أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

فرص وتحديات :

كيف تستعد كوريا الجنوبية للتحول لـ "قوة فضائية ناشئة"؟

27 أبريل، 2024


عرض: هند سمير

مع صعود صناعة الفضاء في القرن الحادي والعشرين، كساحة للابتكار التكنولوجي والفرص الاقتصادية والجيوسياسية، برزت كوريا الجنوبية كفاعل مؤثِّر في مجال استكشاف الفضاء والتكنولوجيا الفضائية في المشهد العالمي. وتتجاوز الأهمية الاستراتيجية لصناعة الفضاء الكورية الجوانب التكنولوجية والاقتصادية لتمتد إلى مجالات الأمن القومي والنفوذ الدبلوماسي والمكانة؛ إذ تخطط لتكون قوة فضائية ناشئة في العالم، وإن كانت لا تزال تواجه تحديات في هذا المجال. 

في هذا السياق، تطرح ورقة بحثية للباحثين سيونغجو لي وسانغوو شين، في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية في يناير 2024، رؤية متعمقة لتطور ومستقبل صناعة الفضاء في كوريا الجنوبية؛ إذ تتبع الورقة نشأة ومسار جهود سيول في مجال الفضاء، فضلاً عن إجراء تحليل شامل لنهجها الاستراتيجي وأنماط النمو في هذا القطاع، وتقييم فعالية وتأثير السياسات الحكومية، وتقيم الورقة أيضاً مكانة كوريا الجنوبية ودورها داخل المجتمع الدولي للفضاء، وما يجابه ذلك من فرص وتحديات.

تطور برنامج الفضاء:

بدأت كوريا الجنوبية برنامجها لتطوير الفضاء في أوائل تسعينيات القرن العشرين، وعلى الرغم من التأخر الذي كان يصل إلى ثلاثين إلى أربعين عاماً مقارنة بالدول المتقدمة، فإنها شهدت تقدماً كبيراً خلال الثلاثين عاماً الماضية بفضل الدعم الحكومي والرؤية الجريئة. ففي عام 1986، تأسس معهد أبحاث علوم الفضاء الفلكي، ثم المعهد الكوري لأبحاث الفضاء في عام 1989. كما أسهم إنشاء مركز أبحاث الأقمار الاصطناعية في المعهد الكوري المتقدم للعلوم والتكنولوجيا، في وضع الأسس لتطوير الفضاء. وبالفعل استطاعت كوريا الجنوبية في التسعينيات تطوير أول قمر اصطناعي تجريبي صغير في 1992، كما أطلقت أول قمر اصطناعي عملي في 1999، بالإضافة إلى تطوير الصواريخ العلمية الصغيرة والمتوسطة في الفترة نفسها.

في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تم وضع القوانين المتعلقة بالفضاء والتقدم في تقنيات الإطلاق والأقمار الاصطناعية. ففي عام 2005، تم إصدار قانون تعزيز تطوير الفضاء، ثم ظهر أول رائد فضاء كوري جنوبي عام 2008. وفي 2010، أدخلت كوريا الجنوبية مجموعة مشغلي الأقمار الاصطناعية الثابتة بنجاح من خلال نشر القمر الاصطناعي تشوليان، كما استطاعت نشر قمر اصطناعي باستخدام صاروخ "نوري" في يونيو 2022، لتؤكد مكانتها كعضو في النخبة العالمية لدول الإطلاق المداري المستقل. ولا يعني هذا التقدم قفزة تكنولوجية فحسب، بل يعكس أيضاً الدور المتطور للدولة في المشهد الفضائي العالمي.

يُعد الهيكل الحالي لبرنامج تطوير الفضاء في كوريا الجنوبية معقداً، ويتضمن العديد من المنظمات والإدارات. ويشمل: لجنة الفضاء الوطنية التابعة للرئيس مباشرة، وسبع وزارات، بما في ذلك وزارة العلوم وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ووزارة الدفاع الوطني، ووزارة الخارجية، وغيرها، ومؤسستان بحثيتان تابعتان لوزارة العلوم وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ووكالة تطوير الدفاع التابعة لوزارة الدفاع الوطني، والمعهد الكوري المتقدم للعلوم والتكنولوجيا (KAIST) ومركز أبحاث الأقمار الاصطناعية التابع له، والتابعان لوزارة العلوم وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ومعاهد البحوث الأخرى التي تمولها الحكومة، ومنظمات إدارة البحوث الخاصة بالأقسام ووكالات تشغيل/استخدام الأقمار الاصطناعية.

