أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

Short termism:

أسباب الاتجاه إلى التفكير على المدى القصير

24 سبتمبر، 2014

Short termism:

نظم مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة حلقة نقاشية، يوم 17 سبتمبر 2014، تحت عنوان "أسباب وملامح الاتجاه إلى التفكير على المدى القصير"، تناولت أبرز الأحداث التي فاجأت المنطقة العربية، وتحديداً مع انطلاق شرارة "الثورات" في أكثر من بلد عربي، وما ألقته من تداعيات غير متوقعة تتطلب ضرورة إعادة التفكير والتخطيط على المدى الأقصر نسبياً، من أجل العمل على تجنب صدمات المستقبل والأحداث السلبية غير المتوقعة في المجالات كافة.

شارك في هذه الحلقة كل من إيمان رجب، الباحث بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام والخبير المشارك بالمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، وأحمد أبوزيد، محاضر العلوم السياسية في جامعة الجزيرة في دبي، مُعقِبَين على الورقة الرئيسية للحلقة، والتي قدمها إبراهيم غالي، باحث أول، ورئيس تحرير الموقع الإلكتروني لمركز المستقبل.

عصر التغيير المفاجئ

بداية، أشار غالي إلى أن ثمة حقيقة باتت ثابتة فيما يتعلق بأطر التفكير في كافة المجالات خلال العقدين الأخيرين، وهي أن "كل شيء بدا قابلاً للتغيير السريع"، وذلك بفعل التطور التكنولوجي، وانتشار الشركات العابرة للجنسيات، وتأثيرات عصر "العولمة"، والتوسع الاستهلاكي في المجتمعات المتقدمة وغيرها، مضيفاً أن: "كل شيء كان يجري وفق أنماط خطية تعرف بعض النظامية التي تمنع من حدوث التغيير الراديكالي والمفاجئ، أما الآن فقد باتت الأنماط الخطية من الماضي، وأضحى على السياسيين ورجال الأعمال وصانعي القرار ضرورة التخطيط للتعامل مع ما غير المتوقع".

وضرب المتحدث العديد من الأمثلة التي تفيد بأن القدرة على السيطرة الكاملة باتت شبه مفقودة في عالم  اليوم، حتى من قبل أعتى الحكومات التي ما لبثت تحاول تقييد آثار المتغيرات المتسارعة، فإذ بها لا تتمكن من ذلك بشكل مطلق، إلا في حالات نادرة.

وقد بات التفكير فيما يطلق عليه المدى الأقصر أو المدى الأقرب Short Termism هو الأكثر تعبيراً عن الواقع، وتحديداً منذ عام 2008، حيث أضحى هو المدى الزمني لتحركات البنوك والشركات والحكومات لمواجهة تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية، فاتخذت خطوات وقرارات سريعة، وأحياناً فجائية، منها تسريح العمالة والحد من النفقات وإجراءات للتقشف الاقتصادي والمالي، بحيث بات يمكن القول إن إعادة إنتاج أفكار الماضي وتدويرها لم تعد تجدي نفعاً أمام هذه التحديات. وكان السبب في ذلك هو عدم قدرة هؤلاء الفاعلين على رؤية التغيير أو القدرة على التنبؤ بالمستقبل القريب، فبدا الجميع واقفاً على الشاطئ، فيما تبحر السفينة في وسط المحيط.

وقد أنتج ما سبق مقولة أضحت شائعة في مجالات الأعمال والاستثمارات والتجارة هي (استبداد المدى القصير) ومقولة موازية تثبت الأولى هي (التنبؤ أصبح مستحيلاً).. وهكذا يوجد التعقيد المتزايد والفوضى عالمياً وداخلياً هذه المقولات التي تعبر واقعياً عن ضرورات اعتماد التفكير والتخطيط في المدى الأقصر، حتى إن جادل البعض بأن ذلك لا يجب أن يكون انتقاصاً مما هو سائد تقليدياً، أي التفكير على المديين المتوسط والطويل.

عوامل معقدة ومتداخلة

وأشار غالي إلى أن ثمة مجموعة من العوامل المعقدة والمتداخلة التي تقود إلى أهمية التفكير في المدى الأقرب، ومن أبرزها تضاؤل القدرة على مقاومة التغيير، سواء من قبل الأفراد أو المجتمعات أو الحكومات أو حتى على مستوى المؤسسات الإقليمية والعالمية، حيث يبدو أن البشر يسابقون الزمن من أجل استيعاب التطور التكنولوجي والتدفق المعلوماتي والابتكارات العلمية والأكاديمية وسواها؛ وصعوبة القدرة على فهم أفضل للمستقبل أو إمكانية التنبؤ بما قد ينفي جزئياً أن العقلانية قادرة على مواكبة كل شيء، وهنا تقول الحكمة "مهما بلغ حجم الدقة المتناهية المفترضة والخضوع للحسابات التكنولوجية الحديثة، فإنه لا يمكن إهمال إمكانية من هم أقل منك شرعية أو تأهيلاً في عالم اليوم".

