أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

تسييس الملف:

أهداف تنظيم مؤتمر اللاجئين السوريين في دمشق

12 نوفمبر، 2020


أصرّت روسيا وايران والنظام السوري على تنظيم مؤتمر إعادة اللاجئين السوريين فى العاصمة دمشق يومى 11 و12 نوفمبر الجاري، على الرغم من المؤشرات التي سبقت انعقاده وكانت تشير إلى أنه لن يحقق نتائج بارزة، وفي مقدمتها مقاطعة الممولين المحتملين والدول التي تستضيف الأعداد الكبيرة من اللاجئين والهيئات والمنظمات الدولية المعنية بملف اللجوء، لأسباب عديدة، منها عدم تهيئة الأجواء للعودة، واستمرار ظروف عدم الاستقرار، وغياب خطة واضحة لترتيبات العودة، وهو ما يؤكد الانطباعات السياسية التي راجت حول أهداف تنظيمه، والتي تتمثل في تعزيز الدور السياسي للنظام، ودعم مساعي روسيا وحلفائها للهيمنة على إدارة ملفات ما بعد حقبة الصراع الرئيسية، ومنها اللاجئين وإعادة الإعمار.  

في هذا السياق، من المهم الإشارة إلى أن روسيا كانت قد فشلت في تنظيم هذا المؤتمر قبل نحو عامين بالتزامن مع انعقاد مؤتمر سوتشي 2018، وفي أعقاب التفاهمات الروسية- الأمريكية التي توصلا لها الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي (المنتهية ولايته) دونالد ترمب خلال قمة هلسنكي (21 يوليو 2018)، والتي ناقشا فيها هذا الملف في إطار إعادة لاجئي دول الجوار (لبنان – الأردن) تحديداً، الأمر الذى يلفت أنظار المراقبين حول مدى التغير الذي حدث على الساحة السورية ومواقف الأطراف منها على مدار تلك الفترة. إذ أن غياب المشاركة الدولية والإقليمية والمشاركة الرمزية للأمم المتحدة بصفة مراقب، يعطي انطباعاً بأن تلك الأمور لم تتغير.

رؤى متناقضة:

تنطوي المحددات الفاصلة التي تبنت على أساسها الأطراف المعنية مواقفها من دعوة روسيا إلى المؤتمر بصفتها الراعي الرئيسي له، على عدة أبعاد رئيسية، منها عامل الاستقرار وتهيئة الأجواء، وخطة عملية إعادة اللاجئين، والموقف من النظام السوري، وترتيبات المسار السياسي، والتي بدت متناقضة تماماً على النحو التالي:

1- طبيعة الحالة السورية: من خلال مؤشر الاستقرار النسبي، ترى روسيا، وفق نص الدعوة، أن المجال بات مهيئاً لعودة اللاجئين، وأنه من الواجب على المجتمع الدولي أن يضاعف جهوده بهدف تقديم دعم شامل لجميع السوريين الراغبين في العودة إلى بلدهم، وكذلك إيجاد الظروف المناسبة لمعيشتهم. في حين تؤكد واشنطن على أن الحالة السورية لم تستقر بعد، وتحركت في إطار مقاطعة المؤتمر الروسي رسمياً في أكتوبر الفائت. كما تبنى الاتحاد الأوروبي، على لسان الممثل الأعلى للسياسات جوزيف بوريل، الفكرة ذاتها بتأكيده على أن "المؤتمر سابق لأوانه والشروط الحالية في سوريا لا تشجع على الترويج لعودة طوعية على نطاق واسع ضمن ظروف أمنية وكرامة تتماشى مع القانون الدولي".

2- الموقف من النظام السوري: ترى الولايات المتحدة الأمريكية، التي تفرض عقوبات على النظام السوري وفقاً لقانون "قيصر"، أنه لا يمكن التعاطي في هذا الملف مع موسكو التي تدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وفق ما أعلنه نائب سفير واشنطن لدى الأمم المتحدة ريتشارد ميلز في مجلس الأمن (27 أكتوبر الفائت)، وهى الإشارة التي رد عليها السفير الروسي لدى الأمم المتحدة باعتباره "تحيزاً ضد سوريا بهدف تشويه سمعة تلك المبادرة الإنسانية". 

3- ترتيبات المسار السياسي: أشارت واشنطن إلى أن هناك عراقيل في المسار السياسي بسبب موقفى روسيا والنظام السوري من اللجنة الدستورية في جنيف، وهو موقف دعمته فرنسا، التي أكد سفيرها لدى الأمم المتحدة نيكولاس دي ريفيرا، على أن "شروط العودة الآمنة والكريمة والطوعية للاجئين السوريين لم تتحقق بعد"، مشيراً إلى أن "عودة اللاجئين لن تتم إلا في حال حدوث العملية السياسية الموثوقة، ولا يمكن لأى مؤتمر أن يحقق ذلك". 

4- عدم وضوح خطة العودة: لم تتضمن الدعوة التي وجهتها روسيا والنظام السوري آليات واضحة لإعادة اللاجئين، وإنما اشتملت فقط على عنوانين لا يعكسان خطة أو رؤية شاملة للعودة، حيث يهدفان إلى استقطاب تأييد عدد كبير من الدول، بالإشارة إلى رؤيتيهما للاستقرار النسبي، وإمكانية تحسين ظروف الحياة والمعيشة في المناطق التي سيعود إليها اللاجئون. 

