أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

خفض الارتدادات:

كيف تمددت خسائر الزلازل لقطاعات الاقتصاد التركي؟

23 مارس، 2023


شهدت تركيا في 6 فبراير 2023 زلزالاً مدمراً تبعه وقوع نحو 17 ألف هزة أرضية ضربت البلاد، مما تسبب في مقتل أكثر من 48 ألف شخص، فضلاً عن خسائر مادية أخرى. كما قُتل 13 شخصاً على الأقل وفُقد 10 آخرون يوم 15 مارس الجاري، نتيجة فيضانات في منطقتين في جنوب شرق تركيا متضرّرتين بزلزال 6 فبراير الماضي. وقد جاءت هذه الكوارث الطبيعية لتضيف مزيداً من الضغوط والأعباء على الاقتصاد التركي، وتعزز حالة الاستقطاب السياسي في البلاد، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في 14 مايو المقبل.

خسائر كبيرة:

على الرغم من أن الوقت لا يزال مبكراً لحساب الخسائر التركية الناجمة عن الزلازل المدمرة، فإن ثمة تقديرات صادرة عن المؤسسات الدولية ومجتمعات الأعمال والخبراء الاقتصاديين تشير إلى الآتي:

1- خسائر بشرية ومادية: تجاوز أعداد ضحايا هذه الزلازل 48 ألفاً حتى يوم 13 مارس 2023، بحسب التقديرات الرسمية التركية. فيما يُقدر بنك "جي بي مورغان" الأضرار المباشرة التي لحقت بالمباني والبنية التحتية في تركيا بحوالي 25 مليار دولار. أما اتحاد الشركات والأعمال التركي فيُقدر تكلفة الأضرار بحوالي 84.1 مليار دولار "ما يعادل حوالي 10% من الناتج المحلي الإجمالي التركي"، موزعة كالتالي: 70.8 مليار دولار نتيجة لتضرر المباني السكنية، و10.4 مليار دولار خسائر في الدخل القومي، و2.9 مليار دولار خسائر في القوى العاملة.

ووفقاً لـ"وكالة فيتش"، فإن الخسائر القابلة للتأمين تتجاوز ملياري دولار وقد تصل إلى 4 مليارات دولار، فيما تبلغ الخسائر المؤمن عليها نحو مليار دولار؛ وذلك بسبب انخفاض التغطية التأمينية في المناطق المتضررة. فيما يرى البنك الدولي أن الزلازل نتج عنها خسائر مادية بقيمة 34.2 مليار دولار.

2- ارتفاع تكلفة إعادة الإعمار: وفقاً لتقديرات "وكالة بلومبرغ"، فإن تكاليف إعادة إعمار المناطق المنكوبة في تركيا قد تصل إلى 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي. فيما تشير تقديرات بعض مجموعات الأعمال والخبراء إلى أن الزلازل قد تكلف تركيا نحو 100 مليار دولار لإعادة بناء المساكن والبنية التحتية.

تداعيات اقتصادية:

ضربت الهزات الأرضية 10 مقاطعات تمثل نحو 10% من الناتج المحلي التركي، و8.5% من صادرات تركيا و6.7% من وارداتها، مما تسبب في تداعيات اقتصادية سلبية يتمثل أبرزها فيما يلي:  

1- على مستوى الاقتصاد الكلي:

أ- تراجع النمو الاقتصادي: من المتوقع أن تؤدي التداعيات السلبية الناتجة عن الزلازل إلى خفض معدلات نمو الاقتصاد التركي بما يتراوح بين 0.5% و2%، وفقاً للتقديرات، بينما كانت الحكومة التركية تستهدف هذا العام معدلات نمو تصل إلى مستويات 5%. وأوضح البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية أن التداعيات السلبية قد تؤدي إلى خسارة 1% فقط من الناتج المحلي، بدعم من جهود إعادة الإعمار في وقت لاحق من العام الجاري. فيما خفض البنك الدولي من توقعاته لنمو الاقتصاد التركي بـ0.5% تأثُراً بالزلازل.

