أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

الطريق الثالث:

ماذا لو خرج بايدن أو ترامب من السباق الانتخابي 2024؟

18 مارس، 2024


تتجه الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 نحو التنافس في "مباراة ثانية" بين كل من الرئيس الحالي، الديمقراطي جو بايدن، والرئيس السابق، الجمهوري دونالد ترامب، كما كان الحال في انتخابات 2020، وهو التنافس الثنائي الذي ربما تُظهر استطلاعات الرأي عدم رغبة قطاع من الناخبين في تكراره. وهذا ما يثير تساؤلات عديدة من قبيل أسباب غياب البدائل القوية داخل الحزبين الكبيرين، وماذا إذا لم يتمكن بايدن أو ترامب من استكمال السباق الرئاسي الحالي والسيناريوهات المُحتملة إذا حدث ذلك؟ وما تأثير المرشحين المستقلين في انتخابات هذا العام؟

مفاجآت انتخابية:

على الرغم من أن سباق الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشحي كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري من المفترض أنه في بداياته، فقد فاز بايدن وترامب بعدد كاف من أصوات المندوبين، يوم 12 مارس 2024، ليضمنا ترشيح حزبيهما الديمقراطي والجمهوري لهما لخوض الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 5 نوفمبر المقبل، وذلك في ظل غياب بدائل في الحزبين قادرة على منافستهما. 

وبالتالي فقد حُسمت الانتخابات التمهيدية مبكراً، لكن في أي انتخابات قد تحدث مفاجآت من قبيل خروج مرشح من السباق الانتخابي بوفاته أو لأي سبب آخر، وتبدو هذه الفرضية أكثر إلحاحاً في ظل التحديات الصحية والقانونية التي يواجهها المرشحان الرئيسيان، بايدن وترامب. وتُظهر معظم استطلاعات الرأي قلق نسبة من الناخبين من تقدم عمر بايدن، الذي يبلغ حالياً 81 عاماً، وإذا ما كان قادراً على تولي مهام الرئاسة لولاية ثانية. وتصدر هذا القلق المشهد بعد صدور تقرير المحقق الخاص، روبرت هور، في فبراير الماضي، في قضية سوء تعامل بايدن مع الوثائق السرية إبان عمله نائباً للرئيس الأسبق، باراك أوباما، فعلى الرغم من أن التقرير ذهب إلى أنه لا توجد أدلة يمكن استغلالها لمحاكمة بايدن، فقد ذكر بأنه "رجل مسن ذو ذاكرة ضعيفة". أما ترامب فإنه يترشح للرئاسة وهو يواجه نحو 91 تهمة جنائية في أربع قضايا، ومن غير الواضح إذا ما كان سيتم البت فيها قبل الانتخابات؛ وحتى إذا تمت إدانته، فإن ذلك قد لا يحول دون ترشحه، لكن بالطبع سيُعقد موقفه. 

وحتى الآن؛ لا تبدو مثل هذه التحديات الصحية والقانونية معرقلة لجهود بايدن وترامب في المُضي قُدماً في السباق الرئاسي، لكن هذه الحالة من عدم اليقين تدفع إلى التساؤل حول السيناريوهات المُحتملة إذا انسحب أي منهما من السباق الانتخابي أو أُرغم على ذلك أو لم يتمكن من استكماله لأي سبب كان.  

