أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

مسارات مختلفة:

هل تُمثل برامج التقشف مخرجًا للأزمات الاقتصادية بالدول العربية؟

22 نوفمبر، 2016


بعض الحكومات بمنطقة الشرق الأوسط إلى تنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي بالتعاون مع مؤسسات التمويل الدولية مثل صندوق النقد الدولي، بهدف مواجهة الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تُعاني منها حاليًّا في ضوء تراجع أسعار النفط، وتصاعد حدة الصراعات المسلحة بالمنطقة، إلى جانب استمرار الأزمات الهيكلية العميقة المتراكمة منذ سنوات، والتي تسببت في مشكلات اقتصادية متراكمة، على غرار زيادة عجز الموازنة، واضطراب أسواق الصرف، وتباطؤ النمو الاقتصادي.

ومن أجل تجاوز المشكلات السابقة، تُجري بعض حكومات المنطقة حزمة من الإصلاحات تستهدف تحقيق الاستقرار الاقتصادي بالأساس، وتشمل تحرير سعر الصرف، ورفع الضرائب، وتجميد التوظيف العام، بجانب إعادة هيكلة منظومة الدعم. وهذه الخطوات من دون شك ستؤدي إلى استقرار نسبي للأوضاع المالية والنقدية في الأجل القصير، ومن ثم إنعاش الاقتصاد في المرحلة المقبلة، بيد أنها، من جهة أخرى، سترفع من التكلفة السياسية والاجتماعية لهذه التدابير الإصلاحية. كما أن نجاحها على المدى المتوسط والطويل يرتبط بمتغيرات أخرى مثل إصلاح المنظومة الضريبية وتبني سياسة التنويع الاقتصادي.

مشكلات عديدة:

تزايدت متاعب اقتصاديات الشرق الأوسط في آخر عامين مع استمرار تراجع أسعار النفط، واتساع نطاق الصراعات المسلحة بالإقليم، وهو ما فرض تداعيات عديدة تتمثل في:

1- تباطؤ النمو الاقتصادي: تُشير توقعات المؤسسات الدولية إلى استمرار تباطؤ النمو الاقتصادي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لا سيما الدول المُصدِّرة للنفط. وفي هذا الصدد، تشير توقعات البنك الدولي إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الشرق الأوسط لعام 2016 انخفض إلى أدنى مستوياته منذ عام 2013 ليصل إلى 2.3%، أي أقل من معدل العام الماضي بنصف نقطة مئوية. 

ويرجع ضعف أداء النمو في المنطقة إلى استمرار انكماش القطاعات الرئيسية بدول الإقليم، مثل قطاع النفط، والسياحة، والزراعة أيضًا، في ضوء تراجع أسعار النفط، إلى جانب استمرار الصراعات المسلحة في سوريا والعراق وليبيا واليمن.

2- عجز الموازنة العامة: مع انكماش إيرادات كل من الدول المصدرة والمستوردة للنفط بالمنطقة في مقابل تزايد الأعباء المالية، فمن المتوقع أن يرتفع إجمالي عجز الموازنة في المنطقة إلى 9.3% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2016، بزيادة نصف نقطة مئوية عما كان عليه العام الماضي، بحسب البنك الدولي.

3- عجز الحساب الجاري: تسببت عوامل عديدة مثل تراجع أسعار النفط، وعدم توفير العملات الصعبة، ونقص الطاقة، في تراجع القدرات التصديرية لدول المنطقة بشكل ملحوظ، في مقابل زيادة مستمرة لقيمة الواردات. وبالتالي، فقد تحول رصيد الحساب الجاري الإجمالي من فائض نسبته 4.4% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2014 إلى عجز نسبته 4.5% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2015، ومن المتوقع أن يتزايد العجز إلى 6.2% بنهاية عام 2016.

حزمة الإصلاحات:

من أجل تجاوز المأزق السابق، تسارع بعض الحكومات في المنطقة إلى إجراء عدد من الإصلاحات الاقتصادية، والتي تشمل الخطوات التالية:

1- تحرير سعر الصرف: بدأ عدد من دول الإقليم –مثل مصر والسودان- في التحول من نظام تثبيت سعر الصرف إلى نظام سعر صرف مرن، في محاولة لتصحيح أوضاع سوق الصرف التي تدهورت في الشهور الماضية بسبب شح العملات الصعبة بالأسواق الرسمية، وبما أدى إلى نشوء أسواق سوداء واسعة بالدول السابقة. وعلاوة على محفزات الانتقال السابقة، تحاول حكومات المنطقة أن تتلافى عيوب نظام تثبيت سعر الصرف، والتي تُعد أكثر كلفة واستنزافًا لاحتياطيات النقد الأجنبي.

