أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

ردع الخصوم:

لماذا تستعرض الصين تطور قدراتها العسكرية؟

03 نوفمبر، 2019


عند ساحة "السلام الأبدي" في العاصمة بكين، حيث أعلن "ماوتسي تونج" تأسيس جمهورية الصين الشعبية في الأول من أكتوبر عام 1949، أعلن الرئيس الصيني "شي جين بينج" في كلمته التي ألقاها في الذكرى الـ70 لتأسيس الحكم الشيوعي، وبعد العرض العسكري الأضخم في تاريخ الصين، أنه: "ما من قوة يمكنها أن تزعزع أسس أمتنا العظيمة، لا شيء يمكن أن يمنع الأمة والشعب الصينيين من المضيّ قدمًا".

كان العرض العسكري الصيني مهيبًا وضخمًا، إذ شارك فيه حوالي 15 ألف جندي، و70 تشكيلًا عسكريًّا، مع عرض حوالي 40% من الأسلحة الصينية الجديدة. ولم تكن أهمية هذا العرض مقصورة على ضخامته، وإنما ما أظهره من قدرات تسليحية متقدمة للصين في ظل الظروف التي تمر بها الصين في الوقت الراهن، وهو ما له عدة دلالات يجدر بالمهتمين الالتفات إليها.

دلالات التوقيت:

تنظم الصين تقليديًّا عرضًا عسكريًّا كل عشر سنوات في ذكرى تأسيسها في الأول من أكتوبر منذ عام 1949، لكن هذا العام هناك تحديات أمنية تواجه الصين تزامنت مع توقيت هذا العرض، وهذا ما جعل هذا الاحتفال العسكري مليئًا بالرسائل، وفي واقع الأمر فإن هذه التحديات تتمثل بشكل أساسي في:

1- الصراعات الدولية والإقليمية: هناك توتر شديد على عدة جبهات مع الولايات المتحدة، فهناك حرب تجارية بينهما تدفع الصين إلى مضاعفة جهودها لتطوير ابتكاراتها التكنولوجية الخاصة. وعلى المستوى الأمني فإن هناك تنافسًا على النفوذ في منطقة بحر الصين الجنوبي؛ إذ تسعى الصين للهيمنة الإقليمية عليها، وهذا لا يلائم أغلب الدول المتشاطئة هناك، والولايات المتحدة تدعم حلفاءها ومنهم، مثل: الفلبين، واليابان، وفيتنام. وقد نددت الحكومة الصينية بوجود سفن حربية أمريكية قبالة جزر تطالب بها بكين في بحر الصين الجنوبي حيث تُجري البحرية الأمريكية بشكل منتظم عمليات "حرية الملاحة" الدفاعية. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية "غينغ شوانغ" أمام الصحافة، إن "الصين تعبّر عن استيائها العميق ومعارضتها الشديدة" لهذه العملية البحرية الأمريكية. وقال "كلاي دوس" المتحدث باسم الأسطول السابع الأمريكي، إن هذا "المرور البريء" استهدف "تحدي المطالب البحرية المفرطة والحفاظ على إمكانية الوصول إلى الممرات المائية التي يحكمها القانون الدولي". فالولايات المتحدة تعتبر أن الصين تعمل على الحد من حرية الملاحة في المياه الاستراتيجية، والصين تعتبر تلك العمليات الأمريكية استفزازية. 

2- احتجاجات هونج كونج: استمرار حركة الاحتجاج الشعبي والتظاهرات في هونج كونج ضد السلطة الموالية لبكين، وبدأت المظاهرات منذ شهر يونيو، احتجاجًا على مشروع قانون يسمح بتسليم مطلوبين للسلطات المركزية في بكين، ورغم استبعاد هذا المشروع في شهر سبتمبر، لكنّ التظاهرات استمرت، ورفع المحتجون سقف مطالبهم، لأنهم يعتبرون أن ما تتمتع به المدينة من حقوق خاصة بموجب اتفاق تسليم بريطانيا لها إلى الصين في عام 1997 (ومن بينها حق التعبير، والقضاء المستقل) أصبح مهددًا بضغط من بكين. وقد أكدت الحكومة المركزية في الصين عدة مرات أن دستور المدينة التي تتمتع بالحكم الذاتي يعطيها الحق في التدخل في حال طلبت السلطات المحلية ذلك لإعادة فرض الأمن. وهنا قد يتساءل البعض: هل تدفع مشكلةٌ داخلية الصينَ لاستعراض هذه القوة العسكرية الضخمة؟

