أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

صمود الشبكات:

كيف يتواصل الأوكرانيون عبر الإنترنت في زمن الحرب؟

22 أبريل، 2022


عرض: وفاء الريحاني

تُعد القدرة على الوصول إلى الإنترنت أثناء الحروب من العناصر المؤثرة في المواجهات العسكرية الحديثة، خاصة أنها تجعل المواطنين على اتصال ومعرفة المعلومات بما يجري من عمليات عسكرية في الميدان، ناهيك عن إمكانية تلقيهم المساعدات والإغاثات.

وبرز استخدام الإنترنت في الحرب الروسية – الأوكرانية على نطاق واسع من خلال دور وسائل التواصل الاجتماعي في بث مقاطع الفيديو عن العمليات العسكرية وأوضاع السكان المدنيين، في مسعى للتأثير على الرأي العام العالمي، حتى اعتبرها البعض "أول حرب على التيك توك في العالم". 

لكن السؤال، كيف استطاع الأوكرانيون الاتصال مع بعضهم وكذا حكوماتهم، والعالم في زمن الحرب عبر شبكات الإنترنت، خاصة في ظل الهجمات الروسية على البنى التحتية لشبكات الاتصالات في المدن جراء الحرب؟. 

في هذا الإطار، تناقش المدونة الصوتية التابعة لـ "مجلة الإيكونوميست" في مارس 2022، والتي يُقدمها "ألوك جها" عبر اللقاء مع خبراء متخصصين، التقنيات التي ساعدت الأوكرانيين على الاتصال خلال فترة الحرب.

تكتيك عزل التواصل:

تسعى الأطراف المتحاربة إلى تدمير قدرة العدو في الحرب على التواصل، كأحد تكتيكات العزل والتمهيد للهزيمة أو الاستسلام. وفي حالة أوكرانيا، كانت شبكة الاتصال هدفاً أساسياً للهجمات الروسية التقليدية والسيبرانية منذ بدء التدخل العسكري في فبراير 2022. وقد أعلنت شركات اتصالات كبيرة في أوكرانيا في مارس الماضي أنها تعرضت لهجمات سيبرانية روسية، حدَّت من قدرتها على الوصول إلى الإنترنت.

دفعت تلك الهجمات إلى البحث عن تداعيات تأثر البنية التحتية الاتصالية الأوكرانية. هنا يشير "بنيامين ساذرلاند" – الكاتب في مجال التكنولوجيا وشؤون الدفاع بمجلة الإيكونوميست – إلى أن انقطاع السكان عن الاتصال مع العالم الخارجي قد يؤدي إلى أنهم سيكونون أكثر عرضة للأخبار المزيفة والشائعات، وهو ما تحدث عنه أيضاً وزير الاقتصاد الأوكراني السابق، الذي يعيش في مدينة "لفيف" بغرب أوكرانيا، بأن قطع الفيس بوك هو محاولة للتعتيم على المعلومات.

لذا، بدأ التفكير في كيفية صمود بنية شبكات الإنترنت في أوكرانيا، لكن ذلك يتوقف على طريقة تكوين وهندسة الشبكات ومدى ارتباطها بفكرة لامركزية البنية التحتية الاتصالية. حيث ذهب "ساذرلاند" أنه في نظم الاتصال التي يخضع فيها الإنترنت للرقابة المُحكمة تكون شبكات الإنترنت أكثر مركزية، لكن هناك بعض الاستثناءات، منها روسيا التي تُعد البنية التحتية للإنترنت بها حرة إلى حدٍ ما، لأنها تعتمد على الشركات المختلفة المتنافسة في تقديم الخدمة، وينطبق الأمر ذاته على أوكرانيا، حيث إن البنية التحتية للاتصالات بها لامركزية، وهو ما يُساعد على استمرار التواصل ومواجهة الهجمات السيبرانية.

حلول متعددة:

بدت هنالك عوامل مختلفة وراء صمود بنية الإنترنت الأوكرانية برغم وطأة الحرب مع روسيا، منها أن مزودي خدمات الإنترنت إلى جانب المتطوعين في مجال تكنولوجيا المعلومات يعملون على مدار الساعة وفي ظروف الحرب عالية الخطورة، من أجل إصلاح أي أعطال أو هجمات على شبكات الاتصال، كما زودت الحكومة الأوكرانية مؤقتاً مقدمي خدمات الاتصالات بطيف من الخدمات غير المتاحة لهم في السابق حتى يتمكنوا من تقليل الاختراقات.

