أخبار المركز
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (سيطرة تبادلية: السيناريوهات المُحتملة لانتخابات الكونغرس الأمريكي 2024)
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"

سجادة الحل السوري

29 أكتوبر، 2018


تحتاج حياكة سجادة الحل السياسي في سوريا إلى جهود مضنية وخلاقة تكاد تستلزم معجزة ليكتب لها النجاح. تحتاج مفاوضات شاقة وضغوطاً هائلة ومساومات شائكة. ويظهر تداخل الأدوار المتنازعة والعقبات القديمة والمستجدة، إننا أمام واحدة من أعقد الأزمات التي واجهها العالم في الحقبة الأخيرة.

كانت الصورة مختلفة بالتأكيد لو كان في استطاعة طرف واحد إعلان انتصاره بالضربة القاضية وتفرده بفرض الحل. وإذا كان يمكن تسمية الطرف الروسي باللاعب الأول على هذا المسرح المعقد، فإنه من المتعذر اعتباره اللاعب الوحيد. له على الأرض شركاء لا بد من أخذ مصالحهم في الاعتبار، ثم إن الملف السوري واحد من ملفات كثيرة مطروحة على طاولة علاقاته بالغرب، وخصوصاً بالولايات المتحدة. سوريا محطة مهمة في الانقلاب الذي قاده فلاديمير بوتين على عالم القوة العظمى الوحيدة. لكن من التسرع الاعتقاد أن الكرملين مهتم بالانتصار الكامل في سوريا حتى ولو أدى ذلك إلى خسارة علاقته بإسرائيل وتركيا والغرب. حسابات بوتين أكثر تعقيداً من حدود المسرح السوري.

لا شك أن الخيط الروسي سيكون الخيط الأبرز في سجادة الحل. موسكو معبر إلزامي إلى أي حل دائم في سوريا، وهذا ما يعرفه بالتأكيد مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون والمبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا الذي يتأهب لمغادرة المسرح. الخيط الروسي لا يكفي، إذ إن موسكو ليست في وارد تحمل عبء إعادة إعمار سوريا وليست قادرة على ذلك. ويصعب الاعتقاد أن الدول الغربية راغبة في المشاركة في إعادة إعمار سوريا، إذا كان دورها هذا يقتصر على تلميع الانتصار الروسي هناك ومجرد تطبيع الوضع في سوريا تعيش تحت المظلة الروسية ومن دون أن تكبح نفوذ إيران التي شاركت بميليشياتها في منع إسقاط النظام السوري.

لا بد من الخيط الروسي ولكن لا بد معه من الخيط الأميركي. وأميركا موجودة عسكرياً في شرق سوريا، وهي اختارت في الآونة الأخيرة تصعيد الضغوط لدفع الميليشيات الإيرانية إلى الانسحاب من سوريا. ستدخل الضغوط الأميركية مرحلة جديدة من التصعيد في الأسبوع الأول من الشهر المقبل حين ستعاود واشنطن فرض «أقسى العقوبات على الإطلاق» ضد طهران التي لم تعد تخفي أصلاً حجم الصعوبات التي يعانيها اقتصادها.

تحتاج سجادة الحل السياسي في سوريا أيضاً إلى خيط أوروبي وخيط تركي وخيط إيراني وخيط عربي وخيط إسرائيلي على الأقل من زاوية ترتيبات الأمن.

في رحلة البحث عن خيوط السجادة يمكن وضع القمة الرباعية التي شهدتها إسطنبول بحضور قادة روسيا وفرنسا وألمانيا، فضلاً عن رئيس البلد المضيف. دعت القمة إلى تشكيل لجنة صياغة الدستور السوري على أن تجتمع بحلول نهاية العام. وأكد المشاركون الحاجة إلى تهيئة الظروف في أنحاء سوريا لعودة آمنة وطوعية للاجئين، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى هذا البلد، ووقف دائم للنار، والاستمرار في قتال المتشددين. لا شك أن انعقاد القمة نفسه كشف عن الحاجة إلى وجود شركاء ولو بنسب متفاوتة. بوتين يحتاج إلى مشاركة أوروبية في توفير المظلة للحل لأنها يمكن أن تكون مدخلاً لانخراط أميركا في هذه المظلة. وتركيا تحتاج أيضاً إلى الشركاء الأوروبيين لتعزيز دورها وإقامة قدر من التوازن مع الدور الإيراني من جهة، ومع الدور الروسي من جهة أخرى. فرنسا وألمانيا تريدان المشاركة أيضاً للإيحاء بأن أوروبا لم تفقد دورها بفعل قرار بريطانيا الانسحاب من الاتحاد الأوروبي وتلويح إيطاليا ودول أخرى بالتمرد على روح الاتحاد وضوابطه.

لا يكفي موعد سريع في إسطنبول لتبديد الفوارق في الحسابات. المؤتمر الصحافي الذي أعقب القمة كشف التباينات. أكدت أنجيلا ميركل أنه لا حل عسكرياً للأزمة السورية. وشددت على أنه «في نهاية هذه العملية السياسية يجب أن تكون هناك انتخابات حرة يشارك فيها جميع السوريين بمن في ذلك من يقيمون في الخارج». وسارع الرئيس إيمانويل ماكرون إلى تأييد ما طرحته المستشارة الألمانية وحض روسيا على «ممارسة ضغط واضح جداً على النظام السوري». من جانبه، شدد بوتين على محاربة الإرهاب وأمل أن تنتهي تركيا من إقامة منطقة منزوعة السلاح في إدلب في وقت قريب. أما الرئيس رجب طيب إردوغان فقال: «إن الشعب السوري في الداخل والخارج» هو الذي سيحدد مصير الرئيس بشار الأسد، مشدداً على قتال «الإرهابيين» في شمال سوريا، في إشارة إلى التنظيمات الكردية.

يفترض أن تكون حصيلة قمة إسطنبول حاضرة اليوم على طاولة اجتماع «المجموعة الصغيرة» في لندن. وتضم المجموعة أميركا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والسعودية والأردن ومصر، وطبيعي أن يكون دي ميستورا حاضراً. ستكون محاولة ترتيب التعايش بين الخيوط الضرورية حاضرة أيضاً في مواعيد أخرى بينها القمة المتوقعة بين بوتين ودونالد ترمب على هامش احتفالات فرنسا بذكرى الحرب العالمية الأولى. ويرجح أن يحتل الملف السوري مكاناً بارزاً في ضوء نتائج زيارة بولتون إلى موسكو. فالحوار الروسي - الأميركي مستمر، وأكدته الدعوة التي وجهها ترمب إلى بوتين لزيارة واشنطن، حتى ولو بدا أن البعد الصيني حاضر في هذه الدعوة. سيكون الملف نفسه حاضراً حين يقدم دي ميستورا في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) إيجازه الأخير أمام مجلس الأمن عن نتائج جهوده للحل السياسي وعدم نجاحه في إقناع دمشق بتسهيل تشكيل لجنة الدستور.

لن تكون حياكة سجادة الحل السوري سهلة. لا يكفي ترتيب تعايش بين مسار سوتشي ومسار جنيف. النظام السوري لم يقدم تنازلات حين كان ضعيفاً، فكيف يقدمها بعدما تغيرت المعادلات على الأرض لصالحه؟ وماذا عن موقف إيران التي تستعد لجولة غير عادية من الضغوط الأميركية؟ وهل يستطيع بوتين الحصول من إيران على ما يكفي لتبرير إشراك الخيوط الأميركية والأوروبية في سجادة الحل؟

إننا أمام أزمة بالغة التعقيد بأبعادها الداخلية والإقليمية والدولية. يحتاج الحل إلى الضغط والصبر وإعداد الأوراق وإبرام التفاهمات الكبرى ويكاد يحتاج إلى معجزة.

*نقلا عن صحيف الشرق الأوسط