ب- ارتفاع التضخم: على الرغم من وصل معدل التضخم في تركيا إلى 55.18% في فبراير 2023، والتوقعات السابقة باستمرار تراجعه إلى حوالي 35% و40%، فقد تسببت الزلازل في رفع التوقعات الخاصة بالتضخم ليتراوح بين 40% و50%، نتيجة ارتفاع أسعار الغذاء والإسكان، وذلك بحسب تقديرات بعض المسؤولين الحكوميين والخبراء الاقتصاديين. كذلك، رفع بنك "جي بي مورغان" من تقديراته للتضخم في نهاية عام 2023 إلى 45%.


ج- تزايد العجز التجاري: ارتفع عجز الميزان التجاري التركي في فبراير 2023 نتيجة للزلازل، ليصل إلى حوالي 12.2 مليار دولار، مرتفعاً بنسبة 52.8% على أساس سنوي، إذ تراجعت الصادرات بحوالي 6.4% لتبلغ نحو 18.64 مليار دولار، بينما ارتفعت الواردات بنسبة 10.6% لتصل إلى 30.83 مليار دولار.

د- خسائر سوق العمل: بالإضافة إلى الخسائر البشرية التي خلفتها الهزات الأرضية والتي تؤثر في حجم العمالة، لا يزال عدد كبير من العمال والموظفين يحجمون عن العودة إلى العمل لتأثُرهم بالصدمة الناجمة عما حدث. كما أوضح اتحاد الشركات والأعمال التركي أن الانخفاض في حجم القوى العاملة الناجم عن الزلازل قد يكلف الاقتصاد نحو 2.9 مليار دولار.

2- القطاع المالي والنقدي: 

أ- ارتفاع عجز الموازنة التركية: تشير التقديرات إلى ارتفاع عجز الموازنة التركية نتيجة تزايد المصروفات الناتجة عن تلبية احتياجات المتضررين البالغين حوالي 13.5 مليون شخص "نحو 15.7% من إجمالي السكان"، بالإضافة إلى عمليات إعادة البناء، ليصل عجز الميزانية إلى 5% كنسبة من الناتج، مقارنة بحوالي 3.5% كانت متوقعة قبل الزلازل. فيما رفع بنك "جي بي مورغان" تقديراته لعجز الموازنة التركية إلى 4.5% عام 2023، بدلاً من 3.5% سابقاً.

ب- تراجع الاحتياطي النقدي: تسببت الهزات الأرضية في انخفاض الاحتياطيات التركية بمقدار 7 مليارات دولار، ومن المتوقع أن تظل الاحتياطيات النقدية تحت الضغط، ولذا من المرجح أن تتخذ السلطات التركية مزيداً من الإجراءات لخفض الطلب على النقد الأجنبي.

ج- تسهيل السياسة النقدية: خفض البنك المركزي التركي سعر الفائدة الرئيسي من 9% إلى 8.5%؛ بهدف تخفيف التأثيرات السلبية للزلازل، والحفاظ على زخم النمو في الإنتاج الصناعي والاتجاه الإيجابي للتوظيف. وجدير بالذكر أن الخفض كان متوقعاً من قِبل الاقتصاديين في ظل اقتراب موعد الانتخابات التركية.

3- القطاعات الاقتصادية:

أ- القطاع العقاري: تشير تقديرات الحكومة التركية إلى أن الزلازل قد تسببت في تدمير وتضرر نحو 156 ألف مبنى بها حوالي 500 ألف شقة. كما تسببت في ارتفاع أسعار المساكن والإيجارات، في ظل الهجرة الداخلية للسكان المتضررين إلى المقاطعات المجاورة في جنوب شرق البلاد والمدن الكبرى في الغرب، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الإيجارات بحوالي 45%، بحسب دراسة أجرتها شركة "تي إس كيه بي ريل إستيت أبريزال" "TSKB Real Estate Appraisal".