أيضاً، برزت حلول إبداعية لمواجهة المشاكل المتعلقة بسلامة الاتصالات كانقطاع الكهرباء، ومن تلك الحلول، بحسب "ساذرلاند"، استخدام الأوكرانيين بطاريات السيارات لإنتاج الكهرباء وتوصيلها للمنازل، وهو أمر تم تعلمه من خلال مشاهدة الفيديوهات المنتشرة عبر "فيس بوك"، كما أن هناك متطوعين يقومون بجمع تلك البطاريات وتوصيلها إلى القوات الوطنية؛ حيث يحتاجون إلى مزيد من إمدادات الطاقة الإضافية.

الأهم من ذلك هو الاستعانة بخدمات الإنترنت الفضائي "ستارلينك" من شركة "سبيس إكس"، إذ طلب نائب رئيس الوزراء الأوكراني، "ميخايلو فيدوروف"، من "إيلون ماسك"، الرئيس التنفيذي لشركة "تسلا" لصناعة السيارات الكهربائية، المساعدة من أجل منع حدوث أي تدهور لشبكة الإنترنت في البلاد، وإمدادهم بالخدمة عبر الأقمار الصناعية.

بالفعل، استجاب "ماسك" وأرسل شاحنة مليئة بأطباق "ستارلينك""، وهو نظام لتوصيل خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية خاصة في المناطق النائية أو التي لا تتوفر فيها بنية تحتية للاتصالات؛ حيث يقوم الطبق بتوصيل نفسه تلقائياً بأقرب قمر صناعي "ستارلينك" في السماء، والذي يوجد منه أكثر من 2000 قمر.

وبرغم من أن خدمة "ستارلينك" ليست متاحة للاستخدام من قِبَل الملايين من الأوكرانيين في المديين القصير والمتوسط، لكنها تعمل بالأساس في المؤسسات الحيوية الأوكرانية كالمستشفيات والمقرات الحكومية والخدمات الأمنية، مع الوضع في الاعتبار إمكانية أن تقع تلك التقنيات في يد القوات الروسية، وهو ما حذرت منه شركة "سبيس إكس" نفسها.

خدمات الهواة:

لم يتوقف الأمر عند حلول لإبقاء الإنترنت كوسيلة للاتصال لدى الأوكرانيين ومؤسسات الحكومة، وإنما برزت أيضا خدمات الراديو، لاسيما في ظل وجود 15 ألف مشغل لراديو الهواة في أوكرانيا، والذي يُعرف بأنه ممارسة هواية التخاطب بين الهواة باستخدام أجهزة الراديو اللاسلكية. وكانت الحكومة الأوكرانية قد منعت في السباق هذه الأجهزة كي لا يتم توظيفها في الأغراض الاستخباراتية والعسكرية. إذ يمكن استخدام تكنولوجيا معينة يتم تكييف موجات الراديو لتحمل إشارات الإنترنت، كما يوجد أيضاً نظام بث الطوارئ، الذي يُعد واحداً من المهام التقليدية للراديو، حيث تنتشر الموجات عبر مسافات طويلة، وفي مسارات صعبة.

في هذا الإطار، يشير مُقدم مدونة الإيكونوميست "ألوك" إلى أن هناك العديد من المحطات الإذاعية في أوروبا التي تنشر الأخبار ومواد الترفيه، منها الـ "بي بي سي" و"إذاعة أمريكا الحرة"، كما أن هناك "إذاعة أوروبا الحرة" التي تعمل في دول الاتحاد السوفييتي السابق، والتي نشأت في فترة الحرب العالمية الثانية لمواجهة الدعاية السوفييتية المناهضة للمعسكر الغربي قبل وأثناء الحرب الباردة.

هنا، يشير "جيمي فلاي" – الرئيس والمدير العام التنفيذي لإذاعة أوروبا الحرة إلى دورها في تغطية الحرب الروسية - الأوكرانية، حيث ذهب إلى أن هناك تطوراً كبيراً في طبيعة المحتوى الذي تقدمه تلك الإذاعة، حيث تم الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة للوصول إلى عدد أكبر من الدول الأوروبية، وذلك بعد أن كانت الإذاعة منذ تأسيسها تعمل في مناطق محددة مثل أوروبا الشرقية ومنطقة البلقان. 