 وفي هذا السياق، اتخذت مصر خطوة مهمة في شهر نوفمبر الجاري بتحرير سعر الصرف مقابل العملات الصعبة ليتداول الدولار بالبنوك فوق مستوى 13 جنيهًا مصريًّا مقابل 8.88 جنيهات سابقًا. وفي الشهر نفسه، طبق بنك السودان سياسة الحافز التي تقضي برفع سعر الدولار بالبنوك التجارية والصرافات بنسبة 131% ليقفز سعر الدولار في البنوك إلى 15.8 جنيهًا سودانيًّا، مقارنةً بـ6.5 جنيهات لسعر البيع الرسمي سابقًا.

 فيما أعلنت المغرب عن خططها لتحرير سعر صرف العملة المحلية، وأشار محافظ البنك المركزي المغربي في يوليو 2016 إلى أن الحكومة بصدد الانتقال تدريجيًّا نحو تحرير سعر صرف الدرهم مقابل الدولار، من أجل التكيف مع الصدمات الخارجية دون خسائر كبيرة.

جدول (1): الترتيبات الائتمانية بين بعض دول المنطقة وصندوق النقد الدولي


المصدر: صندوق النقد الدولي.

2- إعادة هيكلة الدعم: من ضمن أكثر التدابير انتشارًا التي تُنفذها حكومات المنطقة الآن في إطار برامج الإصلاح الاقتصادي، إعادة هيكلة دعم المشتقات النفطية وخدمات الكهرباء، حيث تستحوذ على نسبة كبيرة من النفقات الحكومية لدول المنطقة. وكما يقدر صندوق النقد الدولي فإن قيمة البندين معًا بلغت بنهاية عام 2015 نحو قرابة 154.02 مليار دولار، أو ما يوازي قرابة 3% من الناتج المحلي لدول المنطقة.

وفي عام 2012، بدأت الأردن أولى خطواتها نحو إعادة هيكلة دعم أسعار المشتقات النفطية حينما قررت الحكومة الأردنية رفع الأسعار وقتها بنسب تتراوح بين 16 و32%، حيث ارتفع سعر البنزين 90 من 700 فلس للتر ليصبح 800 فلس، وارتفعع سعر السولار والجاز من 515 فلسًا للتر إلى 685 فلسًا.

 وفي خطوات مماثلة، قامت كل من تونس والأردن ومصر والسودان برفع أسعار المشتقات في فترات مختلفة. ومن أجل تخفيض الدعم الحكومي، رفعت الحكومة التونسية في عام 2014 سعر لتر البنزين إلى 1.670 دينار من 1.570 دينار. وفي العام نفسه، قامت مصر برفع أسعار المشتقات النفطية والغاز الطبيعي بنسب تتراوح بين 11% إلى 122% قبل أن تقوم بزيادتها أيضًا في نوفمبر الجاري بنسب تتراوح بين 30% إلى 47%. فيما رفعت السودان مؤخرًا الدعم أيضًا عن المحروقات والأدوية، ليرتفع سعر لتر البنزين إلى 6.17 جنيهات من 4.6 جنيهات، بينما بلغ سعر لتر الديزل 4.11 جنيهات مقابل السعر السابق 3.11 جنيهات. 

 وفي إطار تمويل بقيمة 723 مليون دولار حصلت عليه الأردن من صندوق النقد الدولي في أغسطس 2016، من المقرر أن تُتخذ تدابير لتعديل المنظومة الضريبية لزيادة الإيرادات الحكومية، ورفع الدعم، مع فرض رسوم وضرائب إضافية على بعض السلع والخدمات، وذلك من أجل خفض الدين العام من مستوى 88.2% حاليًّا إلى 77% بحلول عام 2021. 