واقع الأمر أن هذه المشكلة تؤرق الصين بشدة، خاصة وأن الولايات المتحدة تستثمر هذه الأزمة سياسيًّا في علاقتها التنافسية مع الصين، فقد أقر مجلس النواب الأمريكي مشروع قانون بخصوص هونج كونج، ينصّ على جعل الوضع الاقتصادي المميّز لهونج كونج رهن تقييم إيجابي سنوي تضعه وزارة الخارجية الأمريكية لمدى احترام الحقوق المدنية من جانب سلطات هونج كونج، كما ينصّ على فرض عقوبات على أي مسئول يقوّض "حريات أساسية" في هذه المنطقة التي تتمتّع بحكم شبه ذاتي. ولذلك كان التحذير واضحًا للولايات المتحدة تحديدًا، ففي يوم 16 أكتوبر الجاري، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية "غينغ شوانغ" في بيان، إن "علاقات الصين مع الولايات المتحدة ستتضرر إذا صار التشريع قانونًا. ندعو الولايات المتّحدة إلى الكفّ فورًا عن التدخّل في شئون هونغ كونغ والشئون الداخلية للصين".

3- الأوضاع في تايوان: تواجه الصين تحديًا آخر هو "تايوان" التي ستشهد انتخابات رئاسية في يناير المقبل، وتندد حكومة تايوان «بديكتاتورية» الصين، وتعتبر أن بكين تُهدد السلم، وتحاول خلق ذريعة لتوسعها العسكري. بينما ترى الصين أن تايوان جزء لا يتجزأ من أراضيها، ولا تستبعد اللجوء للقوة لفرض سيطرتها عليها. بينما تؤكد حكومة تايوان أنها لن تقبل أبدًا صيغة «بلد واحد ونظامان»، وهو النموذج الذي يُفترض أنه يمنح هونغ كونغ ومكاو درجة عالية من الحكم الذاتي، وتعتبره الصين أفضل طريقة في التعامل مع تايوان. ويزيد من حساسية الوضع بالنسبة للصين التواجد الأمريكي من خلال إبحار سفن حربية أمريكية بانتظام في منطقة مضيق تايوان الحساسة جدًّا أيضًا، وهذا ما يزيد التوتر الأمني في منطقة جنوب وجنوب شرق آسيا بالنسبة للصين.

4- التهديدات الانفصالية: كما تُواجه الصين موقفًا انفصاليًّا آخر، فهناك أقليات في التبت ومنطقة شينغيانغ التي تسكنها أغلبية مسلمة، حيث واجهت الصين إدانة دولية بسبب احتجازها ما يصل إلى مليون من قومية الإيغور العرقية، فيما تصفه الصين ببرنامج لمكافحة التشدد. ومن بينهم ينشط نحو 20 ألف منفي من التبت يقيمون على أراضي نيبال، مما دفع الصين للضغط على الحكومة الشيوعية في نيبال لتتخذ موقفًا متشددًا تجاه أنشطتهم. فقد حذّر الرئيس الصيني "شي جينبينغ" أثناء زيارته لنيبال خلال أكتوبر الجاري، من أن أي محاولة لتقسيم الصين قد ينتج عنها «تحطيم أجساد وسحق عظام»، وأضاف أن "أي قوى خارجية تدعم تقسيم الصين لا يمكن للشعب الصيني إلا أن يراها واهمة"، الأمر الذي دفع رئيس الوزراء النيبالي "خادجا براساد شارما أولي"، للقول: "إن بلاده التي تتشارك الحدود مع التبت، لن تسمح أبدًا لأي قوى باستخدام الأراضي النيبالية في أنشطة انفصالية معادية للصين".

