أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

المصري اليوم:

د. حمدي عبدالرحمن يكتب: ثلاث رؤى لمستقبل القوى العالمية وأثرها على إفريقيا

17 يونيو، 2023


من الواضح تمامًا أن العالم يشهد العديد من التغيرات المتسارعة بين الدول الكبرى القوية في جميع أنحاء العالم.. إذ تسهم عوامل مثل الغزو الروسى لأوكرانيا، وزيادة حدة التنافس بين الولايات المتحدة والصين، وظهور قوى وسطى جديدة في هذا التحول. ولا يخفى أن انعقاد قمتين عالميتين بالتزامن في شهر مايو 2023: «قمة دول السبع» و«قمة الصين- آسيا الوسطى»، يُمثل نقطة تحول كبرى في مسيرة النظام العالمى منذ نهاية الحرب الباردة.

إننا أمام ما يبدو أنها مباراة صفرية، يكون فيها رابحون وخاسرون. وطبقًا لتوقعات نتيجة هذه المباراة بين الدول القوية في النظام الدولى، يمكن الحديث عن ثلاث رؤى للمستقبل: الرؤية الأولى تتمثل في عودة الحلم الأمريكى بأمركة النظام الدولى من خلال تشكيل جبهة موحدة ضد الصين التي صارت تشكل تحديًا للهيمنة الأمريكية. أما الصين فإنها تطرح منذ بداية الألفية رؤية أخرى بديلة لنظام دولى أكثر عدالة ومتعدد الأقطاب. وربما تتمثل الرؤية الثالثة في فرصة أفرقة العالم، والتى تجعل إفريقيا أكبر الرابحين في ظل هذه التحولات والاستقطابات التي يشهدها النظام الدولى الحالى.

ويسعى هذا المقال إلى تحليل هذه الرؤى الثلاث من خلال إلقاء الضوء على أهداف وتداعيات قمتى «مجموعة السبع» من جهة، و«الصين- آسيا الوسطى» من جهة أخرى على إفريقيا.

الرؤية الأولى: قمة دول السبع وأمركة العالم

نجحت الولايات المتحدة أثناء قمة مجموعة دول السبع التي انعقدت في مدينة هيروشيما اليابانية يوم 19 مايو 2023 في إقناع حلفائها الأوروبيين والآسيويين بتبنى موقف موحد ضد الصين، بينما تُظهر الصين قوتها ونفوذها المتزايدين في آسيا الوسطى. وبالفعل، أدانت الدول المشاركة في قمة هيروشيما، دون تسمية الصين صراحة، «الإكراه الاقتصادى» و«تسليح التجارة». كما أعربت هذه الجبهة الموحدة من قبل الدول الغنية في الكتلة التي تقودها الولايات المتحدة عن معارضتها لأى استخدام للقوة لتغيير الوضع الراهن في منطقة المحيطين الهندى والهادئ، بما في ذلك مضيق تايوان.

أضف إلى ذلك، تسليط الضوء على الجهود المبذولة للحد من وصول الصين إلى مكونات التكنولوجيا المتقدمة، من خلال اجتماعات بين كبار مصنعى الرقائق الإلكترونية وقادة اليابان وكوريا الجنوبية. وكان الهدف هو إقناع صانعى الرقائق بنقل قواعد إنتاجهم خارج الصين، وتقليص توريد مكونات التكنولوجيا المتقدمة إلى الصين. هذا الإجراء هو جزء من اتفاقية تم التوصل إليها بين الولايات المتحدة واليابان وتايوان وكوريا الجنوبية وهولندا في وقت سابق من العام.

ولمواجهة محاولات الصين خلق انقسامات بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، شددت دول مجموعة السبع على الحاجة إلى تعزيز «المرونة الاقتصادية والأمن الاقتصادى». وربما تسعى هذه الكتلة الاقتصادية الغربية إلى الحد من استغلال الصين وتلاعبها بالاستثمارات الأجنبية وسلاسل التوريد. كما أكد قادة مجموعة السبع أن التزام الصين بالقواعد الدولية سيكون مفيدًا للمجتمع الدولى. وفى نفس السياق، شدد الرئيس جو بايدن على الجهود المنسقة بين الولايات المتحدة وحلفائها لـ«التخلص من المخاطر وتنويع» نهجهم تجاه الصين. كما ألمح إلى إمكانية استئناف الاتصال المباشر مع كبار القادة الصينيين.

وعلى صعيد السياسات المتبعة، تعهدت دول مجموعة السبع باستثمار 600 مليار دولار بحلول عام 2027 في الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار (PGII) كقوة موازنة لمبادرة «الحزام والطريق» الصينية. وتهدف هذه المبادرة إلى معالجة تأثير الصين في مشاريع البنية التحتية، بما في ذلك تلك الموجودة في دول جزر المحيط الهادئ.

