أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

عائدات النفط:

فرص توظيف ورقة الطاقة لإعادة تشكيل التوازنات الليبية الحالية

19 يوليو، 2023


قامت عناصر من قبيلة أزوية الليبية، في 13 يوليو 2023، بإغلاق عدد من الحقول النفطية الرئيسة في البلاد، للضغط على حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، برئاسة عبدالحميد الدبيبة، للإفراج عن أحد أبناء القبيلة، ولم تتم إعادة فتح هذه الحقول حتى تمت الاستجابة لمطلبها.

توظيف ورقة النفط:

عاد ملف الطاقة ليتصدر المشهد مرةً أخرى في الأزمة الليبية خلال الأيام الأخيرة، بعدما استأنفت الأطراف المتصارعة استخدامه كورقة ضغط في مواجهة بعضها بعضاً، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- إغلاق حقول نفطية: عمدت عناصر من قبيلة أزوية إلى إغلاق عدد من الحقول النفطية، بما في ذلك حقول الشرارة والفيل و108، للاعتراض على احتجاز حكومة الدبيبة لوزير المالية السابق، فرج بومطاري، والذي ينتمي للقبيلة.

وأصدر مجلس حكماء وأعيان الجنوب الشرقي الليبي بياناً، في 15 يوليو 2023، أكد خلاله دعم كافة التركيبات الاجتماعية للجنوب الشرقي لمطالب قبيلة أزوية بالإفراج عن بومطاري، ملوحاً باستمرار إغلاق كافة حقول النفط في جنوب شرق ليبيا ومنابع النهر الصناعي بتازربو والسرير. كما حذر رئيس المجلس الأعلى لقبيلة أزوية، السنوسي الحليق، من إمكانية التصعيد وإغلاق مزيد من الحقول النفطية حال عدم الإفراج عن بومطاري. فيما طالب مجلس النواب الليبي بالإفراج الفوري عنه. وعبّرت بعض السفارات الأجنبية، ولاسيما سفارتا الولايات المتحدة وبريطانيا، وكذا البعثة الأممية، عن انزعاجها من هذه التطورات.

وكان بومطاري عضواً في حكومة الوفاق الوطني السابقة، برئاسة فائز السراج، كما يُعد أحد الأسماء المرشحة لمنصب محافظ مصرف ليبيا المركزي، خلفاً للمحافظ الحالي، الصديق الكبير. وقام جهاز الأمن الداخلي، الذي يقوده لطفي الحراري، والتابع للدبيبة، بقيادة عملية احتجاز بومطاري فور وصوله إلى مطار معيتيقة، في خطوة تؤشر على قلق الدبيبة من تحركاته.

ويُعد حقلا الفيل والشرارة من بين أكبر الحقول النفطية في ليبيا، حيث تبلغ القدرة الإنتاجية للأخير حوالي 300 ألف برميل يومياً، بما يعادل ثلث القدرة الإنتاجية الحالية للبلاد، والتي تبلغ نحو 1.2 مليون برميل يومياً، وتديره المؤسسة الوطنية الليبية للنفط، من خلال شركة أكاكوس بالتعاون مع شركات عدة، أبرزها شركة ريبسول الإسبانية، وشركة توتال الفرنسية، وشركة أو أم في النمساوية، وشركة إكينور النرويجية، بينما تبلغ القدرة الإنتاجية لحقل الفيل حوالي 70 ألف برميل يومياً، وتديره شركة مليتة للنفط والغاز بالشراكة مع شركة إيني الإيطالية.

وعلى الرغم من الإعلان عن استئناف الإنتاج في الحقول المغلقة، في أعقاب الإفراج عن بومطاري، فإن عملية الإغلاق أعادت للواجهة من جديد فكرة توظيف ورقة النفط كأداة ضغط فاعلة لانتزاع تنازلات من الخصوم.

2- تأسيس لجنة لتوزيع عوائد الطاقة: أعلن المجلس الرئاسي الليبي، برئاسة محمد المنفي، مطلع يوليو الجاري، تشكيل لجنة عليا للرقابة المالية، أناط بها تسوية القضايا الخاصة بالشفافية وإقرار أوجه إنفاق الأموال العامة، ومتابعة الإيرادات العامة للدولة، وضمان التوزيع العادل للموارد، وهي الخطوة التي لاقت ترحيباً أممياً.

وجاء الإعلان عن هذه الخطوة بعد أيام قليلة من تحذير قائد الجيش الوطني الليبي، خليفة حفتر، ومطالبته بضرورة التوزيع العادل لعائدات النفط، وتحديده مهلة تمتد حتى أغسطس 2023، لتشكيل لجنة عليا مسؤولة عن الترتيبات المالية وإدارة المال العام بطريقة عادلة. وسبق هذه التحذيرات تصريحات مماثلة لرئيس الحكومة المكلفة من قبل البرلمان، أسامة حماد، والذي لوّح بإمكانية عرقلة تصدير النفط والغاز حال استمرار التوزيع غير العادل لعائدات الطاقة.

