أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

تحديات محتملة:

هل يواصل الاقتصاد الإسرائيلي انتعاشه في المستقبل القريب؟

10 ديسمبر، 2017


حقق الاقتصاد الإسرائيلي نموًا غير مسبوق في عام 2016 بفضل عوامل عديدة، وهو ما دفع بعض المنظمات إلى ترجيح استمرار اتجاه النمو الإيجابي للاقتصاد في العامين المقبلين ولكن مع تراجع طفيف. وتتبنى الحكومة الإسرائيلية في الوقت الحالي بعض البرامج التنموية قصيرة وطويلة الأجل من شأنها دعم النمو الاقتصادي في المستقبل، ومن أبرزها برنامج طموح لدعم البنية التحتية، فضلاً عن برنامج آخر للتوسع في إنتاج وتصدير الغاز وتنمية الصادرات التكنولوجية. ومع ذلك، فإن استمرار الانتعاش الاقتصادي قد يواجه تحديات عديدة، يتمثل أهمها في التداعيات التي يمكن أن يفرضها التوجه الأمريكي نحو نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.

انتعاش قوي:

ارتفع معدل النمو الاقتصادي في إسرائيل إلى نسبة 4% مقارنة بنحو 2.4% في عام 2015، ويعود ذلك إلى نمو الاستهلاك المحلي وانتعاش الصادرات على الرغم من قوة الشيكل الإسرائيلي مقابل الدولار في العام الماضي. وبحسب بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فقد نمت الصادرات السلعية والخدمية بنحو 2.5% في العام الماضي مقارنة بانكماش نسبته 2.4% في عام 2015، في حين قفز الاستهلاك المحلي بمعدل 6.1% مقابل 4.4% خلال الفترة نفسها.

وفي هذا السياق أيضًا، تحسنت أوضاع سوق العمل بشكل كبير، فبالتزامن مع النمو الاقتصادي ارتفعت معدلات الأجور لمستويات غير مسبوقة مصحوبة بارتفاع مستويات التشغيل بنحو 2.6% على أساس سنوي في عام 2016، وانخفاض معدل البطالة بنقطة مئوية ليبلغ 4.4% بنهاية الربع الرابع من العام نفسه.

معدل نمو الاقتصاد الإسرائيلي سنويًا (%)


المصدر: منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.  

ورغم ذلك، إلا أنه من المتوقع أن يهبط الأداء الاقتصادي بدرجة طفيفة بنهاية العام الجاري ليصل إلى 3.1%، ثم يزيد مرة أخرى إلى 3.5% و3.3% في عامى 2018 و2019 بدعم من استمرار نمو الطلب المحلي بجانب استمرار ارتفاع الأجور وانتعاش متوقع للصادرات.

محركات مستقبلية:

فضلاً عن ذلك، سوف تتجه الحكومة الإسرائيلية إلى تنفيذ العديد من البرامج التنموية قصيرة ومتوسطة الأجل من أجل تنشيط الأداء الاقتصادي في الفترة المقبلة، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- برنامج للبنية التحتية: في مبادرة غير مسبوقة لدعم البنية التحتية، تتطلع الحكومة إلى إنفاق نحو 28 مليار دولار على البنية التحتية في السنوات المقبلة من أجل سد الفجوة القائمة الحالية بينها وبين الدول المتقدمة في جودة المرافق الأساسية من الكهرباء والاتصالات والطرق وغيرها، وهو ما قد يؤدي إلى دعم النمو الاقتصادي والإنتاجية في الأجل القصير والمتوسط، لكنه في الوقت نفسه قد يزيد من الضغوط المالية على الحكومة الحالية.

وفي هذا السياق، قال محافظ البنك المركزي كارنيت فلوج في سبتمبر الماضي: "مستوى البنية التحتية فى إسرائيل غير كافٍ...حجم الاستثمار السنوي منخفض مقارنة بالمعايير الدولية، ولذلك فإننا بحاجة لسد الفجوة في مستوى البنية التحتية مقارنة بالاقتصادات المتقدمة الأخرى".

