أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

دوافع متعددة:

لماذا سعى "داعش" إلى السيطرة على "تورا بورا"؟

24 يونيو، 2017


يسعى تنظيم "داعش" إلى توسيع نطاق نفوذه في أفغانستان ليصبح التنظيم الأقوى داخل البلاد، وهو ما دفعه إلى الهجوم على منطقة تورا بورا، في 15 يونيو الجاري، والتي كانت تُعرف بأنها معقل الزعيم السابق لتنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن خلال فترة الحرب الأمريكية على أفغانستان عام 2001، وكانت تقع تحت سيطرة حركة "طالبان"، التي أعلن المتحدث الرسمي باسمها ذبيح الله مجاهد أن "داعش" سيطر على بعض قراها لكن لم يفرض نفوذه عليها بشكل كامل. ورغم أن السلطات الأفغانية أكدت استعادتها المنطقة التي سيطر عليها "داعش"، إلا أن ذلك لا ينفي أن التنظيم ربما يحاول من جديد شن هجمات أخرى عليها، بشكل يطرح تساؤلات عديدة عن الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها من خلال ذلك.

تطورات مترابطة:

جاء هجوم "داعش" على منطقة تورا بورا فى وقت يحاول التنظيم التمدد بشكل ملحوظ وإحكام سيطرته على المناطق التي ينتشر فيها، وهو ما بدا جليًا في إصداره المرئي، الذي نشره في 22 فبراير 2017 تحت عنوان "الحياة في ظل الشريعة"، والذي يشرح فيه الحياة فى المناطق والقرى التي يسيطر عليها والقوانين الصارمة التي يطبقها فيها.

 كما يأتي الهجوم على تورا بورا، التي توصف بـ"المعقل الحصين"، فى وقت تتواصل فيه عمليات التنظيم، بشكل ملحوظ، ضد القوات الحكومية، على غرار الهجوم على المستشفى العسكري بكابول في 8 مارس 2017، والذي أدى إلى مقتل 49 شخصًا، واستهداف المحكمة العليا في العاصمة، وهو ما أسفر عن مقتل 21 شخصًا. وقد كان ذلك أحد أسباب إقدام القوات الحكومية على شن هجمات ضد التنظيم، من أجل تقليص قدرته على توسيع نطاق سيطرته داخل أفغانستان.

أهداف مختلفة:

 يسعى تنظيم "داعش" من خلال محاولة السيطرة على تورا بورا إلى تحقيق أهداف عديدة تتمثل في:

1- إنهاء رمزية "القاعدة": تمثل منطقة تور بورا التي حاول "داعش" السيطرة عليها رمزًا هامًا لتنظيم "القاعدة"، المنافس التقليدي للأول، نظرًا لأنها كانت معقل زعيمه السابق أسامة بن لادن، وبالتالي فإن هجوم "داعش" على بعض قراها يعد بمثابة محاولة لتوجيه ضربة قوية لرمزية "القاعدة"، ليس فى أفغانستان فقط وإنما فى الدول التي يتواجد فيها عناصر تابعة للتنظيم الأخير. 

ومن هنا ربما يمكن تفسير أسباب حرص تنظيم "داعش" على نشر تسجيل، فى 15 يونيو 2017، يعلن فيه أن "رايته ترفرف فوق جبال تورا بورا" وأن "مقاتليه استولوا على المخبأ الجبلي للزعيم السابق للتنظيم"، وهو ما يمكن أن يمثل تحديًا قويًا أمام قيادات تنظيم "القاعدة" فى الحفاظ على هيبته أمام أعضائه وفروعه المختلفة.

