أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

"مشاعر التغريدات":

كيف تؤثر سياسة "تويتر" على انتشار رسائل القادة السياسيين؟

13 يونيو، 2022


عرض: هند سمير 

في خضم الثورة الرقمية المستمرة، تعمل منصات التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيس بوك على تغيير طبيعة الخطاب السياسي في أجزاء كثيرة من العالم، وينطبق ذلك بصفة خاصة على الأنظمة الديمقراطية، حيث حرية التعبير مكفولة، وإن كانت بدرجات متفاوتة. ويستخدم القادة السياسيون، في جميع أنحاء العالم، مثلهم مثل الشركات، هذه المنصات بانتظام للوصول إلى أعداد كبيرة من السكان. 

فقد استغل السياسيون في الماضي منصات الإعلام التقليدية مثل، الصحف والإذاعة والتلفزيون لخدمة مصالحهم السياسية، لكن بالمقارنة، تعد وسائل التواصل الاجتماعي فريدة من نوعها بسبب الحجم والسرعة والحد الأدنى من التكلفة التي يتحملها القادة السياسيين للوصول بشكل مباشر إلى الأشخاص لنشر رسالتهم. ويعد "تويتر"، موقع التدوينات الصغيرة هو الفاعل الرئيسي في هذه الظاهرة، حيث إن الغرض المعلن منه هو توفير منصة "سريعة ومجانية وممتعة" للتعبير الآمن والحر. مع ذلك، يعتقد المفكرون السياسيون مثل "رونالد ديبرت" أن منصات التواصل الاجتماعي كتويتر، إذا لم يتم ضبطها، يمكن أن تقود المجتمع في النهاية إلى عصر "عدم الحرية الرقمية". 

حقائق مؤلمة:

يحدد ديبرت ما يسميه "الحقائق الثلاث المؤلمة" المحيطة بكل من السلطة السياسية ووسائل التواصل الاجتماعي، وهي: 

أولاً: منصات وسائل التواصل الاجتماعي هي مؤسسات خاصة هدفها الأساسي هو زيادة نصيب المساهمين وربحيتهم، ومن ثمَّ يتمحور نموذج أعمالهم حول الدفع بالإعلانات أمام الأفراد من خلال المراقبة المستمرة والذكية للبيانات الشخصية.

ثانياً: على الرغم من أن الأفراد قد "وافقوا" على شروط وسائل التواصل، فإن هذه المنصات مصممة على أنها "آلات إدمان" وتميل إلى جذب المستخدمين من خلال التلاعب بالمشاعر على حساب العقل.

ثالثاً: تعتبر الأدوات التي تجذب الانتباه في هذه المنصات هي الأدوات نفسها التي تسهل النزعات الاستبدادية والفوضوية لإغواء الأشخاص العاديين عن طريق زرع بذور "الشك والجهل والتحيز والفوضى" من أجل "التلاعب بالسلطة وتقويضها".

وتؤكد الأبحاث التجريبية الحديثة التي تستخدم البيانات المقدمة من "تويتر" نفسه على صحة بعض هذه المخاوف وتُلقي الضوء على الجانب المظلم للطبيعة البشرية. فقد أظهرت بعض الإحصاءات أن الأخبار الكاذبة، التي عادةً ما تكون أكثر رواجاً من الأخبار الحقيقية، ربما بهدف جذب الانتباه، "تنتشر بشكل أسرع وأبعد وأعمق وأوسع" من الحقيقة في جميع فئات المعلومات. 

وقد كان هذا التأثير أكثر وضوحاً في الأخبار السياسية. على سبيل المثال، تستغرق المعلومات الحقيقية ست مرات أكثر من الأكاذيب لتصل إلى 1500 شخص. ومن المثير للاهتمام أنهم يظهرون أن الأكاذيب كانت تنتشر عن طريق البشر أكثر من الروبوتات.

تحليل المشاعر: 

في ضوء ما سبق، يصبح من الضروري فهم العلاقة بين القادة السياسيين ومنصات التواصل الاجتماعي. وهو ما تتناوله ورقة بحثية بعنوان "وسائل التواصل الاجتماعي والقادة السياسيون: تحليل استكشافي"، للباحثين شاميكا رافي وموديت كابور، والتي تقدم تحليلاً شاملاً ومنهجياً لاستخدام تويتر من قبل اثنين من القادة السياسيين الهنود المعاصرين، وهما: ناريندرا مودي، رئيس وزراء الهند؛ وراهول غاندي، عضو البرلمان والزعيم الفعلي للمؤتمر الوطني الهندي - حزب المعارضة الرئيسي وأقدم حزب سياسي في الهند. ويمتلك ناريندرا مودي أكثر من 75 مليون متابع على تويتر، بينما راهول غاندي، أكثر من 20 مليوناً. 

