أطلقت ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) عمليتين عسكريتين ضد تنظيم "داعش" على مدار الشهر الأخير في شمال شرق سوريا. لكن ذلك لم يمنع تصاعد نشاط التنظيم في تلك المنطقة. وتتمثل أبرز المظاهر الدالة على ذلك في الهجمات الممتدة للأخير ضد "قسد" والجيش السوري، وقدرته على تجنيد مقاتلين جدد. وتعترض جهود "قسد" ضد "داعش" جملة من العراقيل، يأتي على رأسها عودة التنظيم لاتباع استراتيجيات الإرهاب التقليدية. يُضاف لذلك أن البادية السورية لا تزال تشكل نقطة القوة الأبرز في نشاطه داخل سوريا، فضلاً عن تعمده الربط بين الساحتين السورية والعراقية في عملياته وتحركاته في كلتا الدولتين.
تحركات مستمرة:
بدت الجهود التي تبذلها ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" ضد تنظيم "داعش" في شمال شرق سوريا جلية في إطلاق عمليتين عسكريتين على مدار الشهر الأخير ضد التنظيم، حيث أعلنت "قسد" في 28 مارس الماضي عن حملة عسكرية في مخيم الهول في محافظة الحسكة ضد أذرع التنظيم. وتمكنت على خلفية ذلك من تنفيذ عشرات الاعتقالات ضد عناصر التنظيم، وذلك بعد سلسلة حوادث أمنية واغتيالات شهدها المخيم، الذي يضم مقاتلي التنظيم وعائلاتهم، في الأشهر الأخيرة. كما أعلنت في 14 أبريل الجاري عن إطلاق حملة عسكرية بدعم جوي وبري من التحالف الدولي على منطقة وادي العجيج في ريف دير الزور الشمالي الشرقي، بحثاً عن خلايا التنظيم في المنطقة.
نشاط متصاعد:
مع ذلك، فإن نشاط التنظيم ما زال يتصاعد في تلك المنطقة، على نحو يبدو جلياً في المؤشرين التاليين:
1- هجمات ممتدة ضد "قسد" والجيش السوري: كان من اللافت تركيز تنظيم "داعش" منذ أواخر العام الماضي ومطلع العام الجاري على استهداف الجيش السوري وقوات "قسد". ويأتي ذلك بعد فترة من الكمون بعد خسارة التنظيم لآخر معقل له في سوريا في منطقة الباغوز في شرق دير الزور في مارس 2019. وشملت العمليات الإرهابية لـ"داعش" مهاجمة نقاط التفتيش والدوريات بشكل مباشر واغتيال عناصر قوات "قسد" والجيش السوري والمتعاونين معهما وزرع عبوات ناسفة على الطرقات.
2- قدرة التنظيم على تجنيد مقاتلين جدد: أشارت تقارير محلية سورية وأخرى دولية في الفترة الأخيرة إلى تنامي قدرة "داعش" على تجنيد مقاتلين جدد في شمال شرق سوريا، والمناطق المجاورة لها في العمق العراقي على طول الحدود السورية- العراقية. ونوهت تلك التقارير إلى أن نجاح التنظيم في تلك الاستراتيجية يرجع في الأساس إلى قدرته على استغلال الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها سكان تلك المناطق.
عقبات متعددة:
على ضوء ذلك، يمكن القول إن ثمة عقبات عديدة تعترض جهود "قوات سوريا الديمقراطية" في مواجهة تنظيم "داعش"، ويتمثل أبرزها في:
1- عودة التنظيم لاتباع استراتيجيات الإرهاب التقليدية: يتبنى "داعش" في الوقت الحالي آليات الإرهاب التقليدي بعد هزيمته الميدانية في العراق وسوريا، والتي تبدو جلية في العودة إلى الانخراط في حرب عصابات في مواجهة الجيوش النظامية، وتجنب الدخول في مواجهات مباشرة مع الأخيرة التي تتفوق في العدد والعتاد. يُضاف إلى ذلك التخفي والعودة للعمل السري من خلال الخلايا التابعة له.
2- تمركز التنظيم القوي في البادية السورية: لا تزال البادية السورية تشكل نقطة القوة الأبرز في نشاط التنظيم في سوريا. وتشير تقارير عديدة في هذا الإطار إلى أن هجمات التنظيم المتصاعدة في سوريا ترجع بصورة كبيرة إلى تمكنه من إعادة تنظيم صفوفه في هذه المنطقة الصحراوية الشاسعة. وبالتالي، تشكل البادية السورية موقعاً رئيسياً يستخدمه "داعش" في الاختباء وشن هجمات خاطفة ضد الأهداف أو القوافل التي تعبر الطرقات الصحراوية المكشوفة غالباً والتي يصعب تأمينها كلياً.
3- نشاط التنظيم في الساحة العراقية: تعمد تنظيم "داعش" دائماً الربط بين الساحتين السورية والعراقية في عملياته وتحركاته في كلتا الدولتين، ومن هنا، فإن أي نشاط يقوم به في إحدى الساحتين يخدم خططه وتحركاته في الساحة الأخرى. وفي هذا الصدد يبرز نشاط التنظيم في المحافظات العراقية القريبة من الحدود مع سوريا، وهو الأمر الذي يستفيد منه التنظيم لخدمة تحركاته في الساحة السورية. ويُشار في هذا الصدد إلى أن القوات العراقية لم تنجح بعد في تطهير الصحراء الغربية المحاذية لسوريا من بقايا تنظيم "داعش" رغم قيامها بالعديد من العمليات العسكرية لهذا الغرض.
4- استغلال تداعيات العمليات العسكرية التركية في الشمال السوري: تشير اتجاهات عديدة إلى أن التحركات العسكرية التي تقوم بها تركيا في الشمال السوري تعزز نشاط التنظيم، خاصة لجهة تشتيت جهود ميليشيا "قسد" ما بين التعامل مع العمليات العسكرية التركية أو مواجهة عناصر التنظيم. وقد دفع ذلك الميليشيا الكردية إلى التحذير من أن استمرار الضغوط التي تتعرض لها بسبب العمليات العسكرية التركية سوف يدفعها إلى تبني إجراءات قد تؤثر في المقابل على العمليات العسكرية التي يشنها التحالف الدولي ضد "داعش" لاسيما فيما يتعلق بتفكيك بعض المخيمات التي تضم مقاتلي التنظيم وأسرهم وأهمها مخيم الهول.
في المجمل، من الواضح أن التحركات التي تقوم بها ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" ضد تنظيم "داعش" في شمال شرق سوريا ما زالت محدودة التأثير، بدليل نشاط التنظيم المكثف في تلك المنطقة. ومن الملاحظ حرص الأخير على استغلال السياقات السورية والإقليمية الراهنة من أجل العودة بقوة إلى الساحة السورية، وهو الأمر الذي يهدد المكتسبات السابقة التي تحققت على صعيد هزيمته عسكرياً.