الرؤية الثانية: الصين والنظام العالمى البديل

في مقابل ذلك، استضافت الصين أول قمة على الإطلاق بين الصين وآسيا الوسطى، مما أظهر نفوذها المتزايد على الصعيد الدولى. وتعهدت دول آسيا الوسطى الخمس بالتعاون مع الصين في بناء نظام عالمى عادل وضمان إمدادات السلع الأساسية، بما في ذلك النفط. ولا يخفى أن هذا التطور يعزز نفوذ الصين في المنطقة.

وهدف الحدث الذي استمر يومى 18 و19 مايو 2023 في مدينة شيان إلى تعزيز الشراكات السياسية والاقتصادية بين الصين وجيرانها في آسيا الوسطى. ويلاحظ أنه مع نقطة الانطلاق الشرقية لطريق الحرير القديم في شيان، فإن هذا الموقع الرمزى يبرز العلاقات التاريخية بين الصين وآسيا الوسطى. وقد عززت مبادرة الحزام والطريق الصينية أهمية المنطقة، حيث صارت الصين الشريك التجارى الأكبر لآسيا الوسطى.

في آسيا الوسطى، تعمل الصين على توسيع التحالفات التي تتوافق مع مصالحها وتستمد من منظمات إقليمية مهمة مثل: منظمة شنغهاى للتعاون، ومجموعة دول «البريكس».

وقد أظهرت قمة الصين وآسيا الوسطى أهمية مشاريع البنية التحتية الصينية والتعاون الاقتصادى في المنطقة. ومع ذلك، لا تزال هناك مخاوف في وسائل التواصل الاجتماعى الصينية بشأن المساعدات المالية المقدمة إلى دول آسيا الوسطى، والتى يمكن أن تؤثر سلبا في المزايا الاجتماعية للصينيين أنفسهم داخل الصين، على أن الملاحظة الجديرة بالتأمل هنا تتمثل في جهود إدارة الرئيس شى جين بينج، لتقويض النفوذ الدولى لروسيا، من خلال استبعاد القادة الروس من قمة الصين وآسيا الوسطى. ولعل هذه الخطوة تشير إلى تحفظات الصين بشأن الدعم الكامل للجهود الحربية الروسية في أوكرانيا.

الرؤية الثالثة: نحو أفرقة النظام العالمى

يمكن تحليل تأثير قمة «G7» مجموعة السبع، وقمة الصين وآسيا الوسطى، على إفريقيا من وجهات نظر مختلفة:

1- التداعيات الاقتصادية: يمكن للسياسة الموحدة التي تتبناها دول مجموعة السبع لمواجهة نفوذ الصين أن تؤثر بشكل غير مباشر في العلاقات الاقتصادية لإفريقيا مع الصين، نظرًا لأن دول مجموعة السبع تهدف إلى الحد من استغلال الصين الاستثمارات الأجنبية وسلاسل التوريد، فقد تكون هناك تداعيات محتملة على الدول الإفريقية التي لها علاقات اقتصادية قوية مع الصين. قد تؤدى هذه القيود إلى إعادة تقييم العلاقات الاستثمارية والتجارية بين الصين والدول الإفريقية، مما قد يؤدى إلى تغيير ديناميكيات التعاون الاقتصادى بين إفريقيا والصين.

2- تطوير البنية التحتية: قد يكون لالتزام مجموعة الدول السبع الكبرى- كما ذكرنا آنفًا- باستثمار 600 مليار دولار في الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار كقوة موازنة لمبادرة الحزام والطريق الصينية آثارٌ على تطوير البنية التحتية في إفريقيا. فقد تلقت البلدان الإفريقية استثمارات كبيرة في البنية التحتية من خلال مبادرة الحزام والطريق، وقد تقدم المبادرة البديلة لمجموعة السبع فرصًا جديدة لمشاريع البنية التحتية في المنطقة. ومن المحتمل أن تستفيد الدول الإفريقية من زيادة الاستثمار والمنافسة بين مجموعة السبع والصين، مما قد يؤدى إلى تحسين تطوير البنية التحتية.

3- التنافس على النفوذ: إن الموقف الموحد لمجموعة السبع ضد قوة الصين المتزايدة ونفوذها على الصعيد العالمى يمكن أن يخلق بيئة تنافسية للتأثير في إفريقيا. فقد انخرطت كل من مجموعة السبع والصين في أشكال مختلفة من دبلوماسية القوة الناعمة، والشراكات الاقتصادية، ومشاريع التنمية في القارة الإفريقية.. وربما تؤدى جهود مجموعة السبع لمواجهة نفوذ الصين إلى تكثيف المنافسة بين الجانبين، مع احتمال اكتساب الدول الإفريقية مزيدًا من النفوذ في التفاوض على الشروط المواتية وجذب الاستثمارات.