الأمر الآخر هو تزايد القدرة على الابتكار في أقصر وقت ممكن، ولذا يسير كل مجال في سرعة مذهلة، وسط تصاعد ثورة التوقعات المجتمعية والفردية بأسرع من قدرات وموارد الحكومات وصانعي القرار. ففي عالم شديد التحديث والسرعة والفعالية التواصلية والثقافية، لم يعد هناك شيء مركزي تقريباً في عالم السياسة وعوالم الاجتماع، ولم يعد هناك تخطيط يجري وفق معلومات موجزة أو ضئيلة، ولم تعد هناك قيادة مركزية للدولة أو حتى للحي الصغير.

ويزيد من ذلك أن قضية استرضاء الفرد أضحت محل اهتمام بالغ من كافة المؤسسات، ومنها السياسية، فيما يعرف بمركزية العميل Customer-Centric، وهو ما يستلزم التفكير في المدى الأقصر الذي يتوافق مع رغبات العميل ورضاه، فالأفكار الإبداعية الآن تصمم في مستقبل قريب يريده العميل ليرضي ذوقه ومتطلباته.

لقد أضحى العالم اليوم بكل إيجاز سريع التحديث، شديد التعقيد، ثري بالفوضى، لا أحكام قاطعة فيه، ولا عقلانية تطغى على عقلانية أخرى، ولا قوة يمكن أن تفرض سلوكها على الآخرين، وهكذا أضحت المسؤولية الواقعية والاعتماد على التكتيكات الأقصر أمداً والتفكير والتخطيط لأشهر قليلة، وأحياناً لأسابيع فقط، وغالباً لأيام، تقع في صلب اهتمامات الفرد وحتى كبريات المؤسسات الدولية.

مبادئ التفكير على المدى القريب

من هنا يبدو من الأهمية تفعيل مبادئ التفكير في المدى الأقصر على مستوى صانعي ومتخذي القرار، من أجل تجنب صدمات المستقبل القريب وإمكانية قراءة بعض خيوط المستقبل بما يرشد إلى وضع سياسات قصيرة الأمد تؤدي إلى الاستقرار بعض الشيء، وربما وجدت هذه الأسس بداية في مجالات التجارة والأعمال، ولكن يجوز بشكل أولي اقتباس البعض منها كمدخل إلى التفكير في التفكير الأقصر أمداً، ومن أبرزها أن التخطيط لا يقوم على التنبؤ بل على التعامل مع المنفعة المتوقعة في المستقبل القريب لسياسة ما أو قرار ما أو سلوك ما، وأن التخطيط الواعي يجب أن يأخذ آراء المواطنين ويقيس بشكل أو بآخر مستوى رضاهم العام، وعدم افتراض أن الآخرين أقل عقلانية وأقل قدرة على الفعل والمبادرة والحركة في اتجاه مضاد لسياسات محددة في عصر "الجماهير"، وأن ثمة ضرورة لإعادة هيكلية للمؤسسات الحيوية، بحيث تصبح أكثر حيوية وتشابكية وتتمكن من تلبية الاحتياجات الأساسية للأفراد أو على الأقل تدرك ماذا يحتاجونه، وأنه يجب كذلك استخدام الوقت وإدراك أهميته بحكمة شديدة، وهو ما يستلزم لكل من يضطلع بمسؤولية ما، مهما كان نطاقها وحجمها، أن يشكل فريق عمل لاستكشاف المواقف العاجلة التي تبث إشارات بإمكانية حدوث تغيير غير متوقع، ومعرفة درجة الكفاءة الذاتية على تحقيق التغيير وفق الأهداف الكبرى منشودة، بحيث يتم وضع رؤية متكاملة للمخاطر المتوقعة قصيرة الأجل وطويلة الأجل كذلك، والقدرة على اتخاذ إجراءات فورية وسريعة يتم الاستعداد لها بشكل مسبق.

وخلصت التعقيبات إلى ضرورة ضبط المفاهيم الخاصة بالتنبؤ ومستوياته ومقاييسه كإطار أكثر تأثيراً لدى التفكير والتخطيط سواء على المستوى الماكرو أو الميكرو، وإلى دراسة علم المستقبليات في العالم العربي، والعمل على وضع نماذج من قبل صانعي القرار للتكيف مع غير المتوقع، بما يراعي سياق المعلومات والمدى الزمني والمخاطر المحتملة، وعدم إغفال أن أسس التفكير على المدى القصير هي جزء من التخطيط على المديين المتوسط والطويل وفق سيناريوهات مستقبلية تتعامل مع الثوابت والمتغيرات.