عُقدت القمة الخامسة عشرة لتجمع دول «بريكس» (BRICS) الخمس، وهى (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) فى مدينة جوهانسبرج، فى الفترة من 22 إلى 24 أغسطس 2023، تحت شعار «بريكس وإفريقيا: شراكة من أجل النمو المتسارع والتنمية المستدامة والتعددية الشاملة المتبادلة». وشارك فى أعمالها جميع رؤساء دول المجموعة، عدا الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، الذى اعتذر عن عدم إمكانية المشاركة شخصيًّا، بعد مشاورات بين بريتوريا وموسكو، تم الإعلان بعدها على التوافق حول مشاركته افتراضيًّا، وهو ما أزال صداعًا كبيرًا عن حكومة البلد المضيف، ارتباطًا بالضغوط الأمريكية المطالبة باعتقال بوتين حال وصوله جنوب إفريقيا تنفيذًا لمذكرة توقيف صدرت ضده من المحكمة الجنائية الدولية فى مارس الماضى ارتباطًا بالحرب فى أوكرانيا.
ووفقًا لتصريحات وزيرة خارجية جنوب إفريقيا، ناليدى بلندور، دُعيت 67 دولة، تمثل جميع قارات ومناطق الجنوب العالمى، و20 منظمة دولية، بما فيها الأمم المتحدة، لحضور القمة، أكدت 34 دولة منها مشاركتها. وصدر عن القمة إعلان تضمن 94 بندًا، تناولت المجالات الأساسية للتعاون المشترك فيما بين الدول الأعضاء «والقيم والمصالح المشتركة من وراء هذا التعاون، القائم على المنافع المتبادلة للدول الخمس». وكان اليوم الأخير للقمة قد خُصص لإجراء مباحثات مع قادة الدول الأخرى الساعية إلى الانضمام لـ«بريكس».
نتائج القمة:
أعلن رئيس جنوب إفريقيا، سيريل رامافوزا، فى مؤتمر صحفى، صباح يوم 24 أغسطس الماضى، نتائج القمة الـ15 لـ«بريكس»، وأبرزها ما يلى:
1- توصل القادة إلى اتفاق بشأن «المبادئ التوجيهية والمعايير والإجراءات الخاصة بعملية توسع البريكس». ولم يُشِرْ رئيس جنوب إفريقيا إلى ماهيتها، مضيفًا: «لدينا توافق فى الآراء بشأن المرحلة الأولى من عملية التوسع هذه، وستتبعها مراحل أخرى. وقد قررنا دعوة جمهورية الأرجنتين وجمهورية مصر العربية وجمهورية إثيوبيا الديمقراطية الاتحادية وجمهورية إيران الإسلامية والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى أن يكونوا أعضاء كاملى العضوية فى مجموعة بريكس، وسيدخل ذلك حيز النفاذ بدءًا من أول يناير 2024».
وارتباطًا بما تقدم، يجدر التنويه إلى أن الإعلان الصادر عن القمة فى البندين 90 و91 منه أشار إلى «تقدير قادة القمة للاهتمام الكبير الذى أبدته بلدان الجنوب العالمى بعضوية المجموعة»، وأنه «وفاءً لروح بريكس والتزامها بالتعددية الشاملة، توصلت دول البريكس إلى توافق فى الآراء بشأن المبادئ التوجيهية والمعايير والإجراءات لعملية التوسع». وبدوره، لم يُشِر الإعلان إلى ماهية تلك المبادئ والمعايير والإجراءات.
2- أشار رامافوزا إلى أنه تم تكليف وزراء خارجية الدول الخمس بمواصلة تطوير «نموذج الدول الشريكة» (Partner Countries Model) المهتمة ببناء شراكة مع «بريكس»، وقائمة بـ«الدول الشريكة المُحتملة» (prospective partner countries)، وتقديم تقرير فى هذا الشأن بحلول القمة المقبلة.
3- توافقت رؤى قادة المجموعة على أنها «مناصرة لاحتياجات واهتمامات شعوب الجنوب العالمى»، وأن هناك حاجة إلى النمو الاقتصادى المفيد والتنمية المستدامة وإصلاح النظم متعددة الأطراف. وفى هذا السياق، أكد قادة المجموعة مجددًا التزامهم بتعددية الأطراف الشاملة والتمسك بالقانون الدولى، بما فى ذلك مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
4- وافق القادة على تكليف وزراء مالية «بريكس» و/ أو محافظى البنوك المركزية، حسب الحاجة، بالنظر فى مسألة العملات المحلية وأدوات ومنصات الدفع، وتقديم تقرير لقادة «بريكس» بحلول القمة القادمة.
