أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

مشكلات مائية:

كيف عكست "أزمات السدود" تفاعلات الشرق الأوسط؟

18 أغسطس، 2020


كشفت الأزمات، القائمة أو المحتملة، التي تخص السدود، في كل من بوط بالسودان والنهضة بأثيوبيا ووادي المخازن بالمغرب والرونة ومأرب باليمن والموصل بالعراق وإليسو وأتاتورك بتركيا، عن جملة من التفاعلات في الإقليم، يأتي في مقدمتها تزايد النزوح الديموغرافي للمتضررين من السيول، ونقص الاحتياطي المائي بسبب تراجع معدلات سقوط الأمطار على نحو يتطلب زيادة عدد السدود، وتضرر القطاع الزراعي نتيجة غرق مدن بكاملها، واستدعاء الحكومات المركزية والأجهزة المحلية لدور مؤسسات وهيئات المجتمع المدني في الإغاثة الإنسانية، وفعالية الجوار الجغرافي في دعم المناطق المنكوبة من "غضب الطبيعة"، وتعنت الموقف الأثيوبي فيما يخص مدى وتوقيت ملء سد النهضة على نحو يزيد التوتر مع مصر، وتزايد التمدد التركي في دول الأزمات العربية على نحو ما انعكس في سياستها لتوظيف سلاح المياه في كل من سوريا والعراق.  

ويشير التيار الرئيسي في الكتابات إلى عدة أنماط عاكسة لأثر أزمات السدود المختلفة في تشكيل تفاعلات الشرق الأوسط، وذلك على النحو التالي:

موجة نزوح 

1- تزايد النزوح الديموغرافي: أدى حدوث انهيار مفاجئ لسد بوط، في 3 أغسطس الجاري، بسبب هطول الأمطار الغزيرة في ولاية النيل الأزرق، جنوب شرق السودان، إلى تدمير ما يقارب 600 منزل، وانهيار مرافق حيوية، وتعرض مناطق عديدة للفيضانات، التي حاصرت سكان العاصمة الخرطوم، على نحو أدى إلى موجة نزوح من المنطقة التي يمثل سد بوط عصب الحياة فيها، وتضم سوقاً كبيرة وأكثر من 9 مدارس للتعليم الأساسي، وظلت طوال فترة الحرب ملاذاً آمناً للنازحين من جميع أرجاء الولاية.

كما أشارت العديد من التقارير الإعلامية، في 10 أغسطس الحالي، إلى تواصل ارتفاع المياه في معظم السدود والخزانات السودانية، ما ينذر بحدوث فيضانات تجتاح مناطق واسعة من البلاد، وهو ما يؤدي إلى ازدياد الخسائر البشرية والمادية، والتي تأثرت بها العديد من الولايات السودانية في الفترة الماضية. ووفقاً لما أشارت إليه إحصائيات رسمية، فقد توفى 20 شخص وأصيب 12 جراء السيول والفيضانات، وانهار حوالي 7 آلاف منزل ومرافق خدمية (صحية وتعليمية).  

وتكرر ذلك الوضع مع انهيار سد الرونة بمنطقة حبابة في محافظة عمران اليمنية، في 3 أغسطس الجاري، نتيجة الأمطار الغزيرة، وهو ما أسفر عن هدم منازل ونزوح أسر، دون وقوع خسائر بشرية. وفي سياق متصل، أطلق رئيس الوزراء اليمني معين عبدالملك، في 4 أغسطس الجاري، توجيهاً بوضع حلول عاجلة لدرء مخاطر محتملة جراء استمرار تدفق السيول الخارجة من سد مأرب، مع ضرورة التنسيق مع المنظمات الإنسانية، لتكثيف الجهود الجارية في معالجة أوضاع المتضررين من السيول في كافة مديريات محافظة مأرب، وعلى وجه الخصوص النازحين، وتقديم العون والمساندة العاجلة لهم في مختلف المجالات.

عجز مائي

2- نقص الاحتياطي المائي: تأثرت الأحواض المائية في المغرب، بشكل ملحوظ، خلال السنوات الأخيرة، نتيجة الانخفاض في معدلات سقوط الأمطار منذ عام 2015، في حين تنوي الحكومة زيادة عدد السدود لمعالجة نقص الاحتياطات المائية. إذ يشير أحد التقديرات الرسمية إلى أن حجم الواردات المائية إلى كافة سدود المملكة، وصل إلى 3,8 مليار متر مكعب، منذ أول سبتمبر 2019، وهو ما يعني عجزاً بنسبة 66 في المئة، مقارنة بالمتوسط السنوي. ومن ثم، سوف تشهد الفترة المقبلة نشأة المزيد من الأحواض المائية، فضلاً عن استكمال "البرنامج الوطني المتعلق بالماء وتدبيره".     

