قام الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في 19 يناير، بزيارة إلى العاصمة الروسية موسكو، التقى خلالها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبحث الجانبان التعاون الثنائي بين إيران وروسيا، وأبرز مستجدات التطورات الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك. كما ألقى "رئيسي" خطاباً في مجلس الدوما الروسي. وتُعد هذه الزيارة هي الأولى للرئيس الإيراني، إلى الخارج منذ توليه في أغسطس 2021، كما أنها الزيارة الأولى لرئيس إيراني إلى موسكو منذ عام 2017.
دوافع الزيارة:
تسعى إيران من وراء الزيارة إلى تحقيق أهداف عدة، ويمكن تسليط الضوء على أبرزها على النحو التالي:
1- تعزيز التعاون الاقتصادي: كان للبعد الاقتصادي حضوراً قوياً في تلك الزيارة، حيث صرّح الرئيس الإيراني قبيل مغادرته إلى موسكو، "أن زيارته إلى روسيا قد تصبح نقطة تحول في العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية بين روسيا وإيران". وارتفع ميزان التبادل التجاري بين البلدين من 1.74 مليار دولار عام 2018 إلى ملياري دولار في عام 2019، كما نمت التجارة البينية بنحو 40% خلال النصف الأول من عام 2021 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2020.
ومن جهة أخرى، لعبت العقوبات الأمريكية دوراً في الحد من التعاون الاقتصادي بين الجانبين، إذ توقفت شركة السكك الحديدية الروسية عن تنفيذ مشاريعها في إيران في أبريل 2020 بسبب العقوبات الأمريكية، وهو ما كان له تأثير سلبي على تنفيذ برامج أخرى في إطار المبادرة الروسية – الإيرانية لإنشاء ممر النقل بين الشمال والجنوب.
2- السعي لإقامة تعاون استراتيجي: أعلنت طهران عن الانتهاء من صياغة مسودة اتفاق يشمل مجالات عدة اقتصادية وسياسية وعسكرية وأمنية مدته 20 عاماً، مع الجانب الروسي، على غرار اتفاق الـ25 عاماً الذي وقعته مع الصين ودخل حيز التنفيذ في 15 يناير الجاري.
ويلاحظ أن رئيسي أعلن أن إيران صاغت الاتفاق، وسوف تعرضه على الجانب الروسي، ولكن لن يتم توقيعه خلال الزيارة، وهو ما يعني أن طهران تسعى لاستغلال الأمر إعلامياً فقط، خاصة أنه إذا كان من المقرر توقيع هذا الاتفاق أثناء الزيارة، فكان ينبغي قيام البلدين بدراسته قبل الزيارة للاتفاق على تفاصيله، ثم التوقيع عليها أثناء زيارة رئيسي لموسكو ولقائه ببوتين.
ويمكن أن يعكس كشف إيران عن مسودة الاتفاق رغبتها في طمأنة روسيا بأن توقيع أي اتفاق نووي جديد لن يمثل خصماً من التعاون مع موسكو، على غرار ما حدث في عام 2015، حينما تم توقيع الاتفاق النووي، وسارعت طهران لتوقيع اتفاقات مع الشركات الغربية متجاهلة نظيرتها الروسية.
3- مناقشة مفاوضات فيينا: تأتي هذه الزيارة في خضم تعثر مباحثات الجولة الثامنة من المفاوضات النووية في فيينا نتيجة لإصرار إيران على مطالب مبالغ فيها.
وأشارت مصادر أمريكية، إلى أن موسكو تقدمت بمقترح اتفاق مؤقت بعلم واشنطن، يلزم إيران بالامتناع عن تخصيب اليورانيوم بنسبة 60% والتخلص من مخزونها الحالي، وربما من خلال تصديره إلى روسيا، مقابل تخفيف العقوبات الأمريكية بأن تحصل الحكومة الإيرانية على 10 مليارات دولار من عائدات النفط المجمدة في حسابات مصرفية أجنبية في كوريا الجنوبية واليابان والعراق، وهو الأمر الذي قابلته طهران بالرفض.
ويُدلل ذلك العرض على اقتراب موقف موسكو من واشنطن والغرب في المفاوضات، كما أنه يعكس في الوقت ذاته وجود قناعة روسية بصعوبة التوصل لاتفاق نووي مع إيران. وسبق وأن مارست موسكو ضغوطاً على إيران، أثناء الجولة السابعة من المفاوضات، لإقناعها بالقبول بالتسويات التي تم الاتفاق عليها في عهد الحكومة الإيرانية السابقة للرئيس حسن روحاني.
4- غياب أي صفقات عسكرية: تسعى إيران لتعزيز تعاونها العسكري مع الجانب الروسي، حيث صرّح رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، اللواء محمد باقري، إنّ هذا التعاون العسكري "سيأخذ نطاقاً أوسع" خلال زيارة رئيسي إلى موسكو.
وأشارت تقارير إعلامية غربية قبل الزيارة، إلى نية إيران عقد صفقة عسكرية جديدة مع روسيا بقيمة 10 مليارات دولار لشراء مقاتلات روسية من طراز "سوخوي سو- 35"، ونظامي دفاع جوي من طراز "إس – 400" وقمر صناعي عسكري، غير أنه لم يتم تأكيد ذلك خلال الزيارة.
ويلاحظ أن طهران سبق وأن تقدمت بطلب لشراء نظام الدفاع الجوي "إس – 400"، غير أن موسكو رفضت، كما نفت موسكو الصفقة المتعلقة بالقمر الصناعي العسكري تماماً، وهو مؤشر على أن الكرملين يسعى للحفاظ على علاقاته الجيدة بدول الخليج العربية.
