أخبار المركز
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (المعضلة الروسية: المسارات المُحتملة لأزمات الانتخابات في جورجيا ورومانيا)
  • إسلام المنسي يكتب: (جدل الوساطة: هل تخلت سويسرا عن حيادها في قضايا الشرق الأوسط؟)
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)

Unknowns:

مداخل نظرية لكيفية التعامل مع غير المعروف

19 سبتمبر، 2014

Unknowns:

نظم مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة حلقة نقاشية يوم 16 سبتمبر 2014، تحت عنوان "كيفية التعامل مع غير المعروف"، وذلك لإلقاء الضوء على الأطر النظرية الأساسية التي تفسر حالة "عدم اليقين" التي تسود الدول والعلاقات الدولية، وكيفية التعامل مع تنامي هذه الظاهرة التي باتت تشكل محوراً أساسياً في تفكير صانعي القرار.

أدار الحلقة النقاشية الدكتور/ عبدالله الشيبة، الباحث الإماراتي المتخصص في الشؤون الاستراتيجية، وقدم ورقة العمل الرئيسية الباحث أحمد أبوزيد، محاضر العلوم السياسية بجامعة الجزيرة في دبي.

افتتح د. الشيبة الحلقة بالإشارة إلى أن هجمات 11 سبتمبر 2001 تمثل نموذجاً جيداً لـغير المعروف، فلم يكن أحد يتصور أن تقوم مجموعة من الإرهابيين ذوي القدرات المحدودة بمهاجمة أكبر دولة في العالم، حينها بدأ يتصاعد الحديث والجدل ليس حول "غير المعروف" فقط، ولكن حول شروط وكيفية التنبؤ.

من جانبه أشار أ. أحمد أبوزيد إلى أن سؤال المستقبل كان حاضراً من البداية في العلوم الاجتماعية وفي الفكر الإنساني منذ أقدم العصور، وأنه ظهرت في الآونة الأخيرة مداخل ونظريات جديدة في أدبيات العلوم السياسية والنظم المقارنة، باعتبارها أدوات ومناهج تفكير فيما يتعلق بالتفكير في المستقبل، كما بدأ التفكير يدور منذ فترة وجيزة حول "اللامعلوم واللامعروف"، وكذلك حول الذي لا يمكن توقعه أو تخيله.

وقد طرحت في هذا الصدد العديد من المداخل النظرية للتعامل مع غير المعروف، ومن ذلك نظرية البجعة السوداء Black Swan، ونظرية الفوضى، ونموذج السير العشوائي، ومدخل دائرية التاريخ، ونظرية المباريات، ونظرية الاحتمالات.

البجعة السوداء

يعد مفهوم "البجعة السوداء" أحد المداخل النظرية في التفكير في حالة عدم اليقين وغير المعروف، وذلك في إشارة إلى احتمالية حدوث أمر مستبعد جداً. ومن ذلك مثلاً القول إن النظم السياسية المعقدة التي تمتلك أدوات قمع، تميل لأن تكون نظماً هشة للغاية ومعرضة للانفجار في أي لحظة، فبينما لا تواجه هذه النظم تهديدات ومخاطر واضحة، وتبدو هادئة ومستقرة وغير متقلبة (صورياً)، إلا أنه في حقيقة الأمر توجد مخاطر كامنة تتراكم تحت السطح، فإذا حدثت أزمة كبرى لا يمكن علاجها على الرغم من كل محاولات القيادة السياسية وصانعي القرار العمل بكل السبل على استقرار النظام، عن طريق إنكار هذه التقلبات، فتأتي النتيجة مغايرة تماماً لما أرادته، وبالتالي فإن المعوقات النظامية الاصطناعية تميل لأن تكون "بجعة سوداء وسط بحر من البجع الأبيض"، والتي تعني "تعرض النظام لمخاطر الانكشاف الشديد، ولم يكن لأحد يملك القدرة على التوقع بحدوثها أبداً",

ويلاحظ أنه كلما أخذت هذه الحوادث حيزاً زمنياً أكبر، وتغييرات في الأوضاع القائمة، كلما كانت نتائجها وعواقبها وخيمة جداً على النظامين السياسي والاقتصادي للدولة.

نظرية الفوضى

هي نظرية رياضية فيزيائية تتعلق بالحركة العشوائية التي تنتج، إما عن طريق عدم قدرة تحديد الشروط الأولية للحركة أو عن طريق الطبيعة الاحتمالية لميكانيكا الكم، طبقاً لإدوارد لورينز، الذي حاول تقديم تفسير عقلاني للمتغيرات الجوية والمناخية في أوائل ستينيات القرن العشرين، فهذه النظرية تحاول أن تتعرف على "النظام الكامن" في هذه "العشوائية الظاهرة" وتحاول وضع قواعد لدراسة مثل هذه النظم.

