات الاقتصادية في الإقليم

07 سبتمبر، 2016


اتجهت بعض حكومات الشرق الأوسط مؤخرًا إلى رفع مستوى علاقاتها الاقتصادية مع أطراف دولية أو إقليمية عديدة، والتي أصابها بعض الجمود في ضوء خلافات سياسية معقدة نشأت فيما بينها خلال الفترة الماضية. إذ تستعد تركيا لاستئناف تعاملاتها الاقتصادية مع روسيا تدريجيًّا بعد عدة شهور من العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الأخيرة عليها. وفي سياق آخر، تعافت الصادرات الإيرانية النفطية إلى الأسواق الأوروبية في مؤشر هام على تطبيع علاقتها مع أوروبا عقب الوصول للاتفاق النووي في يوليو 2015 ورفع العقوبات الدولية في يناير 2016.

وعلى الأرجح، فإن عودة العلاقات الاقتصادية إلى مستوياتها السابقة سوف تستغرق وقتًا طويلا إلى حين الاتفاق على أسس جديدة لتسوية الخلافات السياسية القائمة.

نماذج مختلفة

تدريجيًّا، يتلاشى الجمود الذي تعرضت له التعاملات الاقتصادية بين أطراف إقليمية من ناحية وأخرى دولية وإقليمية من ناحية أخرى. وفي هذا الصدد، فإن أنماط التعاون -على ما يبدو- بين روسيا وتركيا تتخذ مسارًا أكثر إيجابية بعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن استئناف العلاقات الاقتصادية مجددًا، في يونيو 2016، وذلك عقب فرض الجانب الروسي حزمة من العقوبات الاقتصادية على تركيا.

وفي إطار تنفيذ مقاربة لنبذ الخلافات الإقليمية، صادق البرلمان التركي، في أغسطس 2016، أيضًا على مشروع قانون لإعفاء إسرائيل ومواطنيها من كل أشكال المسئولية حيال الاعتداء على سفينة "مافي مرمرة" مقابل تعويضات بـ20 مليون دولار، لترجح هذه الخطوة اكتساب العلاقات الاقتصادية بين البلدين زخمًا جديدًا.

ومع أن إيران لم تتمكن حتى الآن من الاندماج مجددًا في النظام الاقتصادي العالمي عقب الوصول للاتفاق النووي مع مجموعة "5+1"، إلا أن صادراتها النفطية إلى الأسواق الدولية -لا سيما الأوروبية والآسيوية- تعافت خلال فترة وجيزة، كما تطلعت إلى تعزيز شراكاتها الاقتصادية مع دول مختلفة، لا سيما تركيا والهند.

 ومن دون شك، فإن المغرب إذا ما نجحت في الانضمام مجددًا إلى الاتحاد الإفريقي -بعد الطلب الرسمي الذي تقدمت به في يوليو 2016 للحصول على عضوية المنظمة- فسيعزز ذلك من روابطها مع دول إفريقيا جنوب الصحراء التي شهدت معاملاتها الاقتصادية معها طفرة كبيرة في السنوات الماضية حيث أصبحت من ضمن قائمة كبار المستثمرين بالقارة الإفريقية.

مُحفزات عديدة

تمثل الظروف الاقتصادية الداخلية المضطربة في بعض دول الإقليم أحد أهم المحركات الملحة لإعادة النظر في علاقاتها المتوترة مع أطراف دولية وإقليمية، هذا إلى جانب اعتبارات سياسية وأمنية أخرى بطبيعة الحال.

ففي ضوء تباطؤ النمو الاقتصادي المتوقع للاقتصاد التركي في الأجل المتوسط عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة في يوليو 2016؛ يبدو ملحًّا لتركيا أن تتفادى خسائر مقدرة بنحو 7.3 مليارات دولار جراء فرض روسيا عقوبات عليها شملت قطاعات اقتصادية عديدة، أهمها السياحة والمقاولات. ذلك في الوقت الذي أخذت فيه علاقاتها السياسية مع شركائها الاقتصاديين الرئيسيين -وهما الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية- منحى جديدًا، لا سيما مع مماطلة الأخيرة في تسليم فتح الله جولن الذي تتهمه أنقرة بالمشاركة في المحاولة الانقلابية.

في حين أن التقارب بين تركيا وإسرائيل يمثل دفعة قوية لمبادلاتهما التجارية التي تضاعفت في السنوات الماضية من نحو 2.3 مليار دولار عام 2010 إلى 4.2 مليارات دولار في عام 2015. كما تسعى الدولتان إلى تعزيز شراكتهما في استغلال موارد الغاز الطبيعي في حوض شرق البحر المتوسط.

بينما تحاول إيران هي الأخرى أن تتخطى الأزمة الاقتصادية التي تعرضت لها قبل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها في يناير 2016 بموجب الاتفاق النووي النهائي مع مجموعة "5+1". وتطمح إيران في أن تصل بإنتاج النفط اليومي إلى 4.6 ملايين برميل يوميًّا في غضون خمسة أعوام بحسب وزير النفط الإيراني بيجن زنجنه، وتحقيق نمو مستهدف بنسبة 5% بنهاية العام المالي الجاري.

ووفق مؤشرات أولية، نجحت إيران في زيادة صادراتها للأسواق الدولية، لا سيما الآسيوية والأوروبية. فقد بلغت صادراتها إلى أوروبا نحو 580 ألف برميل يوميًّا في يونيو 2016 ارتفاعًا من 530 ألف برميل يوميًّا في مايو 2016، بما يقترب من زيادة مقدارها ستة أمثال مستويات ما قبل رفع العقوبات الاقتصادية.