جفاف محتمل

3- تضرر القطاع الزراعي: على الرغم من قلة التحليلات التي تتناول في المرحلة الحالية احتمالات انهيار سد الموصل في العراق، مثلما كان الوضع مثاراً في نهاية عام 2016 وبداية عام 2017، إلا أنه يظل خطراً محتملاً، إذ يعاني من مجموعة من المشاكل الفنية التي تتعلق ببنيته الأساسية، حيث أنشئ على تربة هشة وغير صلبة لأنه شيد على الجبس والحجر الجيري الذي يضعف عند تعرضه للماء ويترك تجاويف في الجزء السفلي ويحتاج إلى عملية تدعيم من أجل احتواء مخاطر إمكانية انهياره والأضرار التي من الممكن أن يحدثها حينذاك.

وهنا، أشارت بعض التحليلات التي تنطلق من السيناريو الأكثر سوءاً، إلى أنه من الممكن أن تغرق مدن بكاملها كالموصل وتكريت وسامراء وحتى أطراف العاصمة العراقية بغداد، الأمر الذي يهدد حياة ملايين البشر الذين يقطنون فيها، فضلاً عن الخسائر المادية والأضرار الاقتصادية التي من الممكن أن تحل بجميع القطاعات على مختلف المستويات ومنها القطاع الزراعي. ويأتي ذلك في الوقت الذي أعلنت وزارة الموارد المائية، في 30 يناير الماضي، استعدادها لمواجهة موسم الفيضانات في نينوى وباقي المناطق العراقية الأخرى المهددة بهذا الموسم، فيما طمأنت أن حالة سد الموصل جيدة ولا يتعرض لأية تهديدات حالياً.

وذكر وزير الموارد المائية جمال العادلي خلال زيارة ميدانية إلى مشروع سد الموصل أن "وضع سد الموصل طبيعي وهناك خزين للموسم الزراعي المقبل، وأن الاستعدادات المتخذة من قبل الوزارة والفروع المتصلة بها على أتم وجه". كما أكد العادلي أن "الكوادر الهندسية والفنية العراقية استلمت سد الموصل من الشركة الإيطالية والفريق الاستشاري الأمريكي الذي كان يشرف على السد قبل نحو أربعة شهور، وأن الكوادر تعمل بشكل جيد وتحافظ على حالة السد دون مشاكل، وهذا يؤكد قدرة الكوادر العراقية على العطاء ومواجهة التحديات وتجاوزها".

كما أطلقت تحذيرات بشأن التأثيرات الناتجة عن قيام تركيا بملء خزان سد إليسو (الذي أنشأته في عام 2016 على الحدود مع العراق ويعتبر رابع أكبر سد في تركيا من حيث الطاقة الإنتاجية)، منذ أشهر قليلة، على الزراعة في العراق لاسيما أن الأخيرة تعاني من نقص المياه منذ عام 2017 على نحو أدى إلى اتخاذ إجراءات مثل حظر زراعة الأرز، ودفع مزارعين إلى هجر أراضيهم. وهنا تجدر الإشارة إلى أن مياه نهري دجلة والفرات تستخدم في ري الحقول على طول ضفتيهما.

دور المجتمع

4- استدعاء المجتمع المدني: تتطلب الأزمات التي تكشفها حالات غضب الطبيعة، مثل تصدع أو انهيار السدود، مشاركة مختلف الأطراف، مثل الحكومات المركزية والأجهزة المحلية والمجتمع المدني. وفي هذا السياق، وجه والي الخرطوم أيمن خالد نمر، بعد انهيار سد بوط، بالشروع فوراً في إجراء معالجات هندسية إسعافية سريعة لتصريف المياه، وتم إرسال مواد غذائية للأسر المتأثرة والبدء في إجلاء المواطنين الذين حاصرتهم السيول وترحيلهم إلى مناطق آمنة، داعياً منظمات المجتمع المدني إلى تقديم العون السلعي وتوفير الإيواء للأسر المتأثرة.

دعم الجوار  

5- فعالية الجوار الجغرافي: وهو ما يظهر مدى تماسك أو هشاشة العلاقات بين دول الجوار، وخاصة في فترات الكوارث الطبيعية، على نحو ما كشفه جلياً انهيار سد بوط، حيث أعربت مصر عن تضامنها مع السودان، وأكد بيان لوزارة الخارجية المصرية "وقوف مصر جنباً إلى جنب مع الأشقاء في السودان لمواجهة تداعيات هذا الحادث وذلك من منطلق الروابط الأخوية التي تربط شعبي وادي النيل والعلاقات التاريخية ووحدة المسار والمصير التي تجمع البلدين".