2- زيادة إنتاج الغاز: تسارع إسرائيل من أجل تطوير قدراتها الإنتاجية من الغاز الطبيعي لتلبية الاحتياجات المحلية وتصدير الفائض، ولا سيما مع اكتشاف احتياطات كبيرة على سواحلها تقدر بنحو 0.2 تريليون متر مكعب وفق التقرير الإحصائي لشركة "بي بي" البريطانية. وفي غضون فبراير الماضي، أقر القائمون على تطوير حقل ليفياثان البحري –ثاني حقول الغاز الضخمة في إسرائيل بعد تمارا- ضخ استثمارات لتطوير الحقل بقيمة 3.75 مليار دولار لتضاف إلى 4.75 مليار دولار تم إنفاقها على عمليات التنقيب واستكشاف الحقل منذ عام 2010.

ومن المقرر أن يتم الانتهاء من تطوير المرحلة الأولى من حقل ليفياثان بحلول عام 2019، ليساهم في إمداد السوق الإسرائيلي بنحو 12 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا، مما سيضاعف حجم الإنتاج السنوي الكلي لإسرائيل. ومنذ بداية الإنتاج في حقل تمارا في عام 2013 وحتى نهاية عام 2015، تم تزويد السوق الإسرائيلية بأكثر من 20 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من هذا الحقل، عملت من دون شك على خفض تكاليف توليد الكهرباء. وفقد تمثل هذه الطاقة الإنتاجية- بجانب إنتاج ليفياثان- فرصة لزيادة صادراتها من الغاز للأسواق العالمية والإقليمية.

3- صفقات تكنولوجية كبيرة: ما زال القطاع التكنولوجي أحد أهم المحركات الرئيسية لنمو الاقتصاد الإسرائيلي، حيث يساهم في الناتج المحلي بنحو 4.5%، كما تمثل صادراته البالغة قرابة 12 مليار دولار نحو نصف الصادرات الصناعية. ووفق مؤشرات أخيرة، أثبتت إسرائيل أنها حاضنة عالمية لكثير من الشركات التكنولوجية الواعدة في العالم، وبما جعلها جاذبة لاستثمارات المزيد من الشركات والمستثمرين الدوليين، لا سيما في مجال التكنولوجيا الجديدة. وفي هذا الإطار، استحوذت شركة "شنغهاي جاينت نيتورك تيكنولوجي" الصينية على شركة "بلايتيكا" الإسرائيلية المنتجة للألعاب في صفقة بلغت قيمتها 4.4 مليار دولار في عام 2016. وكصفقة بارزة في هذا المجال، قامت شركة "إنتل كورب" الأمريكية بشراء شركة "موبايل آى" المختصة بتكنولوجيا السيارات ذاتية القيادة مقابل 15.3 مليار دولار في مارس 2017. ومن دون شك فإن هذه الصفقات تمثل رافعة مالية هامة لدعم نمو الاقتصاد واستقرار سوق الصرف.

عقبات مختلفة:

ومع ذلك، فإن آفاق نمو الاقتصاد الإسرائيلي لا تزال غير واضحة، لا سيما في ضوء عدد من التحديات الاقتصادية والجيوسياسية المحتمل أن تتعرض لها إسرائيل في الفترة المقبلة. فقد تصاعدت حدة التوتر مؤخرًا مع إيران وحزب الله. ومن المحتمل، بالتوازي مع ذلك، أن يثير إعلان واشنطن عن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ردود فعل قوية ربما تفرض تداعيات على النشاط السياحي وتهدد الثقة مجددًا في الاقتصاد وبيئة الأعمال.

كما أن الحكومة الحالية لم تنجح في الحد من الفقر، ورغم نمو الإنفاق الاجتماعي إلى نحو 16% من الناتج المحلي، إلا أنه لا يزال أقل من متوسط نسبة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والبالغة حوالي 21%، وذلك في الوقت الذي تواجه فيه الحكومة ضغوطًا شعبية نتيجة تورط بعض مسئوليها في قضايا فساد، وهو ما انعكس في التظاهرات التي شهدتها تل أبيب في بداية ديسمبر الجاري.

في الوقت نفسه، لا تزال هناك فجوات معيشية واضحة بين الفئات الدينية والعرقية المختلفة في إسرائيل. ورغم الفوائد الاقتصادية العديدة التي يمكن أن تجنيها إسرائيل من زيادة إنتاج الغاز مثل تعزيز أمن الطاقة وإنتاج الكهرباء بكلفة منخفضة، إلا أن تصريف فائض الإنتاج لا يزال يواجه عراقيل عديدة، خاصة في ظل المنافسة الحادة من جانب الدول المنتجة للغاز في حوض شرق البحر المتوسط، وهى كلها عوامل تشير إلى أن أداء الاقتصاد الإسرائيلي لا يزال على المحك حتى الآن.