سيناريوهات مُحتملة: 

في حال خروج أحد المرشحين من السباق الانتخابي؛ يمكن الجزم بأن الوضع سيكون صعباً لكلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري؛ خاصةً مع غياب بدائل واضحة، وعلى الرغم من وجود بعض القواعد، غير المجربة، التي تختلف باختلاف موعد خروج المرشح من السباق الانتخابي؛ ستواجه الولايات المتحدة وضعاً غير مسبوق، وقد تدخل في منطقة مجهولة. وهناك بعض السيناريوهات المُحتملة وفق موعد الانسحاب أو الخروج إذا حدث، وذلك كالتالي:

1- من الآن وحتى مؤتمري الحزبين الجمهوري والديمقراطي المقرر عقدهما في يوليو وأغسطس 2024، على التوالي: للتعرف إلى هذا السناريو لا بد أولاً من فهم طبيعة القواعد المنظمة للانتخابات التمهيدية للفوز بترشيح الحزب؛ إذ تتميز العملية بتعقيدها وتعدد قواعدها التي تُستغل من قِبل المنافسين وتؤثر في فرص ترشحهم، وتضع الأحزاب والولايات هذه القواعد الناظمة، فهي غير منصوص عليها في الدستور. 

والقاعدة العامة أنه لا يتم اختيار مرشح الحزب في الانتخابات الرئاسية بشكل مباشر من قِبل الناخبين الديمقراطيين أو الجمهوريين، وإنما من قِبل المؤتمر الوطني للحزب، فيصوت الناخبون لمجموعة من المندوبين يمثلون صوتهم خلال المؤتمر الحزبي، وهم يقومون بدورهم باختيار المرشح. 

وقبل عام 1972، كانت فلسفة اختيار مرشح الحزب قائمة على أن هذه العملية حزبية؛ لذلك كانت قلة من الولايات تعقد انتخابات تمهيدية، ونتيجة هذه الانتخابات لم تكن ملزمة بالنسبة للمندوبين الذين كان يُنظر إليهم بحسبانهم أمناء (trustees) يختارون الأفضل؛ ومن ثم تؤدي قيادات الحزب والمؤتمر الحزبي دوراً مهماً في اختيار مرشحه. أما بعد عام 1972، فقد تم تبني فلسفة مختلفة قائمة على جعل العملية تمثيلية ومنصفة، فبدأ تدريجياً عقد انتخابات تمهيدية أو مؤتمرات حزبية (caucuses) في كل الولايات، وأصبح معظم مندوبي الولايات "ملتزمين" (وفق المصطلح الجمهوري) أو "متعهدين" (وفق المصطلح الديمقراطي) بدعم مرشح معين حسب نتائج تصويت الناخبين. وهناك قلة غير ملتزمة (يُسمون في الحزب الديمقراطي بالمندوبين الكبار superdelegates) تستطيع أن تصوت لمن تشاء، وقد تؤدي هذه المجموعة دوراً فاصلاً؛ خاصةً في حال التقارب الشديد بين المرشحين في عدد المندوبين. 

ومع هذه التغيرات التي جرت على الانتخابات التمهيدية، لم تعد المؤتمرات الحزبية تتسم بالأهمية التي كانت تتمتع بها من قبل، فغالباً تُعرف النتيجة قبلها بأشهر؛ لذا أصبحت حدثاً احتفالياً لدعم مرشح الحزب، ولم تعد تحظى بنفس التغطية الإعلامية كما في السابق. لكن ما زالت هذه المؤتمرات تحدد الإجراءات الواجب اتباعها؛ ومن ثم يمكنها في حالة حدوث أزمة أن تعيد تشكيل الإجراءات المتبعة، ويمكن أن تؤدي دوراً حاسماً في حالة انسحاب المرشح المُحتمل للحزب.

وكما سبقت الإشارة، فإن معظم المندوبين عليهم دعم مرشح معين في مؤتمر الحزب وفق تصويت الناخبين؛ وإذا لم يعد هذا الشخص مرشحاً، فتختلف القواعد. لكن بوجه عام يصبح هؤلاء المندوبون أحراراً في الاختيار، وتصير عملية اختيار مرشح الحزب في يد المؤتمر الوطني أشبه بما كان عليه الوضع قبل عام 1972. وقد يتسم هذا المؤتمر بالصراعات والفوضوية، كما تشير بعض السوابق التاريخية كمؤتمر الحزب الديمقراطي لعام 1924 الذي توصل إلى ترشيح جون دبليو ديفيس بعد أكثر من مئة جولة تصويت. وكان عام 1952 آخر المؤتمرات الحزبية التي شهدت أكثر من جولة اقتراع لاختيار مرشح الحزب وما يُسمى (brokered convention)، وإن كان من الصعب تخيل من يستطيع القيام بدور الوسيط الآن.