انخراط إقليمي ودولي: 

شهدت الآونة الأخيرة تحركات دولية وإقليمية ملحوظة في ليبيا، في محاولة من قبل هذه الأطراف لتعزيز حضورها هناك. وتسعى الأطراف الليبية لتوظيف هذا الانخراط المتزايد لتعزيز موقفها، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- قلق واشنطن من أزمة الطاقة: أبدى السفير الأمريكي ومبعوث واشنطن الخاص لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، نهاية يونيو 2023، قلقه من التداعيات المحتملة لتصاعد الخلافات الداخلية في ليبيا بشأن توزيع عوائد النفط، مطالباً بضرورة تبني آلية شاملة لحلحلة الإشكاليات المتعلقة بها، دون المساس بحيادية المؤسسة الوطنية للنفط، أو تقويض الاقتصاد الليبي، وهو ما عكس حرص واشنطن على استمرار تدفق النفط والغاز الليبيين لتجنب التأثير في أسعار الطاقة. ولاقت هذه التصريحات انتقادات واسعة من شرق ليبيا، معتبراً أنها تُمثل تدخلاً في الشؤون الليبية.

2- رفع الحظر الإيطالي عن الطيران الليبي: أعلنت الحكومة الإيطالية رفع الحظر الجوي المفروض على الطيران المدني الليبي، واستئناف الرحلات الجوية بين البلدين بداية من سبتمبر 2023، بعد نحو عشر سنوات من فرضها لهذا الحظر، في خطوة عكست سعي إيطاليا لتعزيز انخراطها في ليبيا، ومنافسة النفوذ الفرنسي هناك.

3- استئناف عمل السفارة الألمانية: أعلنت السفارة الألمانية لدى ليبيا، في 15 يوليو 2023، استئناف عملها من داخل طرابلس، بعدما كانت تمارس أعمالها منذ عام 2014 من تونس، بسبب الاضطرابات في ليبيا، في مؤشر جديد على اتجاه برلين لتعزيز حضورها هناك خلال الفترة المقبلة.

4- تعزيز التعاون مع فرنسا: أجرى الدبيبة مباحثات مع نائب رئيس شركة توتال الفرنسية، لورانت فيفر، بغية تعزيز التعاون في مجال الطاقة الشمسية وإنتاج النفط والغاز، والدفع لإطلاق مشروعات جديدة بين الجانبين، في خطوة تكشف عن سعي الدبيبة لتنويع شبكة علاقاته بالقوى الدولية، بما يعزز فرص استمراريته في السلطة.

واستضافت باريس، في يونيو 2023، منتدى اقتصادياً شارك فيه نحو 56 رجل أعمال ليبي و12 آخرين ممثلين عن المؤسسة الوطنية للنفط، بالإضافة لعشرات الشركات الفرنسية في محاولة من باريس لتعزيز تعاونها مع طرابلس في مجال الطاقة.

5- تحركات إيرانية لافتة تجاه ليبيا: قررت طهران إعادة أعمال الشحن البحري إلى ميناء مصراتة الليبي، في خطوة أعقبت مباشرةً قرارها باستئناف عمل سفارتها داخل ليبيا، ورفع مستوى تمثيلها الدبلوماسي من القائم بالأعمال إلى مستوى السفير. كما بحثت طهران فكرة تشكيل لجنة اقتصادية مشتركة مع حكومة الدبيبة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين.

تفاعلات داخلية موازية:  

عكست عودة استخدام ورقة الطاقة أحد ملامح الحراك الراهن لتشكيل توازنات جديدة ربما تطرأ على ليبيا خلال الفترة المقبلة، ومحاولة كل طرف ضمان استمراريته، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي: 

1- توترات المشري والدبيبة: شهدت الآونة الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في التوتر بين رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، والدبيبة، حيث وجه الأول انتقادات حادة للثاني بشأن اتجاه حكومته للتضييق على أعضاء مجلس الدولة، سواءً بمحاولة عرقلة انعقاد جلسات المجلس، أو منع أعضائه من السفر إلى تركيا ومصادرة جوازات سفرهم، وذلك في مطار معيتيقة، محذراً من أن استمرار هذه السلوكيات سيؤدي إلى احتمالية الانزلاق نحو مواجهات مسلحة. ويبدو أن الدبيبة يرغب في ضمان عدم تأثير أي طرف في علاقاته بتركيا، لكون الأخيرة تشكل أحد أبرز الضمانات لاستمرار حكومته، على الأقل في المدى المنظور. ومن المستبعد حدوث انفراجة بين الرجلين، خاصةً مع تمسك المشري بفكرة تشكيل حكومة جديدة، ورفض غالبية أعضاء المجلس لاستمرار حكومة الدبيبة.

