أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

نظام إقليمي جديد

27 مارس، 2019


انطلقت الصرخات عالية في حي الدقي الشهير، القريب من جامعة القاهرة. كان مصدرها بيت الطالبات المغتربات، ومعظمهن في ذلك الوقت من الفلسطينيات. كان هذا منذ حوالي أربعين عاماً، وكان السبب وصول أول سفير إسرائيلي إلى القاهرة ورفع العلم الإسرائيلي لأول مرة في عاصمة عربية، بل عاصمة أكبر بلد عربي. وبالفعل كان ذلك الحدث نهايةَ نظام إقليمي وبداية آخر.

جاء وصول السفير الإسرائيلي كحلقة منطقية في تطور العلاقات المصرية الإسرائيلية بعد حرب أكتوبر 1973. البعض يتذكر جانباً من هذه الحلقات المهمة، مثل الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس أنور السادات للقدس في نوفمبر 1977، وكذلك مؤتمر القمة الثلاثي في كامب ديفيد عام 1978.. وهما حلقتان مهمتان بالفعل، لكن الذي يتناساه كثيرون هو اتفاق عام 1975، والذي يفترض أنه اتفاق عسكري فحسب، لكنه الاتفاق الذي تم بوساطة هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي آنذاك، وقد نص في أحد بنوده على نقطتين مهمتين:

1- تقييد حجم وتحركات القوات المصرية في سيناء.

2- إنهاء حالة الحرب بين مصر وإسرائيل.

وبالرغم من أن البند الأول كان عسكرياً بالأساس، فإنه يُقال بأن الفريق الجمسي، رئيس هيئة أركان الجيش المصري في ذلك الوقت، اغرورقت عيناه بالدمع بسبب القيود التي تضمنها الاتفاق ووافق عليها السادات تحت الضغوط الإسرائيلية والأميركية. أما البند الثاني فلا يمكن إخفاء أو تجاهل طابعه السياسي، وقد كان هذا أهم سبب للخلاف بين مصر وسوريا، شريكتها في حرب أكتوبر، وكذلك مع العديد من الدول العربية الأخرى التي رأت في الاتفاق، رغم طابعه العسكري المعلن، مضموناً سياسياً واضحاً.

ورغم أن العديد من المعلقين والمحللين يتجاهلون ذلك الاتفاق ولا يعطونه الأهمية التي يستحقها كركيزة لاتفاقيات كامب ديفيد اللاحقة في 1978، ثم معاهدة السلام في 26 مارس 1979، والتي أكملت أمس عامها الأربعين.

صرخات الطالبات الفلسطينيات المغتربات كان لها ما يبررها إذن، إذ كنا أمام «شرق أوسط جديد» بالفعل، وذلك في بندين على الأقل:

1- تم رفع الحظر عن التعامل السلمي المعلن مع إسرائيل، ومن خلال أكبر دولة عربية. وفي هذا الإطار أصرت إسرائيل على تبادل السفراء علناً وتبادل كامل للعلاقات الاقتصادية والثقافية، على الفور وقبل انتهاء جلاء قواتها عن سيناء بعد ذلك بثلاثة أعوام، أي في أبريل سنة 1982.

2- «سلخ» مصر بعيداً عن شقيقاتها العربيات، ليس فقط سياسياً بل قانونياً كذلك، حيث كانت أصعب حلقات التفاوض حول إبرام معاهدة السلام هي تلك الحلقات المتعلقة بمبدأ «الربط»: هل المعاهدة وثيقة قائمة بذاتها، أم أن مصر يجب أن تحترم أيضاً التزاماتها العربية (مثل معاهدة الدفاع العربي المشترك) في حالة قيام حرب بين إسرائيل وإحدى الدول العربية؟ نجحت إسرائيل في فرض وجهة نظرها. وهكذا أصبحت العلاقات المصرية الإسرائيلية قائمة بذاتها وركيزة من ركائز الشرق الأوسط الجديد.

لم يكن هذا التحول مقبولاً في المنطق الإقليمي السائد آنذاك، أي قبل أربعين عاماً من الآن، لكنه أصبح -كما نرى في الوقت الحالي- حقيقة ماثلة وأمراً واقعاً لا جدال فيه. 

لقد تطورت علاقات إسرائيل في المنطقة إلى أبعد من مصر بكثير؛ من اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين في عام 1993، إلى المعاهدة الإسرائيلية الأردنية (وادي عربة) في عام 1994.. إلى العديد من العلاقات الاقتصادية والسياسية المعلنة.

النقطة المهمة إذن هي أن النظام الإقليمي العربي، الذي ارتكز على مجابهة التهديد الإسرائيلي، انتهى ليحل محله نظام شرق أوسطي يركز على مجابهة تهديدات أخرى مثل «داعش» و«القاعدة» والتدخلات الإقليمية الإيرانية.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد