أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

ارتدادات إقليمية:

انعكاسات صعود حركة "طالبان" على الشرق الأوسط

22 أغسطس، 2021

ارتدادات إقليمية:

استضاف مركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة"، المفكر السياسي الدكتور عبدالمنعم سعيد، في حلقة نقاشية، بحضور خبراء وباحثي المركز، للحديث عن تطورات الأوضاع في أفغانستان وتداعياتها على منطقة الشرق الأوسط. وتم خلالها التحذير من احتمالية تأثير صعود حركة طالبان على مناطق الصراعات بالإقليم، في ظل الدفعة المعنوية التي قد تحصل عليها التنظيمات المسلحة في هذه البؤر الصراعية.

صدمة كابول:

أشار الدكتور عبدالمنعم سعيد في بداية حديثه إلى حالة "الصدمة" التي سادت في العالم بشأن ما حدث في أفغانستان، على الرغم من المعرفة المسبقة بانسحاب القوات الأمريكية من هذا البلد، والإعلان عن ذلك في عهد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، ولكن التصور الذي كان سائداً هو جلوس حركة طالبان مع الحكومة الأفغانية على طاولة المفاوضات والوصول إلى تسوية ما، بيد أن الكيفية والسرعة التي سيطرت بهما طالبان على العاصمة كابول وأفغانستان بشكل عام، لم تكن متوقعة وأثارت جدلاً كبيراً.

حسابات الجوار الأفغاني:

أوضح سعيد أنه حتى يمكن فهم أهمية التطورات الجارية في أفغانستان، يتعين النظر إلى "الخريطة" أولاً لتحديد سمات الدولة الأفغانية وأهميتها الجيوسياسية. وفي الواقع كما يتضح من الخريطة للوهلة الأولى، فإن أفغانستان دولة حبيسة في آسيا الوسطى، وقد تبدو غير مهمة، لا يعرف لها محاصيل ذات قيمة، وهي دولة ما زالت تحكمها الأُطر العرفية التقليدية والقاسية والتي تجعلها وكأنها تعيش في العصور الوسطى، وقائمة على التقسيم القبلي بصورة أساسية. 

في المقابل، تقع أفغانستان وسط عمالقة، حيث يوجد على شمالها دول الاتحاد السوفييتي السابق، تركمانستان وطاجيكستان وأوزبكستان، وتحدها الصين من الشرق، وإيران من الغرب، وفي جنوبها توجد باكستان، فضلاً عن اقترابها من الهند. وهذه التوليفة المحيطة بأفغانستان تنطوي على عدد من التناقضات التي تجعل هذا البلد يحظى بأهمية جيواستراتيجية لدول الجوار، كالتالي:

1- الصين: لا تريد أن ينفذ إليها تأثير التيار الإسلامي السُني، خاصة لأقلية الإيجور التي حاولت بكين إدارة ملفها بطريقتها الخاصة من خلال عمل ما يُشبه "غسيل مخ" لهذه الأقلية، لنزع الاتجاهات أو السمات الإسلامية عنها، وإعادتها للنموذج الصيني التقليدي. وفي بداية الدخول الأمريكي إلى أفغانستان، كانت الصين مرحبة بذلك على اعتبار أن واشنطن تقوم بدور في درء الإرهاب والتطرف المحتمل أن يهدد الصين من الحدود الأفغانية. وبالتأكيد فإن الصين ستكون صارمة إلى أبعد حد في التعامل مع أي تهديدات مستقبلية لها من جانب أفغانستان.

2- روسيا: مازال لديها إرث أو عُقدة الهزيمة السابقة في أفغانستان، وكذلك عُقدة الجوار الذي يتم فيه عمليات التجنيد والتطرف. وعلى الرغم من اختلاف الوضع الحالي عن الوقت الذي ذهبت فيه موسكو إلى أفغانستان في السبعينيات، فإن ثمة قلقاً روسياً من الوضع الحالي بطبيعة الأمر.

3- إيران: تأتي بحساباتها المختلفة، فعلى الرغم من تركيبتها الشيعية المختلفة، فإن طهران تنتفع من الأهداف المشتركة مع حركة طالبان المتمثلة في مقاومة "العدو الأمريكي". ولكن إيران تعي جيداً الأيدولوجيا السُنية المتطرفة لطالبان والتي تتضمن في بعض تطبيقاتها العداء للشيعة. وعلى الجانب الآخر، لا تخلو أفغانستان من الأقلية الشيعية، والتي قد يكون لها وزن وسط التيار السُني الغالب، وهو ما ستحاول إيران توظيفه وتحويله لقاعدة استراتيجية لها.  