تقييم المخرجات:
تقييمًا لنتائج هذه القمة، يمكن الإشارة إلى النقاط التالية:
1- يمثل قرار قمة «بريكس» قبول 6 أعضاء جدد تحولًا تاريخيًّا بالغ الأهمية فى عمل المجموعة. وأساس ذلك أن مسألة توسيع العضوية فرضت نفسها منذ بدايات إطلاق «بريكس»، عندما انضمت جنوب إفريقيا عام 2010، الأمر الذى دفع دولًا كثيرة إلى السعى للانضمام، دون جدوى. وقد تم تفسير هذا الموقف المُتحفظ سابقًا من قِبَل الأعضاء المؤسِّسين بعدد من التحديات الجيوسياسية، منها الآتى:
أ- عدم التجانس الحالى بين دول «بريكس»، حيث توجد فروق دقيقة من حيث كيفية ارتباط أعضائها بالنظام الليبرالى الدولى، وتباين علاقات الأعضاء مع الغرب ما بين موقف روسى أكثر تشددًا، وآخر صينى أكثر حذرًا، وثالث هندى يكتنفه الغموض. وكان بوسع المراقب لردود فعل الدول الأعضاء إزاء الغرب وعالمه أحادى القطب أن يخرج بنتيجة مفادها أنه لا ينطوى دائمًا على رؤية واضحة ومتسقة لنظام متعدد الأقطاب.
ب- الاختلافات الواضحة، الملحوظة، فى السياسات الخارجية لأعضاء «بريكس»، فالهند، على سبيل المثال، وعلى خلاف الصين، لا ترغب فى توسيع عضوية التجمع، خوفًا من أن يدعم الأعضاء الجدد بكين. كما أن نيودلهى، ذات التطلعات الجيوسياسية العالمية الخاصة، لن تكون سعيدة بالاضطلاع بدور صغير فى تشكيل وصياغة سياسات المجموعة. وبالنظر إلى الاصطفاف التاريخى للهند مع الغرب وعضويتها فى التحالف الرباعى «كواد»، يبقى التوتر المتأصل فى العلاقة مع الصين مستمرًّا؛ حيث الصراع على الحدود، وانعدام الثقة حول التكنولوجيا الصينية. أما بالنسبة لروسيا، فإن انضمام أعضاء جدد لـ«بريكس» يبدو مفيدًا، حيث سيُنظر إليه على أنه دليل على فشل سياسة عزل موسكو من قِبَل الغرب.
2- يثور التساؤل حول الأسباب التى أسست عليها القمة قرارها التاريخى بدعوة ست دول لعضويتها، من بين 23 دولة تقدمت رسميًّا بطلبات للانضمام إلى المجموعة، وفقًا لبيان وزيرة خارجية جنوب إفريقيا فى 7 أغسطس الماضى، بجانب العديد من الطلبات غير الرسمية الأخرى، فمن الواضح أن دول «بريكس» رغبت فى الاحتفاظ بسلطة تقدير واسعة فى هذا الشأن، والتوافق على صفقة دعوة الدول الست، آخذة فى الاعتبار خليطًا من الاعتبارات الجيوسياسية والجيواقتصادية. وفى هذا الصدد، يمكن الإشارة إلى الأسباب التالية:
أ- التحولات الكبرى التى طرأت على البيئة الدولية، والتى صار يحكمها التنافس الشرس والمفتوح ومحاولات الاستقطاب الحاد من قِبَل الولايات المتحدة والحلفاء، خاصة منذ بدء الحرب فى أوكرانيا فى فبراير 2022، وما أدت إليه من تداعيات كارثية تصاعدت معها عمليات الحشد والعسكرة، خاصة فى منطقة آسيا والمحيط الهادى، فقد دفع هذا المناخ المسموم أغلبية دول «بريكس»، وخاصة الصين، إلى التحمس لقبول أعضاء جدد، وتحديدًا تلك التى اتسمت مواقفها بالسعى إلى نوع من الاستقلالية فى سياستها الخارجية، من خلال الحفاظ على توازن صعب فى علاقاتها الدولية فى ضوء ما فرضته هذه الحرب من تحديات وضغوط. وفى هذا السياق، رفضت الدول الست الجديدة توظيف العقوبات الاقتصادية ضد روسيا.