أدى هذا النظام اللامركزي إلى نقاشات حول الاتساق والوحدة في تنفيذ السياسات، فضلاً عن الصعوبات في تأمين الميزانيات واستخدامها بكفاءة، وفي الآونة الأخيرة دارت مناقشات حول إنشاء وكالة فضاء مخصصة في كوريا الجنوبية؛ مما أدى إلى إدخال تعديلات على قانون تعزيز تطوير الفضاء في نوفمبر 2021 ويونيو 2022، وتهدف هذه التعديلات إلى إعادة تنظيم الهيكل الحالي المتعلق بالفضاء، كما تزيد الحكومة استثماراتها بثبات في برامج الفضاء؛ إذ تخصص مبلغاً قياسياً بلغ نحو 724 مليون دولار أمريكي؛ لتطوير الفضاء في السنة المالية الحالية، بزيادة نسبتها 19.5% عما تم تخصيصه في عام 2022. ويتمثل الجزء الأكبر من الميزانية في تنمية صناعة الفضاء، يليها النقل الفضائي، ثم الأمن الفضائي، والعلوم الفضائية، وأخيراً استكشاف الفضاء.

فيما يتعلق بتعزيز صناعة الفضاء، تركز الحكومة أساساً على توسيع تطوير الأقمار الاصطناعية العامة، بما في ذلك الأقمار الصغيرة، والأقمار الثابتة، وأقمار الاتصالات، والأقمار متوسطة الحجم من الجيل القادم، ونظام تحديد المواقع الكوري .(KPS) وتهدف الاستراتيجية إلى وضع الأسس لنمو الصناعة الخاصة بالفضاء من خلال زيادة إمدادات الأقمار الاصطناعية العامة؛ مما يعزز جودة خدمات المعلومات القابلة للتطبيق. لهذا الغرض، تخطط الحكومة لاستثمار 48.7 مليار وون كوري حتى عام 2026؛ لتعزيز البنية التحتية الوطنية للأقمار الاصطناعية وتكامل عملياتها ومعايرتها. بالإضافة إلى استثمار 12 مليار وون كوري حتى عام 2028؛ لزيادة معدل الإنتاج المحلي لمكونات الفضاء وأجزائه. وتبدأ الحكومة دعماً كبيراً للشركات الناشئة ذات الصلة بالفضاء؛ إذ قامت بتخصيص ميزانية قيمتها 5 مليارات وون كوري لها خلال العام الحالي.

خصائص سوق الفضاء:

سلطت ورقة المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية الضوء على سوق صناعة الفضاء من ثلاث زوايا: الطلب والعرض والإطار المؤسسي. فعلى الصعيد العالمي، تُعد الحكومات بمثابة العملاء الأساسيين في قطاع التصنيع الفضائي؛ والوضع في كوريا الجنوبية لا يختلف. ففي الفترة بين عامي 2013 و2022، أطلقت سيول 12 قمراً اصطناعياً، بمتوسط أقل من قمر اصطناعي واحد سنوياً، في مقابل 4165 قمراً للولايات المتحدة، و419 للمملكة المتحدة، و315 للصين، و161 لروسيا، و71 لليابان، و48 للهند.  

ويؤثر عدم كفاية الطلب الحكومي في تطوير الأقمار الاصطناعية في كوريا الجنوبية بشكل مباشر في الطلب بأكمله داخل قطاع تصنيع المعدات الفضائية، بما في ذلك مركبات الإطلاق والمحطات الأرضية. ويستلزم هذا الوضع إجراء تقييم نقدي لما إذا كان طلب الحكومة على تطوير الأقمار الاصطناعية يشكل سوقاً ذات حجم مناسب لدعم العديد من الشركات المحلية المتخصصة في تصنيع المعدات الفضائية.

