أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

نماذج مختلفة:

أنماط توظيف دول المنطقة لـ"الإعلام الاستباقي"

01 يناير، 2017


على الرغم من أهمية "الإعلام الاستباقي" في تهيئة المجتمعات والرأى العام لقبول قرارات أو تحولات سياسية ما، فإن توظيف ذلك النمط من الإعلام في بعض دول المنطقة جاء متأخرًا عن مثيله في الدول الغربية، الذي ظل مؤثرًا بشكل كبير على الرأى العام في المنطقة، لا سيما وأن جزءًا كبيرًا من "الإعلام الاستباقي" في تلك الدول كان -ولا يزال- مُوَجِّهًا ومخاطِبًا الرأي العام في المنطقة؛ حيث مارست القنوات الغربية الموجهة الدور الأبرز في هذا الإطار.

ويُعد نمط "الإعلام الاستباقي" أحد أكثر أنماط الإعلام تعقيدًا نظرًا لتعدد أدواره وأهدافه، فيمكن أن يكون إعلامًا تحريضيًّا، أو مهيِّئًا، أو منذرًا، أو محفِّزًا. وعادةً ما يسعى "الإعلام الاستباقي" لتحقيق هدفه من خلال تبني قضية ما وتسليط الضوء عليها، وتصديرها بكثافةٍ إلى المتلقي، ومن هنا يأتي تعدد نماذج هذا النمط من الإعلام.

ريادة غربية:

ظل نمط "الإعلام الاستباقي" حكرًا على وسائل الإعلام الغربية لسنوات طويلة، فيما ظلت المنطقة مستقبِلَةً لهذا النوع من الإعلام، ومتأثرة به وبتداعياته، إذ لم يكن ذلك النمط شائعًا في الإعلام العربي، وقد برز دور "الإعلام الاستباقي" الغربي خلال العشرين عامًا الماضية، إذ مثّل إطلاق الولايات المتحدة الأمريكية خطة "الحرب على الإرهاب" منعطفًا مهمًّا في مسيرة "الإعلام الاستباقي" الغربي، والأمريكي خاصة؛ حيث مهد ذلك النمط من الإعلام للحرب على أفغانستان ومن ثم على العراق، ثم التواجد الأمريكي في العراق لسنوات طويلة بعد تأهيل الرأى العام العالمي والأمريكي والإقليمي لهذه التحركات العسكرية التي تأتي، وفقًا للرؤية الأمريكية، في إطار الحرب على الإرهاب في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001، والتي استطاع الإعلام الأمريكي توظيفها بشكل جيد لخدمة أهداف وسياسات واشنطن خلال سنوات طويلة أعقبت تلك الأحداث.

نماذج إقليمية:

وبعد ظهور "الإعلام الاستباقي" في المنطقة، تعددت أنماطه بشكل سريع، حيث انقسم إلى أربعة أنماط رئيسية هى:

1- إعلام ترويجي: ويبرز في هذا السياق الإعلام الإيراني الذي سعى منذ بداية الأزمة السورية إلى تشويه صورة الاحتجاجات الشعبية، والتشكيك في نوايا المعارضة، والتأكيد على "دعم سوريا ضد التقسيم"، والوقوف إلى جانب النظام السوري الحليف، على الرغم من الأزمات الاقتصادية التي تواجهها إيران، بسبب العقوبات الخانقة التي تعرضت لها على خلفية أزمة برنامجها النووي، والتي لم يُحدث رفعها، في مرحلة ما بعد الوصول للاتفاق النووي في يوليو 2015، تحسنًا ملموسًا في حياة المواطن الإيراني، لا سيما في ظل بقاء العقوبات الأمريكية التي ما زالت تعرقل رفع مستوى التعاملات بين المصارف الإيرانية والمصارف الغربية. 

فضمن استراتيجية إعلامية واضحة تعتمدها إيران في مثل هذه الحالات، روج الإعلام الإيراني لفكرة أساسية مفادها أن سوريا آخر "قوى الممانعة" في المنطقة، وأن سقوط نظامها يعني انهيار "محور الممانعة" الذي تقوده إيران، وتتحالف في إطاره سوريا مع النظام الإيراني، وقد اعتمد في هذا السياق على شعبية الشعارات الرنانة لدى شريحة مهمة من الرأى العام الإيراني، ودعا ضمنيًّا إلى تحمل تبعات دعم النظام الحليف في سوريا.

وحتى مع الخسائر البشرية المستمرة التي تكبدتها إيران في سوريا، سارع الإعلام الإيراني إلى التأكيد على أن القيادات العسكرية في سوريا تؤدي واجبًا وطنيًّا، وتعمد التركيز على تصريحات المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، في 6 ديسمبر 2016، التي أشار فيها إلى أن إيران تدافع عن نفسها بدعمها للنظام السوري.