ب- ارتباطًا بما تقدم، فإن الدول الست التى دُعيت للانضمام لـ«بريكس» تتمتع، بدرجات متفاوتة، بعلاقات تعاون اقتصادى وتجارى، بجانب تعاون عسكرى وأمنى، لا يُستهان به مع دول التجمع الخمس، فعلى سبيل المثال، تتمتع مصر بشراكة استراتيجية شاملة مع كل من الصين وروسيا وأخيرًا الهند. وينصرف الأمر نفسه إلى دولة الإمارات وكذلك السعودية. وفى حالة مصر والإمارات، هناك نوع من الرابطة المؤسَّسية مع «بريكس»، بحكم عضوية الدولتين فى «بنك التنمية الجديد» التابع للتجمع. فضلًا عن ذلك، ومنذ عام 2017، انخرطت مصر فى تعاون متنوع مع المجموعة من خلال صيغة «بريكس+» التى ابتدعتها الصين، خلال قمة شيامن كنموذج لتعاون منفتح على الدول النامية ومنصة للتعامل معها. ويمكن القول إن تعميق صيغة «بريكس+» كان عاملًا مهمًّا فى تسارع عملية توسع المجموعة بفضل الصين، الأكثر حماسًا لتوسيع التجمع.
وفى حالة دولة مثل إيران، فقد وصلت علاقاتها مع روسيا إلى مرحلة «الشراكة الدفاعية الكاملة»، وفقًا لتقديرات أمريكية رسمية. ومما لا شك فيه أن رعاية بكين لاتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران فى مارس الماضى قد جعل من الممكن دعوة الدولتين ومعهما الإمارات لعضوية «البريكس»، وهو ما يضع الدول الثلاث- ولأول مرة- كأعضاء كاملى العضوية فى تجمع واحد، الأمر الذى لم يكن من الممكن تصوره قبل ذلك بسبب التوترات فى علاقات إيران مع جوارها فى الخليج.
وفيما يتعلق بالأرجنتين، التى لا تزال تُلقى باللوم على إيران فى سلسلة من الهجمات الإرهابية التى ارتُكبت على أراضيها فى سنوات ماضية، فقد أثار طلب عضويتها- فى وقت سابق- انقسامًا فى وجهات نظر دول التجمع. بيد أنه من الواضح أن الصين، بصفة خاصة، كانت وراء دعم الطلب الأرجنتينى بسبب الروابط التجارية والمالية معها، وشراكة الحزام والطريق، بجانب المبادلات التجارية المتنامية مع الهند، وأيضًا لإحداث التوازن فى التمثيل الجغرافى لدول الجنوب العالمى فى المجموعة: دولتان من أمريكا الجنوبية، وثلاث من إفريقيا، وخمس من آسيا وروسيا.
ج- إن انضمام الدول الست لعضوية «بريكس» من شأنه أن يُسهم فى إعادة صياغة التعاون الدولى متعدد الأطراف من عدة أوجه، فعلى سبيل المثال، فإن انضمام كل من الأرجنتين والسعودية لعضوية التجمع يرفع عدد أعضاء «بريكس» فى مجموعة العشرين إلى سبعة أعضاء. وستعقب الرئاسة الهندية الحالية لمجموعة العشرين، التى ستُعقد قمتها فى 9 و10 سبتمبر المقبل، كل من البرازيل (2024)، وجنوب إفريقيا (2025). واقترحت الهند أخيرًا منح الاتحاد الإفريقى عضوية دائمة فى مجموعة العشرين، وهو الأمر المتوقع أن تدعمه كل دول «بريكس».
من ناحية أخرى، وتعليقًا على نتائج انضمام الدول الست لعضوية «بريكس»، قال الرئيس البرازيلى، إيناسيو لولا دا سيلفا، فى مؤتمر صحفى فى ختام القمة: «الآن ترتفع بريكس لتستحوذ على نسبة 37% من الناتج المحلى الإجمالى العالمى من حيث تعادل القدرة الشرائية (32% حاليًا)، و46% من حيث عدد سكان العالم (42% حاليًا)». أما الرئيس الصينى، شى جين بينغ، فقد ذكر أن التوسع هو «نقطة انطلاق جديدة للتعاون بين دول بريكس.. وسيجلب قوة جديدة لآلية تعاون بريكس، مما يزيد من تعزيز قوة السلام والتنمية العالميين». واعتبر رئيس الوزراء الهندى، ناريندرا مودى، أن «توسيع وتحديث بريكس ينطوى على رسالة مفادها أن البيئة الدولية المتغيرة تفرض على جميع المؤسسات فى العالم تشكيل نفسها وفقًا لذلك».
