أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

الاتجاه شرقاً :

أبعاد تعزيز التعاون الاقتصادي بين الجزائر وماليزيا

10 أغسطس، 2023


استقبل المدير العام للوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار عمر ركاش، في 7 أغسطس 2023، وفداً من مجمع ليون الماليزي، يترأسه المدير العام للمجمع تان سري داتوك سيري أوتاما ويليام شانغ، وقد تم الاتفاق على الشروع في إجراءات بدء مشاريع صناعية ضخمة بالجزائر، بقيمة تناهز 6 مليارات دولار، خلال الفترة المقبلة، وذلك على مرحلتيْن: الأولى؛ تشمل إنتاج حديد الزهر بطاقة 1.7 مليون طن سنوياً، وذلك من خلال نقل وحدة من ماليزيا وإنشاء أخرى في الجزائر، لإنتاج الأعمدة الحديدية بطاقة 4 ملايين طن سنوياً وذلك باستثمار 3.7 مليار دولار. أما الثانية؛ فتتضمن إنتاج سبائك الألومنيوم وإنشاء محطة كهربائية بقدرة إنتاج كبيرة، وذلك لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة اللازمة لهذا المشروع، كما تم الاتفاق على إنشاء مناطق صناعية كبيرة قادرة على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.

 تعظيم المكاسب الاقتصادية:

يأتي هذا الاتفاق، في ضوء سعي الجزائر لتحقيق مجموعة من الأهداف، المرتبطة بشكل رئيسي بتعزيز مكاسبها الاقتصادية، وذلك على النحو التالي:

1. تعزيز التعاون الاقتصادي: تسعى الجزائر إلى تحسين أوضاعها الاقتصادية، من خلال جذب مزيد من الاستثمارات إليها. وقد حرصت ماليزيا، خلال السنوات الأخيرة، على تعميق تعاونها الاقتصادي مع الجزائر، إذ أكد السفير الماليزي محمد فيزال رزالي، خلال تسليمه أوراق اعتماده إلى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، في سبتمبر 2021، رغبة بلاده في تعزيز أواصر الأخوة مع الجزائر، وتعزيز العلاقات الاقتصادية معها. وكان وزير الطاقة والمناجم الجزائري محمد عرقاب قد التقى، في 6 أغسطس 2023، وفداً ممثلاً لمجمع ليون الماليزي، وبحثا سوياً فرص تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدولتين، من خلال استعراض الفرص المتاحة أمام الاستثمارات الماليزية، ولاسيما في مجال الموارد المنجمية مثل الحديد والألومنيوم.

وجدير بالذكر أن التعاون الاقتصادي بين الجزائر وماليزيا، يشمل أيضاً مجال الخدمات المصرفية الإسلامية والتي تتمتع فيها ماليزيا بخبرات كبيرة، الأمر الذي قد يساعد الجزائر على تطوير خدمات الصيرفة الإسلامية التي طبقتها الحكومة الجزائرية خلال الفترة الأخيرة، خاصة وأن ماليزيا واحدة من أقوى الاقتصاديات في منطقة جنوب شرق آسيا، وعضو مجموعة النمور الآسيوية السبعة (كوريا الجنوبية- تايوان-سنغافورة- هونغ كونغ– ماليزيا- إندونيسيا- الفلبين)، ويُعد الاقتصاد الماليزي ثالث أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا، بعد إندونيسيا وتايلند، ويحتل المرتبة 35 في ترتيب أكبر الاقتصاديات في العالم، وبالتالي تسعى الجزائر للاستفادة من التجربة الاقتصادية لماليزيا.

ويؤشر ضخ ماليزيا استثمارات ضخمة في الاقتصاد الجزائري، على تبني الأخيرة سياسة براغماتية تقوم على تعظيم مكاسبها الاقتصادية في المقام الأول، وهو ما تماشى مع السعي الماليزي للبحث عن فرص للاستثمار في منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا.

2. تخفيف حدّة الأزمات الاقتصادية: تسعى الحكومة الجزائرية إلى إنعاش الاقتصاد الوطني للبلاد، وذلك من خلال تقديم التسهيلات القانونية والتشريعية والمالية، والتي أدت إلى توفير مناخ استثماري جاذب داخل البلاد، الأمر الذي يساعد الحكومة على تنفيذ استراتيجيتها الخاصة بالحصول على المزيد من النقد الأجنبي، ولزيادة احتياطي النقدي والذي بلغ حوالي 64 مليار دولار في إبريل 2023، ومن ثم توظيف ذلك في تحقيق الأهداف التنموية المختلفة ومنها المتعلقة بتوفير المزيد من فرص العمل للشباب الجزائري. 

ومن المُقرر أن تسهم الاستثمارات التي تم الاتفاق عليها مع مجموعة ليون الماليزية، في توفير حوالي 10 آلاف فرصة عمل، الأمر الذي يُسهم في خفض نسبة البطالة التي وصلت إلى حوالي 11.6% وفقاً لتقديرات البنك الدولي لعام 2022، وفي بعض التقديرات الأخرى تصل نسبة البطالة إلى ما بين 12% إلى 15%، وبالتالي فإن هذه الاستثمارات من شأنها مساعدة الحكومة في تقديم حلول فاعلة لأزمة البطالة في الجزائر.