وفي هذا المؤتمر المفتوح، سيقوم كل مرشح مُحتمل بحملة انتخابية قائمة على اختيار مندوبين يمكن أن يصوتوا لصالحه. وتجدر الإشارة إلى أنه في الانتخابات التمهيدية؛ يتم تحديد عدد المندوبين لكل مرشح، ولكن اختيار المندوبين أنفسهم يختلف من ولاية لأخرى، ففي حين أن البعض يتم انتخابهم مباشرة في الانتخابات التمهيدية، فإن معظمهم يتم اختيارهم بعد ذلك بوقت طويل في المؤتمرات الحزبية على مستوى الولاية أو مستوى دوائر الكونغرس أو من قِبل لجان الحزب.

وإذا تم الانسحاب أو الخروج من السباق قبل الانتهاء من انعقاد الانتخابات التمهيدية كافة في شهر يونيو، فستتحول الولايات التي تعقد انتخاباتها التمهيدية في وقت متأخر من التقويم من كونها تحصيل حاصل إلى بؤرة اهتمام، وسيكون عليها تغيير مواعيد تقديم الطلبات حتى يتمكن حديثو التقدم من الوجود على بطاقة الاقتراع. 

وتصبح المعضلة الحقيقية حول من يستطيع أن يحل محل بايدن أو ترامب في ظل ضعف المنافسة، فانسحاب أو خروج أي منهما سيؤدي إلى فراغ لن يكون من السهل على كلا الحزبين التعامل معه. فبالنسبة للحزب الديمقراطي، من المتصور أن تسرع نائبة الرئيس كاميلا هاريس إلى إعلان ترشحها، بالإضافة إلى أي من النجوم الصاعدة في الحزب مثل: حاكمة ولاية ميشيغان، غريتشن ويتمر، أو حاكم إلينوي، جي بي بريتزكر. أما بالنسبة للحزب الجمهوري، فمن غير الواضح إذا كانت نيكي هيلي تستطيع سد هذا الفراغ في حالة حدوثه أو عودتها للسباق بعد انسحابها نتيجة خسارتها في "الثلاثاء الكبير" يوم 5 مارس 2024، أو حاكم كاليفورنيا المنسحب أيضاً، رون ديسانتيس، أو غيره. وتختلف قواعد كل حزب في قبول مرشحين جدد قُبيل المؤتمر الوطني للحزب. 

2- في أعقاب عقد المؤتمر الحزبي إلى يوم الاقتراع في الانتخابات العامة: هنا تصبح مهمة اختيار البديل بين يدي اللجنة الوطنية للحزب (التي تختلف قواعد اختيار أعضائها وعددهم بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي). وهذا السيناريو سيؤدي إلى فوضى وصراعات بين مختلف الفصائل والتيارات داخل الحزب، وحدث ذلك مرة واحدة عام 1972 عندما انسحب المرشح الديمقراطي لمنصب نائب الرئيس آنذاك بعد انعقاد مؤتمر الحزب.

3- بعد الانتخابات العامة وقبل عقد المجمع الانتخابي (electoral college): كما هو معروف، لا يتم انتخاب الرئيس الأمريكي من قِبل الناخبين مباشرةً، ولكن من خلال المجمع الانتخابي. وفي حالة وفاة أو انسحاب الرئيس المُنتخب قبل عقد المجمع الانتخابي، لا توجد قواعد محددة، ولكن سيصبح الأمر بيد المجمع الانتخابي؛ وإذا لم يحصل أي من المرشحين على غالبية الأصوات فيه؛ تصبح الانتخابات من اختصاص مجلس النواب بما يُعرف بـ"الانتخابات المشروطة"، ولا توجد سابقة على ذلك.