القدرات الاستراتيجية الصينية:

إن ما تواجهه الصين من تحديات أمنية كان دافعًا لاستعراض قوتها العسكرية في العرض العسكري الأخير، حيث يقول "هنري بويد"، المحلل العسكري في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: "إن عرض الأسلحة عالية الجودة يهدف إلى إظهار أن بكين تجدد شبابها على الساحة العالمية". وفي هذا الجزء لن يتم استعراض القدرات العسكرية الصينية بحد ذاتها، وإنما يتم توضيح القدرات العسكرية التي أرادت الصين إبراز قدراتها الاستراتيجية المتقدمة من خلالها أثناء العرض العسكري، ومن أهمها:

1- القوة البشرية: فالصين التي تتجاوز قوتها العاملة 2 مليون جندي، قد وظفت 59 تشكيلًا عسكريًّا مكونًا من 15 ألف جندي فقط، تسير في أشكال مربعة منتظمة تمثل مختلف فروع الجيش جنبًا إلى جنب مع الجنود الإناث وجنود الاحتياط وجنود القوات الخاصة وقوات حفظ السلام التي تشارك بها الصين خارج الحدود تحت إشراف الأمم المتحدة. واستعرضت من خلال هذه التشكيلات الكثافة العددية والانضباط العسكري الشديد والجاهزية والتنوع الشديد في هذه القوات.

2- التنوع في التسليح: فقد تم استعراض مجموعة متنوعة من الأجهزة للأسلحة القتالية البرية والبحرية والدفاع الجوي، والمنصات المضادة للصواريخ وسلاح المعلومات والحرب التكنولجية، فضلًا عن الخدمات اللوجستية والقوات القتالية الاستراتيجية كما سيلي، لكن ما ميز هذه الأسلحة بالأساس أنها مصنوعة محليًّا، فقد أكد الجنرال "تان مين" نائب رئيس أركان جيش التحرير الشعبي الصيني، أن الأسلحة التي يشهدها العرض مصنوعة محليًّا كلها، ويتم استخدامها في التدريبات العسكرية والمناورات المشتركة مع الدول الأخرى، مضيفًا أنها تمثل القدرة الابتكارية للبحوث الدفاعية الصينية، وأنها أسلحة حديثة للغاية، وعلى قدر كبير من الدقة في تحديد الهدف، والقدرة على التكيف والفعالية القتالية الشاملة.

3- أسلحة إٍستراتيجية: اهتم العرض بإبراز الأسلحة القادرة على توجيه ضربات استراتيجية وأهمها: صواريخ DF-17 وDF-100 وDF-26 وDF-31 وDF -41، وجميعها قادر على حمل رؤوس نووية، لكن DF-41 الذي توجت به الصين عرضها العسكري يمكن التوقف عنده قليلًا لتوضيح آثاره الاستراتيجية، فهو يطرح العديد من التحديات الأمنية للولايات المتحدة نظرًا لمداه الذي يتراوح بين 12 - 15 ألف كم، وهذا يجعله قادرًا على استهداف جزء كبير من الولايات المتحدة القارية، ويمكنه حمل ما يصل إلى 10 وحدات MIRV برؤوس حربية نووية بحمولة 2500 كجم، وطريقة إطلاقه من منصات متحركة بنظام متنقل للسكك الحديدية، يجعل من الصعب على وكالات الاستخبارات تتبع تحركات الصواريخ، حيث يمكن إخفاء القطارات كقطارات للركاب، ويمكنها السفر بسرعات عالية، كما يمكن أيضًا لمنصات السكك الحديدية المتحركة استخدام الأنفاق للحماية من الأقمار الصناعية وكمرافق تخزين وتحميل آمنة للصواريخ، مما يجعل من الصعب التحقق من عدد أنظمة السكك الحديدية المتنقلة وعدد الصواريخ. الإصدارات المحمولة على الطرق قابلة للبقاء على قيد الحياة نظرًا لقدرتها على البقاء محمية داخل منشآت الأنفاق ونقلها إلى مواقع الإطلاق القريبة في حالات المواجهة. وخصوصية هذه الصواريخ لا تكمن فقط في أنها تطير إلى مدى معين، وإنما في أن الرؤوس الحربية المثبتة عليها مصنوعة مع أحدث التقنيات فرط صوتية"، وهذا يُمكّنها من التغلب بسهولة على الدفاع الصاروخي الحالي عند الولايات المتحدة.