4- التحولات المحتملة في السياسة الخارجية: قد يتردد صدى إدانة مجموعة السبع لما يسمى «الإكراه الاقتصادى» والتركيز على نظام عالمى عادل في البلدان الإفريقية التي واجهت تحديات مماثلة في علاقاتها مع الصين. وقد تجد الدول الإفريقية مواءمة مع مبادئ وسياسات مجموعة السبع، مما يؤدى إلى تحولات محتملة في أولويات سياستها الخارجية وشراكاتها. وفى هذه الحالة قد تصبح الحكومات الإفريقية أكثر حذرًا في تعاملها مع الصين، وتسعى إلى تحقيق توازن بين التعاون الاقتصادى وحماية مصالحها الوطنية.

5- التأثيرات في الديناميكيات الإقليمية: يمكن أن تكون لنتائج هاتين القمتين آثار مضاعفة على الديناميكيات الإقليمية داخل إفريقيا. ففى الوقت الذي تواجه فيه مجموعة الدول السبع وحلفاؤها نفوذ الصين، قد تقوم الدول الإفريقية بتقييم ميزان القوى وتعديل تحالفاتها الإقليمية وفقًا لذلك. وربما يكون من المحتمل أن يؤثر ذلك في المنظمات الإقليمية والاتفاقيات التجارية والتحالفات الدبلوماسية، مما قد يؤدى إلى ديناميكيات جيوسياسية جديدة في إفريقيا.

أضف إلى ما سبق أنه من المتوقع وفقًا لمنظور أفرقة النظام العالمى أن تكون إفريقيا من بين الرابحين في هذه المباراة التي تبدو في بعض أوجهها صفرية بين الولايات المتحدة والصين:

أولًا، يوفر صعود قوى وسطى جديدة، بما في ذلك الهند والبرازيل والصين وبعض دول الشرق الأوسط القوية، فرصًا لزيادة الاستثمار والتجارة والشراكات مع الدول الإفريقية.. ويمكن أن يؤدى ذلك إلى تحسين البنية التحتية والتقدم التكنولوجى وزيادة فرص الوصول إلى الأسواق للسلع والخدمات الإفريقية.

ثانيًا، تخلق التحولات المتسارعة بين القوى الكبرى مجالًا للبلدان الإفريقية لتنويع ارتباطاتها الدبلوماسية والاقتصادية. فمن خلال التحول في بناء الشراكات الاستراتيجية في هذا النظام العالمى المتغير، يمكن لإفريقيا تعزيز قوتها التفاوضية، والتفاوض على شروط أكثر ملاءمة في الاتفاقيات الدولية.

ثالثًا، بالإضافة إلى ذلك، فإن تركيز التحول الدولى على الطاقة المتجددة والتنمية المستدامة والتقنيات الرقمية يوفر لإفريقيا فرصة لتسريع تقدمها الاقتصادى والاجتماعى. ومن خلال جذب الاستثمارات في مشاريع الطاقة النظيفة والبنية التحتية الرقمية والابتكار، يمكن للدول الإفريقية تعزيز النمو الشامل والتنمية.

وفى الختام، يصبح من المهم ملاحظة أن التأثيرات المحددة في إفريقيا ستعتمد على كيفية ردود أفعال البلدان الإفريقية واستجابتها لهذه التطورات العالمية.. فوفقًا لمنظور أفرقة النظام العالمى- الذي يبدو أكثر تفاؤلًا فيما يتعلق بالدور الإفريقى في إعادة صياغة النظام العالمى- فإن موقع إفريقيا في المشهد العالمى المتغير يطرح سبلًا وإمكانات عديدة للنمو والتنمية، ويمكن للقارة الاستفادة من ظهور قوى وسطى جديدة، وتنويع مشاركاتها، واحتضان الطاقة المتجددة والتقدم الرقمى. فمن خلال القيام بذلك، يمكن لإفريقيا تعزيز التكامل الاقتصادى، ودفع التقدم التكنولوجى، وزيادة نفوذها العالمى من أجل تطوير دولها ونهضة شعوبها.. وهكذا يمكن تغيير المعادلة التاريخية لتصبح القارة الإفريقية فاعلًا يسهم في إعادة تشكيل هذه الفوضى العالمية التي نشهدها منذ نهاية الحرب الباردة.

وباختصار، سوف يشكل دور إفريقيا وقدرتها على الاستفادة من مواردها وشراكاتها نطاق وطبيعة التداعيات الناتجة عن قمتى «مجموعة السبع»، و«الصين وآسيا الوسطى».

* أستاذ العلوم السياسية بجامعة زايد- الإمارات العربية المتحدة

ينشر بالتعاون مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة

*لينك المقال في المصري اليوم*