أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

أزمة قائمة:

أبعاد فشــل محاولة باشاغا الثالثة لدخول طرابلــس

05 سبتمبر، 2022


شهدت العاصمة الليبية، طرابلس، في 26 أغسطس 2022، اندلاع اشتباكات مسلحة هي الأعنف خلال العامين الماضيين، بين المجموعات المسلحة الموجودة الداعمة لحكومة الوحدة الوطنية المقالة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وحكومة الاستقرار، برئاسة فتحي باشاغا، مما أسفر عن سقوط 32 قتيلاً ونحو 160 جريحاً.

أبعاد التصعيد الأخير:

اتسمت الاشتباكات الأخيرة التي شهدتها طرابلس باتساع نطاقها وكثرة الميليشيات المسلحة المشاركة فيها، على نحو غير مسبوق منذ عام 2020. وفي هذا السياق يمكن رصد أبعاد هذا التصعيد على النحو التالي:

1- مواجهات عنيفة: بدأت الاشتباكات في طرابلس بين قوات "جهاز دعم الاستقرار" بقيادة عبد الغني الككلي (غنيوة)، و"الكتيبة 777" بقيادة هيثم التاجوري، وهما قوتان تابعتان لوزارة الداخلية بحكومة الدبيبة، حيث اقتحمت الأولى أحد مقرات الثانية بحي "باب بن غشير"، قبل أن تقوم الأخيرة باقتحام أحد مقرات "جهاز دعم الاستقرار" بشارع الجمهورية. وترجع هذه الاشتباكات إلى تخوفات حكومة الدبيبة من احتمالية تغير تبعية ولاء "كتيبة 777" إلى حكومة باشاغا، لاسيما أنها تتمركز في نقاط استراتيجية بوسط العاصمة.

ويبدو أن الدبيبة حاول تقويض نفوذ الكتيبة 777، خاصةً في ظل التعبئة العسكرية لميليشيات غرب ليبيا، التي كان فتحي باشاغا يقوم بها خلال الأسابيع الأخيرة على تخوم طرابلس وداخل بعض ضواحيها، الأمر الذي جعل حكومة الدبيبة محاصرة داخل العاصمة، فيما بدأت المجموعات المسلحة التابعة للأخير في التموضع داخل طرابلس ومحاولة إغلاق مختلف المداخل.

ولم تقتصر الاشتباكات فقط على الهجمات المتبادلة بين "جهاز دعم الاستقرار" و"كتيبة 777"، بل امتدت لتشمل أربع جبهات متوازية، حيث حاول باشاغا استغلال المواجهات بين المجموعات التابعة للدبيبة لدخول العاصمة. وأشارت بعض التقارير إلى تقدم مجموعات مسلحة تابعة لباشاغا من مدينة الزاوية من الجبهة الغربية لطرابلس، بقيادة علي بوزريبة ومعمر الضاوي، وتمكنت من السيطرة على جسر 17 جنزور قبل أن تتمكن العناصر التابعة للدبيبة من استعادة السيطرة عليه. فيما تقدمت قوات أخرى تابعة لباشاغا من مدينة مصراته بقيادة سالم جحا، من المحور الشرقي وتمركزت في زليتن، قبل أن تتراجع بعد اشتباكها مع مجموعات الدبيبة. 

وتقدمت القوات التابعة لأسامة الجويلي باتجاه المطار جنوب طرابلس، لكنها تراجعت أيضاً بعد صدها من قبل قوات الدبيبة، لتتمركز في معسكر "7 أبريل" الواقع بطريق الجبس، قبل أن تنسحب قوات الجويلي أمام قوات الدبيبة.

أما الجبهة الرابعة للاشتباكات فتمثلت في وسط طرابلس، والتي تمركزت في حي بابا بن غشير وشارع الجمهورية وبعض المناطق المحيطة بهما، حيث دخلت "ميليشيا النواصي" إلى جانب الكتيبة 777، ضد "جهاز دعم الاستقرار" وميليشيا عماد الطرابلسي، وهو ما أسفر عن خسار بشرية ومادية كبيرة.

