يفرض ارتفاع أسعار الطاقة العالمية أعباء إضافية على اقتصادات الدول المستوردة للطاقة بمنطقة الشرق الأوسط، والتي لاتزال تعاني تبعات جائحة كورونا على القطاعات غير النفطية. وقد شهدت أسعار النفط والغاز مستويات قياسية منذ بداية العام الجاري، وسط تعافي الطلب العالمي على الخامين، وشح المعروض منهما.
ويحمل ارتفاع أسعار الخامين تبعات سلبية على البلدان المستوردة للطاقة، بما في ذلك تزايد عجز الحساب الجاري للدول المستوردة للنفط المنطقة، بالإضافة إلى آثار سلبية أخرى مثل تزايد عجز الأرصدة المالية وارتفاع معدلات التضخم.
ارتفاع أسعار الطاقة
شهدت أسعار الطاقة ارتفاعاً قياسياً منذ أواخر سبتمبر الماضي، وسط الخلل الواضح بين المعروض والطلب العالمي على النفط والغاز الطبيعي، ويتضح ذلك على النحو التالي:
1- ارتفاع أسعار النفط: قفزت أسعار النفط العالمية منذ بداية العام الجاري، وسط تعافي الطلب بمعدل أسرع من التوقع، وشح المعروض العالمي. وزاد متوسط أسعار النفط، وفق البنك الدولي، من حوالي 54 دولاراً للبرميل في يناير 2021 إلى ما يقارب 85 دولاراً حالياً. كما تشير بعض التوقعات إلى أن أسعار النفط قد تتجاوز 90 دولاراً في نهاية العام، مع اقتراب فصل الشتاء، واستمرار تعافي الطلب العالمي على الوقود.
2- قفزة أسعار الغاز: ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي الفورية بمعدلات بلغت 400% منذ بداية العام وحتى الآن، بسبب ضعف المخزون الاحتياطي الأوروبي من الغاز، وتباطؤ شركة جازبروم الروسية في تزويد السوق الأوروبية بالغاز، بالإضافة إلى تراجع الاستثمار في أعمال الصيانة لمحطات تسييل الغاز المسال خلال جائحة كورونا.
3- أفق أزمة الطاقة: يرتبط حل أزمة الطاقة العالمية، من بين عوامل مختلفة، بتخفيف المنتجين قيود المعروض، وضخ إمدادات إضافية للأسواق العالمية. وبدورها، قد باتت روسيا أكثر انفتاحاً على تزويد أوروبا بمزيد من إمدادات الغاز، لذا من المتوقع أن تنخفض أسعار توريد الغاز الطبيعي في الفترة المقبلة، وإلا سيفقد الغاز تنافسيته السعرية بين مصادر الطاقة الأخرى. كما من المرجح أن يخفف أعضاء تحالف أوبك+ من قيود الإنتاج في الأشهر المقبلة، بالتوازي مع نمو الطلب العالمي على الخام.
ظروف هشة
يأتي ارتفاع أسعار الطاقة العالمية وسط تباطؤ تعافي اقتصادات الدول المستوردة للنفط بالمنطقة بسبب جائحة كورونا، ويتبين ذلك على النحو التالي:
1- محددات التعافي: حدد صندوق النقد الدولي في تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي الصادر أكتوبر 2021، خمسة عوامل تؤثر على قدرة البلدان المستوردة للنفط على التعافي الاقتصادي من الآثار السلبية للجائحة، وهي معدل حصول المواطنين على اللقاح، والحيز المتاح من خلال السياسات الاقتصادية (المالية والنقدية)، ودرجة اعتماد الاقتصادات على الإيرادات السياحة، وتطورات أسواق النفط، إلى جانب التحديات السياسية والإنسانية، وهو ما يعني أن ارتفاع أسعار النفط تؤثر سلباً على فرص التعافي الاقتصادي.