وفي الإطار ذاته، حرصت وسائل الإعلام القريبة من حكومة الرئيس حسن روحاني، خلال مرحلة المفاوضات مع مجموعة "5+1" والتي انتهت بالوصول للاتفاق النووي في يوليو 2015، على الترويج للعوائد الاقتصادية والسياسية الكبيرة التي سوف يفرضها الاتفاق النووي، وذلك لمواجهة حملة الدعايا المضادة التي شنتها وسائل الإعلام القريبة من تيار المحافظين، والتي اعتبرت أن هذا الاتفاق يتضمن ثغرات خطيرة ويهدر الجهود التي بذلتها إيران خلال السنوات الماضية لتطوير برنامجها النووي.

2- إعلام تمهيدي: ويسعى هذا النمط إلى تهيئة الرأى العام الداخلي لإجراءات جديدة، وهو ما يبدو جليًا في الإعلام التركي التابع للحكومة، فمنذ اللحظات الأولى التي أعقبت محاولة الانقلاب الفاشلة، شن هذا الإعلام هجومًا قويًا على حركة "خدمة" ومؤسسها فتح الله جولن باعتبارها المحرضة على تنفيذ تلك المحاولة، ودعا إلى إقصاء العناصر التابعة للحركة من المؤسسة العسكرية والمؤسسات الرئيسية في الدولة، كما حاول الحصول على دعم الرأى العام التركي لهذه الدعوة من خلال بث العديد من البرامج الحوارية حول هذه القضية، استثمارًا لتأييد أبداه قطاع عريض من الشارع التركي للرئيس رجب طيب أردوغان في مواجهة محاولة الانقلاب.

غير أن التوسع في تنفيذ ما روج له وطالب به الإعلام التركي متمثلا في إقصاء المنتمين لحركة "خدمة" من مؤسسات الدولة، قد أثار استياءً في الشارع التركي حاول الإعلامُ احتواءه بعد ذلك من خلال توجيه الاهتمام إلى قضايا أخرى، ويتمثل أهمها في العمليات الإرهابية التي تتعرض لها تركيا، وتتهم حزب العمال الكردستاني وتنظيم "داعش" بالمسئولية عنها، إلى جانب الجهود التي تبذلها تركيا للوصول إلى تسوية للأزمة السورية.

3-إعلام تحذيري: رغم الانتقادات التي توجه لبعض وسائل الإعلام في المنطقة بسبب غياب دورها في محاربة الإرهاب النشط في العديد من دولها، فإن الإعلام المغربي قد استطاع توظيف نمط "الإعلام الاستباقي "خلال السنوات الماضية لخدمة هذا الهدف، من خلال تبني استراتيجية تعتمد على تغيير الخطاب والمحتوى الإعلامي الموجه لمناقشة قضايا الإرهاب، وهى السياسة التي تبلورت منذ أصدر العاهل المغربي الملك محمد السادس قرارًا يقضي بمراجعة مناهج وبرامج تدريس التربية الدينية في مختلف مستويات التعليم بغرض تكريس قيم التسامح والاعتدال.

ويأتي الخطاب الإعلامي المغربي المتجدد إزاء قضايا الإرهاب في إطار خطة أوسع اعتمدتها المملكة المغربية عام 2008 للإصلاح الديني، حيث يرى الخبراء أن المقاربة الإعلامية المغربية لمحاربة الإرهاب والتحذير من مخاطره على المجتمع، ساهمت بدرجة كبيرة -إلى جانب المقاربات الأمنية- في تفكيك عدد من الخلايا الإرهابية. 

4- إعلام تحريضي: يبرز نموذج سلبي لـ"لإعلام الاستباقي"، في المنطقة، ويتمثل في التناول الإعلامي للأزمات التي تتصاعد، في بعض الأحيان، بين بعض دولها، بشكل يؤدي إلى اتساع نطاقها وعرقلة جهود تسويتها، وهو ما يبدو جليًا في الخلافات المغربية- الجزائرية، حيث سعت بعض وسائل الإعلام في المغرب والجزائر إلى تبني نهج تحريضي، وغالبًا ما تتسبب في ترويج شائعات حول توترات جديدة تبدو في الأفق بين الدولتين.

فعلى سبيل المثال، تُركز بعض وسائل الإعلام في الدولتين على خلاف "ثقافي" نشب، في سبتمبر 2016، بينهما في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، ويدور حول مساعي الدولتين لتصنيف موسيقى "الراى" كموروث ثقافي وتراث إنساني ضمن الثقافة المحلية لكل منهما، وهو الخلاف الذي تم تضخيمه من جانب وسائل الإعلام.

فقد تقدمت اللجنة المنظمة لمهرجان "الراى" في المغرب بطلب إلى المنظمة لتصنيف موسيقى "الراى" باعتبارها تراثًا مغربيًا، وهو ما دفع الجزائر إلى التقدم بطالب مماثل.

وفي النهاية، يمكن القول إن توظيف أنماط "الإعلام الاستباقي" في المنطقة يبدو أنه سوف يتزايد خلال المرحلة المقبلة، خاصة في ظل استمرار الخلافات العالقة بين القوى الإقليمية والدولية المختلفة المعنية بأزماتها، التي لا يبدو أنها مقبلة على تسويات سياسية في المدى القريب.