أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

رؤى متقاطعة:

السيناريوهات المتوقعة لمؤتمر "جنيف 4"

01 مارس، 2017


في خطوة تالية لمفاوضات "الأستانة 2" تُعقد مفاوضات "جنيف 4" في ظل سياق أكثر تعقيدًا، وتمثيل أوسع، وخلافات بارزة في الرؤى بين الأطراف المعنية بالأزمة السورية. وفي هذا السياق، تتزايد احتمالات عدم خروج المفاوضات بنتائج حاسمة يمكن أن تضع حدًا للصراع السوري، وهو ما يُعززه تباين مواقف المعارضة حول الوفد المشارك الذي يمثلها في المفاوضات، بشكل قد يفرض تداعيات سلبية على ما تم تحقيقه في إطار "الأستانة 2" من مكتسبات أبرزها ترسيخ وقف إطلاق النار.

ومع انعقاد الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف، تطرح تساؤلات عديدة حول مدى إمكانية نجاحها، وقبل ذلك آليات تقييم هذا النجاح في حال حدوثه، استنادًا إلى تضارب الأهداف والمصالح والرؤى الذي ظهر منذ بداية الإعداد للمفاوضات، والذي لا ينفصل عن بعض المتغيرات الأخرى التي ألقت بظلالها على مجريات الأحداث، وأبرزها عدم وضوح الموقف الأمريكي حتى الآن، واتساع نطاق سيطرة القوات المدعومة من تركيا على الحدود، وتصاعد الجدل حول إمكانية الاستفادة مما خرج به مؤتمر الأستانة من نتائج.

نقاط التشابه والاختلاف:

يُمكن إجمال أبرز الفروق بين كلٍّ من مفاوضات "الأستانة 2" و"جنيف 4" فيما يلي:

1- التمثيل: اقتصرت مفاوضات الأستانة على الفصائل المسلحة في سوريا، بينما تضمنت مفاوضات جنيف كلا التمثيلين -السياسي والعسكري- للمعارضة.

2- التوافق: شهدت الأستانة درجةً أعلى من التوافق بين الفصائل المسلحة، وهو ما بدا جليًا في تشكيل وفد موحد للمعارضة حضر المفاوضات، بينما شهدت مفاوضات جنيف درجة أكبر من التعقيد في ظل اتساع نطاق مشاركة المعارضة الذي ترتب عليه انقسامات بين صفوفها ظهرت في حضور ثلاثة وفود منفصلة.

3- صيغة التفاوض: لم يلتقِ وفدا المعارضة والنظام في الأستانة وجهًا لوجه أثناء المفاوضات، حيث تم الفصل بين الطرفين، بينما تضمنت مفاوضات جنيف إبداء المعارضة رغبتها في التفاوض المباشر مع النظام، حيث شهدت أول تفاوض يتم مباشرة بين الأطراف المختلفة منذ ثلاث سنوات.

لكن رغم ذلك، هناك عدد من أوجه الاتفاق بين مؤتمرى الأستانة وجنيف، وهى: 

1- نبذ الحل العسكري وإعلاء الحل السلمي.

2- منح الأولوية لوقف إطلاق النار ومكافحة التنظيمات الإرهابية.

3- استمرار إقصاء الأكراد.

سياق مركب: 

تتزامن مفاوضات جنيف مع العديد من التطورات التي من المتوقع أن تنعكس بصورة مباشرة على مساراتها ونتائجها المحتملة، ويتمثل أبرزها فيما يلي:

1- استمرار وقف إطلاق النار المعلن عنه منذ 30 ديسمبر 2016، كأحد أهم محاور مؤتمر "أستانة 2"، والذي لا يزال مستمرًّا مقارنةً باتفاقات وقف إطلاق نار أخرى لم تصمد إلا أيامًا معدودة، وذلك رغم هشاشته بسبب ما يتخلله من اختراقات.

2- اتساع مساحة المناطق التي تسيطر عليها القوات المدعومة من تركيا، لا سيما قوات "درع الفرات" عقب نجاحها في تحرير مدينة الباب من سيطرة تنظيم "داعش"، وهو ما يُعد خطوة فاعلة في تحقيق أحد أهم أهداف تركيا التي تتركز حول القضاء على فرص توسع النفوذ الكردي على الحدود، بالإضافة إلى الاستعداد للمشاركة في معركتى الرقة ودير الزور ضمن التحالف الدولي.

3- إصرار النظام السوري على محاولة استثمار نتائج معركة حلب لتعزيز موقعه التفاوضي في جنيف، رغم تعرضه لضربات قوية خلال الآونة الأخيرة، من جانب بعض التنظيمات، على غرار "هيئة فتح الشام" التي أعلنت تبنيها للتفجيرات التي استهدفت مقرين أمنيين تابعين للنظام في حمص في 25 فبراير 2017، وأسفرت عن مقتل 42 شخصًا من بينهم قيادات عسكرية بارزة.

