أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

عدوى الانتشار:

أبعاد محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في غينيا بيساو

07 فبراير، 2022


أعلن رئيس غينيا بيساو، عمر سيسوكو إمبالو، في مساء الأول من فبراير 2022، أن قوات الأمن الحكومية نجحت في إحباط محاولة انقلاب عسكري فاشلة، وذلك بعدما كانت وكالة الأنباء الفرنسية أعلنت في صباح اليوم ذاته أن محيط القصر الحكومي في العاصمة بيساو قد شهد إطلاقاً كثيفاً للنار، فضلاً عن انتشار واسع لعناصر من الجيش في شوارع العاصمة. 

مشهد مضطرب

شهدت الساعات الأخيرة عدداً من التطورات المتلاحقة التي هيمنت على المشهد السياسي والأمني في غينيا بيساو، يمكن عرضها على النحو التالي:

1- محاولة انقلابية جديدة: أشارت العديد من التقارير إلى أن رئيس غينيا بيساو، عمر سيسوكو إمبالو، والذي وصل إلى السلطة في عام 2020، كان يحضر اجتماعاً طارئاً لمجلس الوزراء، الواقع على حدود العاصمة بيساو وبالقرب من المطار، عندما تم سماع دوي إطلاق نار مكثف في محيط القصر الحكومي الذي يحوي هذا الاجتماع، كما تم رصد انتشاراً أمنياً واسعاً في شوارع العاصمة بيساو، وقد شهدت المناطق المتاخمة لمقر الحكومة فراراً للسكان وخلو الأسواق والشوارع من المواطنين. 

وجاء الاجتماع الاستثنائي للحكومة في غينيا بيساو، والذي كان يحضره سيسوكو، في إطار التحضير لقمة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، لبحث التطورات الأخيرة في بوركينا فاسو بعد الانقلاب العسكري الذي شهدته الأخيرة الأسبوع الماضي.

2- إحباط المحاولة الانقلابية: أعلن الرئيس الغيني، عمر سيسوكو، في وقت متأخر من الأول من فبراير الجاري، أن الأوضاع باتت تحت السيطرة، وذلك في اتصال هاتفي قصير مع وكالة "فرانس برس" الفرنسية، وذلك قبل أن يتم نشر فيديو على الصفحة الرسمية لرئاسة غينيا بيساو، أعلن الرئيس إمبالو خلاله أن حكومته أضحت تسيطر تماماً على الأوضاع في البلاد، مشيراً إلى أن المحاولة الانقلابية قد باءت بالفشل، لكنها أسفرت عن العديد من القتلى. 

3- قلق أممي وإقليمي: أعلن المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، عن القلق البالغ إزاء القتال العنيف الذي شهدته العاصمة بيساو، داعياً إلى الإنهاء الفوري لهذا العنف والقتال وضرورة الاحترام الكامل لمؤسسات الدولة، فيما أدانت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) في بيان لها المحاولة الانقلابية، مشيرةً إلى أن الجيش يتحمل مسؤولية سلامة رئيس البلاد وكبار المسئولين الحكوميين.

وفي وقت سابق، أعلن وزير الخارجية البرتغالي، أوغوستو سانتوس سيلفا، أن الرئيس الغيني، عمر سيسوكو، أصبح آمناً في مقر إقامته الرسمية، بيد أنه ألمح إلى أن الأوضاع لا تزال تطغى عليها حالة من الضبابية بشأن ما إذا كانت المحاولة الانقلابية قد انتهت من عدمه. 

دوافع متعددة

على الرغم من الاستقرار النسبي الذي اتسمت به الأوضاع الأمنية في غينيا بيساو خلال السنوات الأخيرة، بيد أن ثمة محددات عدة ربما تفسر أسباب المحاولة الانقلابية الأخيرة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- صراعات سياسية مستمرة: يتسم المشهد السياسي الداخلي في غينيا بيساو بحالة من الهشاشة والانقسامات الحادة، في ظل غلبة الطابع القبلي في كثير من المناطق، مع وجود نحو 30 قبيلة في البلاد. وكانت الانقسامات السياسية الداخلية من أسباب الانقلاب العسكري الأخير في 2012. وحتى في أعقاب الانتخابات الرئاسية في 2014، والتي فاز فيها جوزيه ماريو فاز، اتسمت فترة حكمه بتصاعد التوترات السياسية بشكل ملحوظ في ظل النظام شبه الرئاسي الذي اعتمدته غينيا بيساو.

