أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

آليات متباينة:

كيف تتحول وسائل الإعلام إلى أداة لخدمة أهداف سياسية؟

20 نوفمبر، 2016


تطورت نظريات الاتصال الإعلامي لتصبح أكثر استيعابًا لوجود إعلام متحيز، يدافع عن فكرة بعينها في مقابل أفكار أخرى، لا سيما بعد أن تحول الإعلام، في كثير من الأحيان، إلى آلية أساسية تستخدمها معظم الفواعل السياسية من أجل الترويج لأهدافها وتوسيع قاعدة المؤيدين لها.

لكن هذا التسييس المتصاعد لأدوار وسائل الإعلام يواجه انتقادات واسعة من جانب الخبراء والمتلقين على السواء، لا سيما في ظل الدور الذي اضطلع به الإعلام خلال الفترة الماضية في تشكيل الرأي العام، وتكوين اتجاهات عامة حول القضايا الكبرى والمصيرية المؤثرة على مستقبل الدول.

وعلى عكس ما تُروِّج بعض الاتجاهات من أن التسييس يعد سمة من سمات الإعلام في دول العالم الثالث؛ فإن المعطيات الموجودة تشير إلى أن تلك الظاهرة باتت حاضرة في أكثر وسائل الإعلام العالمية شهرة وتأثيرًا، وفي أكثر الدول تقدمًا.

إذ أن دولا، مثل روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، استخدمت وسائل إعلامها كأدوات للترويج لأهدافها وسياساتها في منطقة الشرق الأوسط، كما يلاحظ أن قضايا بعينها يتم الاهتمام بتغطيتها إعلاميًّا دون غيرها، نظرًا لاختلاف أهميتها وتأثيراتها على مصالح تلك الدول.

أنماط متعددة:

يتزامن تصاعد دور الإعلام المسيس، في الأغلب الأعم، مع وقوع أحداث سياسية كبرى أو اندلاع أزمات في بعض الدول، حيث تسعى الأطراف المنخرطة في بعض هذه الأزمات إلى توظيف وسائل إعلامها لخدمة سياساتها، والمساهمة في تشكيل رأي عام يسمح بتمرير خططها وأهدافها واستقطاب مؤيدين لها خلال فترة الأزمة، وذلك بمساعدة وسائل الإعلام الخاصة التي تتقاطع مصالح مالكيها مع مصالح تلك الأطراف.

وقد تعددت مظاهر هذا التسييس الإعلامي على المستويين الإقليمي والدولي، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي: 

1- إعلام متحزب: شهدت السنوات الست الماضية التي اندلع فيها الحراك الثوري في بعض الدول العربية، العديد من مظاهر تسييس الإعلام، حيث أفرزت "السيولة الإعلامية" في تلك المرحلة نوعًا جديدًا من الاستقطاب والتحزب، وانقسمت وسائل الإعلام في الدول التي شهدت تلك التطورات ما بين مؤيد ومعارض لها، في ظل افتقاد كل منهما للموضوعية والمهنية، واعتمادهما على أدوات هجومية بدلا من التناول التحليلي للأوضاع والتطورات التي تمر بها مجتمعات هذه الدول، فيما كان الطريق الأسهل لاستقطاب الرأي العام هو توجيه الاتهامات المستمرة للطرف الآخر في مقابل احتكار تبني الشعارات الوطنية، وقد ظهر هذا النمط المتحزب من وسائل الإعلام في كل من مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا.

لكن الوضع ازداد سوءًا في كلٍّ من سوريا وليبيا واليمن، حيث تصاعد دور الميليشيات المسلحة والإرهابية والجماعات القبلية التي سعت إلى تحقيق مصالحها الذاتية من خلال وسائل الإعلام التي استطاعت السيطرة عليها خلال الفترة الماضية.

2- إعلام موجه: برز هذا النمط من الإعلام بعد ظهور نسخ عربية من وسائل إعلام عالمية موجهة للمنطقة العربية، بدأت بالإذاعات الموجهة مثل إذاعات "بي بي سي"، و"مونت كارلو"، و"لندن"، و"سوا"، رغم أن هذا النمط كان موجودًا قبل ذلك لكن بشكل محدود، حيث تعبر عنه إذاعة "صوت العرب" التي سعت، في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، إلى الترويج للمشروع القومي الناصري.

واللافت في هذا السياق، هو أن تلك الإذاعات لم تخْفَ أهدافها السياسية باعتبارها إحدى أدوات "القوة الناعمة" في المنطقة، قبل أن تظهر القنوات الفضائية في الإقليم مثل قناة "بي بي سي عربية"، و"الجزيرة"، و"روسيا اليوم"، و"العالم"، وهي قنوات كثيرًا ما استُخدمت كمنصات للتعبير عن سياسات بعض الدول تجاه قضايا المنطقة، وغالبًا ما تعكس تغطيتها الإعلامية مواقفها السياسية.

