أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

الأمن المنفلت:

معضلات ضبط "السلاح السائب" في المنطقة العربية

22 يوليو، 2020


تواجه محاولات الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة النظامية ضبط السلاح السائب المنتشر في العديد من الدول العربية تحديات متعددة، والتي تتمثل في الحدود غير المسيطر عليها من قبل دول الجوار الجغرافي، وتنامي قوة الميلشيات المسلحة المتجاوزة لسلطة الدولة، والاقتتال بين الجماعات المسلحة والعناصر الإجرامية على مصالح اقتصادية، وتعقيدات "القضايا العالقة" بين الحكومات والحركات المسلحة وخاصة في المراحل الانتقالية، والاستخدام العشوائي للأسلحة المتفلتة في بيئة مجتمعية حاضنة.

مصدر تهديد:

تعد الأسلحة، سواء الفردية أو الخفيفة أو الثقيلة، التي تخرج عن سيطرة الدولة، أحد أبرز المسببات الرئيسية لعدم الاستقرار في المنطقة العربية، خاصة بعد سقوط بعض النظم السياسية والاستيلاء على مخازن الأسلحة والذخائر أو تهريب الأسلحة من الخارج، بفعل تضخم شبكات الإجرام المنظم. وقد زادت الصراعات الداخلية من امتلاك الأسلحة، وهو ما تشير إليه تفاعلات يوليو الجاري، على النحو التالي:

الحدود الرخوة:

1- حدود غير مسيطر عليها من قبل الجوار الجغرافي: ولعل ذلك ينطبق على عدد من الدول العربية المجاورة للحدود الليبية الهشة مثل الجزائر وتونس، لاسيما في ظل تصاعد منسوب الصراع الليبي، والذي أخذ أبعاداً إقليمية بعد التدخل التركي الداعم لحكومة الوفاق والميلشيات المرتبطة بها فضلاً عن تصدير المرتزقة والإرهابيين من سوريا إلى ليبيا. 

وفي هذا السياق، أكد وزير الدفاع الوطني التونسي، عماد الحزقي، في 17 يوليو الحالي، أن "الوضع الخطير والاستثنائي في ليبيا وتدفق كبير للمرتزقة والسلاح جعل تونس تضاعف من الحذر والحيطة بانتشار الجيش الوطني على طول الحدود".

كما حذر وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم، خلال رده على أسئلة الصحفيين والباحثين، لدى استضافته في 11 يوليو الجاري بمقر إحدى الصحف الحكومية، من سيناريو "صوملة" ليبيا نظراً لـ"تداخل المصالح الأجنبية فيها، والحرب بالوكالة على أرضها". وأضاف: "إن غرضنا الوحيد هو إحلال السلام في هذا البلد الجار، وإن أمن ليبيا جزء من أمن الجزائر، وأي تهديد خارجي ضدها يشكل تهديداً مباشراً لأمن الجزائر". ولعل تصريحات مسئولي الدفاع والخارجية في تونس والجزائر تعكس تخوفات البلدين من انتشار السلاح والقائمين على حمله بما يهدد أمنهما. 

وكذلك الحال بالنسبة لتهريب عصابات الإجرام المنظم للأسلحة إلى ميلشيا المتمردين الحوثيين في اليمن، كالتي ضبطت في الساحل الغربي للبلاد في نهاية يونيو الماضي، مع الأخذ في الاعتبار أن المجتمع اليمني يعرف عنه حرصه الشديد على اقتناء الأسلحة، حيث تتصدر اليمن قائمة الدول العربية وفقاً لمنظمة "مسح الأسلحة الصغيرة" Small Arms Survey  بمعدل 52.8 قطعة لكل 100 شخص، وفقاً لإحصاءات عام 2020، تليها لبنان، وجاءت العراق في المرتبة الثالثة عربياً بمعدل 19,6 سلاح لكل 100 شخص، وحازت الأردن على المرتبة الرابعة عربياً بمعدل 18,7 لكل 100 شخص.