ولعل أهم ما يميز هذه الورقة أنها تستخدم تقنية تحليل المشاعر لفهم مضمون التغريدات التي نشرها الزعيمان، كما أنها تسعى إلى تحديد ما إذا كانت التغريدات ذات المشاعر المختلفة (إيجابية، سلبية، أو محايدة) يتم تكثيف نشرها (نشرها على مدى واسع) بشكلٍ مختلف من حيث عدد مرات إعادة التغريد والإعجابات. وتسعى الورقة إلى تحقيق ثلاثة أهداف أساسية، وهي:

أولاً، تحديد الاتجاهات الشاملة والمنهجية حول (أ) عدد المرات التي يستخدم فيها الزعيمان السياسيان تويتر للتواصل مع جمهور أكبر، و(ب) عدد إعادة التغريد، والإعجابات، والاقتباسات التي يتم إنشاؤها بواسطة تغريداتهما.

 ثانياً، تقديم تحليل للمشاعر المصاحبة لتغريداتهما، وذلك باستخدام أسلوب VADER (قاموس الوعي المتكافئ للتفكير المنطقي)، وهو نموذج لتحليل المشاعر في نصوص وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتم حساب درجة المشاعر لكل تغريدة لتحديد ما إذا كانت تعكس شعوراً إيجابياً أو سلبياً أو محايداً.

 كما يستخدم المؤلفان بعد ذلك تحليل الانحدار لتحديد العلاقة بين الشعور بالتغريدة ومدى انتشارها، بناءً على عدد مرات إعادة التغريد وإبداء الإعجاب. ويبحث التحليل، بصفة خاصة، فيما إذا كانت التغريدات ذات المشاعر السلبية من المرجح أن يتم تضخيمها أكثر/ أو أقل من التغريدات ذات المشاعر الإيجابية. 

ثالثاً، في سياق الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020، والتي تزامنت مع تغيير تويتر سياسته العالمية بشأن إعادة التغريد وتسجيل الإعجاب لتشجيع المزيد من الدراسة الدقيقة قبل انتشار أي تغريدة على مدى واسع، أضاف "تويتر" بعض الخطوات قبل أن يتمكن الأشخاص من إعادة التغريد، بالإضافة إلى منع توصيات "الإعجاب" و"المتابعة". تدرس هذه الورقة تأثير هذه التغييرات في السياسة على عدد مرات إعادة التغريد وتسجيل الإعجاب للتغريدات المنشورة من قبل ناريندرا مودي وراهول غاندي. علاوة على ذلك، تسعى الورقة إلى استكشاف التأثير المتباين لهذا التغيير في سياسة تويتر على مدى انتشار التغريدات بناءً على المشاعر. 

 ومن الجدير بالذكر أنه يمكن تكرار التحليل المستخدم في هذه الورقة بسهولة على الأحزاب السياسية والمسؤولين الحكوميين الآخرين الذين يستخدمون هذه المنصة للتواصل السياسي والاجتماعي.

البيانات المستخدمة:

تم الحصول على سلاسل بيانات التغريدات الخاصة بالتحليل باستخدام خدمة snscrape. وتحتوي البيانات على تاريخ ووقت إنشاء التغريدة، ونص التغريدة، ولغة التغريدة، وما إذا كانت التغريدة إعادة تغريد أم لا، وعدد مرات إعادة التغريد، والإعجابات، والاقتباسات التي تولدها التغريدة، كما تحتوي على بيانات عن عدد المتابعين. 

وتقتصر هذه الورقة على التغريدات المنشورة بين 1 يناير 2019 و31 ديسمبر 2021. وهي تشمل فقط التغريدات التي ينشرها كلا الزعيمين الهنديين، وتستبعد إعادة التغريد (أو التغريدات التي أنشأها آخرون). وقد شهدت هذه الفترة، نشر 11312 تغريدة من قبل الزعيمين - 1835 تغريدة بواسطة راهول غاندي (بما يمثل 16% من جميع التغريدات التي تم تحليلها)، و9477 (84%) تغريدة بواسطة ناريندرا مودي. وقد ركزت الدراسة على أربع نتائج، هي: (1) إجمالي المشاركات (مجموع إعادة التغريد، والإعجابات، والاقتباسات)؛ (2) عدد مرات إعادة تغريد؛ (3) عدد الإعجابات؛ و(4) عدد الإقتباسات.

دلالات "الكلمات":

ليس هناك شك في أن الكلمات تلعب دوراً مُهماً في السياسة، ويتسم القادة السياسيون الذين لديهم سنوات عديدة من الخبرة بأنهم أكثر مهارة في اختيار كلماتهم بعناية للتعبير عن آرائهم أو اقتراح إصلاحات أو معارضة أقرانهم. وبالتالي، تُمثِّل الكلمات أهمية أكاديمية لعلماء السياسة. 

تتمثل إحدى الطرق الممكنة لتحليل النص السياسي في التركيز على مشاعر الكلمات (الإيجابية أو السلبية) باستخدام معاجم المشاعر، حيث يكون التركيز على التوجه الدلالي للكلمة، بغض النظر عن السياق. كما توجد مناهج معجمية أخرى، تركز على الكلمات وشدة المشاعر المرتبطة بها. 