د- عند الحكم على الوزن السياسى والاقتصادى لـ«بريكس»، عادة ما يُنظر إليه على أنه ثقل موازن لمجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى، والتى تنتمى، عدا اليابان، إلى الحضارة الغربية. والتطور الأكثر أهمية هنا هو أنه من بين الدول الست الأعضاء الجدد توجد أربع دول عربية إسلامية (مصر والإمارات والسعودية، بجانب إيران). ويتسق هذا التطور غير المسبوق مع الشعارات التى ترفعها المجموعة، من حيث السعى إلى خلق عالم أكثر عدالة وإنصافًا وتمثيل كافة الحضارات والثقافات العالمية، بما فيها منظومات القيم والتقاليد المتنوعة، وأن الحضارة الغربية ليست سوى واحدة منها.
وكان وزير الخارجية الروسى، سيرجى لافروف، قد لفت فى مقال نشرته مجلة «أبونتو» الجنوب إفريقية، يوم 21 أغسطس الماضى، إلى «أن دول بريكس مستعدة للاستجابة لطلب أن تكون إحدى ركائز نظام عالمى جديد أكثر عدلًا ومتعدد المراكز»، مضيفًا أن ذلك هو سبب عملية توسيع المجموعة، وأن «انضمام مصر والسعودية والإمارات سيُثرى المجموعة بسبب ما لهذه الدول من إرث حضارى عربى وإسلامى».
مستقبل «بريكس»:
يمكن الإشارة إلى عدد من النقاط التى قد تحدد مستقبل «بريكس»، بعد انضمام 6 دول جديدة إلى هذا التجمع بدءاً من أول يناير 2024، كالتالى:
1- التباينات بين الدول الأعضاء: مما لا شك فيه أن التباينات السياسية والاقتصادية فيما بين الدول الأعضاء فى «بريكس» وتضارب مصالحها ومواقفها تجاه قضايا عديدة أسهم فى محدودية نجاح المجموعة، فعلى سبيل المثال، على الرغم من أن تجارتها الدولية تمثل 16% من إجمالى التجارة العالمية، فإن التجارة البينية فيما بين الدول الأعضاء فى «بريكس» تبقى منخفضة نسبيًّا بسبب عدم وجود اتفاق تجارة حرة بين هذه الدول. وعلى صعيد الاستثمارات، شهدت دول «بريكس» ارتفاعًا فى تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر من غير الدول الأعضاء، بمعدل سنوى بلغ أكثر من أربعة أضعاف ما بين عامى 2001- 2021. وبالرغم من هذه الزيادة، فإن عمليات الاستثمار البينى لا تزال ضعيفة، وتمثل أقل من 5% من إجمالى حجم الاستثمار الأجنبى المباشر الداخلى عام 2020.
وفى هذا السياق، اعترفت بوسى مابوزا، رئيس مجلس أعمال «بريكس»، فى تقريرها السنوى المقدم لقمة المجموعة، بهذه الحقيقة. وقالت: «نحن ندرك التحديات التى تفرضها الحواجز الجمركية، والتدابير غير الجمركية والتعقيدات التنظيمية التى تعوق الإمكانات الكاملة لقدراتنا التجارية والاستثمارية».
2- واقعية أهداف «بريكس»: كان لافتًا حرص رئيس جنوب إفريقيا، فى معرض عرضه نتائج القمة الأخيرة، على تأكيد أن «بريكس نفسها هى مجموعة متنوعة من الدول.. إنها شراكة متساوية بين البلدان التى لديها وجهات نظر مختلفة، ولكن لديها رؤى مشتركة لعالم أفضل». ويُلاحظ فى هذا السياق أن تصريحات القادة وكبار مسؤولى الدول الأعضاء اتسمت بقدر كبير من الواقعية حول أهداف «بريكس»، ومدى ما تمثله من تحدٍّ للنظام الدولى الراهن.