وقد وصل الرئيس الحالي، عمر سيسوكو إمبالو، للسلطة في عام 2020، بعدما حسم المنافسة في الجولة الثانية من الانتخابات التي شهدتها البلاد في ديسمبر 2019، حيث خاض إمبالو الانتخابات مرشحاً عن حزب "الحركة من أجل تناوب ديموقراطي" (Madem)، وهو الحزب الذي تشكل من عناصر منشقة من "الحزب الأفريقي لاستقلال غينيا والرأس الأخضر" الحاكم (PAIGC)، والذي قاد حركة استقلال غينيا بيساو.

وخاض مرشح الحزب الأفريقي، دومينغوس سيمويس بيريرا، المنافسة ضد الرئيس إمبالو في انتخابات 2019، غير أن الأخير نجح في حسم المنافسة في الجولة الثانية، إلا أن الحزب الأفريقي ومرشحه قادوا حملة اعتراض واسعة ضد نتائج الانتخابات، وهو ما تمخضت عنه سلسلة من التوترات السياسية التي شهدتها بيساو خلال 2021، خاصةً في ظل وجود برلمان يسيطر على غالبيته الحزب الأفريقي، وقد أتهم الأخير الرئيس إمبالو بالاستيلاء على السلطة بشكل غير قانوني بدعم من الجيش.

ومن ناحية أخرى، أشارت بعض التقديرات إلى أن الفترة الأخيرة شهدت خلافات متصاعدة بين الرئيس الغيني، عمر سيسوكو إمبالو، ورئيس الوزراء، نونو جوميز، حيث اعترض الأخير على بعض التعديلات التي أقدم عليها الرئيس إمبالو على تشكيلة الحكومة، بالإضافة إلى الخلاف الذي نشب بين الرئيس ورئيس الحكومة بسبب الطائرة التي دخلت البلاد بالتنسيق مع الرئيس، عمر سيسوكو، بيد أن الحكومة أتهمتها بأنها تحمل شحنات مشبوهة وأنها دخلت البلاد بشكل غير قانوني.

2- تنامي الانقسامات داخل الجيش: تتمتع المؤسسة العسكرية في غينيا بيساو بنفوذ داخلي كبير، بيد أن ثمة تصدعات متنامية تعانيها هذه المؤسسة. ولعل هذا ما كشفته محاولة الانقلاب العسكري الفاشل التي شهدتها البلاد في أكتوبر 2021، حيث أعلن رئيس أركان الجيش حينها، الجنرال بيغاو نان نتان، أن عناصر من الجيش كانوا يسعون إلى السيطرة على الحكم والانقلاب على الرئيس إمبالو فترة وجوده في فرنسا في زيارة رسمية كان يقوم بها.

وتجدر الإشارة إلى أن غينيا بيساو شهدت العديد من محاولات الانقلاب العسكري منذ استقلالها عن البرتغال في 1974، حيث شهدت البلاد حوالي أربعة انقلابات ناجحة، كان آخرها في عام 2012، فضلاً عن نحو 12 محاولة انقلابية فاشلة.

3- الرد على جهود مكافحة المخدرات: تعد غينيا بيساو معبراً رئيسياً لتجارة المخدرات، فقد صنفتها الأمم المتحدة في العقد الأول من القرن الحالي بأنها "دولة المخدرات" الأولى في أفريقيا، وذلك بسبب كميات المخدرات الهائلة التي تمر عبر غينيا بيساو من أمريكا الجنوبية إلى أوروبا، فضلاً عن تورط العديد من الأطراف داخل البلاد في تجارة المخدرات، بما في ذلك قيادات في الجيش.

وفي ظل الجهود الأخيرة والقرارات التي اتخذها رئيس غينيا بيساو لمواجهة هذه الأزمة المتفاقمة، يبدو أن هذه التحركات قد أثارت غضب بعض القيادات المنخرطة في هذه التجارة غير المشروعة، ولعل هذا ما عكسته تصريحات الرئيس عمر سيسوكو والذي أوضح بأن المحاولة الانقلابية ارتبطت بعمليات تهريب المخدرات.