وتقول نظرية الفوضى إن كل شيء يظهر على أنه فوضوي (Chaotic) وغير منضبط (Disorder)، هو في الأصل منظم ومنضبط كلياً، وليس هناك شيء عشوائي أبداً، وذلك طبقاً لـ "جميس غليك" مؤلف كتاب "نظرية الفوضى.. عالم المتوقع".

ومن رحم هذه النظرية خرج أسلوب تفكير يسمي أثر جناح الفراشة (The Butterfly Effect)، ومؤداه "أن رفة جناح فراشة فوق بكين تستطيع أن تغير نظام العواصف فوق مدينة نيويورك"، فهذا المثال الشهير بين علماء الطقس يستخدم لتفسير الاختلالات والاختلافات المناخية التي تجري في العالم، طوره عالم الأرصاد الجوية الأمريكي إدوارد لورينز، إلى نظرية تقول إن "أي فعل على الرغم من بساطته في الظاهر، فإن له تأثيراً، وقد يتطور هذا التأثير تطوراً هائلاً وغير متوقع".

إن هناك بعض التغيرات البسيطة قد تؤدي إلى نتائج كارثية، وكما في الفيزياء يمكن توظيف هذا المبدأ في التاريخ والسياسة، فالتاريخ الإنساني مليء بأحداث لها من التداعيات والعواقب ما يتخطى آثارها المباشرة المتوقعة، بما توجده وتستحدثه من تطورات وتغيرات جذرية على البنى والهياكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولو بعد حين، سواءً على المستوى المحلي أو الإقليمي والدولي.

عالم بلا سيد

أصبح العالم الآن "عالم بلا سيد" (No one World)، إذ حدث تغير وتحول في طبيعة العنف في العالم، وتزايد عدد الأطراف الفاعلة في النظام العالمي، خصوصاً في مجال قضايا الأمن القومي والدولي، وهو ما يمثل تحدياً وعبئاً كبيرين على الخيارات التي تتاح أمام الدول من جانب، وكسر احتكار بعض الأطراف لممارسة العمل السياسي والدبلوماسي من جانب آخر.

ولعل أهم هذه التحولات التي ساهمت في ذلك الثورة التي شهدتها وسائل الاتصال والمعلومات، والتي باتت من أهم المؤثرات على مجالات الحياة البشرية كافة في عالمنا المعاصر، بداية من تشكيل الوعي الفردي والجمعي، وصولاً إلى تحديد كيفية تحرك الدول وكيفية تحقيق مصالحها وأهدافها القومية، وأصبح العالم كله وما يجري فيه من دون رأس واحد يقوده أو يوجهه في مسار معين، وإنما بات نسخة مهولة الحجم من ليفاثينيث هوبز.

وبفضل العملية المركبة من الاعتماد المتبادل والتواصل الكوني، أصبحت القوة موزعة (Power Diffusion) بصورة كبيرة بين عدد كبير من الأطراف والفاعلين (من الأطراف الرسميين إلى غير الرسميين)، وهو ما يعني أن أعداد المنافسين والمناوئين للقيادة والسيطرة على العالم سوف يتزايدون، وهو ما يعني مزيداً من الأعباء، وقدرة أكبر على الابتكار والتجديد.

من جانب آخر، تبرز ظاهرة انتقال القوة (Power Shifting)، التي تقول إن عجز النظام الدولي الذي أوجدته ودشنته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية على مواكبة التطورات والتغيرات الجارية في بيئة العالم المعاصر، هو ما قاد إلى انتقال مراكز القوة الدولية من منطقة الأطلسي التقليدية (أوروبا وأمريكا الشمالية) إلى منطقة الباسفيك (اليابان والصين وكوريا وأستراليا والولايات المتحدة).

وتتوقع أغلبية الدراسات والتوقعات عدم قدرة الولايات المتحدة على مجاراة هذه الدول اقتصادياً، وبالتالي فمن المتوقع أن تكون قيادة العالم في أيدي إحدى هذه القوى الصاعدة، والمنطق نفسه يمكن تطبيقه على السياسات المحلية، حيث لم تعد الدولة ومؤسساتها هي الطرف الوحيد المحتكر للقوة والقدرة على التأثير على الداخل والخارج، فقد ساهم هذا التحول في جعل أطراف من خارج بنية الحكومات والسلطة الرسمية لها دورها الكبير في صياغة المستقبل، بل والتحكم فيه أيضاً.

إن هذا المثال السابق ربما يؤكد مدخل "دائرية التاريخ" باعتباره من النماذج التي لا يمكن التغافل عنها لدى دراسة شكل النظام العالمي، وما يعرفه من صعود وهبوط للقوى العظمى، كما جاء عن  الكاتب الأمريكي بول كينيدي.