وكذلك JL-2 وهي صواريخ باليستية تطلق من الغواصات، CSS-NX-14 يصل مداها 8000-9000 كم، ويمكنها حمل (3-8 رؤوس حربية) تقليدية أو نووية بحمولة 2800 كجم، وهذا يعني أن من الممكن إطلاقها من المياه الدولية في أي منطقة، ووصولها للأساطيل الأمريكية أو حاملات الطائرات الأمريكية المختلفة.

الطائرات بدون طيار شهدت تقدمًا تكنولوجيًّا في العرض العسكري الصيني "السيف القاطع Sharp Sword"، وقال محللون عسكريون إن الطائرة بدون طيار تتمتع بقدرة قوية على التسلل، وتمكنها من التسلل إلى عمق أراضي العدو وشن ضربات بأسلحة مخبأة في حاوية الأسلحة على أهداف معادية رئيسية، وتهدف أساسًا لدعم العمليات البحرية. وكذلك WZ-8 وهو جهاز استطلاعي فائق السرعة يمكن استخدامه لتحديد أهداف قبل توجيه ضربة.

كما ظهر في العرض قاذفة القنابل الاستراتيجية H-6N الصينية بقدرات التزود بالوقود الجوي، التي تعد تطورًا للقاذفة Tupolev Tu-16، وهي قاذفة بعيدة المدى يمكن أن تستخدم ضد القوات الأمريكية الموجودة في منطقة المحيط الهادئ، ويمكنها إطلاق صواريخ كروز مضادة للسفن وللقوات البرية أيضًا. 

إن ما سبق ذكره من نظم تسليحية متطورة يمثل نماذج محدودة مما أظهره العرض العسكري الصيني، وقد أعطى صورة عما بلغته الصين في عملية تحديث الجيش الصيني التي أطلقها الرئيس "شي جينبينغ" بهدف تطويره لبلوغ "المستوى العالمي" بحلول 2049، في مئوية قيام جمهورية الصين الشعبية.

رسائل متعددة:

أرسلت الصين رسائل متعددة من خلال هذا العرض العسكري الضخم، رسائل معلنة وأخرى ضمنية وهي الأكثر أهمية. وهناك أكثر من رسالة معلنة، أهمها: تحريك المشاعر الوطنية عبر الاحتفاء بصعود قوة الصين الشعبية في السنوات الماضية، وتحولها إلى ثاني قوة اقتصادية في العالم، وقوة صاعدة تنافس على قمة النظام العالمي. بالإضافة إلى ما تريد إعلانه عن كون القوة الصينية الضخمة سلمية، فالصين لديها ثاني أعلى ميزانية عسكرية في العالم بعد الولايات المتحدة، وتلك الميزانية شهدت زيادة بنسبة 7.5% عام 2019، لتصل إلى 169 مليار دولار، وتمثل وحدها 40.9% من إجمالي الإنفاق العسكري لقارة آسيا، لكنها تشدد دائمًا على الطابع السلمي لجيشها، قائلة إنه "قوة من أجل السلام في العالم". وقد تم تكرار نفس المعنى فيما قاله الجنرال "تساي تشيجون" نائب مدير مكتب العروض العسكرية بجيش التحرير الشعبي الصيني: "إن العرض سوف يوضح تصميم الجيش على حماية السيادة الوطنية والأمن ومصالح التنمية، وكذلك الحفاظ على السلام العالمي والاستقرار الإقليمي". 

كما تريد الصين الحفاظ على وحدة أراضيها من خلال مبدأ "شعب واحد ونظامان" مع كل من هونج كونج وتايوان (التحديات الأمنية الواضحة لها)، ولهذا قال الرئيس الصيني "شي": "إن الصين يجب أن تحافظ على الرخاء والاستقرار في هونغ كونغ ومكاو، وتعزيز التطور السلمي للعلاقات مع تايوان، ومواصلة الكفاح في سبيل إعادة توحيد الوطن الأم توحيدًا تامًّا". وأضاف: "إن الصين ستعزز التنمية السلمية للعلاقات مع تايوان، وستواصل الدفاع عن إعادة توحيد البر الرئيسي بالكامل".