2- استعراض قوة: لا يمكن فصل اتجاه تنظيم "داعش" إلى الهجوم على منطقة تورا بورا عن الخطوة التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية في 13 إبريل 2017، بإلقاء أكبر قنبلة غير نووية في العالم، والتي تعرف بـ"أم القنابل"، على أحد معاقل التنظيم في شرق أفغانستان، وهو ما أسفر عن مقتل العشرات من عناصره وتدمير قسم كبير من معداته، وهى الخطوة التي توازت مع التصريحات التي أدلى بها قائد القوات الأمريكية في أفغانستان الجنرال جون نيكلسون، التي تعهد فيها بالقضاء على تنظيم "داعش" في أفغانستان. وهنا، يمكن اعتبار التحركات الأخيرة التي قام بها التنظيم بمثابة محاولة لتوجيه رسالة بأنه ما زالت لديه القدرة على توسيع نطاق نفوذه رغم الضربات القوية التي يتعرض لها من جانب القوات الأمريكية أو القوات الحكومية.

3- إضعاف "طالبان": ربما يحاول "داعش" من خلال السيطرة على تورا بورا فرض مزيد من الضغوط على حركة "طالبان" التي تبدي أهمية خاصة بتلك المنطقة منذ اندلاع الحرب الأمريكية على أفغانستان، بشكل قد يؤثر على تماسكها الداخلي ويزيد من احتمالات اتجاه بعض قادتها وكوادرها إلى الانشقاق عليها والانضمام إلى التنظيم، الذي يسعى في المرحلة الحالية إلى استقطاب أكبر عدد من المتعاطفين معه لتعويض الخسائر التي يتكبدها نتيجة انخراطه في مواجهات مسلحة على أكثر من جبهة.

4- توفير معقل آمن: تشير بعض الاتجاهات إلى أن تنظيم "داعش" يهدف من خلال محاولة السيطرة على تورا بورا إلى تأسيس معقل جديد قد يساعده في تقليص تداعيات الضربات العسكرية التي يتعرض لها، خاصة بعد اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية إلى استخدام أسلحة قوية في مهاجمة المناطق التي يسيطر عليها، على غرار ما حدث في إبريل 2017. 

وبمعنى أدق، فإن التنظيم يحاول، على ما يبدو، في الفترة الحالية تكرار سيناريو اتجاه تنظيم "القاعدة" وحركة "طالبان" للاحتماء بجبال وكهوف تورا بورا خلال فترة الحرب الأمريكية على أفغانستان، وهو ما يشير إلى أنه ربما يستعد لمرحلة جديدة من التصعيد مع الأطراف المنخرطة في الحرب ضده.

 وهنا، فإن هذه الاتجاهات لا تستبعد أن يكون "داعش" قد بدأ في الإعداد لاستقبال بعض العناصر التي كانت تقاتل في صفوفه في كل من العراق وسوريا، وذلك بعد انحسار نفوذ التنظيم في الدولتين في ظل العمليات العسكرية التي تشنها ضده قوات التحالف الدولي وبعض الأطراف الأخرى. 

5- الانتشار الجغرافي: يبدو أن التنظيم يعتبر أن السيطرة على تورا بورا بداية لمرحلة جديدة من الانتشار في المناطق التي تسيطر عليها حركة "طالبان" أو القوات الحكومية، وهو ما تعكسه تصريحات القيادي في التنظيم أبو عمر الخراساني، التي قال فيها: "نحن في تورا بورا، وليس ذلك النهاية، فالخطة هى انتزاع مزيد من الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة الأفغانية وحركة طالبان".

وفي النهاية، ربما يمكن القول إنه رغم أن تنظيم "داعش" في أفغانستان لم ينجح حتى الآن في الانتشار والتوسع بالسرعة نفسها التي انتشر فيها داخل كل من العراق وسوريا، إلا أن ذلك لا ينفي أنه بات يمثل خطرًا حقيقيًا سواء على الوضع فى أفغانستان، أو على دول الجوار، لا سيما أن هجومه الأخير على منطقة تورا بورا ربما يكون بداية لسلسلة من الهجمات للسيطرة على عدد من المناطق الاستراتيجية بهدف توسيع نطاق نفوذه وتعزيز قدرته على مواجهة الضغوط التي يتعرض لها.