دلالات عديدة:

من المتصور أن تعكس هذه التفاعلات المختلفة مع المؤتمر عدداً من الدلالات منها: 

1- القدرة على إحباط التحركات الروسية: بالنظر إلى أهداف موسكو، ومنها إظهار نجاح حملتها في سوريا وقدرتها على توجيه المسار السياسي من منطلق رؤيتها الخاصة، فإن أحد المظاهر التي حاولت توظيفها قبيل المؤتمر مباشرة يتمثل في عملية خروج القوات العسكرية التركية من 4 نقاط عسكرية في مناطق سيطرة النظام في حلب وحماة، للإشارة إلى أنه بإمكان اللاجئين العودة إلى مناطق النظام دون مواقف انتقامية أو تغيير ديمغرافي، وبالتالي فإن أطراف المقاطعة لا تريد منح روسيا تأكيدات أو ضمانات لتوجهاتها من ناحية وتحاول من ناحية أخرى التأكيد على أنها حتى لو كانت الطرف الرئيسي في الساحة السورية، إلا أن هناك أطرافاً أخرى يمكنها أيضاً عرقلة دورها وإحباط تطلعاتها. 

2- عدم الثقة في النظام وحلفائه: وهو ما عكسته ردود فعل ومواقف القوى المختلفة تجاه الدعوة للمؤتمر وأيضاً انعقاده في دمشق، حيث ترى أن مؤشر الحضور يعني منحه الثقة مجدداً وإمكانية القبول به، كما أنه سيصب في اتجاه إعادة ترتيب المسار السياسي لاحقاً لصالحه وهو ما لا يتوافق مع مصالحها وحساباتها. 

3- أهداف أخرى: اعتبرت القوى المناوئة لانعقاد المؤتمر أن إدارته على هذا المنحى لا تعكس موقفاً إنسانياً بقدر ما تؤكد على توجهات سياسية، لكن ثمة بعداً آخر في هذه النقطة بالنظر إلى المشاركين، من لبنان والعراق. فحضور العراق جاء في سياق رغبة إيرانية، على الأرجح، ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة للبنان، لكن ثمة اتجاهاً لبنانياً للتخلص من أعباء ملف اللاجئين السوريين في ظل التدهور الاقتصادي الذى تشهده البلاد، حيث أن المسجلين لدى دائرة الهجرة ومنظمات اللجوء ليس سوى ما يقارب نصف العدد الفعلي الذي يقدر بنحو مليون ونصف المليون تقريباً.

لكن المؤشر الأهم هو الموقف التركي، في ظل وجود أكبر عدد من اللاجئين (3.6 مليون تقريباً)، حيث انتقدت أنقرة تلك الخطوة بالنظر إلى أنها هى الأخرى تسعى إلى إدارة الملف وفق توجهاتها في سوريا، من خلال برنامج إعادة التوطين وليس إعادة اللاجئين في شمال البلاد، وهو ما رد عليه النظام السوري بالإشارة إلى أنه لن يتعامل مع أنقرة التي تدعم الميليشيات. 

تداعيات محتملة:  

تشير عملية المقاطعة وغياب المانحين إلى أن المؤتمر لن يحقق نتائج بارزة، وهو ما دفع اتجاهات عديدة إلى طرح تساؤلات في هذا الشأن، اذ أن روسيا كانت تدرك هذه النتيجة، وبالتالي لا يبدو أن معيار النجاح من عدمه بالنسبة لها هو ذاته المحدد الذي تراه القوى الأخرى، بما يعني أن روسيا تهدف من وراء المؤتمر إلى المضى قدماً في تحقيق خطة الحد الأدنى من هذا المشروع، والذى يمكنها الاضطلاع به، ويتعلق بإمكانية إعادة اللاجئين من بعض الدول التي تتماشى مع وجهة النظر الروسية.

 ويثير ذلك بدوره علامة استفهام أخرى، إذ كان من الممكن أن تقوم موسكو بدعوة تلك الدول فقط، على غرار لبنان، على نحو يوحي بأن الأهداف السياسية المشار إليها ربما كانت الغاية الأهم من ذلك، فعلى مدار العامين السابقين وبعد اتخاذ خطوات خفض التصعيد لم يعد سوى نحو مئات الآلاف في حين أن نصف عدد السكان، وفق التقارير الدولية، إما نازح داخلياً أو مهجر خارجياً. 

في النهاية، من المتصور أن فشل المؤتمر هو مسألة نسبية تعكس مواقف الأطراف منه وترقبهم لنتائجه، ومن المبكر القول بأن ملف اللاجئين السوريين، الذي يشكل مأساة في حد ذاته، قابل للحل وفق المعطيات الراهنة، خاصة أن الاتهامات التي وجهت لروسيا بتسييس هذا الملف لم تخل بدورها من دوافع سياسية، وبالتالي فإن تلك التعقيدات والمناورات السياسية ستلقي بظلالها على الجانب الإنساني من جهة وعلى إمكانية حلحلته في المدى القريب أو المتوسط من جهة أخرى.