مع ذلك، فإن هذه الأساليب ليست مناسبة للسياقات التي تشبه المدونات الصغيرة للمشاعر، مثل تلك الموجودة في تويتر، لذلك، تُجري هذه الورقة تحليلاً للمشاعر للتغريدات بناءً على VADER، والذي يأخذ في الاعتبار الاصطلاحات النحوية والمصطلحات التي تُستخدم عادةً للتعبير عن شدة المشاعر، كما يوفر تصنيف لمشاعر التغريدات إلى فئات "إيجابية" و"سلبية" و"محايدة" بدرجة عالية من الدقة. وفي هذه الورقة يقتصر التحليل على التغريدات المنشورة باللغة الإنجليزية والتي بلغت 7778 تغريدة لكلا الزعيمين.

نتائج بارزة:

اعتمد التحليل الإحصائي للمشاركة الكلية، وإعادة التغريد، والاقتباسات، والإعجابات على نموذج الانحدار السلبي الثنائي (negative binomial regression)، ويعكس الجدول التالي ملخصاً لأبرز النتائج التي توصلت إليها الورقة خلال الفترة الزمنية محل الدراسة:

معايير التحليل

ناريندرا مودي

راهول غاندي

إجمالي عدد المتابعين

أكثر من 75 مليوناً

أكثر من 20 مليوناً

إجمالي التغريدات

9477

1835

التغريدات اليومية

المتوسط

8.6

1.7

مدى إنتشار التغريدة (في المتوسط)

إجمالي المشاركات

33801

57618

إعادة التغريد

4544

10034

الإعجابات

28095

43455

الإقتباسات

217

820

مؤشر المشاعر للتغريدات

الوسط الحسابي

0.54

0.09


وكما يتضح من الجدول، فمن حيث المشاركة الإجمالية (مجموع إعادة التغريد، الإعجابات، والاقتباسات)، حققت تغريدة راهول غاندي في المتوسط نحو 57618 تفاعلاً، بينما حققت تغريدة من ناريندرا مودي في المتوسط 33801 تفاعل.

وبالمثل، وبالنظر إلى متوسط عدد مرات إعادة التغريد، وجد المؤلفون أن تغريدة كتبها راهول غاندي حصلت على 10034 إعادة تغريد، بينما بالنسبة إلى ناريندرا مودي، حصلت التغريدة على 4554 إعادة تغريد. وفي الوقت نفسه، من حيث عدد الإعجابات، حققت تغريدة من راهول غاندي في المتوسط 43455 إعجاباً، بينما بالنسبة إلى ناريندرا مودي، كانت 28095 إعجاباً.

ومن حيث المشاعر الخاصة بالتغريدات، وباستخدام أسلوب VADER لإجراء تحليل للمشاعر، نجد أن نتيجة مؤشر المشاعر للتغريدات - والتي تتراوح قيمته ما بين -1 (المشاعر الأكثر سلبية) إلى +1 (المشاعر الأكثر إيجابية)، أظهرت أن متوسط الشعور بالتغريدات التي نشرها ناريندرا مودي كان 0.54، بينما بالنسبة لـراهول غاندي كان 0.09؛ وهو ما يعني أن التغريدات ذات المشاعر السلبية من المرجح أن يتم نشرها على مدى واسع من حيث إعادة التغريد مقارنةً بالتغريدات ذات المشاعر الإيجابية. ومن ثمَّ إذا كان هدف السياسيين هو جذب الانتباه، فإن هذه النتائج تشير إلى أن التغريدات ذات المشاعر السلبية تجذب انتباهاً أكثر من تلك ذات المشاعر الإيجابية. 

النتيجة المهمة الأخرى أيضاً هي أن المنصات مثل "تويتر"، ومن منطلق كونها مؤسسات خاصة، لها الحرية في تغيير سياساتها، وتمارس تأثيراً كبيراً على كيفية نشر الرسائل. على سبيل المثال، كما تم اكتشافه في هذا التحليل، أدى التغيير في سياسة تويتر بإضافة عدد من الخطوات قبل أن يتمكن الأشخاص من إعادة التغريد إلى انخفاض كبير في عدد مرات إعادة التغريد، وهو ما شكَّل أهمية أكبر بالنسبة للتغريدات ذات المشاعر السلبية.

ولعل ذلك يثير سؤالاً مهماً للمجتمعات الحرة، ألا وهو: من الذي يجب أن يتحكم في انتشار التعبيرات السياسية - هل ينبغي تركها لأهواء الشركات الخاصة مع الحد الأدنى من الرقابة العامة، أم ينبغي وضعها في نطاق من التنظيم، بحيث يتم وضع ميثاق سلوك صريح؟ فمع استمرار وسائل التواصل الاجتماعي في لعب دور أكثر أهمية في الحياة العامة والسياسية، ستصبح هذه القضايا مركزية في المناقشات الدائرة حول العلاقة بين هذه المنصات والخطاب السياسي.

المصدر:

Shamika Ravi and Mudit Kapoor, SocialMedia and Political Leaders: An Exploratory Analysis, Observer Research Foundation, ISSUE NO. 350, MARCH 2022