3- زيادة الضرائب وتجميد الوظائف: اتخذت بعض حكومات المنطقة تدابير تقشفية أخرى مثل الحكومة الجزائرية التي أعلنت في مشروع موازنة عام 2017 تطلعها لزيادة الضريبة على القيمة المضافة من 17% إلى 19%، وكذلك رفع الرسوم على العقارات والوقود والتبغ، إضافة إلى استحداث رسم على الأجهزة الكهربائية كثيفة الاستهلاك للطاقة. بينما سعت الحكومة التونسية لإرجاء الزيادة في الأجور والرواتب إلى سنة 2019 مثلما عليه الوضع في الجزائر التي تخطط لخفض الإنفاق الاستثماري وتجميد التوظيف العام. 

تداعيات مباشرة:

من المتوقع أن تتأثر اقتصاديات منطقة الشرق الأوسط ببرامج الإصلاح الاقتصادي على النحو التالي:

1- ضغوط تضخمية: ستؤدي التطورات المتعلقة بتحرير أسعار الصرف بجانب زيادة الأعباء الضريبية إلى ارتفاع الضغوط التضخمية بوتيرة سريعة بدول المنطقة. ومثالا على ذلك، من المتوقع أن يرتفع معدل التضخم بالجزائر إلى حدود 5.9% في عام 2016 مقابل 4.8% في عام 2015. كما أنه من المتوقع أن يشهد التضخم بمصر قفزة كبيرة من نحو 10.2% عام 2016 إلى 17% بنهاية عام 2017.

2- تباطؤ النمو الاقتصادي: من المتوقع أن تؤدي برامج التقشف التي تتبناها أغلب دول المنطقة بالتزامن مع تراجع الإنفاق الاستثماري وتجميد الوظائف العامة ومن ثم تباطؤ الاستهلاك الخاص، إلى استمرار تباطؤ النمو الاقتصادي في غضون العامين المقبلين، حيث من المرجح أن تسجل اقتصاديات المنطقة نموًّا محدودًا بنحو 3.1% و3.5% في عامي 2017 و2018 على التوالي. 

3- احتواء العجز: مع اعتماد تدابير ضبط أوضاع المالية العامة، من المتوقع أن ينخفض عجز الموازنات العامة لدول المنطقة تدريجيًّا على مدار العامين المقبلين؛ حيث من المرجح أن يهبط بنهاية عام 2016 في كل المنطقة من 9.3% إلى 6.2% و4% في عامي 2017 و2018. ومع ذلك، ستظل مستويات العجز مرتفعة ببعض الدول مثل الجزائر مما سيدفعها ضمن باقي دول المنطقة لزيادة الاقتراض الداخلي أو الخارجي، وهو ما سيعزز من إقبالها على طرح السندات المحلية المقومة بالدولار لسد هذا العجز.

خطوة نحو الأمام:

 إن كل ما سبق يُنذر بتكاليف اجتماعية قد تتحملها الطبقات المتوسطة ومنخفضة الدخل جراء تطبيق برامج الإصلاح الاقتصادي بدول المنطقة. فمن المتوقع أن تؤدي التدابير التقشفية السابقة إلى تآكل الدخول الحقيقية للأفراد، وزيادة معدلات الفقر، وأيضًا ارتفاع معدلات البطالة، وهو ما يتطلب من بعض حكومات المنطقة إعادة صياغة برامج الحماية الاجتماعية بشكل أكثر عدالة وكفاءة اقتصادية من أجل احتواء الآثار السلبية لبرامج الإصلاح. 

وبرغم الانعكاسات السلبية لبرامج الإصلاح، إلا أنها -من دون شك- ستمهد لاستقرار اقتصاديات المنطقة على المستوى الكلي، لا سيما في الأجل المتوسط والطويل، طالما اتجهت الحكومات، بالتوازي مع التدابير السابقة، إلى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالتنويع الاقتصادي، وتعزيز المنظومة الضريبية، وتكريس المساءلة والشفافية، وهي إجراءات لا غنى عنها لنجاح برامج الإصلاح الاقتصادي وتحقيق النمو المستدام بالمنطقة، والذي يبدو صعب المنال في ظل التطورات الإقليمية والعالمية المختلفة. 

 وختامًا، يمكن القول إن التدابير التقشفية ما هي إلا حلقة ضمن سلسلة من التدابير الأخرى التي ينبغي على بعض حكومات المنطقة أن تتخذها في الفترة الحالية من أجل دعم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي معًا، خاصة أن الفرصة تبدو سانحة الآن للتغيير.