أكد نائب وزير الخارجية، وكبير المفاوضين الإيرانيين، علي باقري كني في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الأمريكية، الخميس 11 نوفمبر الجاري، أن القضية الرئيسية لبلاده في المفاوضات النووية مع مجموعة (4+1) بمشاركة غير مباشرة من الولايات المتحدة الأمريكية، هي رفع ما وصفه بـ"العقوبات غير القانونية ضد إيران".
وتزامن ذلك مع إعلان وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، الأربعاء 10 نوفمبر، عن استعداد بلاده لإبرام تفاهم جيد في المباحثات الهادفة لإحياء الاتفاق المبرم عام 2015 بشأن برنامجها النووي، والمقررة في 29 نوفمبر الجاري.
استمرار التصعيد الإيراني:
هناك مؤشرات تكشف عن إمكانية تبني إيران سياسات تصعيدية خلال الجولة السابعة من المفاوضات، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:
1- التمسك برفع العقوبات كافة: أعلن كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كنى، عقب لقائه الوسيط الأوروبي للمفاوضات النووية أنريكي مورا، في بروكسيل 4 نوفمبر الجاري، عزم بلاده استئناف المفاوضات النووية في فيينا، في نهاية نوفمبر 2021.
وتزامن ذلك مع تصريح الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في اليوم نفسه، أن "المفاوضات التي نتطلع لها هي مفاوضات تفضي لنتائج ولن نتراجع عن ... رفع كامل للعقوبات الظالمة"، في إشارة إلى تمسك إيران بالرفع الكامل للعقوبات الأمريكية المفروضة عليها، سواء اتصلت بالبرنامج النووي أم دعمها للإرهاب، أو انتهاكاتها لحقوق الإنسان، أو غيرها من العقوبات، وسواء فرضت هذه العقوبات في عهد إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، أو السابق دونالد ترامب.
كما تُدلل تلك التصريحات على رفض إيران ما تم طرحه سابقاً من أن يتم رفع العقوبات بصورة تدريجية، أي "خطوة مقابل خطوة"، أي خطوة إيرانية مقابل أخرى أمريكية.
ويلاحظ أن إيران تدرك جيداً أن هذا المطلب يستحيل أن توافق عليه إدارة بايدن، أو الكونجرس الأمريكي، حيث يعارض عدد من النواب المحسوبين على الحزبين الجمهوري والديمقراطي على السواء، العودة إلى الاتفاق النووي.
2- رفض مناقشة البرنامج النووي: أكد نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية، علي باقري كني، أنهم لن يخوضوا في مفاوضات نووية، وأن الموضوع النووي تم الاتفاق عليه بصورة كاملة في عام 2015، وأن ما ستتم مناقشته سوف ينحصر فقط في العقوبات المفروضة عليهم.
ويعني ما سبق أن إيران لن تقبل بتعديل بنود الاتفاق النووي السابق، وذلك على الرغم من أن هذه النقطة قد تم تجاوزها، إذ تم خلال جولات التفاوض الست السابقة مناقشة العديد من القضايا المرتبطة بالاتفاق النووي في شكله المعدل. وقد ردت واشنطن وباريس على هذه النقطة من خلال التأكيد في تصريحات رسمية أن المفاوضات سوف تبدأ من النقطة التي توقفت عندها في محاولة لقطع الطريق أمام إيران للتسويف أو المماطلة، فضلاً عن التهديد بأن محاولة إيران تبني مثل هذا النهج سوف يدفع واشنطن للانسحاب من المفاوضات.
3- تقديم ضمانات بعدم الانسحاب من الاتفاق: لا تستبعد إيران أن تنسحب واشنطن مجدداً من أي اتفاق نووي، في حالة الوصول إلى صفقة في فيينا، على غرار ما قامت به إدارة ترامب في 8 مايو 2018، ومن هنا تجدد طهران مطالبتها الحصول على ضمانات من الولايات المتحدة بعدم الانسحاب من الاتفاق، كما جاء على لسان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية.
ويمكن أن تتمثل هذه الضمانة في موافقة الكونجرس على الاتفاق الجديد، خاصة أن الاتفاق النووي مع إيران لعام 2015، لم تتم الموافقة عليه في الكونجرس الأمريكي، وهو أمر يبدو مستحيلاً في ضوء رفض الكونجرس للاتفاق النووي، فضلاً عن تلويح بعض الجمهوريين أن أي اتفاق توقعه الإدارة الأمريكية مع إيران يعتبر لاغياً حال استعادة الجمهوريون السيطرة على الكونجرس، وهو أمر قد يكون مرجحاً مع انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة، والمقرر لها في 2022. وتدرك طهران جيداً أن إدارة بايدن لا تستطيع تقديم مثل هذه الضمانات التي تطالب بها.
4- تعزيز الأنشطة النووية: تتعمد طهران تعزيز قدراتها التكنولوجية في مجال تخصيب اليورانيوم، للضغط على واشنطن، حيث تستخدم أجهز طرد مركزي أكثر تطوراً، حيث وصلت كمية تخصيبها منه 210 كجم، بينما وصل مخزون اليورانيوم المُخصب بنسبة 60% إلى 25 كجم، وفق ما أعلنته إيران في 5 نوفمبر الجاري. وتزامن ذلك مع إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في اليوم نفسه، أن المراقبة النووية في إيران باتت أضعف، وأن الوكالة لا تستطيع القيام بعملها في الوقت الحالي.