4- الهند: ربما تكون أكثر الخاسرين من التطورات الأخيرة في أفغانستان وصعود حركة طالبان. فمن منظور نيودلهي، ما حدث يعتبر انتصاراً للتطرف الراديكالي الذي لديه مشاكل تصل إلى حد العداء مع الهند، والذي لن يتوانى عن تنفيذ عمليات إرهابية داخل الهند، وفقاً لحساباتها، وذلك في الوقت الذي تبني فيه الدولة الهندية نفسها من الداخل، وتؤسس ضمن قوى أخرى التكتل العسكري "كواد" (هو تحالف رباعي يضم إلى جانب الهند كلاً من الولايات المتحدة واليابان وأستراليا) والذي سيكون لها تأثير واضح في المستقبل المنظور.  

اتجاهان أمريكيان:

أكد سعيد أن ما يحدث في أفغانستان محل اهتمام شديد داخل الولايات المتحدة الأمريكية على الأصعدة كافة، حيث يسود داخل واشنطن اتجاهان أساسيان في هذا الشأن، هما:

1- اتجاه "الإنقاذ": يمثله الرئيس الأمريكي، جو بايدن، وهو المنظور الذي يتحدث به، باعتبار أن ما حدث هو إنهاء "الحرب الأبدية"، وأن بقاء الولايات المتحدة في أفغانستان كان يعني استمراراً لعملية إنفاق كبيرة جداً على حرب لا توجد فيها إمكانية لتحقيق الأهداف، وهي حرب مستمرة أبدية لن تصل فيها الولايات المتحدة إلى نتيجة، من وجهة نظر بايدن.

ومن منظور بايدن أيضاً، فإنه أنقذ الولايات المتحدة، وأن على الأخيرة التفكير في إعادة تموضعها في العالم، على اعتبار أن مكانها هو وسط العالم الديمقراطي، والتحالف الأساسي يجب أن يكون مع الدول الديمقراطية بالأساس، وعليها عدم التورط في مكان آخر. 

2- اتجاه "الهزيمة": يمثله الجمهوريون، حيث يرددون مقولات مفادها أن الولايات المتحدة أخفقت في تحقيق أهدافها في أفغانستان، وأنها تركت شعباً من دون أن تستطيع تعليمه الديمقراطية. وفي الواقع هذه نظرة قاصرة وتغفل حقيقة أن فكرة الانسحاب الأمريكي من هذا البلد قديمة وتتردد منذ عهد الرئيس الأسبق جورج بوش، حيث وضح بعد 3 سنوات من التدخل الأمريكي في أفغانستان عام 2001 أن هذه حرب لا يمكن تحقيق الانتصار فيها. غير أن العسكريين بطبيعتهم في كل المواقف يقولون إنهم بحاجة لإمكانيات إضافية لتحقيق الانتصار، وكانوا بالفعل يحصلون على دعم ضخم، وفي المقابل يحققون انتصارات مؤقتة، وسريعاً ما كان يعود الوضع لما كان عليه. وكان يتم إرسال بعثات من معلمين ومحترفين لتعليم الأفغان، وكأن الديمقراطية يمكن تحقيقها من خلال هذه الطرق الشكلية، متجاهلين التطور الطبيعي الذي تحتاجه الدول في هذا الشأن. 



تأثيرات إقليمية: 

شدد سعيد على أن الشرق الأوسط لا يبتعد عن تداعيات سيطرة حركة طالبان على أفغانستان، خاصة أن المنطقة ما زالت تعاني التناقضات والقلق والخلخلة التي أعقبت أحداث ما يُسمى بـ "الربيع العربي" في بدايات العقد الماضي، والتي حاولت الدول الإقليمية غير العربية، مثل تركيا وإيران، الاستفادة منها، إذ تمسكت طهران بسلوك "توظيف الأقلية الشيعية" في دول المنطقة، بينما تصاعد "السلوك التوسعي" لأنقرة. وقد ساعدهم على ذلك عدم وجود تحالف إقليمي عربي قوي، بعيداً عن العلاقات الثنائية للدول المهمة في المنطقة.

وقد صدرت تصريحات عن تركيا وإيران بعد سيطرة طالبان مؤخراً على أفغانستان، وهي التصريحات التي عكست مواقف الدولتين من هذه الأحداث، إذ تريد أنقرة أن ترث الولايات المتحدة في أفغانستان، فيما تحاول طهران ضم طالبان إلى قائمة تحالفاتها، واستخدامها كورقة للضغط على خصومها، وعلى رأسهم واشنطن. 

وهنا يتمثل القلق العربي الحالي في الخوف من أن تعطي سيطرة حركة طالبان على أفغانستان، دفعة معنوية للجماعات والتنظيمات المتشددة والمسلحة في المنطقة، وذلك بعد أن استطاعت جماعة بدائية، عسكرياً على الأقل، أن تهزم قوى كبرى ذات قدرات نووية، وهو ما قد يعيد إلى المنطقة مخاوف محاولات استنساخ النموذج الطالباني.