من ناحية العرض، تُظهر البيانات أن القوة العاملة في مجال تصنيع معدات الفضاء في كوريا الجنوبية لا تزال صغيرة نسبياً بالمقارنة مع الشركات الرائدة مثل: (SpaceX) في الولايات المتحدة، وعلى الرغم من زيادة الاستثمارات في البحث والتطوير، فإن مستوى الاستثمار العام، ومن بينه المرافق، يبدو متواضعاً مقارنة بالصناعات الفضائية الرائدة عالمياً. هذا التفاوت في الاستثمار قد يؤثر في وتيرة التقدم التكنولوجي وقدرة الشركات الكورية الجنوبية على المنافسة على الساحة الدولية. وقد يعكس الاستثمار الأصغر نسبياً في المرافق أيضاً القيود المفروضة على قدرات التصنيع والاختبار، والتي تُعد ضرورية لتوسيع نطاق العمليات الفضائية وتصنيع معدات ومركبات فضائية أكثر تقدماً. 

ولتسخير دور السوق في تطوير الفضاء، هناك حاجة ماسة إلى تحقيق توازن سلس بين العرض والطلب في صناعة الفضاء من خلال إنشاء أنظمة مثل: التسعير والأسواق التنافسية. وفي الوقت الحاضر، تُعد الحكومة المستهلك الرئيسي في صناعة الفضاء في كوريا الجنوبية؛ مما يعني أن المنتجات والخدمات الفضائية تخضع لقيود قانونية وتنظيمية. كما يؤدي النظام الحالي للتعاملات بين الشركات والحكومة دوراً مهماً في تشكيل السوق. ومن الضروري تحقيق تحول في النهج من التركيز على البحث والتطوير إلى التوجه نحو السوق لإنشاء وتنمية قطاع الفضاء بقيادة القطاع الخاص. 

تحديات تطوير الفضاء: 

بدأت كوريا الجنوبية في صياغة استراتيجية فضائية منهجية في منتصف التسعينيات؛ تهدف إلى تحقيق التطور في مجال الفضاء، ووضعت إطاراً لتنفيذها. تتألف هذه الاستراتيجية من ثلاث مراحل؛ إذ تتضمن الأولى وضع الإطار الأساسي وتطوير الأقمار الاصطناعية ومركبات الإطلاق، بينما تركز الثانية على تعزيز التطوير والاستثمار في تقنيات الفضاء. وفي المرحلة الثالثة، تسعى كوريا الجنوبية إلى تعزيز مكانتها كقوة اقتصادية فضائية عالمية. 

وتقوم الاستراتيجية التفصيلية على خمس ركائز: (1) توسيع استكشاف الفضاء (2) تحسين النقل الفضائي والبنية التحتية، (3) تعزيز الفضاء كصناعة رئيسية، (4) إنشاء أنظمة أمن الفضاء، (5) توسيع علوم الفضاء. وتستند الاستراتيجية التفصيلية إلى أن توسيع نطاق الأنشطة الفضائية أمر ضروري للاستجابة بسرعة للتغيرات في النظام العالمي الفضائي.

فقد أصبح الفضاء ذا أهمية متزايدة باعتباره مجالاً للحرب، خاصة بعد الصراع الروسي الأوكراني في فبراير 2022. إضافة إلى التهديدات الأمنية المستمرة من كوريا الشمالية والسباق الفضائي العسكري المتزايد بين الدول المتجاورة. بالتالي تحتاج كوريا الجنوبية بشكلٍ عاجل إلى تحسين قدراتها الفضائية العسكرية فيما يتعلق بقدرات الإنذار المبكر وأنظمة المراقبة لمواجهة تطور قدرات كوريا الشمالية في مجال إطلاق الأسلحة النووية والصاروخية. وهذا يتطلب من حكومة سيول زيادة الاستثمار والقوى العاملة والشروع في إعادة هيكلة المؤسسات والمنظمات التي تحكم استراتيجيات وعمليات الفضاء.

ووضعت حكومة كوريا الجنوبية خطة من ثلاث مراحل للتغلب على هذه التحديات. تتمثل المرحلة الأولى في تعزيز قدراتها في المراقبة الفضائية وقدرات دعم الاستخبارات الفضائية بحلول عام 2025. وتتمثل المرحلة الثانية في تعزيز قدرات العمليات الفضائية بحلول عام 2030. وأخيراً، في المرحلة الثالثة، ستقوم الحكومة ببناء قدرة استثمارية استراتيجية في الفضاء على نطاق واسع.