4- عدوى انتشار الانقلابات: شهدت الأشهر الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في معدلات الانقلابات العسكرية ومحاولات الانقلاب في غرب أفريقيا، فقد شهدت مالي انقلابين عسكريين في أغسطس 2020 ومايو 2021، كما شهدت غينيا كوناكري انقلاباً عسكرياً في سبتمبر 2021، قبل أن تختتم بوركينا فاسو سلسلة الانقلابات العسكرية، في 24 يناير الماضي، فضلاً عن عدد من المحاولات الانقلابية الفاشلة التي شهدتها المنطقة، الأمر الذي بات يشجع على تكرار التجربة ذاتها، خاصة في ظل غياب العقوبات الرادعة في مواجهة ذلك.

دلالات مهمة

عكست المحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها غينيا بيساو جملة من الدلالات التي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- استمرارية غموض هوية الانقلابيين: لم يحدد رئيس غينيا بيساو بشكل دقيق هوية الأطراف التي قادت هذه المحاولة الانقلابية، بيد أنه ألمح إلى أن هذه العناصر على صلة بعمليات تهريب المخدرات، كما عمد إلى التأكيد على أن هذه العملية الانقلابية الفاشلة لم تحظ بدعم أي طرف داخلي.

ولا تتسق هذه التصريحات مع التحذيرات التي أصدرتها مجموعة الإيكواس، والتي حملت الجيش مسؤولية أمن وسلامة الرئيس، فضلاً عن الدعوات الأممية التي طالبت الجيش في غينيا بيساو بالعودة إلى ثكناتها، إذ إن كلا التصريحين يكشفان عن تورط بعض العناصر المنتمية للجيش في المحاولة الانقلابية.

وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة الغينية عمدت في المحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها البلاد في أكتوبر الماضي إلى نفي تورط الجيش في محاولة الانقلاب كذلك، على الرغم من أن الجنرال بيغاو نان نتان، أشار حينها إلى تورط عناصر من داخل الجيش في الهجوم، وهو ما يفتح الباب أمام احتمالات أن تكون التصريحات الأخيرة للرئيس عمر سيسوكو تستهدف فقد تجنب أي انتقادات للجيش، من شأنها أن تزيد من تفاقم التوترات الداخلية خاصةً مع المؤسسة العسكرية.

2- استمرار معضلة الانقسامات الداخلية: تشهد غينيا بيساو استقراراً نسبياً منذ الانقلاب العسكري الأخير في 2012، حيث لا تمثل التهديدات الإرهابية أحد المعضلات الكبرى التي تؤرق الداخل في غينيا بيساو، إنما تتمثل الإشكالية الكبرى في الصراعات السياسية، فبعد استقلال غينيا بيساو في عام 1974، واجه قادتها الجدد معضلة كبرى تتعلق بمحاولة توحيد مجموعة من السكان المتنوعين بشكل كبير، وهو ما تمخض عنه فترة طويلة من عدم الاستقرار والكثير من الانقلابات العسكرية ومحاولات الانقلاب.

3- دور خارجي محتمل: على الرغم من أن المعطيات الراهنة تدعم فكرة أن تكون محاولة الانقلابية الأخيرة قد ارتبطت بالأساس بمحددات داخلية دفعت بعض الأطراف لمحاولة التخلص من نظام الرئيس عمر سيسوكو، بيد أنه لا يمكن استبعاد احتمالية وجود صلات خارجية بهذه المحاولة، في ظل تصاعد التنافس الدولي والإقليمي في منطقة غرب أفريقيا، خاصةً فيما يتعلق بالتنافس الروسي – الفرنسي على مناطق النفوذ في هذه المنطقة، بيد أنه، حتى الآن، لا يوجد أي مؤشرات يقينية بشأن وجود دعم خارجي لهذه المحاولة الفاشلة.

وفي الختام، على الرغم من إعلان رئيس غينيا بيساو عن إحباط المحاولة الانقلابية الأخيرة، بيد أنه لا يمكن الجزم بأن الأوضاع أضحت مستقرة تماماً، بالنظر إلى السياق الإقليمي المضطرب، فضلاً عن استمرارية الصراعات السياسية في غينيا بيساو، فإن هذين العاملين يمكن أن يفتحا الباب أمام تكرار المحاولات الانقلابية ما لم يتم علاج مسبباتها.