أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

خلافات داخلية:

عوائق فاعلية "المحور الآسيوي" في السياسة الأمريكية

26 أغسطس، 2024


عرض: منى أسامة

هناك اتفاق بين الخبراء في الولايات المتحدة على أهمية جعل الشؤون الآسيوية في مركز اهتمام السياسة الخارجية الأمريكية، وبرز هذا التوجه منذ إعلان وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون عن مبادرة "المحور الآسيوي" في السياسة الأمريكية في مقال نشرته مجلة "السياسة الخارجية"، ثم أكد الرئيس الأسبق باراك أوباما في خطاب ألقاه أمام البرلمان الأسترالي في السابع عشر من نوفمبر 2011؛ ضرورة إعادة نشر الجزء الأكبر من القوات الأمريكية في الخارج في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بدلاً من الشرق الأوسط وأوروبا، وعكست هذه المبادرة خروجاً جذرياً لأول مرة عن الاستراتيجية الأمريكية التقليدية من "أوروبا أولاً" إلى "آسيا أولاً".

إلا أن واشنطن لم تنجح في الالتزام بهذا التوجه؛ إذ لم تكن هناك عملية جادة مشتركة بين الوكالات المسؤولة عن صنع السياسة الأمريكية لترجمة مقال كلينتون إلى خطوات تنفيذية، علاوة على رد الفعل السلبي للدول الأوروبية إزاء احتمال تحول الولايات المتحدة بعيداً عنهم نحو آسيا، فضلاً عن خشية بعض الدول الآسيوية إلى الاضطرار للاختيار بين الصين والولايات المتحدة؛ وبناءً عليه تمت تسمية المحور الآسيوي بـ"إعادة التوازن" في الخطابات الرسمية الأمريكية لتجنب ردود الفعل السلبية؛ ومع ذلك استمر استخدام مصطلح "المحور" في وسائل الإعلام.

وفي هذا السياق، يقيّم روبرت د. بلاكويل، سفير الولايات المتحدة السابق بالهند، وريتشارد فونتين، رئيس مركز الأمن الأمريكي الجديد، مبادرة "المحور الآسيوي" في كتابهما "العقد الضائع: محور الولايات المتحدة نحو آسيا وصعود القوة الصينية" الصادر في العام 2024؛ من حيث موقع آسيا تاريخياً في سياق السياسة الخارجية الأمريكية، وتقييم الجهود المبذولة حتى الآن، وتحديد التداعيات في مناطق أخرى، خاصة أوروبا والشرق الأوسط، مع تقديم اقتراحات مستقبلية في هذا الصدد.

أهمية "المحور الآسيوي":

يرى الكتاب أن الاهتمام بآسيا ضرورة في السياسة الخارجية الأمريكية؛ من أجل ضمان التوازن الاستراتيجي مع قوة الصين المتنامية والاستفادة من الديناميكية الاقتصادية في آسيا؛ وهو ما يمكن فهمه عند تتبع السياسة الصينية التي دأبت على التقرب من جيرانها الآسيويين عسكرياً واقتصادياً ودبلوماسياً؛ إذ أصبحت بكين الشريك التجاري الرائد لأغلب البلدان الآسيوية؛ الأمر الذي يجعل الأخيرة أكثر عُرضة للإكراه الاقتصادي المحتمل. 

ويعتقد المؤلفان أن نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة الآسيوية خلال عام 2021؛ أصبح أضعف بكثير مقارنةً بعام 2011؛ حتى إنهما أطلقا على هذه الفترة (التي شهدت إدارتين أمريكيتين لباراك أوباما ودونالد ترامب) "العقد الضائع"، ويضيفان أن فشل الإدارات الأمريكية المتعاقبة في الاهتمام بالمحور الآسيوي يُعد واحداً من أعظم ثلاثة أخطاء في السياسة الخارجية الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، علماً بأن الخطأين الآخرين هما: القرار الذي اتخذه الرئيس السابق ليندون جونسون في عام 1965 بتصعيد الحرب في فيتنام، وقرار الرئيس السابق جورج دبليو بوش غزو العراق في عام 2003.

خلافات صناع القرار: 

وفقاً للكتاب، فإن قادة الولايات المتحدة؛ إما أنهم غير قادرين أو غير راغبين في خوض المخاطر اللازمة لضمان نجاح مبادرة "المحور الآسيوي" خلال العقد الأخير؛ ففي كثير من الأحيان يركز هؤلاء القادة أكثر مما ينبغي على الأهداف المهنية مثل، العمل على إعادة انتخابهم؛ مما يترتب عليه ميلهم إلى الحفاظ على الوضع الراهن تجاه آسيا بشكل عام وتجاه الصين بشكل خاص، كما تفضل الإدارات الأمريكية عادةً تركيز جهودها الدبلوماسية على العالم المتقدم بدلاً من الدول الفقيرة؛ مما يترك فراغاً لتملأه بكين.