فعلى سبيل المثال، أكدت ديلما روسيف، رئيس بنك التنمية الجديد التابع للمجموعة، فى مقابلة مع صحيفة «فايننشال تايمز»، يوم 23 أغسطس الماضى، أن العملات المحلية ليست خيارًا بديلًا للدولار، بل هى عملية لتجاوز النظام أحادى القطب المهيمن فى العالم وحلول نظام متعدد الأقطاب محله. أما وزير الخارجية الروسى، فقد ذكر فى مقاله السابق الإشارة إليه أنه «ليس لدى المجموعة هدف استبدال الآليات متعددة الأطراف القائمة، ناهيك عن أن تصير قوة مهيمنة جماعية جديدة». كذلك لم يفُتْ رئيس جنوب إفريقيا أن ينوه، فى مؤتمره الصحفى حول نتائج القمة، بما لاحظه قادة التجمع من «أن هناك زخمًا عالميًّا لاستخدام العملات المحلية والترتيبات المالية البديلة ونظم الدفع البديلة»، مُبديًا استعداد المجموعة لاستكشاف الفرص لتحسين استقرار وموثوقية وعدالة الهيكل المالى العالمى.
وفى تقدير خبراء كثر، بما فيهم من دول «بريكس»، فإن الإنجازات الملموسة للتجمع تتجسد أساسًا فى إنشاء بنك التنمية الجديد. أما الحديث عن إنشاء عملة مشتركة لتحدى هيمنة الدولار، أو سعى دول المجموعة لإيجاد بديل عنه، من خلال زيادة استخدام العملات المحلية فى المعاملات التجارية بينها؛ فتبقى طموحات تنتظر التحقيق فى المديين المتوسط والطويل.
3- السعى إلى تغيير المؤسسات الدولية: لا يمكن تجاهل حقيقة أن مجموعة «بريكس» عملت خلال السنوات الأخيرة على تعزيز التعاون العملى فى مجالات الحد من الفقر، والأمن الغذائى، ومكافحة الأوبئة وتطوير وتعميم اللقاحات، وتمويل التنمية، ومواجهة التغير المناخى، ودفع التنمية الخضراء، وتطوير التصنيع والاقتصاد الرقمى. وبغض النظر عن التباينات بين الأعضاء المؤسسين إزاء علاقاتهم بالغرب، حيث لا يبدو الإسقاط المُعادى للغرب مفيدًا لجميع الأعضاء مثل الهند؛ إلا أن الكثير من بنود إعلان جوهانسبرج الصادر عن القمة تعكس بوضوح الصوت الجماعى حول الحاجة إلى تغيير المؤسسات الدولية، وخاصة المؤسسات المالية الدولية مثل البنك وصندوق النقد الدوليين ومنظمة التجارة العالمية.
4- الموقف الأمريكى من «بريكس»: من المُهم الإشارة إلى أن مسؤولين أمريكيين قللوا من احتمال ظهور «بريكس» كمنافس جيوسياسى، واصفين المجموعة بأنها كيان متنوع للغاية من الدول التى تضم أصدقاءً ومنافسين على حد سواء. ومع ذلك، عكست تحليلات وتصريحات أمريكية عديدة قدرًا واضحًا من القلق إزاء جاذبية المجموعة والاعتقاد المشترك لأعضائها بأن النظام العالمى تهيمن عليه دول ومؤسسات غربية بشكل لا يخدم مصالح الدول النامية.
ختامًا، فإن هذا الإقبال الكبير على الانضمام لعضوية «بريكس»، والذى أكسب قمة جنوب إفريقيا أهمية أكبر بالمقارنة بقمم «بريكس» السابقة، يُفسر بواقع أن العديد من الدول التى تطلعت فى السابق إلى تحقيق النمو الاقتصادى والاجتماعى، ثم اصطدمت بحقائق نظام عالمى جائر، صارت تبحث عن بدائل أخرى لإقامة شراكات اقتصادية. وقد رأى العديد من هذه الدول فى «بريكس» المُخلص والسبيل لتعافى اقتصاداتها، خاصة أن المجموعة قدمت بعض الاستراتيجيات الاقتصادية، بجانب بنك التنمية الجديد، الذى يبلغ رأسماله نحو 100 مليار دولار ويساعد فى تمويل مشروعات البنية التحتية فى الدول الأعضاء وغير الأعضاء. ولا شك فى أن انضمام الدول الست إلى «بريكس»، بدءًا من يناير 2024، ليصير عدد دولها 11 دولة، سيُكسب المجموعة جاذبية أقوى وسيحقق نتائج تعاون أفضل وأكثر، مما يجعل منها قوة رئيسية فى دفع التغيير الإيجابى لنظام الحوكمة العالمى الذى تدافع عنه الاقتصادات الناشئة والدول النامية.
*مدير المجلس المصرى للشؤون الخارجية ومساعد وزير الخارجية المصرى الأسبق