سيطرة الميلشيات:

2- تنامي قوة الميلشيات المسلحة المتجاوزة لسلطة الدولة: وهو ما يبدو جلياً في الحالة العراقية، إذ أن أحد التحديات الجوهرية التي تواجه حكومة مصطفى الكاظمي يتعلق بضبط سلاح الميلشيات المنفلت، حيث صوّت مجلس الوزراء، في 15 يوليو الجاري، على قرار يمنع أي جهة حزبية وعشائرية من حمل السلاح. وقد جاء هذا القرار تنفيذاً لتوجيهات الكاظمي الصادرة منذ عدة أشهر، وخاصة بمناسبة تكليفه بتشكيل الحكومة، في 9 إبريل الماضي، بضرورة "حصر السلاح بيد الدولة". غير أن ذلك يواجه بتحدي سيطرة الميلشيات على الحدود وخاصة مع إيران، فضلاً عن قوة العشائر في مناطق الوسط والجنوب. 

كما أن الحالة السودانية ليست بعيدة عن الحالة العراقية من حيث قوة الميلشيات والحركات المسلحة وانتشار الأسلحة. لذا، قررت لجنة رئاسية عليا في السودان، في 10 مايو الماضي، تشكيل قوات عسكرية خاصة (برئاسة النائب الأول لرئيس المجلس السيادي الفريق أول محمد حمدان حميدتي) تتمركز في كل ولايات البلاد، لتتولى مهمة جمع السلاح الناري من الأهالي وحصره في الأجهزة النظامية. كما تقوم الأجهزة الأمنية بتوفير أجهزة الكشف والكلاب البوليسية للمساعدة في كشف الأسلحة المخبأة. 

فوضى الاقتتال:

3- الاقتتال بين الجماعات المسلحة والعناصر الإجرامية: أدت الفوضى التي تشهدها ليبيا، على مدى العقد الفائت، إلى غلبة النزعة لامتلاك الأسلحة، سواء بشكل فردي أو جماعي. وهنا، تجدر الإشارة إلى الاشتباكات التي جرت بمدينة جنزور بالعاصمة طرابلس، بين كتيبة "فرسان جنزور" ومجموعة مسلحة، للسيطرة على محطة وقود، وخلّفت سبعة قتلى على الأقل وعدداً من الجرحى، على نحو أعاد إلى الأذهان تجديد المطالب بضرورة تفكيك الميلشيات وجمع أسلحتها على الفور، حيث أعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، في 11 يوليو الجاري، عن قلقها العميق بسبب اشتباكات جنزور، التي قالت أنها اندلعت بين عناصر إجرامية وأفراد في جماعات مسلحة.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن النفوذ الميداني الذي تحظى به الميلشيات المسلحة تصاعد في الفترة الأخيرة بسبب امتلاكها للأسلحة، على نحو يجعلها أحد المعوقات الرئيسية للتسوية السياسية ولاستقرار البلاد لأنها تعيش في سياقات الفوضى، وتمثل تهديداً لبناء دولة قوية وموحدة في ليبيا. وقد قالت الأمم المتحدة في تقرير لها، في 20 مايو الماضي، أن "ليبيا تضم أكبر مخزون من الأسلحة غير الخاضعة للرقابة يقدر ما بين 150 و200 ألف طن في جميع أنحاء البلاد"، ما بين خفيفة ومتوسطة وثقيلة، رغم قرار الحظر الدولي لتصدير الأسلحة.

ترتيبات الأمن:

4- تعقيدات القضايا العالقة بين الحكومات والحركات المسلحة: ويظهر ذلك بشكل واضح في المراحل الانتقالية، على نحو ما تشير إليه مفاوضات السلام بين الحكومة السودانية وعدد من الفصائل المسلحة، والتي وقعت في العاصمة الخرطوم، في 14 يوليو الحالي، اتفاقاً بالأحرف الأولى على القضايا المحورية، فيما تبقى على طاولة المفاوضات الترتيبات الأمنية قبل التوقيع على اتفاق السلام النهائي. وتجدر الإشارة إلى أنه من أبرز الفصائل المسلحة الموقعة على الاتفاق "الحركة الشعبية- شمال" وحركة "العدل والمساواة" وحركة "جيش تحرير السودان". 