وضرب فلاي مثلاً عن مدى حيادية الإذاعة مشيراً إلى أنه منذ عام 1968، عندما غزا الاتحاد السوفييتي تشيكوسلوفاكيا، فيما عُرف وقتها بـ "ربيع براغ"، كانت تحاول اتباع أقصى درجات الحيادية نظراً لارتباك المعلومات في هذا الوقت، التي كانت تأتي من مصادر مختلفة على الأرض وتعكس التوجهات المختلفة.

وقال أيضاً إن الحرب الروسية - الأوكرانية الحالية كانت بمثابة دليل آخر على أهمية الدور الذي تلعبه إذاعة أوروبا الحرة، التي تُساعد المواطنين في الحصول على المعلومات الحقيقية التي تمكنهم من صنع القرار فيما يتعلق بتأثيرات الحرب عليهم.

وبرغم التطورات الهائلة في مجالات الإعلام والاتصال، التي جعلت الأفراد يحصلون على المعلومات من مصادر متعددة بعيداً عن الراديو، يقول "فلاي" إنه لا يزال الراديو من الطرق الرئيسية التي يحصل الناس من خلالها على الأخبار. وربما لحقت به مجموعة من التطورات لمواكبة طبيعة العصر الحالي، منها أنه تم التركيز بشكلٍ أكبر على البث من خلال الموجات القصيرة لأن الاختيارات الأخرى للبث عبر الراديو من خلال الموجات متوسطة المدى - على سبيل المثال - ليست إشارتها بالقوة والوضوح الكافي.

على جانب آخر، فإن هيئات إذاعية مثل الـ "بي بي سي" أعلنت تعليق عمل صحافييها في روسيا "حفاظًا على سلامتهم"، أما إذاعة أوروبا الحرة أعلنت، كما ذهب "فلاي"، أن المواطنين داخل روسيا يستطيعون الوصول إلى الراديو من خلال خدمات الموجات القصيرة للإذاعة، والتي استطاعت في السنوات الأخيرة الوصول إلى مناطق أكثر في أوروبا.

دور "السوشيال ميديا":

كانت وسائل الإعلام التقليدية في الماضي المصدر الأكثر وثوقاً في الوصول إلى المعلومات، أما الآن فقد باتت وسائل التواصل الاجتماعي تُزاحمها في مجال تقديم المحتوى. في الحرب الروسية – الأوكرانية، ظهر جليا تأثير "السوشيال ميديا" حيث يستخدمها الأوكرانيون في مشاركة المعلومات وإرسال واستقبال الرسائل عما يحدث في البلاد، كما تُستخدم للتنسيق بين طلبات المساعدة والاستغاثة والتحذيرات.

لكن "تانيا لوكوت" – أستاذ الإعلام الرقمي في جامعة مدينة دبلن الإيرلندية- ترى أدواراً إضافية لوسائل التواصل الاجتماعي حيث إن الصور والفيديوهات والمواقع التي يُشاركها الأفراد تُساعد الوكالات الاستخباراتية، سواء الروسية أو الأوكرانية، في إمدادهما بالمعلومات، رغم تأكيدها على خطورة وجود معلومات مُضللة أو غياب الحرص لدى بعض الأفراد في نشر بعض المعلومات مما يؤثر بالسلب عليهم.

مع ذلك، تشير لوكوت إلى أن المعلومات المُضللة لا يمكن التحقق منها بسبب البعد الجغرافي أو حاجز اللغة، لكن في حالة أوكرانيا فهي جزء من أوروبا وما يحدث بها تنعكس تداعياته على القارة بأكملها، بالتالي يقل تأثير عدم التيقن بسبب انعدام توافر شرطي البعد الجغرافي واختلاف اللغة، كما اعتبرت أن الأوكرانيين من الشعوب الواعية، التي لديها القدرة على جمع وتقديم المعلومات بشكل جيد.

على جانب آخر، فإن روسيا قد حجبت بعض مواقع التواصل الاجتماعي داخلها مثل "فيس بوك" و"تويتر"، لكن لا يزال تطبيق مثل "تليجرام" متاحا استخدامه من جانب الروسيين، لأنه – وفقاً للوكوت - على عكس منصات التواصل الاجتماعي الأخرى يتبع سياسات معتدلة ولا يحجب أي قنوات روسية أو أوكرانية، وبالتالي تستطيع الدولة الروسية من خلاله الحصول على وبث المعلومات التي تريدها فضلاً عن استخدامه في الدعاية لها.

مصدر البودكاست:

How to communicate in a war zone, The Science and Technology Podcast, The Economist, Mar 29th 2022, on the link: 

https://www.economist.com/podcasts/2022/03/29/how-to-communicate-in-a-war-zone