وجدير بالذكر أن الإعلان عن مخزون إيران من اليورانيوم أتي بعد يوم واحد من الإعلان عن موعد عودة طهران للمفاوضات النووية، في دلالة على رغبتها في إيصال رسائل لواشنطن بأن طهران لن توقف تخصيب اليورانيوم قبل الجولة القادمة من المفاوضات، أو أثناء انعقادها.
ويلاحظ أن استمرار إيران في تخصيب اليورانيوم يجعلها تقترب من امتلاك القدرة على تخصيب اليورانيوم لأغراض عسكرية، على نحو يفرغ تلك العودة من مضمونها، وفق ما أشار إليه وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن، في سبتمبر الماضي.
5- رفض التفاوض حول الملفات الأخرى: ترفض إيران إدراج إلى ملفات أخرى في إطار المفاوضات المُرتقبة في فيينا مع القوى الكبرى، لاسيما الموضوعات المتعلقة بملف الصواريخ الباليستية وملف الدور الإقليمي، حيث أعلن قائد وحدة "جو- الفضاء" التابعة للحرس الثوري الإيراني، أمير على حاجي زاده، الجمعة 12 نوفمبر الجاري، أنه لن يتم التفاوض حول الصواريخ الباليستية أو الطائرات المسيرة، والتي وصفها بأنها "أصبحت شوكة في أعين أعداء إيران". هذا بالإضافة لما صّرح به وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، 1 نوفمبر الجاري، من رفض طهران ربط المحادثات النووية بالقضايا الإقليمية، مشيراً إلى أنه لا صلة بينهما.
مسارات المفاوضات القادمة:
في ضوء ما تقدم، يمكن القول إن هناك ثلاثة مسارات مُحتملة لمفاوضات فيينا القادمة، والتي يمكن توضيحها على النحو التالي:
1- إحياء الاتفاق النووي: يفترض هذا السيناريو أن ما تعلنه إيران من مواقف متعنتة قبل الجلوس على طاولة المفاوضات في فيينا ما هي إلا محاولة من جانب إيران لرفع سقف المطالب، وتوظيف ذلك كأوراق ضغط لتجنب إضافة أي قضايا للتفاوض، أو إجبار إيران على تقديم تنازلات في الملفات الخلافية. وبالتالي، فإنه، وفقاً لهذا السيناريو، فإن إيران سوف تقبل، في النهاية، إحياء الاتفاق النووي بعد التوصل لتفاهمات مع واشنطن يترتب عليها في النهاية تقديم الطرفين لتنازلات متبادلة ومتكافئة.
2- انهيار الاتفاق النووي: يفترض هذا السيناريو أن ما تطرحه إيران من مطالب مبالغ فيها ما هو إلا مؤشر على عدم جديتها في العودة للاتفاق النووي، واستمرار لسياسة التسويف والمماطلة، التي تتبعها. ومن ثم، فإنها من خلال طرحها الشروط السابقة تسعى لإطالة أمد التفاوض في فيينا، عبر طرح شروط جديدة. وتتحسب واشنطن بالفعل من هذا السيناريو، ولذلك أكدت على أن المفاوضات سوف تبدأ من النقطة التي توقفت عندها، كما حذرت إيران من المماطلة وإطالة أمد التفاوض مهددة بالانسحاب.
3- الاتفاق الجزئي: يفترض هنا التوصل إلى اتفاق جزئي بين واشنطن وطهران، يقضي برفع بعض للعقوبات مقابل وقف تخصيب اليورانيوم بمستويات عالية من قبل طهران، وذلك في إعادة لاقتراب خطوة مقابل خطوة، وذلك حتى يتم حسم كافة النقاط الخلافية.
ويلاحظ أنه في هذا السيناريو، فإنه لن يتم تناول القضايا الإقليمية، أو الصواريخ الباليستية، والتي قد يتم النص على التفاوض حولها في اتفاق منفصل، أو حتى يتم إدارتها من خلال العقوبات. ولعل ما يدعم على ذلك، إعلان مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، في 2 نوفمبر الجاري، إنه يمكن التعامل مع هذين الملفين بالطرق غير الدبلوماسية، سواء بفرض العقوبات، أو من خلال استخدام أدوات الردع المختلفة.
وفي التقدير، يبدو أنه إذا ما عادت إيران إلى طاولة المفاوضات في فيينا، فإن إمكانية التوصل لاتفاق قد تطول، كما يتوقع أن تواصل إيران طرح شروط جديدة، في محاولة لإطالة أمد المفاوضات إلى العام المقبل 2022، حتى تتمكن من تطوير قدراتها في مجال تخصيب اليورانيوم بصورة أكبر، وهي السياسة التي قد تلاقي رفضاً أمريكياً، كما قد تتجه واشنطن للرد عليها من خلال الانسحاب من الاتفاق النووي، وتنفيذ عمليات تخريبية ضد البرنامج النووي الإيراني.