3. تطوير الصناعات الوطنية: تسعى الجزائر للاستفادة من الخبرات الماليزية في تطوير صناعاتها الوطنية، ولاسيما المرتبطة بمجال التعدين والحديد والصلب والزراعة والخدمات والتطوير العقاري، خاصة وأن مجمع ليون الماليزي له خبرات كبيرة في هذه المجالات، وكان له تجارب سابقة في عدد من الدول الآسيوية مثل الصين وهونغ كونغ ولاوس وكمبوديا وسنغافورة، وبالتالي سوف تسعى الجزائر للاستفادة من هذه الخبرات الهائلة ومحاولة توظيفها لتنشيط هذه القطاعات داخل البلاد، وهو ما سيُساعد الحكومة الجزائرية على تطبيق الاستراتيجية الخاصة بتنويع مصادر الاقتصاد خارج قطاع المحروقات المتمثل في النفط والغاز الطبيعي.

دلالات مُهمة:

ثمّة دلالات يُشير إليها الاتفاق الجزائري الماليزي الأخير، يمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو التالي: 

1. اعتماد الجزائر سياسة "الاتجاه شرقاً": يعكس التعاون الاقتصادي الجزائري الماليزي توجهات السياسة الخارجية الجزائرية الخاصة بتعزيز علاقاتها مع دول المعسكر الشرقي، وهو ما تجلى خلال الفترة الأخيرة في عدد من الشواهد، كان أحدثها الزيارة التي قام بها الرئيس تبون إلى دولة الصين، والتي أسفرت عن توقيع العديد من اتفاقيات التعاون في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية. هذا إلى جانب تعزيز العلاقات بين الجزائر وروسيا، في الوقت الراهن، في ضوء مساعي الولايات المتحدة والغرب، لوقف التقارب بين الجانبين. كما تم التوقيع على مذكرة تفاهم بين الجزائر وإندونيسيا في مجال القانون الدستوري والعدالة الدستورية، في 11 أغسطس 2023، وهو ما يؤكد تبني الجزائر لسياسة الاتجاه شرقاً.

2. تقارب متنامٍ بين الجانبين: جاء الاتفاق على ضخ الاستثمارات الماليزية على هذا النحو في الاقتصاد الجزائري، عقب اللقاء الذي جمع مسؤولي الحكومة الجزائرية وممثلي مجمع ليون الماليزي في شهر فبراير 2023، والذي تم خلاله استعراض فرص الاستثمار المتاحة التي توفرها الحكومة الجزائرية للمستثمرين الأجانب، وخاصة بعد اعتماد قانون الاستثمار الجديد الذي يقدم تسهيلات كبيرة لجذب رؤوس الأموال الأجنبية وتوظيفها في تطوير بعض القطاعات الاقتصادية المهمة. 

وجدير بالذكر، أن الفترة الأخيرة، قد شهدت تعاوناً متنامياً على المستوى السياسي بين الجانبين، وهو ما تجلى في تشكيل مجموعة الصداقة البرلمانية الجزائرية الماليزية في مارس 2022، بغرض تطوير العلاقات الثنائية بينهما على كافة الأصعدة، وفي شهر يوليو 2023 تم الاتفاق على تشكيل لجنة مُشتركة بين الدولتين لتعزيز التعاون الثنائي في مجالي المقاولات والابتكار عبر تبادل الخبرات والمعلومات، وكذلك فيما يتعلق بالاستفادة من هذا التعاون في مجال تمويل المؤسسات والمشروعات الصغيرة والناشئة والتي تهتم بها الجزائر بشكل كبير.   

3. تنويع الشركاء الاقتصاديين: تعكس هذه التطورات الإيجابية في نمط العلاقات القائم بين الجزائر وماليزيا، الحرص الجزائري على تنويع شركائها الاقتصاديين والتحرر من التبعية الاقتصادية لبعض الشركاء الغربيين، وعلى رأسهم فرنسا، وهذا ما عملت على تنفيذه الجزائر خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ولاسيما بعد تصاعد التوترات الجزائرية الفرنسية، واتجاه الجزائر لتعزيز علاقاتها مع أكثر من شريك دولي وعلى رأسهم روسيا والصين وإيطاليا وتركيا، الأمر الذي يساعد الجزائر على تعظيم استفادتها من هذه الشراكات ولاسيما على المستوى الاقتصادي. 

وفي هذا السياق، يمكن الإِشارة إلى أن الصين قد تربعت على عرش الاستثمارات الأجنبية في الجزائر، خلال الفترة الأخيرة، وقد تم التأكيد خلال زيارة الرئيس تبون إلى بكين، أن الأخيرة ستستثمر نحو 36 مليار دولار في عدّة قطاعات في الجزائر، تشمل الصناعة والتكنولوجيا الحديثة واقتصاد المعرفة والنقل والزراعة. إلى جانب أن تركيا قد تصدرت الدول المستثمرة في الجزائر في أول تسعة أشهر من سنة 2022، وتركزت الاستثمارات التركية أساساً في قطاعات السيارات وقطع الغيار والحديد والصلب والإسمنت.

وفي التقدير، يمكن القول إن الاستثمارات الماليزية المُزمع ضخها في الجزائر، تُشير إلى نجاح الإجراءات المالية والقانونية التي اتخذتها الحكومة الجزائرية لتوفير مناخ جاذب للاستثمارات الأجنبية المباشرة، وفي نفس الوقت تُعد نجاحاً للتحركات الدبلوماسية الجزائرية باتجاه دول الشرق لتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية وتطويرها، والاستفادة من الخبرة الماليزية في جذب الاستثمارات الماليزية، بما يُسهم في تعظيم المكاسب الاقتصادية للجزائر من ناحية، ويحررها من التبعية للدول الغربية.