أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

درس كييف:

دوافع رفض كوريا الشمالية صفقة نزع "النووي" مقابل التنمية

06 سبتمبر، 2022


يتبنى الرئيس الكوري الجنوبي، يون سيوك يول، "مبادرة جريئة" للتعامل مع ملف السلاح النووي الكوري الشمالي منذ اليوم الأول لتوليه السلطة في شهر مايو 2022، حيث بلور أهم معالمها في خطابه منتصف شهر أغسطس الماضي، بمناسبة مرور 77 عاماً على استقلال كوريا عن الحكم الاستعماري الياباني، وهي مبادرة تدور حول تحسين اقتصاد كوريا الشمالية إذا اتخذت خطوات نحو نزع السلاح النووي. ولكن جاء الرفض الكوري الشمالي لهذه المبادرة سريعاً، ومُهاجماً للجانب الكوري الجنوبي.

وفي هذا الإطار، تُطرح تساؤلات عدة حول فرص تخلي كوريا الشمالية عن أسلحتها النووية، خصوصاً أنه قد جرت مفاوضات سابقة ثنائية وجماعية بهذا الخصوص، ولم يتم التوصل إلى شيء يُذكر، كما أن الكثير من المؤشرات تؤكد منذ فترة أن بيونج يانج قد أتمت الاستعدادات لإجراء تجربة نووية سابعة. 

مبادرة مرفوضة:

تنطلق المبادرة الكورية الجنوبية المطروحة في أغطس الماضي، من أن نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية مسألة جوهرية ليس فقط بالنسبة للسلام الدائم في شبه الجزيرة الكورية، وإنما أيضاً في منطقة شمال شرق آسيا، والعالم كله. وتلك مسألة ليست بالجديدة، وتتفق فيها مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي دأبت على الوقوف بالمرصاد لتجارب بيونج يانج النووية والصاروخية في مجلس الأمن الدولي.

وقد تضمنت تلك المبادرة استعداد كوريا الجنوبية لتقديم مساعدات اقتصادية لجارتها الشمالية في مجالات متعددة، بدءاً من تقديم المساعدات الغذائية، مروراً بتحسين كفاءة قطاعات اقتصادية وخدمية كثيرة مثل الزراعة والقطاع الصحي، وكذلك تطوير الموانئ والمطارات ومحطات الطاقة، والعمل على جذب الاستثمارات الأجنبية لكوريا الشمالية. ولتحقيق ذلك، يُشترط أن تتوقف بيونج يانج عن السير قُدماً في مخططاتها الخاصة بالأسلحة النووية، فضلاً عن التخلص مما لديها من أسلحة نووية.

وتجدر الإشارة إلى أنه بينما تضمنت مبادرة سيول بعض التفاصيل فيما يتعلق بالشق الاقتصادي، فإن الجانبين السياسي والعسكري ظلا دون تفصيل، وإن كانت هناك بعض الإشارات العابرة فيما يتعلق بتحسين العلاقات مع بيونج يانج، وعدم السعي لتغيير نظامها السياسي بالقوة.

وإذا كانت المبادرة الكورية الجنوبية قد وُصفت بالجريئة، فإن الرد الكوري الشمالي كان حاداً بشكل كبير، حيث جاء رفض بيونج يانج للمبادرة سريعاً وقاطعاً من أعلى المستويات، واعتبرتها كيم يو جونج، شقيقة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون والنائبة الأولى لرئيس اللجنة المركزية لحزب العمال، "قمة في الحماقة"، وأغلقت الباب أمام ما يُمكن أن يُطرح في المستقبل من تفاصيل حول تلك المبادرة، عندما قالت إنه لن يتم التعامل مع ما وصفته بـ "أفكار صاخبة" يقدمها الجنوب في المستقبل.

وأوضح رفض كوريا الشمالية أن المبادرة المعروضة من جارتها الجنوبية ليست بالجديدة وسبق أن طرحتها إدارة الرئيس الأسبق، لي ميونج باك، وكان مصيرها الرفض أيضاً، حيث ترى بيونج يانج أنها تقوم على افتراض خاطئ أساسه أن كوريا الشمالية مُستعدة للتخلي عما لديها من سلاح نووي مقابل بعض المساعدات الاقتصادية.

سياقات حاكمة: 

لا يمكن فصل مبادرة الرئيس الكوري الجنوبي الحالي فيما يتعلق بالسلاح النووي لكوريا الشمالية، ورد الفعل عليها من جانب الأخيرة، عن مُجمل السياق العام الذي حدثت فيه تلك التفاعلات، ويمكن توضيح أهم ملامح هذا السياق فيما يلي:


1- التغير السياسي في كوريا الجنوبية: أفضت الانتخابات الرئاسية في كوريا الجنوبية التي جرت في شهر مارس الماضي، وأسفرت عن فوز يون سيوك يول، إلى وجود توجه مختلف في جوانب كثيرة عما ساد خلال فترة حكم الرئيس السابق مون جاي إن، الذي رفع لواء الحوار، وعُقدت في عهده أكثر من قمة بين الكوريتين، وتم تخفيض مستوى المناورات العسكرية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك أوقف السماح للمجموعات التي كانت ترسل منشورات إلى كوريا الشمالية عبر الخط الفاصل. 

في حين أعلنت الإدارة الجديدة في سيول أنها وإن كانت لا ترفض الحوار السياسي مع جارتها في الشمال، فإن لقاءات القمة ينبغي أن تكون ذات جدوى، كما أنها أعادت المناورات العسكرية لسابق عهدها، وسمحت بأمور من بينها إرسال المنشورات إلى الشمال، بالإضافة إلى تفعيل مسائل كانت مُجمدة بخصوص كوريا الشمالية من قبيل تعيين مفوض خاص بحقوق الإنسان؛ بما يعني أن ملف الجارة الشمالية يمثل أولوية بالنسبة لإدارة الرئيس يون سيوك يول، كما أن لهجتها في تحدي ما تعتبره استفزازات كورية شمالية باتت أكثر حدة، ومن ثم فلا غرابة في أن تعيد توصيف بيونج يانج بأنها "العدو الرئيسي".

وجدير بالذكر أن كوريا الشمالية لم تقف صامتة حيال توجهات الإدارة الكورية الجنوبية الجديدة، فقد أعلن الرئيس كيم جونج أون بنفسه أن حكومة وجيش الجنوب سوف يواجهان "الإبادة" في حال الإقدام على تنفيذ ما يُسمى بـ "الضربة الاستباقية" التي تحدث عنها الجنوب.

2- انتشار كورونا في كوريا الشمالية: لم تعلن بيونج يانج، حتى شهر مايو الماضي، عن أي إصابات بفيروس كورونا، لكنها أعلنت بعد ذلك عن إصابات متزايدة وصلت إلى ما يقارب 4 ملايين حالة. وتم توجيه الاتهام الصريح لجارتها الجنوبية بالمسؤولية عن تفشي الوباء في الشمال، والحديث عن ضرورة وجود عقاب رداً على هذا.

3- الأزمات بين القوى الدولية: من الطبيعي أن تتأثر العلاقات بين الكوريتين بما يجري بالقرب منهما بين الولايات المتحدة والصين، بالإضافة إلى التطورات المتعلقة بالحرب بين روسيا وأوكرانيا ومن ورائها واشنطن والكثير من الدول الغربية واليابان. وبينما تساند كوريا الجنوبية الموقف الغربي، تتفق جارتها الشمالية في الكثير من المنطلقات مع كل من الصين وروسيا بشأن رفض السعي الأمريكي لاستمرار فرض الهيمنة على العالم. وتقف بيونج يانج موقف المؤيد لكلٍ من بكين وموسكو فيما يطرحانه من مواقف، سواء بخصوص قضية تايوان، أو بخصوص ما يجري في أوكرانيا. وكانت كوريا الشمالية ثالث دولة في العالم تعترف بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك. 