في سياق متصل، قام رئيس الحكومة المصرية د.مصطفى مدبولي بزيارة السودان، على رأس وفد رفيع المستوى من وزراء الكهرباء والطاقة المتجددة، والموارد المائية والري، والصحة والسكان، والتجارة والصناعة، في 15 أغسطس الجاري، حيث التقى نظيره عبدالله حمدوك، لنقل رسالة من الرئيس عبدالفتاح السيسي لقيادات الدولة في السودان بالحرص الشديد على تقديم كل سبل الدعم الممكن في كل مناحي القطاعات التي تخدم المواطن السوداني سواء في مجالات التعامل مع آثار الفيضانات التي حدثت، أو قطاع الصحة والقطاعات التنموية المهمة على غرار قطاع الكهرباء والموارد المائية والري وكذا مجالات التجارة والصناعة. 

وأعلن السفير المصري في السودان حسام عيسى في تصريح لوكالة أنباء السودان، في 15 أغسطس الجاري، وصول فريق طبي مصري من 14 طبيباً للمساعدة في مكافحة الأوبئة والفيروسات مثل (PCR) والأمراض المتعلقة بالكوارث الطبيعية والسيول، مؤكداً أن "المساعدات المصرية تأتي في إطار دعم الشعب السوداني لمواجهة ما مر به من ظروف جوية ومناخية وسيول في الفترة الماضية كما أنها تأتي تجسيداً لروابط الأخوة ودفعاً لتعزيز وتطوير العلاقات بين البلدين".

توتر سياسي

6- تعنت الموقف الأثيوبي: على الرغم من بناء أديس أبابا العديد من السدود الصغيرة على نهر النيل منذ عام 2000، إلا أن بنائها سد النهضة أثار إشكاليات عديدة تتعلق بمدى ملء السد وتوقيته، وهنا تشير صور من الأقمار الصناعية إلى أن أثيوبيا بدأت فعلياً في ملء السد قبل استكمال المفاوضات مع مصر والسودان. 

ورقة ابتزاز

7- تزايد التمدد التركي: توظف أنقرة سلاح المياه في مواجهة خصومها في كل من سوريا (أكراد سوريا) والعراق، حيث قامت ببناء عدة سدود على نهري دجلة والفرات، وهو ما يؤثر بدوره على حصص المياه القليلة التي تصل إلى كل من سوريا والعراق. ومن أبرز تلك السدود إليسو الضخم الذي تسبب في انخفاض حصة العراق من مياه النهر، وقد يصل التراجع إلى نسبة 60 في المئة بسبب تشغيل مولدات الكهرباء على هذا السد. وتجدر الإشارة إلى تعارض ممارسات تركيا بشأن مياه نهري دجلة والفرات مع القوانين الدولية، خاصة الاتفاقيتين الدوليتين لعامي 1966 و1997 من القرن الماضي، وأيضاً مع الاتفاقيات الثنائية التي وقعتها مع سوريا والعراق. لذا تستخدم الحكومة التركية تعبير "المياه العابرة للحدود" بدلاً من "الأنهار الدولية".

كما قامت تركيا بإغلاق بوابات عبور مياه الفرات إلى سوريا، ما أدى إلى انخفاض منسوب المياه، الأمر الذي سينعكس سلباً على توليد الكهرباء من سد الفرات وتضرر القطاع الزراعي، وفقاً لما ذكرته وزارة الإعلام السورية في يوليو الماضي. وقد سبق ذلك تحذيرات من "كارثة بيئية" أطلقتها إدارة سد تشرين (ثاني أكبر السدود على نهر الفرات في سوريا)، التي قالت، في بيان، أن "الجانب التركي خفّض الوارد المائي إلى أقل من ربع الكمية المتفق عليها" وذلك تزامناً مع وصول استهلاك الري إلى الذروة، وأضافت أن ذلك سيترك آثاراً سلبية كبيرة على البيئة إذ "سينعكس مباشرة على الثروة البيئية والمنتجات الزراعية وبالتالي سيؤثر بشكل مباشر على اقتصاد المجتمع والأمن الغذائي العام للمواطن". 

زوايا مختلفة:

خلاصة القول، إن هناك مشكلات مائية وبيئية أثارتها السدود في الإقليم من زوايا مختلفة، أبرزها إحداث خسائر بشرية ومادية مختلفة، وتضرر قطاعات متعددة وخاصة الزراعي منها، وتزايد المخاطر الناتجة عن الانهيار المفاجئ للسدود مما يستلزم دعم قوى المجتمع المدني ودول الجوار الجغرافي والمنظمات الإغاثية الإنسانية، والتأثيرات البيئية التي قد تطرأ بعد بناء سد النهضة وتشغيله. كما تستخدم بعض الدول ورقة السدود لتهديد جيرانها باللجوء إلى قطع مياه النهر المشترك، بما يؤثر على حصص المياه القليلة إلى الدول الأخرى، وهو ما ينطبق على السياسة التركية تجاه أكراد سوريا والعراق.