4- عدم وضوح الموقف الأمريكي من مختلف أطراف الصراع داخل سوريا، في إطار توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة، والتي تعول عليها المعارضة كثيرًا، خاصة في ظل بروز تكهنات بأن الموقف الأمريكي من إيران لا بد وأن ينعكس بالإيجاب على المعارضة في سوريا.

5- تولي غوتيريش منصب الأمين العام للأمم المتحدة، وهو ما يُمكن أن يساهم في حدوث تغييرات في معطيات التعامل مع المفاوضات، خاصة في ظل الاهتمام الكبير للأمين العام الجديد بقضايا اللاجئين من خلال عمله كمفوض للأمم المتحدة لشئون اللاجئين خلال الفترة من عام 2005 وحتى عام 2015.

6- ظهور بوادر للخلاف الروسي- الإيراني، ففي الوقت الذي تتجه فيه روسيا إلى دعم الحل السياسي استنادًا إلى عدم إمكانية تحقيق انتصار عسكري حاسم داخل سوريا، فإن إيران لا تزال ترى أن الحل السياسي قد يمثل تهديدًا لمصالحها الإقليمية.

7- استمرار العمل بنتائج مؤتمر الأستانة، خاصة أن المؤتمر الأخير وضع خطوطًا عريضةً للمفاوضات التالية في جنيف، وهو ما دفع اتجاهات عديدة إلى اعتباره بمثابة مرحلة تمهيدية لمفاوضات جنيف عقب الاتفاق على وقف إطلاق النار بين الفصائل المسلحة والنظام بضمان الدول الثلاث الراعية للمفاوضات.

سيناريوهات محتملة:

ربما يمكن القول إن ثمة ثلاثة سيناريوهات رئيسية محتملة لمفاوضات جنيف: السيناريو الأول: فشل المفاوضات، وهو ما يستند إلى عددٍ من المؤشرات، التي يتمثل أبرزها في إصرار بعض قوى المعارضة على التمسك برؤيتها القائمة على ضرورة مناقشة مسألة الانتقال السياسي، في الوقت الذي تمنح فيه أطراف أخرى الأولوية لمحاربة التنظيمات الإرهابية، إلى جانب عدم نجاح المعارضة في تشكيل وفد مشترك في المفاوضات، وهو ما جعل معظم الجهود تتركز حول محاولة التوفيق بين رؤى الوفود الثلاثة المختلفة للمعارضة بدلا من العمل على الوصول إلى محاور توافق بين النظام والمعارضة.

وتكمن خطورة فشل المفاوضات في إمكانية إعادة الأوضاع إلى ما قبل "الأستانة 2"، خاصة فيما يتعلق بتراجع فرص الحل السياسي والاستناد إلى الخيار العسكري من جديد.

والسيناريو الثاني: إبرام صفقة جزئية بين النظام وقوى المعارضة الأكثر مرونة في التعامل مع قضية "انتقال السلطة"، وهو السيناريو الذي يدعمه خسارة المعارضة لعدد من المعارك، وتراجع سيطرتها على مواقع عدة، في مقابل الانقسام الداخلي بين صفوفها الذي وضعها أمام المجتمع الدولي في موقف حرج، مع تقدم النظام والميليشيات الحليفة له في عدد من المعارك وعلى رأسها معركة حلب. 

لكن احتمالات تحقق هذا السيناريو تبقى ضعيفة، نتيجة لما يشترط في إطار المفاوضات من ضرورة الاتفاق بالإجماع على ما يتم طرحه من تسويات خلالها، بالإضافة إلى تداعياته المتوقعة التي تتعلق باتجاه قوى المعارضة الأخرى إلى تصعيد عملياتها العسكرية ضد النظام، وهو ما قد يؤدي إلى تفاقم الصراع مرة أخرى.

والسيناريو الثالث: تأجيل الحسم لجولة مفاوضات تالية، وهو ما يعني -ضمنًا- محاولة إبقاء الأوضاع على ما هي عليه، مع الحفاظ على استمرار وقف إطلاق النار، وهو سيناريو أقرب إلى التحقق، ويعني الخروج ببيانات لا تتضمن حسمًا في أى اتجاه، مع التلميح إلى إمكانية تأجيل الحسم إلى جولة مفاوضات تالية، وهو ما يستند إلى ما تشهده المفاوضات من انقسامات وتضارب في الرؤى حول العديد من الملفات، بالإضافة إلى عدم الاتفاق على جدول أعمال موحد، بشكل قد يزيد من احتمالات عدم استمرار عملية وقف إطلاق النار وقتًا طويلا، مع إمكانية حدوث تصعيد عسكري بهدف امتلاك أوراق ضغط جديدة يتم الاستناد إليها في الجولة التالية للمفاوضات.

ووفقًا لما سبق، فإن هذه السيناريوهات الثلاثة المتوقعة تصب في الاتجاه ذاته الخاص ببقاء الأوضاع على ما هي عليه، وهو ما سيفتح المجال، غالبًا، أمام التنظيمات الإرهابية والقوى التي تم استبعادها من المفاوضات لمحاولة التصعيد واستعادة نفوذها على الأرض من جديد.