2- انخفاض التطعيم: تعاني معظم البلدان المستوردة للنفط انخفاض معدل التطعيم، وحتى الآن هناك خمس دول فقط في منطقة الشرق الأوسط استطاعت تقديم اللقاح لأكثر من 60% من السكان، وجميعها من البلدان المُصدرة للنفط، بينما كانت المغرب البلد الأكثر تقدماً في عمليات تطعيم السكان من بين البلدان المستوردة للنفط وبمعدل 46.7% من السكان.
3- تطورات أسعار النفط: يفترض صندوق النقد الدولي أن عودة البلدان المستوردة للنفط لتحقيق مسار النمو المعتاد، يقتضي استقرار أسعار النفط عند 66 دولاراً في عام 2021، و65 دولاراً في 2022، وهي مستويات بات من الصعب مشاهدتها في الأمد القصير، على نحو سوف يؤخر التعافي الاقتصادي أكثر وأكثر.
4- تراجع الحيز المتاح لعمل السياسات الاقتصادية (المالية والنقدية): تبنت البلدان المستوردة للنفط في العام الماضي حزمة من الإجراءات التيسيرية، شملت صرف تحويلات نقدية وتخفيف الضرائب، وتيسيرات في سداد القروض وخفض لأسعار الفائدة، أو على الأقل تثبيتها في مواجهة معدلات التضخم المُرتفعة، ومن ثم لا سبيل للتوسع أو الاستمرار في هذه السياسات حفاظاً على تماسك الاقتصاد. يضاف للسابق، أنه بات من الصعب على الدول المستوردة للنفط التوسع في تمويل خطط التحفيز من خلال الاستدانة، بعد أن تخطى سقف الديون نسبة 100% في بعض البلدان.
5- تباطؤ النشاط السياحي: يساهم النشاط السياحي بحصة تتعدى 10% في اقتصادات البلدان المستوردة للنفط، وهو مصدر رئيسي للنقد الأجنبي كذلك بتلك البلدان. ومن المرجح في ظل استمرار القيود الجزئية على السفر الدولي وتباطؤ معدل التطعيم بالبلدان المستوردة للنفط، ألا يتعافى القطاع السياحي بالكامل قبل عام 2023 أو حتى عام 2024.
6- تصاعد التوترات الجيوسياسية: تعاني كثير من الدول المستوردة للنفط من اضطرابات اقتصادية وسياسية واجتماعية مُرجح استمرارها على المدى المتوسط، ما يصعب من قدرة هذه الدول على مواجهة التحديات الاقتصادية وبما في ذلك جائحة كورونا.
تأثيرات محتملة
يفرض ارتفاع أسعار الطاقة أعباء إضافية على الاقتصادات المستوردة للنفط بالمنطقة، ويبطئ التعافي الاقتصادي مع ارتفاع معدل التضخم وارتفاع تكاليف الإنتاج الصناعي والزراعي والخدمي، خاصة خدمات النقل، ويتضح ذلك في التالي:
1- ارتفاع عجز الحساب الجاري: سوف يزيد ارتفاع أسعار الطاقة من تكلفة استيراد الوقود ببلدان مثل المغرب ومصر وتونس ولبنان، وسيؤدي بالتبعية إلى تزايد عجز ميزان الحساب الجاري بها. ومن المرجح أن تتحمل الدول العربية المستوردة للطاقة تكاليف إضافية تقدر بنحو 8 مليارات دولار نتيجة ارتفاع أسعار المشتقات النفطية والغاز، وفق معهد التمويل الدولي. وعلى سبيل المثال، سترتفع واردات تونس من الوقود بنحو مليار دولار نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة مؤخراً. وسيتسع عجز الحساب الجاري لدى بعض بلدان المستوردة للطاقة من 27 مليار دولار في العام الماضي إلى 35 مليار دولار في 2021.