أما الرسائل الضمنية فهي ما بين السطور في خطاب الرئيس "شي جين بينج": "إن الجيش يجب أن يحمي سيادة الصين وأمنها ومصالحها التنموية بحزم، ويحافظ بقوة على السلام العالمي". فالصين تمارس الردع في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، فهي لن تسمح لتلك الأخيرة بالانفراد بالهيمنة في منطقة المحيط الهادئ، التي تمثل المسرح الأول والأساسي للتنافس فيما بينهما. فمنذ أن أعلنت الولايات المتحدة في عام 2011 إعادة ترتيب أولوياتها الأمنية والتوجه شرقًا، وهي تعمل على تحجيم النفوذ الصيني المتنامي في جنوب وجنوب شرق آسيا. وفي استراتيجية الأمن القومي الأمريكي عام 2017 أعلنت الولايات المتحدة أنها تهدف لتحقيق الردع الشامل مع كل من روسيا والصين، التي أعلنت هي أيضًا استراتيجية الردع الاستراتيجي المتكامل عام 2016. ومن خلال هذه الاستراتيجية الصينية أطلقت ما يُعرف بـ"برنامج الأمن" لنشر مجموعة من الصواريخ الباليستية متوسطة المدى، وتؤكد الولايات المتحدة أن 95% من ترسانة الصين تخالف معاهدة حظر الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى INF التي كانت بينها وبين الاتحاد السوفيتي السابق ثم روسيا، والتي انتهى العمل بها نهائيًّا في الثاني من أغسطس 2019. وحسب الولايات المتحدة فقد كانت هذه الاتفاقية قيدًا عليها مقابل الصين التي استفادت طوال فترة تفعيل الاتفاقية وأسست ترسانة صاروخية متوسطة المدى تسمح لها بسرعة استخدام القوة لتحقيق نصر سريع في حالة المواجهة، فمن خلال هذه الصواريخ تهدف الصين لرفع تكلفة ومخاطرة أي عملية عسكرية في آسيا، والشكل التالي يوضح انتشار منصات الصواريخ الصينية بما يصل لحلفاء الولايات المتحدة في آسيا:




وإذا كان هدف بكين الاستراتيجي هو ردع الولايات المتحدة فإنها كذلك تريد ردع أي بلد آخر عن الدخول في حرب مع الصين، خاصة في حالة الدفاع عن دولة تراها الصين أنها تقع داخل مجال نفوذها. ومن ثم، فإن نجاح الصين في تحقيق عامل ردع للولايات المتحدة سيُمكّنها من إضعاف فاعلية الضمانات الأمريكية الأمنية الموسعة للدول الآسيوية، كما قد يُجبر هذه الدول على أن تجعل سياساتها أكثر تفاهمًا مع الصين. وإدراك هذه الدول لفارق القوة بينها وبين الصين يزيد من مصداقية الردع الصيني، وسيؤدي إلى منع دول -مثل كوريا الجنوبية- عن استضافة أنظمة دفاع صاروخي أمريكية متطورة، تحسبًا لقيام الصين بتدمير هذه الأنظمة استباقيًّا.

كما ترسل الصين رسالة واضحة إلى هونج كونج بأن الصين قادرة على التدخل بشكل حاسم وسريع للسيطرة عليها إذا أرادت، وأن ما يمنعها هو حرصها على حسن العلاقات وسلميتها، لكن دون تهاون في الأمن الصيني أو وحدة الأراضي الصينية. وأخيرًا، تريد الصين تأكيد أنها عازمة على المضيّ قدمًا في استراتيجيتها للتقدم وللوصول إلى قمة النظام العالمي، وأنها ليست قوة اقتصادية فحسب؛ بل قوة عسكرية لا يُستهان بها يمكنها أن تحمي مصالحها وأن تردع خصومها.