2- الحديث عن خريطة طريق جديدة: هناك تحركات من مجلسي النواب والدولة لطرح خريطة طريق تفضي لتشكيل حكومة جديدة بديلة عن حكومة الدبيبة، ولذلك أقدم الأخير على التصعيد ضدهما، فقد جاء منع بعض أعضاء مجلس الدولة من السفر لتركيا، وما أعقبه من احتجاز وزير المالية السابق، فرج بومطاري، بعد يومين فقط من تصويت أعضاء المجلس الأعلى للدولة على خريطة الطريق المنبثقة عن لجنة (6+6) المشتركة، والتي تنطوي على تحديد موعد للانتخابات بعد 240 يوماً من تاريخ إقرار القوانين الانتخابية، بالإضافة إلى تشكيل حكومة جديدة تكون مسؤولة فقط عن الإشراف على الانتخابات المقبلة. وألمح المشري إلى أنه يسعى للتوصل لتوافقات مع مجلس النواب بشأن هذه الخريطة. وقد يتجه مجلس النواب أيضاً للتصويت على خريطة الطريق في جلسته المقبلة المزمعة نهاية يوليو 2023، وهو ما سيشكل تهديداً لحكومة الدبيبة.

3- تحركات استباقية من الدبيبة: أعلن وزير الداخلية بحكومة الدبيبة، عماد الطرابلسي، مطلع يوليو 2023، الاتجاه لإعادة تنظيم مديريات الأمن بمنطقة الجبل الغربي ودمجها في ثلاث مديريات فقط، وهي الخطوة التي لاقت اعتراضات واسعة من قبل عمداء وأعيان هذه المنطقة، والذين اعتبروها بمثابة محاولة من الدبيبة لتغيير التوازنات القائمة داخل الجبل الغربي، وهو ما دفع أبناء المنطقة للاحتجاج وإغلاق عدد من الطرق الرئيسية بالمنطقة، والتهديد بالتصعيد ووقف التعامل مع حكومة الدبيبة حال تمسكها بالقرار.

وعلى المنوال ذاته، قام الدبيبة بمحادثات خلال الأيام الأخيرة مع التشكيلات المسلحة بغرب ليبيا، والتي كانت تدعم دخول رئيس حكومة الاستقرار الوطني السابق، فتحي باشاغا، إلى طرابلس، حيث وعد الدبيبة هذه التشكيلات بالحصول على أموال ومناصب دبلوماسية مقابل انضمام عناصرها للمجموعات المسلحة التابعة له، وهو ما يؤشر على سعي الدبيبة لإحكام سيطرته على طرابلس أمنياً تحسباً لأي قرار بإقالته.

انعكاسات محتملة:

هناك جملة من الانعكاسات المحتملة للمتغيرات الراهنة التي تشهدها ليبيا، يمكن عرضها على النحو التالي:

1- احتمالية إعادة إغلاق حقول نفطية: حذرت تقديرات من احتمالية أن تشهد الفترة المقبلة إعادة إغلاق بعض الحقول النفطية الليبية، من خلال التوسع في استخدام هذا الملف كورقة ضغط من قبل الأطراف المتنافسة في الداخل الليبي. وفي إطار تمسك مجلسي النواب والدولة بضرورة تشكيل حكومة جديدة بديلة عن حكومتي الدبيبة وشرق ليبيا. وربما يتم توظيف ملف الطاقة للضغط على القوى الدولية لدعم هذا المسار.

2- توازنات جديدة محتملة: يمكن أن تتفاقم التوترات خلال الفترة المقبلة في ظل مساعي كل طرف من الفواعل الرئيسة في المشهد الليبي لضمان استمراريته في المشهد والحيلولة دون إزاحته جانباً، وهو ما يفضي إلى توازنات جديدة في الداخل الليبي. وأشارت تقديرات إلى أن خطوة احتجاز وزير المالية السابق، فرج بومطاري، جاءت في أعقاب تسريب تقارير إعلامية عن ترشيح اسم بومطاري لمنصب محافظ مصرف ليبيا المركزي، ضمن سلسلة من الترتيبات التي يجري التشاور بشأنها بين مجلسي النواب والدولة، ما يعني أن كل طرف يمكن أن يعمد إلى التصعيد إذا ما تقلصت فرص استمراريته في منصبه.

وفي الختام، يبدو أن المشهد الليبي يتجه نحو إعادة هيكلة التوازنات الداخلية القائمة، وهو ما ينعكس في التحركات الجارية من قبل مختلف الأطراف الداخلية، وكذا اتجاه الفواعل الخارجية لتعزيز انخراطها في ليبيا، ويرجح أن يشكل ملف الطاقة أحد أبرز الأوراق التي ستستخدمها الأطراف المتنافسة لتعزيز موقفها في مواجهة الآخرين.