ب- الزراعة: من المتوقع أن يتأثر حجم الإنتاج الزراعي سلباً، خاصة أن المناطق المتأثرة بالزلازل قد استحوذت على قرابة 16% من الإنتاج الزراعي لتركيا خلال العام الماضي، مما يفاقم التأثير في أسعار المواد الغذائية، والتضخم.

ج- الصناعة: تأثرت بعض الصناعات التركية سلباً بالزلازل، ومنها صناعة الصلب، حيث توقفت المصانع في المدن المتضررة والتي تُمثل حوالي ثُلث إنتاج الصلب في البلاد، علماً أن تركيا تُعد ضمن أكبر 10 دول على مستوى العالم في إنتاج وتصدير الصلب. 

د- النفط والغاز: توقفت عمليات تصدير النفط من ميناء جيهان التركي، والذي يُصدر حوالي مليون برميل يومياً من النفط الخام، قبل أن يتم استئنافها مجدداً. فيما تعرضت أجزاء من شبكة الغاز المحلية للضرر، ومن ثم توقفت إمدادات الغاز في بعض المناطق التركية.

هـ- السياحة: على الرغم من أن الزلازل لم تضرب المناطق الغربية التي تعتبر أكثر جذباً للسائحين الأجانب، فإن المشاهد الكارثية الناتجة عنها من شأنها أن تؤثر سلباً في معنويات السائحين وقراراتهم بالسفر إلى تركيا على الأقل على المدى القصير، مما يؤثر بالسلب في الإيرادات السياحية.

4- أسواق المال والعملات:

أ- إغلاق البورصة مؤقتاً: أدت الزلازل إلى خسائر في البورصة التركية، وتراجع مؤشر بورصة إسطنبول 100 بنسبة 10% تقريباً خلال يومين من التداول عقب الزلزال، ومن ثم أوقفت السلطات التركية التداول في 8 فبراير 2023، وذلك لأول مرة منذ 24 عاماً. وتحسن الأداء عقب إعادة التداول على الأسهم؛ نتيجة الإجراءات الحكومية المتخذة في هذا الشأن.

ب- ارتفاع العائدات على السندات: ارتفعت عائدات السندات الحكومية المحلية التركية لأجل 10 سنوات لتصل إلى أعلى مستوياتها خلال شهرين تقريباً عند 10.2%، في 6 فبراير 2023.

ج- تراجع الليرة التركية: تراجعت الليرة إلى مستوى قياسي خلال تعاملات يوم 6 فبراير 2023، لتصل إلى 18.85 ليرة تركية مقابل الدولار الأمريكي الواحد، ووصلت حتى يوم 17 مارس الجاري إلى 19 ليرة مقابل الدولار، علماً أن العملة التركية قد خسرت نحو 30% من قيمتها خلال العام الماضي.

إجراءات حكومية:

اتخذت الحكومة التركية عدداً من الإجراءات في مواجهة كارثة الزلازل الأخيرة، ومنها الآتي:

1- إعلان حالة الطوارئ: أعلن البرلمان التركي عن فرض حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر في المقاطعات المتضررة، بعد طلب من الرئيس رجب طيب أردوغان.

2- تقديم إعانات للمتضررين: أعلن الرئيس أردوغان عن مساعدات مالية تبلغ 10 آلاف ليرة تركية لكل أسرة متضررة. كما تم إطلاق خطة مؤقتة لدعم الأجور، وفرض حظر تسريح العمال في المقاطعات التي ضربتها الزلازل، وأعلنت وزارة الخزانة عن تأجيل سداد مدفوعات الضرائب المستحقة من سكان هذه المناطق، إلى جانب استمرار العمل على إنقاذ الأفراد وإيصال المساعدات إلى المناطق المنكوبة. 