وفي هذا الإطار، يشير الكتاب إلى مثال جزر سليمان، التي تقع في جنوب المحيط الهادي؛ إذ أغلقت الولايات المتحدة سفارتها هناك بين عامي 1993 و2023؛ مما سمح للصين بإحراز تقدم في واحدة من أفقر الدول في المحيط الهادئ. وفي عام 2022، وقعت الصين وجزر سليمان اتفاقية أمنية. ووفقاً لمسودة مسربة للاتفاقية؛ فإنها تسمح للسفن البحرية الصينية بإعادة الإمداد على الجزر؛ مما أثار مخاوف الولايات المتحدة وحلفائها. وعلاوة على ذلك، قامت الصين ببناء جزر اصطناعية في بحر الصين الجنوبي ثم عسكرتها، خلافاً للخطاب الذي ألقاه الرئيس الصيني شي جين بينغ، أمام الرئيس الأمريكي جو بايدن؛ مما ترتب عليه ضعف قوة الردع الأمريكية.

وارتباطاً بما سبق، يشير المؤلفان إلى الخلاف الداخلي بين صناع السياسة الأمريكيين حول طبيعة وتوقيت التهديد الصيني وكيفية الرد عليه. على سبيل المثال، يرى الصقور (من يفضلون الضغط العسكري واستخدام القوة المفرطة) أن الغزو الصيني لتايوان وشيك، ويفضلون اتباع نهج أكثر استباقية للدفاع عن الجزيرة، في حين يقلل الحمائم (من يفضلون الحلول السلمية) من هذا الاحتمال، ويخشون من أن يؤدي الوجود العسكري الأمريكي إلى التعجيل بالحرب ذاتها التي تحاول الولايات المتحدة ردعها. 

وحتى المسؤولون الأمريكيون في وزارة الخارجية والدفاع الذين يتفقون على أن الصين تشكل تهديداً عسكرياً يختلفون أيضاً حول ما إذا كان ينبغي للولايات المتحدة أن تعطي الأولوية للاستعداد على المدى القريب أو البعيد. على سبيل المثال، كانت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون نشطة للغاية تجاه آسيا، في حين كان خليفتها جون كيري أكثر انخراطاً في قضايا الشرق الأوسط وروسيا. 

وفي إطار الخلاف بين صناع السياسة الخارجية الأمريكية، تجدر الإشارة إلى اتفاقية "الشراكة عبر المحيط الهادئ" عام 2013، والتي كانت تُعد بمثابة الركيزة الاقتصادية الرئيسية للمحور الآسيوي؛ إذ تعرضت تلك الاتفاقية إلى التأخير في المفاوضات؛ مما أدى إلى عدم حسمها قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2016. وخلال تلك الانتخابات، رفض المرشحان، هيلاري كلينتون ودونالد ترامب آنذاك الاتفاقية، وبعد فوز ترامب انسحب من الاتفاقية بشكل تام، ووصف الكتاب هذا الانسحاب الأمريكي بالكارثة والفشل في صياغة شراكة عبر المحيط الهادئ؛ إذ بدت الدبلوماسية الأمريكية غير متسقة تجاه آسيا.

رد فعل الصين:

تُعد القوة العسكرية والاقتصادية الضخمة للصين الهدف الرئيسي للمحور الآسيوي، وكما هو متوقع أطلقت بكين حملة خطابية ضد المحور، على الرغم من أنها تعلم جيداً أن واشنطن لم تفعل شيئاً تجاه التنفيذ بعد. وفي هذا السياق؛ انتهزت الصين الفرصة لتحقيق نمو كبير في قوتها العسكرية داخل آسيا؛ مما ترتب عليه تحويل توازن القوة العسكرية في بحر الصين الجنوبي وتايوان لصالح الصين.

ويرى المؤلفان أن الولايات المتحدة استمرت في الاستهانة بالتحدي الصيني، حتى أواخر عام 2010. ولم يتم التخلي عن فكرة أن تصبح الصين "صاحبة مصلحة مسؤولة" في النظام العالمي إلا بعد صدور استراتيجية الأمن القومي للرئيس السابق ترامب عام 2017، مع تصنيف الصين على أنها "منافس استراتيجي" و"قوة رجعية"، ومع ذلك، لم تقدم إدارة ترامب جديداً بشأن التهديد الصيني.