فيما يبرز دور قناة مثل "العالم" الإيرانية كإحدى القنوات الموجهة والمسيسة بامتياز؛ حيث تعبر عن سياسات النظام الإيراني، وتروج لأهدافه في المنطقة التي أدت إلى تصاعد حدة الأزمات الإقليمية واستمرار حالة عدم الاستقرار الأمني والسياسي في دول تلك الأزمات.

وقد سعت إيران من خلال هذه القناة وغيرها من القنوات الأخرى التابعة لبعض الأطراف الموالية لها في المنطقة، مثل قناة "المنار" التابعة لـ"حزب الله" اللبناني، وقنوات "الأنوار" في العراق، إلى تكوين رأي عام داعم لها في بعض المناطق، وتعزيز قدرتها على التمدد داخل دول الأزمات، من خلال الترويج لبعض الشعارات مثل "مساعدة المستضعفين"، والتي لم تعد تخفي الأهداف السياسية التي تحاول إيران تحقيقها، وأدوارها السلبية التي تقوم بها في تلك الأزمات.

3- إعلام مُقيد: على النقيض من استخدام وسائل الإعلام كآليات لخدمة أهداف سياسية والترويج لمواقف ورؤى بعينها، يظهر نمط آخر لتسييس الإعلام من خلال تدجينه أو تكميمه، وقد برز ذلك في العديد من الحالات داخل دول الإقليم. فعلى سبيل المثال عادةً ما تُتخذ إجراءات عقابية ضد وسائل الإعلام المعارضة أو التي لا تخضع للسيطرة الحكومية في عدد من دول الإقليم تحت ذرائع مختلفة، كان آخرها في الجزائر، على سبيل المثال، حيث تم إغلاق 55 قناة خاصة خلال شهر مايو 2016، بحجة أنها قنوات غير معتمدة من قبل الدولة، وتمارس عملها بشكل غير قانوني، فيما أشار مراقبون إلى أن ذلك القرار جاء نتيجة تبني هذه القنوات أهدافًا لا تتوافق بشكل عام مع سياسات الدولة.

كما عمدت تركيا أيضًا إلى تبني النهج ذاته، من خلال إغلاق 170 وسيلة إعلامية عقب محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في منتصف يوليو 2016، تشمل وسائل إعلام تابعة للأكراد، ووسائل إعلام لها علاقة بحركة "خدمة" التي يتهم زعيمها فتح الله جولن، الذي يقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، بالتورط في محاولة الانقلاب.

4- إعلام انتقائي: ظهرت خلال الفترة الماضية العديد من التقارير الإعلامية الدولية التي تنتقد تناول الإعلام الدولي لقضايا وأزمات منطقة الشرق الأوسط، وبصفة خاصة تغطية الإعلام الروسي للصراع في سوريا، ففي مقال نشرته صحيفة The Guardian في 3 أكتوبر 2016، أشار الكاتب Alec Luhn إلى أن ثمة انتقاء وتباينًا واضحين للأخبار بين ما تنشره وسائل الإعلام الروسية وبين ما يحدث على الأرض في سوريا من مآسٍ، حيث تركز وسائل الإعلام الروسية على غارات القوات الروسية على مواقع المعارضة المسلحة وتنظيم "داعش"، وما تسميه "نجاحات" الجيش السوري في استعادة بعض المناطق من المعارضة المسلحة، أو تنظيم "داعش"، كما تبدي اهتمامًا خاصًا بتسليط الأضواء على توزيع الجنود الروس المساعدات الإنسانية في المناطق المنكوبة في حلب، وذلك بهدف تحسين صورة روسيا على المستوى الدولي، وحشد الرأي العام الذي بدأ في التخلي عن فكرة دعم التدخل العسكري الروسي في سوريا، بحسب ما جاء في المقال.

الفكرة ذاتها طرحتها صحيفة The Independent في مقال للكاتب Patrick Cockburn في 21 أكتوبر 2016، حيث أكد الأخير ازدواجية معايير الإعلام الغربي في تقييم ما يحدث في الموصل وحلب، وبغض النظر عن الحكم الذي يصل إليه الكاتب في مقاله، فقد استند إلى دلائل عديدة في هذا السياق، حيث أشار إلى أنه في الوقت الذي يرى فيه الإعلام الغربي ما يحدث في حلب تكرارًا لمعركة ودمار مدينة جروزني الشيشانية قبل 16 عامًا على يد القوات الروسية، فإن وسائل الإعلام ذاتها لا تعير اهتمامًا للدمار الذي شهدته منطقة الرمادي في العراق جراء القصف الأمريكي لها بهدف مطاردة عناصر تنظيم "داعش".

يمكن القول إن الاتجاه نحو تسييس وسائل الإعلام، الذي سيظل مرتبطًا بالتطورات التي تطرأ على الساحتين الإقليمية والدولية، ربما يتصاعد خلال المرحلة القادمة، في ظل الدور المضطرد الذي يمارسه الإعلام في التأثير على الرأي العام، وحشده لتأييد سياسة محددة، خاصة مع اتساع نطاق التباين والصراع بين القوى الدولية والإقليمية المعنية بأزمات المنطقة.