3- الشروع في عمليات إعادة البناء: أعلن أردوغان أن تركيا ستنتهي من عمليات إعادة بناء المساكن خلال عام، فضلاً عن تخصيص 100 مليار ليرة تركية "نحو 5.3 مليار دولار" بشكل مبدئي للإغاثة من الكارثة.

4- دعم سوق الأسهم: تم الإعلان عن بعض الإعفاءات الضريبية وتسهيل قواعد إعادة شراء الأسهم؛ بهدف دعم الأسواق. كما يخطط الصندوق السيادي التركي لتوجيه السيولة إلى أسواق المال عبر الصناديق المتداولة في البورصة، بغية منع سوق الأسهم من الهبوط.

5- التحقيق في أسباب الانهيار: أعلنت وزارة العدل التركية عن إنشاء مكاتب للتحقيق في جرائم الزلازل لتحديد المقاولين وغيرهم من المسؤولين عن أعمال البناء المخالفة. وخضع عدد من هؤلاء المقاولين للتحقيقات، ثم الاعتقال بتهم سقوط المباني وضعف مقاومتها للزلازل.

6- الحصول على المساعدات الدولية: أعلنت بعض المؤسسات والدول عن تقديم مساعدات تضامناً مع تركيا في مواجهة هذه الكارثة، ومنها البنك الدولي الذي تعهد بتقديم مساعدات مالية تبلغ حوالي 1.78 مليار دولار، مع مساعدات فورية قدرها 780 مليون دولار. 

انعكاسات انتخابية:

يواجه الرئيس أردوغان تحديات اقتصادية كبيرة، وجاءت الاضطرابات الناجمة عن الزلازل لتضاعف من هذه الأعباء. وترى بعض التقديرات أن طريقة تعامل الحكومة التركية مع تداعيات تلك الكارثة قد تؤثر في نتائج الانتخابات العامة المقررة في 14 مايو 2023، مشيرة إلى السيناريوهين التاليين:  

1- تعزيز موقف أردوغان: يشير البعض إلى أن حكومة الرئيس أردوغان قد تصدت لعدد من الكوارث على مدى عقدين ظل فيها على رأس السلطة التركية، تضمنت الزلازل وحرائق الغابات والكوارث الطبيعية الأخرى، وبالتالي فإن التعامل الحكومي السريع والحاسم مع الكارثة الحالية قد يعزز موقف أردوغان في الانتخابات المقبلة. وفي هذا الصدد، ذكرت "مجموعة أوراسيا الاستشارية" أن رد أردوغان بسرعة وبشكل متماسك على الأزمة من المرجح أن يؤدي إلى تعزيز صورته كـ"زعيم قوي".

2- استفادة أحزاب المعارضة: تعتقد اتجاهات أخرى أن أي فشل للحكومة التركية في معالجة الخسائر الناجمة عن الزلازل، ربما يُفاقم غضب بعض فئات الشعب التركي، لاسيما الأكثر تضرراً من غلاء المعيشة، والمعارضة لسياسات أردوغان الاقتصادية، الأمر الذي قد يؤثر سلباً في شعبية الرئيس التركي ومن ثم تقليل فرص فوز حزب العدالة والتنمية الحاكم في مواجهة أحزاب المعارضة في انتخابات 14 مايو المقبل. 

ختاماً، على الرغم من التداعيات الاقتصادية السلبية الناجمة عن الزلازل والكوارث الطبيعية الأخيرة في تركيا، من المتوقع أن يكون حجم التأثير السلبي في الاقتصاد التركي أقل مما حدث جراء زلزال عام 1999، الذي أدى حينها إلى انكماش اقتصادي بنسبة 3.3%. كذلك، من المتوقع أن يكون تأثير تلك الزلازل أكبر في المدى القصير، أما على المدى المتوسط فمن المرجح أن تؤدي الاستثمارات في عمليات إعادة البناء إلى خفض التأثير السلبي في الناتج المحلي الإجمالي.