سياسة إدارة بايدن: 

يشير الكتاب إلى بعض الجهود المبذولة من قبل إدارة الرئيس جو بايدن لإطلاق "محور جزئي" جديد من خلال عدد من المبادرات، منها الشراكة الأمنية الثلاثية (أوكوس AUKUS) بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة في عام 2021، والتي من المرجح أن تشهد عدداً متزايداً من المشاركين، وفي السياق ذاته، تم تعزيز العلاقات مع العديد من الدول الآسيوية، مثل: انعقاد قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا الأولى في واشنطن في عام 2022، وتعزيز التحالف الأمريكي مع اليابان، والشراكات مثل: الولايات المتحدة/اليابان/كوريا، والولايات المتحدة/اليابان/الفلبين. وتؤشر تلك الجهود على أن إدارة بايدن تدرك أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تنافس الصين في آسيا، إلا بمساعدة حلفائها وشركائها؛ ومع ذلك تسببت الحربان في أوكرانيا وغزة في صرف انتباه إدارة بايدن عن آسيا حالياً.

ورغم ذلك فلا يشكك المؤلفان في جدوى المحور الآسيوي في السياسة الخارجية الأمريكية؛ إذ يوصيان بضرورة زيادة الإنفاق العسكري، ولاسيما فيما يتعلق بآسيا، وانتهاج سياسة تجارية أمريكية مع الدول الآسيوية من خلال الاستمرار في تعزيز التحالفات الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والانضمام إلى الاتفاقية الشاملة والتقدمية للنقل العابر للحدود، و"إزالة المخاطر" في العلاقات الاقتصادية مع الصين، من خلال تكثيف الدبلوماسية الثنائية بين الولايات المتحدة والصين عبر الالتزام بسياسة "صين واحدة"، التي تعترف بالاعتقاد الصيني بأن هناك صين واحدة وتايوان جزء منها.

ويضاف إلى ما سبق، أهمية الحفاظ على قنوات اتصال أمريكية مفتوحة دائماً مع بكين، ونقل الأصول العسكرية الأمريكية والأفراد من أوروبا والشرق الأوسط إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وحصول واشنطن على المزيد من الدعم الأوروبي في المنافسة مع الصين من خلال تشجيع الحلفاء على إنشاء معايير مشتركة للتكنولوجيا والأمن السيبراني وحقوق الإنسان، وأن تقوم الولايات المتحدة ببناء تحالفات مع الحلفاء تتمحور حول قضايا محددة، مثل: منع الإكراه الاقتصادي وسرقة الملكية الفكرية، وضرورة دعم القيم الديمقراطية والليبرالية من خلال الدفاع عن المؤسسات الديمقراطية.

وبشكل عام، تحتاج الولايات المتحدة إلى نهج أكثر تماسكاً في التعامل مع منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ومع تزايد عدم استقرار النظام الدولي؛ فمن الضروري أن يفهم صناع السياسات بشكل كامل أهداف المحور الآسيوي ومآلاته وقيوده من أجل حشد الموارد والتحالفات للحفاظ على النظام الدولي القائم، ولاسيما في آسيا، وأخيراً، يؤكد المؤلفان أن صياغة سياسة خارجية فعالة للمنطقة الآسيوية أمر بالغ الأهمية للحفاظ على الأمن والازدهار وحماية القيم الديمقراطية الأمريكية.

ويخلص الكتاب إلى أن المحور الآسيوي في السياسة الأمريكية؛ مهم لضمان عدم قدرة أو رغبة الصين في قلب النظام الدولي القائم. لكن بالرغم من الأهمية الاستراتيجية لهذا المحور؛ فإن هناك القليل من النجاحات الأمريكية التي يمكن الحديث عنها؛ إذ إن وجودها في آسيا لا يزال ضعيفاً، فضلاً عن عدم استعداد واشنطن لأية عواقب غير متوقعة بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة؛ في وقت يواجه فيه صناع السياسة الأمريكيين تحدياً أساسياً يتمثل في تشكك الرأي العام الداخلي تجاه الدور الخارجي للولايات المتحدة وحقيقة استمرارها في قيادة النظام الدولي.

المصدر:

Robert D. Blackwill and Richard Fontaine, Lost Decade: The U.S. Pivot to Asia and the Rise of Chinese Power (Oxford University Press, 2024).