2- هدوء هش: ساد العاصمة طرابلس هدوء بعد يومين من الاشتباكات العنيفة، بيد أن بعض التقديرات أشارت إلى إمكانية تكرار الاشتباكات مرة أخرى، مع استمرار تعبئة المجموعات المسلحة التابعة للدبيبة، وفي مقدمتها جهاز دعم الاستقرار، والكتيبة 201 مشاة بقيادة عبد السلام زوبي، بغرب طرابلس، واللواء 53 مشاة بقيادة محمود بن رجب، وقوة العمليات المشتركة، وقوات محمد بحرون. وكذلك الأمر بالنسبة للمجموعات الموالية لباشاغا، والمتمثلة بالأساس في قوات أسامة الجويلي، واللواء 217 من مدينة مصراته بقيادة سالم جحا، بالإضافة إلى اللواء 777 الذي بات فعلياً أقرب إلى باشاغا.

3- تنديد دولي وإقليمي: أعربت العديد من القوى الدولية والإقليمية عن تنديدها بالعنف الأخير في طرابلس، حيث أدانت الولايات المتحدة تصاعد العنف في طرابلس. وأصدرت كل من بريطانيا وإيطاليا وألمانيا وفرنسا بيانات منفصلة مماثلة، فيما أعربت البعثة الأممية في ليبيا عن قلقها إزاء الاشتباكات المسلحة في طرابلس، داعيةً إلى توقف الأطراف كافة عن استخدام العنف، ودعت منظمة التعاون الإسلامي إلى تجنب التصعيد واللجوء إلى الحوار، وهو الأمر ذاته الذي دعت إليه الجامعة العربية.

وعبّرت عدة دول عربية، أبرزها مصر والإمارات وتونس والجزائر، عن قلقها من التصعيد الراهن في ليبيا، داعية إلى وقف التصعيد وتغليب الحوار. فيما طالبت الخارجية التركية بضبط النفس ووقف النزاع على الفور، وإجراء الانتخابات في أقرب وقت.

4- اتهامات متبادلة: اتهم الدبيبة باشاغا بالوقوف وراء التصعيد العسكري الأخير في طرابلس، لافتاً إلى أنه كلف وزارة الدفاع بملاحقة كافة المتورطين في الهجوم الأخير. وفي هذا السياق، قرر المدعي العام العسكري الليبي، مسعود رحومة، إدراج باشاغا على قوائم الممنوعين من السفر، بالإضافة إلى كل من مدير الاستخبارات العسكرية السابق، أسامة الجويلي، ووزير الصحة بحكومة باشاغا عثمان عبد الجليل، بالإضافة إلى رئيس الحزب الديمقراطي، محمد صفوان.

وأكد باشاغا على نبذه العنف وتمسكه بممارسة الحقوق السياسية بالطرق السلمية، نافياً أي علاقة له باشتباكات طرابلس، مشيراً إلى أنها جاءت نتيجة للصدام بين الميليشيات الخارجية عن القانون التي تتبع الدبيبة، وأن الأخير لا يزال يستغل موارد الدولة لتشكيل مجموعات مسلحة تدعم حكمه بمنطق القوة.

دلالات مهمة:

عكست اشتباكات طرابلس الأخيرة جملة من الدلالات المهمة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- محاولة ثالثة فاشلة لدخول طرابلس: انتهت اشتباكات طرابلس بفشل محاولة باشاغا دخول طرابلس والإطاحة بحكومة الدبيبة المقالة، وذلك لانحياز عدد من الميليشيات له، مثل "قوة الردع".

وفي هذا الإطار، من المرجح أن تؤثر هذه الاشتباكات على شرعية باشاغا، وذلك لعدة اعتبارات، منها أنه فشل للمرة الثالثة في دخول طرابلس منذ منح حكومته الثقة من مجلس النواب في مارس 2022، كما أن العنف الكبير الذي تمخض عن الاشتباكات الأخيرة ربما يقوض بعض الدعم الداخلي له، ناهيك على الضغوطات الخارجية المحتملة خلال الفترة المقبلة لوقف هذه التحركات.

