أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

مصالح متقاطعة:

نتائج الجولة الثانية من الحوار الاستراتيجي العراقي- الأمريكي

26 أغسطس، 2020


حققت الولايات المتحدة والعراق مكاسب متبادلة خلال الجولة الثانية من الحوار الاستراتيجي، تمثلت في انتزاع واشنطن اعترافاً رسمياً عراقياً بأهمية بقاء القوات الأمريكية، وحصول بغداد على دعم اقتصادي أمريكي. ويتوافق ذلك مع توقيع اتفاقيات لدعم قطاع الطاقة العراقي، وحصول بغداد على دعم أمريكي لإجراء الانتخابات المبكرة، في إطار البرنامج الذي وضعه رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي. ويمكن تفسير نجاح الجولة الثانية من الحوار الاستراتيجي في ضوء رغبة واشنطن في الإبقاء على حضور عسكري بالعراق وسعى بغداد لتبني حلول سريعة للأزمة الاقتصادية الحالية.

أهداف متبادلة:

يبدو من خلال متابعة مخرجات الجولة الثانية من الحوار الاستراتيجي التي جرت مؤخراً في واشنطن بين الجانبين الأمريكي والعراقي، والتي تبدو جلية في البيان الختامي الصادر عن وزارة الخارجية العراقية والذي يحدد المسارات الرئيسية التي تحكم العلاقات بين الطرفين، أن تلك الجولة نجحت نسبياً في تحقيق أهدافها. ويمكن رصد أبرز المؤشرات الدالة على تحقيق واشنطن وبغداد مكاسب متبادلة خلال الجولة الثانية من الحوار الاستراتيجي، وذلك من خلال ما يلي: 

1- انتزاع اعتراف رسمي عراقي بأهمية القوات الأمريكية: رغم أن البيان الختامي أشار إلى اتفاق واشنطن وبغداد على مواصلة الأولى تخفيض عدد قواتها المتواجدة في العراق في ضوء التقدم المتميز بشأن التخلص من تهديد تنظيم "داعش"، إلا أنه أقر ببقاء جزء من القوات الأمريكية ضمن التحالف الدولي ضد التنظيم وفي إطار مرحلة جديدة مرتقبة تركز على تدريب وتجهيز ودعم القوات الأمنية العراقية. واتفق الجانبان على إجراء محادثات فنية منفصلة لإدارة التوقيتات والانتقال إلى المرحلة الجديدة، بما في ذلك أية عمليات إعادة انتشار خارج العراق مرتبطة بها.

2- حصول بغداد على دعم اقتصادي أمريكي: جددت الولايات المتحدة خلال الجولة الثانية من الحوار الاستراتيجي دعمها للإصلاحات الاقتصادية في العراق وحددت مجالات للتعاون يمكن أن تساعد العراق في تحقيق خططها، ويبدو ذلك جلياً في توقيع اتفاقيات مع شركات أمريكية لدعم الاقتصاد، حيث قال وزير المالية العراقي علي علاوي، في 20 أغسطس الجاري، أنه تم توقيع اتفاقيات مع وكالة التنمية الأمريكية (USAID) لإعادة برامجها في العراق ودعم الاقتصاد العراقي، خاصة في مجال التنمية الاجتماعية، وهى من أكبر المؤسسات التي أسهمت في عمليات إعادة إعمار العراق.

كما أشار البيان الختامي للجولة الثانية من الحوار الاستراتيجي إلى أن البلدين ناقشا التنسيق مع المؤسسات المالية الدولية لمساعدة العراق على احتواء تداعيات انخفاض أسعار النفط وفيروس "كورونا"، ووضع البلاد على مسار مالي أكثر استدامة. 

وبالتوازي مع ذلك، وقّعت بغداد خلال الجولة الثانية للحوار الاستراتيجي على اتفاقيات لدعم قطاع الطاقة مع شركات أمريكية لتمويل مشاريع كبرى في قطاع الكهرباء العراقي لإعادة بناء القطاع من جديد. 

اعتبارات عديدة: 

يمكن تفسير الحرص الأمريكي والعراقي على إنجاح الجولة الثانية من الحوار الاستراتيجي في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في: 

1- رغبة واشنطن في الإبقاء على حضور عسكري بالعراق: تُعوِّل واشنطن على الإبقاء على حضور عسكري مقبول في الساحة العراقية، وذلك من أجل التصدي للنفوذ الإيراني في المنطقة. ويُشار في هذا الصدد إلى تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 20 أغسطس الجاري قبيل لقائه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، بأن "بلاده لديها عدد محدود من الجنود في العراق لكنها هناك للمساعدة في حال أقدمت إيران على أى شيء".

2- دعم سياسة الكاظمي: ترى اتجاهات عديدة داخل الولايات المتحدة أن الكاظمي حريص على توجيه رسائل بأنه يحتفظ بمساحة مع كل القوى المعنية بما يجري داخل العراق، وفي مقدمتها إيران، على أساس أن ذلك يمثل إحدى أهم الآليات التي يستند إليها في تنفيذ البرنامج الذي يتبناه منذ وصوله إلى رئاسة الحكومة. ويبدو أن ذلك دفع الإدارة الأمريكية إلى محاولة دعم تلك السياسة في إطار تصعيدها المستمر مع إيران على المستوى الإقليمي.

3- محاولة تقديم حلول سريعة للأزمة الاقتصادية الحالية: تحاول بغداد تحقيق أقصى استفادة ممكنة من علاقاتها مع واشنطن للبحث عن مداخل جديدة لتنمية مواردها المالية الضعيفة والتي تقلص قدرة الحكومة على الوفاء بتعهداتها، ودعم الموازنة العامة المأزومة حالياً على إثر تراجع أسعار النفط.  ومن الواضح أن بغداد تستهدف قيام واشنطن بتقديم دعم للموازنة العامة، على أن يكون هذا الدعم على المدى الطويل من أجل تحقيق الاستقرار على المستويين السياسي والاقتصادي.

4- الحيلولة دون تفاقم أزمة الطاقة "الصيفية": تفاقمت أزمة الكهرباء في العراق على مدار الأعوام الأخيرة ولاسيما خلال شهور الصيف، ورغم أن التقديرات العراقية تشير إلى إنفاق الحكومات المتعاقبة في البلاد بعد عام 2003 حوالي 40 مليار دولار على قطاع الكهرباء، إلا أن الشبكة الكهربائية العراقية تعتبر واحدة من أسوأ الشبكات الكهربائية على مستوى العالم، وذلك نتيجة الانقطاع الكهربائي لساعات طويلة وتحديداً في فصل الصيف.

جدير بالذكر أن أزمة الكهرباء تعد سبباً رئيسياً في اندلاع تظاهرات احتجاجية في العراق في الوقت الحالي مثلما حدث ضد حكومتى عادل عبد المهدي وحيدر العبادي، وبالتالي تستهدف الحكومة الحالية إيجاد حل لتلك الأزمة المستعصية، ويعتبر تحركها الحالي نحو واشنطن أحد مداخل هذا الحل ولمنع تفاقم الاحتجاجات الشعبية الحالية ووصولها لمستوى قد يكون أكثر خطورة.

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن الجانبين الأمريكي والعراقي حققا ما كانا يستهدفانه خلال الجولة الثانية للحوار الاستراتيجي، وذلك في ضوء وجود مصالح متبادلة بينهما. لكن ذلك لا ينفي أن الضغوط العسكرية والسياسية التي تمارسها القوى والفصائل الشيعية الموالية لإيران لا تزال تشكل تهديداً واضحاً لهذا التقدم.