وعلى الرغم من اتفاق الحكومة السودانية مع الحركات المسلحة على تقاسم السلطة بعد موافقة الطرفين على منح الحركات المسلحة 3 ممثلين في مجلس السيادة الانتقالي، و5 وزراء في الحكومة التنفيذية، و75 مقعداً في المجلس التشريعي الانتقالي، فضلاً عن ذلك تجاوز الطرفين الخلاف حول نسب مشاركة الحركات المسلحة في إقليم دارفور والولايات الأخرى، إلا أنه من المحتمل ظهور خلافات أثناء بحث بند الترتيبات الأمنية لدمج القوات المسلحة وقوات الدعم السريع ومقاتلي الحركات المسلحة في جيش واحد.

السلاح الفردي:

5- الاستخدام العشوائي للأسلحة المتفلتة في بيئة مجتمعية حاضنة: على نحو ما شهدته لبنان، في 10 يوليو الجاري، حينما توفى طفلان نتيجة إصابتهما بطلق ناري عشوائي وقع نتيجة إشكال مسلح نشب بين شابين في طرابلس، وهو ما أدى إلى تصاعد المطالبات من اللبنانيين عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بإيجاد حل سريع للسلاح المتفلت، لاسيما أنها ليست قضية جديدة بل لها أبعاد متشابكة تتعلق بالعادات والتقاليد، حيث لاتزال مناطق لبنانية تربط بين مفهوم "الرجولة" وامتلاك السلاح بل التباهي باستعماله في شتى المناسبات، فضلاً عن عدم استقرار الأوضاع الأمنية، الأمر الذي يدفع المواطن إلى البحث عن وسائل للأمن الذاتي عبر حيازة السلاح.

ووفقاً لمنظمة "مسح الأسلحة الصغيرة" تحتل لبنان المركز الثاني عربياً بعد اليمن في عدد الأسلحة الفردية والبنادق بمختلف أشكالها التي يمتلكها مواطنو الدولة خارج سلطة الدولة، بغض النظر عن هدف حامليها، بمعدل 31,9 بندقية لكل 100 لبناني. يضاف إلى ذلك عامل قانوني يرتبط بقوانين حيازة الأسلحة، فعلى الرغم من إقرار عقوبة بالحبس والغرامة، فيما يخص إطلاق أعيرة نارية في الهواء، إلا أن هذه القوانين تجعل امتلاك السلاح سهلاً لأي شخص، من دون الأخذ بعين الاعتبار الأهلية النفسية أو العقلية له. وعندما يكون السلاح متوافراً يسهل الدافع للجريمة في ظل وجود متغيرات أو بالأحرى ضغوط أخرى.

عسكرة المجتمعات:         

خلاصة القول، إن انتشار السلاح السائب في المنطقة العربية يعبر في أحد أبعاده عن عسكرة المجتمعات في مواجهة رخاوة الدولة الوطنية، على نحو ما عبرت عنه ظواهر سيطرة الميلشيات وتنامي سيطرة الحركات المسلحة واصطدام العشائر ببعضها وحوادث الاغتيال لشخصيات بعينها، وخاصة في ليبيا واليمن والصومال وسوريا والعراق، فضلاً عن الإطلاق العشوائي للأسلحة النارية بعد تقنين امتلاكها على نحو ما هو قائم في لبنان والأردن. 

ويتطلب ذلك من أجهزة الدول التفكير في بلورة خطط وطنية تدفع المواطنين إلى التعاون لتسليم أسلحتهم، والدخول في تفاهمات مع أبناء العشائر في سوريا والعراق ومنحهم الثقة في قدرة الدولة على حمايتهم، وربما التفكير في شراء أجهزة الدول السلاح الثقيل من بعض القوى المجتمعية التقليدية، مع تبني حلول غير تقليدية لسحب السلاح غير المرخص لأنه يتسبب في الكثير من جرائم القتل. غير أن المعضلة الجوهرية تكمن في وصول تلك الأسلحة إلى العصابات الإجرامية والتنظيمات الإرهابية.