ومعلوم أن كلاً من الصين وروسيا تطالبان منذ فترة بضرورة تخفيف العقوبات الدولية على بيونج يانج، ناهيك عن رفضهما المبدئي العقوبات الأحادية التي تُفرض بعيداً عن مجلس الأمن الدولي. وفي شهر مايو الماضي أحبطت الدولتان مشروع قرار أمريكي في مجلس الأمن يتضمن إدانة وعقوبات جديدة ضد كوريا الشمالية على خلفية تجاربها الصاروخية.

4- التعلم من درس أوكرانيا: كانت أوكرانيا من بين جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق التي توجد في أراضيها أسلحة نووية، وقبلت كييف التخلي عما لديها من رؤوس نووية مقابل ضمانات قدمتها لها كل من روسيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة فيما يتعلق بسيادتها ووحدة وسلامة أراضيها، فيما يُعرف بمذكرة بودابست في العام 1994. بيد أن الأزمة الحالية في أوكرانيا تعكس فقدانها أجزاءً من أراضيها، بدءاً من شبه جزيرة القرم في عام 2014، وصولاً إلى دونيتسك ولوغانسك، ومازال الباب مفتوحاً أمام انفصال مناطق أخرى في ظل ما هو دائر بشأن استفتاءات تُجرى في هذه المناطق من أجل انضمامها إلى روسيا. 

وفي هذا السياق، أبدى المسؤولون الأوكرانيون ما يمكن اعتباره ندماً على التخلي عما كان بأيديهم من رادع نووي كان يمكنه منع ما يحدث لبلادهم. وقد كانت هناك إشارات من قِبل الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، لهذا الموضوع قبل أيام من بدء الحرب الحالية، ثم كانت التصريحات واضحة حول خطأ التخلي عن السلاح النووي. وتأتي هذه التطورات التي تشهدها الساحة الأوكرانية لتمثل دافعاً قوياً لكوريا الشمالية من أجل التمسك أكثر بما تمتلكه من قدرات نووية.

تحدٍ قائم:

تتبنى كوريا الشمالية منظوراً واضحاً للسلاح النووي باعتباره الضمانة الأساسية للحفاظ على بقاء الدولة واستمرار نظامها وحماية قيادتها، حيث باتت بيونج يانج تقولها صراحةً بأنها لن تتخلى عن سلاحها النووي إلا بعدما يتخلى العالم كله عن هذا السلاح، وهو سيناريو يستحيل تحقيقه.

وبالنظر إلى موقف القوى الدولية من السلاح النووي لكوريا الشمالية، يُلاحظ وجود إجماع من حيث المبدأ بين هذه القوى، بما في ذلك روسيا والصين، على رفض امتلاك بيونج يانج للأسلحة النووية، لكن تظهر الخلافات فيما يتعلق بقضايا العقوبات والضمانات، وتسمح هذه الخلافات لبيونج يانج بالسير قُدماً في طريق تعزيز قدراتها النووية.

ولا يزال التساؤل الرئيسي بشأن إمكانية تخلي كوريا الشمالية عن سلاحها النووي مقابل ضمانات دولية قائماً.  وفي ضوء تحليل السلوك الكوري الشمالي حيال التطورات على الساحة الدولية بالنسبة لهذه القضية، يصعب الوصول إلى استنتاج بترجيح احتمالية قبول بيونج يانج بذلك الأمر، وحتى إذا قبلت به فليس ثمة ضمانات لأن يتم السير إلى النهاية على طريق النزع التام لسلاحها النووي. ويبدو أن الأطراف الدولية والإقليمية مُدركة لذلك، ومن ثم فإنها تُؤهل نفسها لتجارب نووية كورية شمالية جديدة.