استراتيجية التعاون الدولي:

شكل توقيع اتفاقية التعاون الفضائي بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة في إبريل 2016؛ حافزاً لتعميق وتوسيع التعاون بين الجانبين في هذا المجال. وبالنظر إلى توقيع 11 دولة، بما في ذلك روسيا وكندا وفرنسا، على الاتفاقية الإطارية للتعاون الفضائي الأمريكي في العام نفسه، فإن الاتفاقية الكورية الأمريكية تُعد اعترافاً من واشنطن بتكنولوجيا سيول في مجال الفضاء، كما تمت ترقية العلاقة بينهما إلى تحالف استراتيجي. وتتضمن الاتفاقية؛ التعاون في مجالات مختلفة مثل: علوم الفضاء ومراقبة الأرض واستكشاف الفضاء، وهي فرصة لتطوير قدرات صناعة الفضاء الكورية. وفي يونيو 2021، أصبحت كوريا الجنوبية الدولة العاشرة التي تنضم إلى "أرتميس" (اتفاقية دولية بين الحكومات تقودها واشنطن لاستكشاف الفضاء)؛ مما أدى إلى تعزيز التعاون الفضائي بين كوريا والولايات المتحدة. 

وحاولت كوريا الجنوبية توسيع التعاون الفضائي ليشمل الدول الناشئة في مجال الفضاء، ومن بينها أستراليا والإمارات. كما وقعت كوريا الجنوبية مذكرة تفاهم للتعاون الفضائي مع لوكسمبورغ في نوفمبر 2022، والتي من المتوقع أن تفتح فصلاً جديداً في التعاون الدولي لكوريا في مجال الفضاء. وفي مايو 2023، وقعت وزارة الدفاع الكورية الجنوبية "خطاب نوايا للتعاون الفضائي الدفاعي" مع وزارة الدفاع الفرنسية. واتفق البلدان على المشاركة في التدريبات الفضائية الدولية التي تنظمها فرنسا وإجراء أبحاث مشتركة حول سياسة الفضاء.

لقد استخدمت كوريا الجنوبية التعاون الدولي كاستراتيجية لوصول صناعتها الفضائية إلى السوق العالمية، كما توفر الحكومة الكورية خدمات شاملة لمساعدة شركات الفضاء المحلية على التوسع في الأسواق العالمية من خلال إجراء دراسات استقصائية للطلب الخارجي ومساعدتها على الاستجابة للوائح في البلدان الرئيسية.

ختاماً، حققت كوريا الجنوبية إنجازات ملحوظة في مجال الفضاء؛ إذ أصبحت الدولة السابعة في العالم التي استكشفت القمر في ديسمبر 2022، وفي هذه الفترة اتخذ القطاع العام مبادرات لتعزيز القدرات البحثية والتوسع المستمر في البنية التحتية. واستناداً إلى إنجازاتها، تستعد سيول لاتخاذ قفزة جديدة إلى الأمام؛ لتصبح قوة فضائية ناشئة في عصر الفضاء الجديد. وهي تسعى إلى توسيع نطاق سياستها الفضائية من تطوير التكنولوجيا إلى استكشاف الفضاء والعلوم وإنشاء بعثات لتطوير الفضاء.

وفي حين تتمتع كوريا الجنوبية بالقدرات الأساسية لمتابعة تطوير الفضاء بشكل مستقل، إلا أن هناك فجوة كبيرة بينها وبين الدول الفضائية الأكثر تقدماً. فبرغم نجاح سيول في تطوير أقمارها الاصطناعية ومركبات الإطلاق صغيرة ومتوسطة الحجم في فترة قصيرة نسبياً، فإنها لم تتمكن بعد من استخدامها لإحداث تأثيرات اقتصادية ومواجهة التحديات الاجتماعية، كما أن قدرة الشركات الخاصة على تطوير أسواق جديدة وتشكيل نظام بيئي لصناعة الفضاء مستدام ذاتياً لا تزال غير موجودة.

المصدر:

Seungjoo Lee and Sangwoo Shin, “Evolution and Dynamics of the Space Industry in South Korea”, Asie.Visions, No. 137 Ifri, January 2024.