أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

تعزيز النفوذ:

رسائل فوز قاليباف برئاسة البرلمان الإيراني

31 مايو، 2020


نجح محمد باقر قاليباف في الفوز بمنصب رئيس البرلمان الإيراني، في التصويت الذي جرى في 28 مايو الجاري، على نحو يشير إلى اتجاه الحرس الثوري نحو الهيمنة على معظم المؤسسات الرئيسية في الدولة، بالتوازي مع محاصرة تيار المعتدلين برئاسة الرئيس حسن روحاني، الذي يواجه شبح الخروج نهائياً من السلطة بعد انتهاء الولاية الثانية للأخير في منتصف العام القادم، لدرجة قد تدفعه في النهاية إلى دعم ترشيح أحد المحافظين المعتدلين، على غرار علي لاريجاني، الرئيس السابق لمجلس الشورى الذي لم يترشح في الانتخابات البرلمانية الأخيرة وعينه المرشد علي خامنئي مستشاراً له وعضواً بمجلس تشخيص مصلحة النظام. 

ظل سليماني:

لم يواجه رئيس بلدية طهران السابق محمد باقر قاليباف صعوبة كبيرة في الوصول إلى منصب رئيس البرلمان، لاسيما بعد أن مورست ضغوط قوية على منافسه حميد رضا حاجي بابايي للانسحاب لصالحه، لدرجة مكنت الأول من الحصول على تأييد 230 عضواً من إجمالي 264 عضواً شاركوا في التصويت، حيث لم تتحدد بعد هوية النواب الآخرين (عدد مقاعد البرلمان يصل إلى 290 مقعداً)، بعد أن تم تأجيل انتخابات جولة الإعادة إلى سبتمبر القادم بسبب انتشار فيروس "كورونا". وفور الإعلان عن ذلك، سعت الآلة الإعلامية الإيرانية إلى الترويج إلى أن ما حدث يمثل إحدى تبعات مقتل قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري قاسم سليماني، حيث قال رئيس تحرير صحيفة "كيهان" حسين شريعتمداري، في 30 مايو الجاري، أن "فوز قاليباف بالمنصب يعني أننا مستمرين على طريق سليماني".

اعتبارات عديدة:

ربما يكون رئيس البرلمان هو المنصب الأهم الذي يصل إليه قاليباف، بعد سلسلة إخفاقات منى بها خلال محاولاته المنافسة في الانتخابات الرئاسية لثلاث مرات، حيث خسر مرتين وانسحب في الثالثة. ورغم أنه تولى فيما مضى مناصب في الحرس الثوري والشرطة وبلدية طهران، فإن منصبه الجديد سوف يعزز موقعه السياسي داخل دوائر صنع القرار في طهران، حيث أصبح يتولى رئاسة إحدى السلطات الرئيسية الثلاث، وهى السلطة التشريعية، وسيقود المواجهات السياسية المحتملة مع حكومة الرئيس حسن روحاني خلال الفترة المتبقية من الولاية الرئاسية الثانية للأخير.

 وفي هذا السياق، يتوقع أن يمارس مجلس الشورى ضغوطاً قوية على الحكومة في ظل الخلافات العديدة القائمة بين الطرفين، بسبب الموقف من الاتفاق النووي وما آل إليه في النهاية، فضلاً عن التراشقات السابقة بين قاليباف وروحاني خلال المناظرات التي أجريت قبيل الانتخابات الرئاسية الأخيرة. 

ويمكن القول إن ثمة اعتبارات عديدة ساهمت في تصعيد قاليباف إلى منصب رئيس البرلمان، يتمثل أبرزها في:

1- انعكاسات العقوبات: يسعى النظام الإيراني إلى استغلال فوز قاليباف بمنصب رئيس البرلمان لتوجيه رسائل إلى الخارج مفادها أن استمرار الإجراءات العقابية التي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية من شأنه تعزيز سيطرة التيار المتشدد على السلطة، بشكل سيؤثر على السياسة الخارجية الإيرانية لاسيما إزاء الملفات الرئيسية مثل الاتفاق النووي. 

وبمعنى آخر، فإن النظام في إيران حاول عبر تلك الخطوة توجيه تحذيرات إلى القوى الدولية المعنية بالاتفاق النووي مفادها أن الحرس الثوري في طريقه إلى السيطرة على معظم المؤسسات إن لم يكن مجملها، لاسيما مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في منتصف العام القادم، والتي لن يترشح فيها الرئيس حسن روحاني الذي تولى منصبه لفترتين متتاليتين. 