2- تعزيز نفوذ الدبيبة: أدت هذه الاشتباكات إلى تعزيز سيطرة حكومة الدبيبة على طرابلس، خاصة مع انسحاب مجموعات مسلحة تابعة لباشاغا من بعض المناطق داخل العاصمة، على غرار معسكر 7 أبريل ومنطقة بوابة جبس وكذا جنوب طرابلس، حيث انسحبت قوات أسامة الجويلي إلى منطقة العزيزية، فيما تمكنت المجموعات الموالية للدبيبة من إحكام سيطرتها على هذه المناطق. ومن جهة أخرى، فإن تمكن الدبيبة من حسم الصراع لصالحه ربما يجعل الفواعل الدولية أقرب إلى دعمه.

3- التزام الشرق الليبي الصمت: لم يصدر، حتى الآن، أي تعليق عن الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، أو البرلمان الليبي، برئاسة عقيلة صالح، إزاء الاشتباكات الأخيرة في طرابلس، وهو ما يثير تساؤلات مهمة بشأن ما إذا كانت محاولة باشاغا دخول طرابلس قد تمت بتنسيق مع حلفائه في شرق ليبيا من عدمه، فضلاً عما قد يعكسه هذا الصمت من احتمالات وجود مشاورات راهنة بشأن إمكانية التضحية بباشاغا خلال الفترة المقبلة، لاسيما أنه فشل في دخول طرابلس، أو على الأقل لتجنب إثارة غضب القوى الدولية من خلال التنصل من تحركات باشاغا.

4- تعثر المفاوضات القائمة: اتهم الدبيبة باشاغا بـ"الغدر والخيانة"، والتورط في هجمات طرابلس، مشيراً إلى وجود مفاوضات كانت تجري بين الحكومتين المتنافستين لتسوية الصراع الراهن والاتفاق على إجراء الانتخابات قبل نهاية 2022، بيد أن الدبيبة اتهم باشاغا برفض هذه المفاوضات والعمل على دخول العاصمة بالقوة. 

وعلى الرغم من نفي باشاغا هذه الادعاءات، بيد أن ثمة تقديرات أخرى دعمت الطرح الخاص بوجود مفاوضات غير معلنة بين الجانبين، غير أن الأمور لا تزال غير واضحة بشأن الطرف الذي بدأ التصعيد ورفض الاستمرار في المفاوضات.

انعكاسات محتملة:

يمكن رصد جملة من الانعكاسات المترتبة على اشتباكات طرابلس خلال الفترة المقبلة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- مخاوف من التصعيد العسكري: لا تزال احتمالية تأجيج الصراع مرة أخرى قائمة بقوة، إذا ما تمت تعبئة ميليشيات جديدة للمشاركة في المواجهات، بما يدفع بليبيا نحو حرب شاملة جديدة.

وربما يعزز من هذا الطرح الإجراءات التصعيدية التي اتخذها الدبيبة في أعقاب توقف الاشتباكات، حيث وجه أوامره بالقبض على المشاركين كافة في محاولة دخول طرابلس، وكلّف الأجهزة المعنية كافة بتنفيذ أوامره، وعدم استثناء أي شخص، سواء كان مدنياً أو عسكرياً، الأمر الذي ينذر باحتمالات حدوث تصعيد خلال الفترة المقبلة، كون أن هذه القرارات تطال ضمنياً باشاغا وأعضاء حكومته، بالإضافة إلى بعض المجموعات المسلحة التي دعمت باشاغا.

2- وساطة أمريكية محتملة: دعا السفير الأمريكي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، إلى مباحثات برعاية أمريكية بين الأطراف الليبية، كما لا يمكن استبعاد أن يكون توقف الاشتباكات جاء بناء على تهديدات أمريكية. وربما يتسق هذا الطرح مع التقارير التي أشارت إلى أن نائب رئيس المجلس الرئاسي، عبد اللافي، كان قد طلب في وقت سابق من أغسطس 2022 تدخل السفير الأمريكي لدى ليبيا، ريتشارد نوريلاند، للقيام بدور الوساطة بين أطراف الصراع.

وفي الختام، يرجح أن تشهد الفترة المقبلة تحركات أكثر جدية من قبل الفواعل الدولية والإقليمية للتوصل إلى ترتيبات جديدة تحول دون تكرار الحرب الشاملة، وهو ما يعيد طرح البدائل كافة مرة أخرى على الطاولة، بما في ذلك إمكانية تشكيل حكومة ثالثة بديلة عن حكومتي باشاغا والدبيبة.