أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

اقتصاد الأزمة في لبنان

01 ديسمبر، 2019


مع بلوغ الحراك في لبنان يومه الأربعين، تعقدت أزمة تشكيل الحكومة أكثر لسببين: إصرار مجموعات من «أمل» و«حزب الله» على التحرش بالمتظاهرين السلميين في بيروت وضواحيها، بل وإغارة مجموعات من العونيين على الناس في بكفيا بلدة آل الجميل وحزبه، ومصير حزبيين في طرابلس إلى التخريب للمؤسسات لاتهام المتظاهرين بذلك، والسبب الثاني إعلان سعد الحريري رفضه قبول التكليف بتشكيل حكومة جديدة، ودعوة الرئيس عون لإجراء الاستشارات الملزمة حسب الدستور لتكليف أحدٍ غيره بتشكيل الحكومة.

منذ شهرٍ على الأقل، صار معروفاً أن هناك شبه إجماع بين الحراكيين والأطراف السياسية على تفضيل الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة، لكن مفاوضاته مع الأطراف السياسية من «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» و«أمل»، ما أفضت إلى اتفاق، هو يريد حكومة اختصاصيين مؤقتة، ليس فيها أحد من الأحزاب السياسية، وهم يريدون تارةً حكومةً سياسية (الرئيس)، أو حكومة تكنو-سياسية، كما يقول الطرفان الشيعيان، وهكذا، ولتعذر الاتفاق، قام الحريري بالاعتذار، لكن، وخلال الأيام الأخيرة، برزت ظاهرة جديدة كان نصرالله قد أنذر بها في بداية الحراك، نزل المحازبون لأمل والحزب إلى الشارع في بيروت الشرقية والغربية، على شكل مجموعات تضرب وتكسر وتصرخ: شيعة شيعة شيعة، ويا لثارات الحسين! وقد فسّر المراقبون ذلك بأنه ضغط على الحريري لكي يقبل بتشكيل الحكومة كما يريدون، ويضيف مراقبون آخرون أنّ من أهداف الهجمات أيضاً إرعاب المتظاهرين لكي يخرجوا من الشارع، وبالفعل فإن الحريري طلب من أنصاره بالطريق الجديدة الخروج، وعدم الرد على الاستفزازات درءاً للفتنة.

ماذا يجري أو يمكن أن يجري الآن؟ الدوليون السياسيون والماليون ملُّوا من مطالبة رئيس الجمهورية والسياسيين بالإسراع في تشكيل الحكومة، وبعكس المرات السابقة، هناك حالة استعصاء. فمن قبل، وعبر الإرعاب بالقمصان السود، ذهب سعد الحريري من رئاسة الحكومة (2011)، وشكّل «حزب الله» حكومة لون واحد استمرت لقرابة الثلاث سنوات، أما اليوم فالحزب لا يستطيع ذلك، وكذلك الرئيس عون، رغم امتلاكهم أكثريةً في مجلس النواب، لأن حكومة الحزب لن يقبلها حراك الشارع، ولن يقبلها الدوليون، وهذا إذا أمكن تشكيلها، والجانب الآخر من الاستعصاء أنّ الحريري الذي كان يخاف الاضطراب والعنف، لم يعد يخاف فيما يبدو، بدليل أنه استقال أولاً، واعتذر عن التشكيل ثانياً!

إنّ البحث عن مرشحٍ لرئاسة الحكومة غير الحريري صعبٌ جداً؛ فقد ترشح أو رُشّح عدة أشخاص فأهانهم الحراك، أو أنْهاهم الجمهور السني، لذا يُعرِض المحترمون عن الظهور العلني والمطالبة، كما يكثر ترشح غير المؤهلين من الأثرياء، ويدفعوا لوسائل الإعلام لتزكية ترشيحهم، والدليل أنه ليس عند العونيين والحزب مرشح مقبول من جانبهم، أنّ الرئيس لم يدع إلى الاستشارات الدستورية الملزمة، في الأوساط الضيقة لا يزال هناك أمل في عودة الحريري، إنما بأي شروط؟ وقد توالت الاتهامات للإدارة الأميركية أنها هي التي تُرغم الحريري على عدم ترؤس الحكومة الجديدة، لكن غالبية الساسة والشباب مستنفرون ضد توزير باسيل، أكثر من تمثيل أحد وجوه الحزب!

في الأيام القليلة المقبلة سيتضح المشهد، فإن لم يقبل الحريري، يمكن ترشيح أحدٍ آخر بموافقته، على ضآلة عدد المرشحين المؤهلين لإرضاء سائر الأطراف أو النافذ منها.

أما الملفان الاقتصادي والمالي فلهما شأنٌ آخر، فالمصارف شبه مقفلة، والمواطنون يتذمرون لأنهم لا يستطيعون سحب أرصدتهم بالدولار أو تحويلها للخارج، وشائعات إفلاس الدولة والمصارف معاً كثيرة وواسعة، أما الوضع الاقتصادي فشديد السوء؛ فالمحلات والشراكات تقفل، والمدارس والجامعات تفتح وتقفل، ونصف الطلاب لا يحضرون، والتنقل خارج بيروت وبين المناطق صعب، وإدارات الدولة نصف مقفلة.. والمتظاهرون يعتبرون وزير الخارجية وأتباعه رؤوس الفساد، أما الرئيس وباسيل فعندما يستشنعون الفساد فيقصدون به رؤساء الحكومة السابقين منذ أيام رفيق الحريري، وهم يريدون سنّ قوانين لاستعادة الأموال المنهوبة من غير صفوفهم وأنصارهم طبعاً.

سعد الحريري رمى الكرة في ملعب رئيس الجمهورية وحلفائه، لكنّ خيبة أنصاره من إعراضه لا تخفى، وكما جاء في الحديث الشريف: كل الناس يغدو، فبائعٌ نفسه فمعتقها أو موبقها! لبنان جميل، لكنّ جماله مؤلم الآن، للضعف والضياع الذي يبدو عليه.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد