أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

ارتباك متصاعد:

هل تشهد لبنان تراجعاً لنفوذ حزب الله وإيران؟

10 مارس، 2021


تتصاعد حدة عدم الاستقرار على الساحة الداخلية اللبنانية، وهو ما انعكس بشكل واضح على نفوذ القوى السياسية، لاسيما حزب الله، الذي يتعرض لضغوط داخلية وخارجية بسبب تعثر تشكيل الحكومة على خلفية التباينات الملحوظة في مواقف تلك القوى، فضلاً عن استمرار انخراطه في الصراع السوري رغم تغير توازنات القوى لصالح نظام بشار الأسد خلال الأعوام الأخيرة، وتماهيه مع الخطاب العام الذي تتبناه إيران إزاء العديد من القضايا الإقليمية والدولية، لاسيما في الفترة الحالية التي تشهد تصاعداً في حدة التوتر مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.

مؤشرات عديدة:

ربما يمكن القول إن ثمة مؤشرات عديدة تكشف عن تصاعد حدة الضغوط التي يتعرض لها الحزب خلال المرحلة الحالية، ويتمثل أبرزها في:

1- تراجع الدور السياسي: لم ينجح الحزب في إحداث توافق جامع بين حلفاءه بشأن سير العملية السياسية داخلياً، وذلك على عكس السنوات السابقة التي استطاع فيها رأب أى صدع بينهم، بل ودفعهم للتحالف، ولعل الانتخابات النيابية عام 2018 كانت خير دليل على ذلك، حيث نجح في جمع الخصوم، أى حركة أمل والتيار العوني، تحت راية "المصالح الانتخابية"، ولكن المشهد الحالي يكشف أن هناك توتراً بين الحزب والتيار العوني، وكذا الأخير من جهة وحركة أمل وتيار المردة من جهة أخرى، فضلاً عن مواقف مشتتة ومتناثرة من باقي قوى "8 آذار" التي لم يعد يجمعها توجه واحد.

وقد انصبت مواقف حركة أمل مؤخراً على الدعوة للإسراع في تشكيل الحكومة، مع تراجع هجومها على التيار الوطني الحر وزعيمه رئيس الجمهورية ميشال عون، مما يشير إلى ضغوط من جانب حزب الله لعدم الاستمرار في تمادي موقف الحركة من العونيين، لأن الوضع أصبح حرجاً ولا يتحمل مزيداً من الانشقاقات داخل قوى "8 آذار"، أى أن الحزب بدأ في التدخل لضمان تماسك حلفاءه لحاجته إلى هذا التماسك في ظل الضربات المتتالية التي يتلقاها.

في السياق نفسه، شهدت الفترة الماضية تنامي التوترات بين حركة أمل والحزب، وهو ما كشفه التجاذب بين أنصار الفريقين على مواقع التواصل الاجتماعي بل والشارع اللبناني أيضاً. وانعكس ذلك في اجتماع مسئول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا ومسئول الإعداد المركزي في الحركة أحمد بعلبكي في يوليو 2020، للتباحث حول كيفية احتواء تصاعد السجالات بين أنصارهما على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تم الاتفاق على ضرورة وضع آلية للعمل الاستباقي لنزع فتيل أى سجال حول ما يمكن أن يستجد من قضايا أو مسائل إشكالية، كما تم الاتفاق على إطلاق منصة مشتركة على وسائل التواصل الاجتماعي تمثل الحركة والحزب، وتعمل على تحديد وتعميم المواقف المشتركة.

2- تمرد البيئة الحاضنة: ليس من المعتاد أن تشهد مناطق نفوذ حزب الله خروج مسيرات أو قطع طرق للاعتراض على الوضع الراهن، إلا أنه منذ تجاوز سعر الدولار حاجز الـ10 آلاف ليرة مع مطلع مارس الجاري، شهدت غالبية مناطق لبنان احتجاجات ضد تدهور الوضع الاقتصادي، لتنتفض أيضاً الضاحية الجنوبية ضد هذا التدهور، إضافة إلى مدينة بعلبك وغيرها من المناطق التابعة للحزب. ويُذكر في هذا السياق أن بعض وسائل الإعلام اللبنانية أكدت أن هناك مسيرات نظمها حزب الله وحركة أمل في مناطق نفوذهما في إطار محاولات الالتفاف على أى مسيرات شعبية مضادة، وفي الوقت نفسه توجيه رسائل سياسية للقوى المناوئة، وفي حالة صحة هذا التوجه، فإن ذلك مؤشر على عدم قدرة الحزب على السيطرة على أنصاره، وتخوفه من تظاهر الشارع ضده.   

3- رسائل مضادة: كان لافتاً في الفترة الأخيرة أن بعض مؤسسات الدولة بدأت في اتخاذ مواقف لا تتوافق مع سياسات الحزب، لاسيما في تعامله مع القوى الخارجية، على نحو بدا جلياً في إعلان وزارة الخارجية والمغتربين عن استدعاء السفير الإيراني في بيروت محمد جلال فيروزنيا، في 6 مارس الجاري، للاعتراض على الهجوم الذي شنته قناة "العالم" الايرانية ضد البطريرك بشارة بطرس الراعي على خلفية دعوته لعقد مؤتمر دولي للوصول إلى تسوية للأزمة اللبنانية. وقد أثار عدم تلبية السفير الإيراني للاستدعاء ردود فعل رافضة داخل لبنان اعتبرت أن ذلك يمثل "تجاوزاً لسيادة لبنان". لكن ثمة اتجاهات عديدة ترى أن تحركات وزارة الخارجية، التي يترأسها الوزير شربل وهبة الذي ينتمي للتيار العوني، قد تكون رسائل لحزب الله تفيد عدم رضاء التيار عن مواقفه تجاهه، على نحو يعني أن الخلاف بين الفريقين انتقل إلى حكومة تصريف الأعمال.

4- خفوت الخطاب الإعلامي: تكشف مواقف وسائل الإعلام الموالية للحزب عن انتهاجها مبدأ رد الفعل، وذلك تجاه المواقف والاتهامات التي تنتقده، وهناك شواهد عديدة تؤكد ذلك، كان آخرها الحملة التي شنها تيار المستقبل ضد الحزب بشكل مباشر، حيث أصدر المكتب الإعلامي للتيار بياناً في 4 مارس الجاري جاء فيه: "إن الرئيس الحريري، وعلى عكس حزب الله المنتظر دائماً قراره من إيران، لا ينتظر رضا أى طرف خارجي لتشكيل الحكومة"، واتسمت ردود فعل الحزب التي انعكست في وسائل إعلامه بالارتباك، على نحو قد يكون بسبب حرص الحزب، خلال المرحلة الحالية، على عدم استخدام وسائل الإعلام كوسيلة للهجوم على خصومه بشكل قوي تحسباً من إثارة مزيد من التوتر والاحتقان على الساحة الداخلية.

سياسة حذرة:

ربما يكون حرص الحزب على عدم التصعيد مع خصومه السياسيين انعكاساً لسياسة جديدة يسعى من خلالها إلى احتواء محاولات الزج به في مأزق سياسي وأمني قد يؤثر على مستقبله السياسي داخلياً، وبما يؤثر على النفوذ الإيراني في لبنان، خاصة في تلك الفترة التي تسعى خلالها إيران إلى تعزيز موقعها في الإقليم استباقاً لأية تفاهمات محتملة مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، التي تسعى في الوقت ذاته إلى ضم ملفات خلافية أخرى للاتفاق النووي الحالي على غرار برنامج الصواريخ الباليستية والدور الإقليمي.