2- تأثر الأسواق الداخلية: اضطرت حكومات البلدان المستوردة للطاقة لتمرير آثار أزمة الطاقة العالمية للداخل، وحملت المنتجين والمستهلكين الزيادات الحاصلة في أسعار النفط والغاز الطبيعي. ويبدو هذا مبرراً في ظل تراجع قدرة الدول المستوردة للطاقة على المناورة، في ظل العجز المزمن للموازنات الحكومية وميزان المدفوعات وتباطؤ تدفقات الاستثمار الأجنبي. وفي هذا السياق، رفعت الحكومات في المغرب ولبنان أسعار السولار والبنزين، بينما استمرت في تثبيت أسعار بعض المنتجات النفطية، مثل غاز الطهو، عملاً على موازنة آثار ارتفاع أسعار الطاقة.
3- ارتفاع التضخم: من المرجح أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط، جنباً إلى جنب إلى ارتفاع أسعار الغذاء وتكاليف الشحن، إلى تصاعد الضغوط التضخمية بالمنطقة ككل، خاصة البلدان المستوردة للطاقة. فمن المتوقع أن يرتفع معدل التضخم في المنطقة إلى 14.1% في عام 2021 قبل أن ينخفض إلى 9.1% في عام 2022. أما البلدان المستوردة للنفط، ستكون أكثر تأثراً بالعوامل المذكورة، وسيرتفع معدل التضخم إلى 17.1% في 2021، ثم ستراجع إلى 9.8% في عام 2022.
4- تزايد العجز المالي: من المفترض أن تتحسن أرصدة المالية العامة للبلدان المستوردة للطاقة بالمنطقة تدريجياً مع نمو الإيرادات، وانتهاء الإجراءات التحفيزية المتعلقة بجائحة كورونا، غير أن الحكومات سوف تتكبد أعباء مالية جديدة مع ارتفاع مخصصات دعم الوقود نتيجة صعود أسعار النفط والغاز الطبيعي، وعلى نحو سيزيد من اتساع عجز ميزانيتها.
تحولات ممتدة
تحفز التقلبات الدورية لأسعار الطاقة البلدان المستوردة للنفط والغاز على اتخاذ ثمة إجراءات، لامتصاص آثار الزيادات المحتملة في الخامين، وذلك على النحو التالي:
1- التحرير الكامل للوقود: يدفع ارتفاع أسعار الوقود، وما قد تتحمله الدول من فروقات بين الأسعار السائدة العالمية والأسعار المدعمة، حكومات المنطقة نحو الاتجاه تدريجياً لتحرير أسعار الوقود بالسوق، حتى بيعه بالأسعار العالمية، وذلك من أجل تخفيف الأعباء على ميزانيتها.
وبالفعل، تضع بلدان مثل المغرب ومصر وتونس للتخلص نهائياً من دعم الوقود في غضون ثلاث سنوات على الأكثر. حتى أنه سيتم تحرير بعض المنتجات النفطية الحيوية، فالمغرب تخطط لتحرير الشامل لأسعار غاز الطهو بحلول 2024.
2- تنويع مصادر الطاقة: يحفز التقلبات الحادة لأسعار الطاقة اتجاه الدول المستوردة للطاقة بالمنطقة لتنويع مصادر الطاقة والاتجاه نحو مصادر الطاقة المتجددة المختلفة، مثل الطاقة الشمسية والرياح، والتي لدى مصر والمغرب، على سبيل المثال، إمكانات كبيرة بهما، مما يقلل من الأثر السلبي للارتفاع المفاجئ لأسعار الطاقة.
وختاماً، يمكن القول إن ارتفاع أسعار سوف يضيف تكاليف جديدة بالنسبة للحكومات والمنتجين والمستهلكين في منطقة الشرق الأوسط، مما سوف يبطئ نسبياً من التعافي الاقتصادي للمنطقة، وسط تبعات جائحة كورونا على الأنشطة الاقتصادية غير النفطية.