في الوقت ذاته، فإن الاتفاق النووي سمح لها بمزيد من إبرام الصفقات الرابحة مع المجتمع الدولي. وفي هذا الصدد، تعهد الرئيس الهندي ناريندرا مودي خلال زيارة إلى إيران، في مايو 2016، بضخ 500 مليون دولار لمشروع تطوير ميناء تشابهار بجنوب إيران الذي سيربط إيران وأفغانستان وآسيا الوسطى.

وعلى جانب آخر، تتسق الخطوة المغربية بالعودة إلى الاتحاد الإفريقي مع أجندة سياستها الخارجية التي تعطي إفريقيا أولوية في تعزيز وتطوير العلاقات على مختلفة الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية. ففي غضون السنوات الماضية، وبالرغم من عدم انتماء المغرب لإطار التجمع الوحدوي الإفريقي منذ عام 1984؛ نجحت في تطوير شراكاتها الاقتصادية على أساس ثنائي مع دول إفريقيا جنوب الصحراء حتى أصبحت من كبار المستثمرين بالقارة.

ومن دون شك، فإن نجاحها في الانضمام سيعزز مكانتها لتعميق علاقتها الاقتصادية، علاوة على التعاون في المجال الأمني لا سيما الخاص بجهود مكافحة الإرهاب بغرب إفريقيا. فضلا عن ذلك، ربما تدعم هذه الخطوة مقترحها للحكم الذاتي في الصحراء الغربية.

مهمة صعبة

قد تمهد خطوات إعادة بناء الثقة التي اتخذتها دول الإقليم مع أطراف دولية مختلفة للحفاظ على مصالحها الاقتصادية، ولكن في الوقت نفسه ينبغي التنويه بأن تطبيع العلاقات الاقتصادية بنفس مستوى الزخم السابق عملية تحول كبيرة سوف تستغرق وقتًا أطول لاختبار مصداقية وثقة الأطراف المختلفة.

وعلى هذا الأساس، فإن العلاقات بين الجانبين التركي والروسي ستعود بشكل تدريجي على ما يبدو، وهذا الاتجاه أكده الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين أثناء المحادثات التي أجراها مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سان بطرسبرج في أغسطس 2016.

وعلى الرغم من التقدم الذي يدعي الطرفان إنجازه بصدد تطبيع العلاقات مجددًا؛ لا تزال هناك حاجة لمزيدٍ من الوقت لوضع أسس قابلة للاستمرار للتعاون بصدد الملفين الأمني والاقتصادي، لا سيما في بعض القضايا الخلافية، مثل التنسيق حول التعامل مع النظام السوري الحالي، أو المشروعات ذات الطابع الاستراتيجي على غرار مشروع "السيل التركي" الذي سيمد أوروبا بالغاز عبر تركيا عمليًّا.

ويبدو أن سيناريو انتعاش حركة المبادلات التجارية مجددًا بين الطرفين وعودتها إلى سابق مستوياتها السابقة والبالغة 31.1 مليار دولار في عام 2014 هو الأكثر احتمالا عن مجالات التعاون الأخرى. في المقابل ورغم الاتفاق على استئناف حركة السياح الروس إلى مدن السياحة التركية، إلا أن التوترات السياسية والأمنية التي تشهدها تركيا ربما تمثل قيدًا على تدفقات السياحة الروسية.

وفي الإطار نفسه، ففي حين انتهزت إيران الاتفاق النووي النهائي في تحقيق مكاسب اقتصادية جيدة تتمثل بالأساس في إنعاش صادراتها النفطية؛ إلا أن اندماجها مجددًا في النظام الاقتصادي العالمي يظل مرهونًا بتبديد المخاوف الأمريكية الخاصة بالتزام إيران ببنود الاتفاق، علاوةً على عدم انتهاكها شروطًا أخرى تتعلق بحقوق الإنسان وعدم مساندة الجماعات الإرهابية.

وحتى الآن، لا تزال إيران تواجه صعوبات بالغة في تسوية تعاملاتها بالدولار مع المؤسسات العالمية، وهو ما دفعها مؤخرًا إلى الاتفاق مع كوريا الجنوبية على استخدام اليورو في تعاملاتهما التجارية للالتفاف على العقوبات الأمريكية التي تتصل بالتعامل بالدولار مع إيران. يضاف إلى ذلك قيود أخرى تتعلق بمناخ الاستثمار، لا سيما المتعلق بتدخل شركات الحرس الثوري الإيراني في العديد من الأنشطة الاقتصادية بالبلاد.

ووفقًا لمعطيات الواقع، ربما لم تتأثر المعاملات الاقتصادية بين إفريقيا جنوب الصحراء والمغرب كثيرًا بخروج الأخيرة من منظمة الوحدة الإفريقية في 1984، بل على العكس اكتسبت زخمًا على مدار السنوات الماضية. ومع ذلك فإن الموقف الإفريقي من قضية الصحراء الغربية قد يبقى عقبة رئيسية على صعيد التعاون بشكل جماعي مع القارة الإفريقية.

ختامًا، يُمكن القول إن تطبيع العلاقات الاقتصادية بين الأطراف السابقة وبعضها بعضًا يتطلب تجاوز عقبات سياسية، وهو أمر لا يبدو هينًا، على الأقل في الأجل القصير، بشكل يجعل عملية تعزيز العلاقات الاقتصادية مجددًا محل شك كبير.

لقراءة النص كاملاَ رجاءً الضغط هنا