ومن جانب ثانٍ، فإن إيران، وعلى الرغم من رفع الحظر الأممي المفروض عليها لشراء وبيع الأسلحة في 18 أكتوبر 2020، فإنها لم تبرم أي صفقات منذ حينها، وهو ما يرتبط غالباً بنقص التمويل الكافي لإبرام هذه الصفقات بسبب العقوبات الأمريكية.
وفي المقابل، كشفت روسيا عن إجراء مناورات بحرية بين إيران وروسيا والصين، في 21 يناير الجاري، في المحيط الهندي، وهي ثالث مناورة بحرية بين الدول الثلاث، وهو ما تسعى إيران لاستغلاله لإيصال رسائل للغرب بأن لديها حلفاء يمكن أن تستند إليهم في حالة تصاعد التوتر العسكري مع الولايات المتحدة.
5- التعاون في مجال الطاقة النووية: ناقش رئيسي أثناء الزيارة استكمال التعاون في المجال النووي السلمي مع الجانب الروسي، حيث صرّح المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمالوندي، أنه جرت مباحثات مع الجانب الروسي بشأن بناء وحدتين 2 و3 في محطة بوشهر، لإنتاج 10 آلاف ميجاوات من الكهرباء باستخدام الطاقة الذرية.
وتأخر بناء تلك المحطات بسبب تعثر إيران في توفير التمويل الكافي لاتمام الصفقة. وتجدر الإشارة إلى أن إيران تعتمد على روسيا لتزويدها بالوقود النووي اللازم لتشغيل تلك المحطات.
قيود على التعاون الثنائي:
هناك عدد من العوامل التي تحد من تطور العلاقة بين الجانبين، والتي يمكن استعراضها على النحو التالي:
1- التعاون الروسي – الإسرائيلي في سوريا: يمثل التعاون بين روسيا وإسرائيل عقبة رئيسية أمام تطور العلاقات الإيرانية – الروسية، حيث تنسق تل أبيب مع موسكو لتحجيم النفوذ الإيراني في سوريا، ومنع أي تمركز لطهران فيها من شأنه تهديد أمن إسرائيل.
وتدرك طهران أن الغارات التي تشنها إسرائيل على المواقع التابعة لها في سوريا، تتم بمعرفة وتنسيق مع الجانب الروسي، ولعل أبرزها ما جرى مؤخراً من استهداف حاويات يُعتقد أنها تضم أسلحة ومعدات عسكرية إيرانية بميناء اللاذقية في سوريا مرتين خلال ديسمبر الماضي، وهو الميناء الذي يبعد حوالي 15 كيلومتراً من قاعدة حميميم الجوية الروسية، حيث كان يمكن للدفاع الجوية الروسية أن تعترض بعض الصواريخ الإسرائيلية، وهو ما لم يتم.
2- غياب الثقة المتبادلة بين الجانبين: تتشارك إيران وروسيا الموقف العدائي تجاه الغرب، ويخضع الجانبان لعقوبات تفرضها عليهما واشنطن والدول الأوروبية. وعلى الرغم من ذلك، فإن كلا الجانبين يدركان أن كلاهما يوظف الأخر كـ "ورقة مساومة" في إطار علاقاته مع الغرب.
ويلاحظ أن هناك توجساً تاريخياً بين طهران وموسكو، فقد زعم وزير الخارجية الإيراني السابق، محمد جواد ظريف، وجود دور سلبي لروسيا في المفاوضات التي سبقت اتفاق 2015. وفي مقابل، تشك روسيا بأنه في حال تم التوصل إلى اتفاق في المفاوضات الجارية في فيينا، فإن إيران سوف تغير وجهتها صوب الغرب مثلما حدث بعد اتفاق 2015.
3- تخوف إيراني من النفوذ الروسي: تتحسب إيران لزيادة نفوذ موسكو في محطيها المجاور في وسط آسيا وجنوب القوقاز، وذلك في ضوء الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في أغسطس الماضي. وعلى الرغم مما يبدو من توافق بين البلدين تجاه الأوضاع في أفغانستان، فإنهما يتبنيان مواقف مختلفة.
ففي حين تسعى روسيا لإعادة الاستقرار في أفغانستان، وعدم تحولها لبؤرة إرهابية في المنطقة، تحاول إيران تعزيز نفوذها والسماح بمشاركة أوسع للشيعة في حكم أفغانستان.
كما تبدي إيران قلقاً إزاء تعزيز موسكو نفوذها في كازاخستان بعد الاضطرابات الداخلية التي شهدتها مطلع يناير 2022، هذا إلى جانب استبعاد إيران من تسوية الصراع بين أرمينيا وأذربيجان، والذي تم عبر التفاهم بين موسكو وتركيا.
وفي التقدير، فإن التعاون بين الجانبين الإيراني والروسي هو تعاون مصلحي محدود، وليس تعاوناً استراتيجياً، كما ترغب بعض الدوائر الإيرانية في تصويره، وهو ما يتضح في عدم إبرام أي صفقات عسكرية جديدة، أو توقيع الاتفاق الاستراتيجي، التوصل لتفاهمات حول الخلاف بينهما في سوريا. ويبدو أن طهران تسعى لتوظيف الزيارة إعلامياً، واستثمار التوتر الراهن في العلاقات الروسية – الأمريكية حول أوكرانيا للإيحاء بوجود تحالف بين الجانبين، بما يعزز من وضعها في المفاوضات النووية ولتجنب بلورة مواقف دولية ضاغطة عليها بسبب تصعيدها العسكري في مناطق الصراعات في المنطقة العربية.