2- استغلال التصعيد: كان لافتاً أن النظام حرص على استغلال التصعيد الذي اندلع مع الولايات المتحدة الأمريكية حول شحنات النفط التي تم إرسالها لفنزويلا، فضلاً عن إنهاء الإعفاءات التي منحت لبعض الدول في البرنامج النووي، بهدف دعم سيطرة المحافظين الأصوليين على الهيئة الرئاسية وربما لجان البرلمان، حيث ركزت وسائل الإعلام القريبة من الحرس على الترويج إلى أن عدم إبداء اهتمام كبير بالتهديدات الأمريكية الخاصة بمنع وصول شحنات النفط إلى فنزويلا كان السبب الرئيسي في وصول هذه الشحنات إلى محطتها الأخيرة بالفعل، حيث لم تواجه أية عقبات من جانب قطع البحرية الأمريكية، على نحو يمثل، في رؤية طهران، "هزيمة كبيرة" للعقوبات الأمريكية.

3- تكريس الهيمنة: لم يكتف تيار المحافظين الأصوليين، القريب من الحرس الثوري، الذي تشير تقارير عديدة إلى أنه يمتلك كتلة أساسية تضم أكثر من 30 عضواً تولوا مناصب عسكرية سابقة، برئاسة البرلمان، بل هيمن على هيئة رئاسة المجلس بشكل عام، حيث تولى امير حسين قاضي زاده هاشمي منصب النائب الأول للرئيس فيما تولى علي نيكزاد منصب النائب الثاني. كما يتنافس اثنان من الحرس على منصب رئيس لجنة السياسة الخارجية والأمن القومي وهما مجتبي ذي النور الذي تولى في السابق منصب ممثل المرشد في الحرس، ومحمد صالح جوكار الذي تولى منصب نائب قائد الحرس الثوري السابق للشئون البرلمانية.

وفي هذا السياق، يتوقع أن تسعى اللجنة في الدورة الجديدة إلى ممارسة ضغوط أكبر على وزارة الخارجية، على نحو قد يؤدي إلى اندلاع أزمات جديدة مع وزير الخارجية محمد جواد ظريف. وقد لا يكون ذلك بعيداً عن ما تشير إليه اتجاهات عديدة من أن هناك محاولات استباقية للمحافظين الأصوليين لتقليص احتمالات اتجاه ظريف إلى ترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية القادمة، ممثلاً عن تيار المعتدلين، خلفاً للرئيس حسن روحاني.

صراعات مستمرة:

مع ذلك، لا يعكس فوز قاليباف برئاسة البرلمان تقارباً كبيراً داخل تيار المحافظين الأصوليين. إذ أن الحرص على الوصول إلى المنصب كان هو السبب الرئيسي الذي دفع النواب إلى الضغط على حاجي بابايي للانسحاب قبل التصويت لقاليباف. وهنا، يمكن القول إن الخلافات داخل قوى التيار عديدة ولا يمكن تسويتها بسهولة، وقد تتصاعد حدتها تدريجياً خلال المرحلة القادمة. 

وربما يمكن القول إن اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في منتصف العام القادم سوف يؤدي إلى تفاقم تلك الخلافات. إذ لا يبدو أن المحافظين الأصوليين سوف يتمكنون بسهولة من التوافق على مرشح واحد، خاصة إذا ما قام مجلس صيانة الدستور بـ"حصر" المرشحين المحتملين للرئاسة داخل هذا التيار. 

وبعبارة أخرى، فإن مجلس صيانة الدستور قد يقوم بتكرار ما نفذه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، عبر استبعاد مرشحي تيار المعتدلين، لأسباب عديدة وفضفاضة، على نحو سيؤدي إلى حصر المنافسة بين المحافظين الأصوليين، وربما ينتهي الأمر بانقسام التيار إلى أجنحة متنافسة أو تيارات أصغر، بشكل قد يؤدي إلى تغيير خريطة القوى السياسية الإيرانية خلال المرحلة القادمة، ليظهر بعدها تيار جديد للمعتدلين وربما الإصلاحيين من داخل المحافظين الأصوليين.