4- بعد عقد المجمع الانتخابي وقبل التنصيب: بموجب التعديل الخامس والعشرين للدستور الأمريكي، يتولى نائب الرئيس المُنتخب منصب الرئيس؛ ثم يقدم إلى الكونغرس مرشحاً لمنصب نائب الرئيس، والذي تتم الموافقة عليه بأغلبية أصوات المجلسين.

فرص المستقلين:

يظهر التساؤل حول فرص المرشحين المستقلين (مرشحي الأحزاب الثالثة أو المستقلين تماماً) في ظل استياء قطاع من الأمريكيين من "مباراة العودة" بين بايدن وترامب، والرغبة في وجود طريق ثالث، وأعلن عدد من المستقلين ترشحهم، ومن أبرزهم روبرت إف كينيدي جونيور، الذي يخوض الانتخابات كمستقل بعد أن تنافس مع بايدن في البداية على ترشيح الحزب الديمقراطي. 

ولم تشهد الولايات المتحدة فوز مستقل بمقعد الرئاسة بعد رئيسها الأول جورج واشنطن، ويعود ذلك إلى أسباب عدة، منها النظام الانتخابي القائم على الأكثرية؛ إذ يفوز الحاصل على أكبر عدد من الأصوات (حتى لو لم تكن أغلبية) بالانتخابات، ويرسخ هذا لنظام حزبي ثنائي. بالإضافة إلى ذلك، يرى البعض أن التمويل يُعد العائق الأهم؛ خاصةً في ظل الأموال الطائلة التي تحتاجها الحملات الانتخابية.

ومن غير المُتصور أن يفوز مستقل بمقعد الرئاسة الأمريكية؛ لذا فالهدف من الترشح ليس الفوز، وإنما الدفع في اتجاه تغيير الخطاب السياسي، ووضع بعض القضايا المهمة على أجندة السياسات. وقد يؤثر مرشح مستقل في مجريات السباق الانتخابي؛ خاصةً إذا كان السباق متقارباً بين المرشحين الديمقراطي والجمهوري، وهناك عدة سوابق تاريخية لذلك؛ لذا ثمة اعتقاد أن ترشح كينيدي كمستقل ربما يخصم من رصيد بايدن لصالح ترامب في انتخابات 2024. 

غياب البدائل:

يظل السؤال المُحير، لماذا لم يفرز النظام السياسي الأمريكي بدائل تُجنب الناخب الأمريكي الاختيار بين ما يصفه البعض مجازاً بـ"أهون الشرين"؟ إذ يربط البعض ذلك بنظرة كلية؛ إذ يعاني عالم اليوم من هوة بين السلطة والكفاءة، وتواجه الولايات المتحدة، وفق أحد استطلاعات الرأي، أزمة قيادات على المستويات الحكومية وفي قطاع الأعمال.

بينما يُرجع آخرون ذلك إلى شكل النظام الحزبي والحاجة لإعادة تشكيله. فيما تنظر مجموعة ثالثة إلى ديناميكيات التفاعل في الحزبين الجمهوري والديمقراطي والانقسامات داخلهما. فداخل الحزب الديمقراطي، لا يوجد مرشح قادر على الجمع بين المعتدلين والتقدميين، إلى جانب الضغط الحزبي لعدم وجود منافسين ديمقراطيين لبايدن خوفاً من إضعافه. أما بالنسبة للحزب الجمهوري، فيذهب البعض إلى تخلي نخبة الحزب عن الاتصال بناخبيه من الأمريكيين البيض من ذوي الياقات الزرقاء الذين واجهوا صعوبات اقتصادية على مدار العقد الماضي، وقد أفسح ذلك المجال لظهور ترامب.