نظم مركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة، ورشة عمل، يوم 20 أكتوبر الجاري، تحت عنوان "السياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة الخليج في أعقاب الاتفاق النووي الإيراني"، قدم خلالها الأستاذ حسام إبراهيم حسن، مدير برنامج الدراسات الأمريكية في المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، ورقة العمل الرئيسية، والتي مثلت الخلفية الأساسية لنقاشات الورشة.
وقد خلصت الورشة إلى أن هناك عدداً من القضايا التي ستبقى غير محسومة إلى حد ما على المدى الزمني القريب، وإلى بعض الاستنتاجات الأساسية، وهو ما يمكن إيجازه فيما يلي:
أولاً: اتفق المشاركون على ثلاث نقاط أساسية، أولها أن الولايات المتحدة سوف تظل الطرف الأكثر تأثيراً وفاعلية في تفاعلات منطقة الشرق الأوسط، ومنها منطقة الخليج العربي، مع الأخذ في الاعتبار عاملين مهمين، وهما دخول أطراف دولية أخرى فاعلة في تفاعلات المنطقة، وتفضيل إدارة أوباما الانخراط المحسوب في هذه الفترة، نظراً للعديد من العوامل الداخلية. وثانيها أن الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة (5 +1) من القضايا ذات التأثير البالغ على منطقة الخليج وأمنها. وثالثها أن الملف النووي الإيراني ظل لفترات طويلة من الملفات شديدة الأهمية لدى السياسة الخارجية الأمريكية، وسوف يبقى كذلك خلال السنوات القادمة.
ثانياً: تتسم المواقف حول الاتفاق النووي الإيراني بوجود وجهتي نظر إحداهما تؤيد الاتفاق، والأخرى تعارضه. وينطبق ذلك على النقاش الدائر داخل الولايات المتحدة، وداخل إيران أيضاً، كما يسود هذا الانقسام وجهات نظر الأطراف العربية.
وتكمن المشكلة الأساسية في هذا السياق في أن ثمة تغيرات داخلية مهمة سوف تحدث داخل الولايات المتحدة طوال فترة تنفيذ الاتفاق (تمتد من 10 إلى 15 سنة)، وأولها انتخابات الكونجرس القادم، وانتخابات الرئاسة الأمريكية في عام 2016. والأمر ذاته ينطبق بالنسبة لإيران، حيث يتوقع أن تشهد وجود أربعة رؤساء، وتغييراً للمرشد الأعلى، خلال هذه الفترة؛ وبالتالي فإن هذه التغييرات من المتوقع أن تترك بصماتها على كل من تنفيذ الاتفاق وعلى تفاعلات المنطقة كلها.
ثالثاً: تطرح هذه التغيرات المحتملة تساؤلات مختلفة حول مسار السياسة الأمريكية تجاه دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومن أبرز هذه التساؤلات التي أثارتها ورشة العمل:
- هل يمكن أن يؤثر الاتفاق النووي على أهمية المنطقة بالنسبة إلى الولايات المتحدة، في ظل وجود مقولات تشير إلى أن أهمية المنطقة تدور حول أمن إمدادات الطاقة بالأساس؟
- ما هي حدود الاستمرار والتغير في سياسة الولايات المتحدة على المدى القصير تجاه منطقة الخليج؟
- هل من الوارد حدوث تغير حقيقي في نمط العلاقات الأمريكية ـ الإيرانية، بحيث تصبح هناك علاقات تعاونية، وأن تصبح إيران شريكاً استراتيجياً للولايات المتحدة في المنطقة مثلما كان الوضع قبل ثورة 1979؟
- ما هي التأثيرات المحتملة في حال حدوث تحول في العلاقات الأمريكية ـ الإيرانية فيما يتعلق بأمن المنطقة، خاصة أمن دول مجلس التعاون الخليجي؟
إن هذه التساؤلات تحتاج بطبيعة الحال بعض الوقت كي يمكن التأكد من بعض الأجوبة عليها، لكن الجانب الأبرز منها يتعلق ببداية التنفيذ الفعلي للاتفاق النووي، وعدم نشوب خلافات جديدة بين إيران والقوى الكبرى حول أسس التطبيق، فإذا حدث ذلك، يمكن تصور الآتي:
- ترجيح تحول العلاقات الأمريكية ـ الإيرانية من صيغة العداء إلى نمط جديد (صداقة وتعاون/ أو نمط يجمع بين العداء والصداقة …إلخ)، وهذا سوف يتطلب سنوات حتى تثبت صيغة ما لهذه العلاقات، ويرتبط ذلك بمن يتولى الحكم داخل إيران وبإمكانية حدوث تحولات حقيقية في الداخل الإيراني، وكذلك بمن يحكم الولايات المتحدة بعد باراك أوباما.
- تبقى احتمالية التغير في سياسة الولايات المتحدة تجاه المنقطة وإعادة هيكلة أدوات سياستها الخارجية تجاهها أمراً وارداً بقوة، في ظل سياسة إعادة التوازن الأمريكي في منطقة آسيا والمحيط الهادي، وفي ظل تعدد الفاعلين الدوليين المؤثرين في منطقة الشرق الأوسط.
- إن هذه التغيرات سوف تترك بصماتها بالضرورة على أمن منطقة الخليج، وعلى طبيعة التفاعلات الخليجية ـ الإيرانية.
رابعاً: إن هناك ثلاثة محددات أساسية حاكمة للسياسة الأمريكية تجاه منطقة الخليج العربي، وهي:
1 ـ تغير أولويات السياسة سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط والخليج: فحتى فترة قريبة كان هناك انخراط أمريكي كبير خلال فترة رئاسة الرئيس جورج بوش الابن وبداية فترة أوباما، ثم تحول الأمر إلى الحديث عن إعادة التوازن في آسيا ـ الباسيفيكي نتيجة صعود ملف الصين، وكان الحل بالنسبة إلى إدارة أوباما في ولايته الثانية هو اتباع سياسة توازن أولويات الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وآسيا، وحتى القارة الأفريقية التي باتت أكثر أهمية للولايات المتحدة؛ ومن ثم بات للولايات المتحدة مناطق جغرافية مهمة في العالم غير منطقة الشرق الأوسط.
2 ـ سوف تكون الولايات المتحدة بحلول عام 2020 قادرة على الاكتفاء ذاتياً من النفط، وقد بدأ اعتماد الولايات المتحدة على نفط الشرق الأوسط يقل تدريجياً مع ثورة النفط الصخري.
3 ـ إن هناك رأياً عاماً أمريكياً يدعم فكرة الحد من انخراط الولايات المتحدة في صراعات الشرق الأوسط، والتركيز على الأوضاع الاقتصادية الداخلية الأمريكية، في ضوء أن الولايات المتحدة مدينة للصين بنحو 600 تريليون دولار.
ويمكن القول إن هذه الضغوط الداخلية والمتغيرات الاقتصادية سوف تلعب أدواراً مؤثرة على قضايا السياسة الخارجية الأمريكية في المستقبل. والدليل على ذلك أن الولايات المتحدة بدأت في تنفيذ أكبر خطة خفض للميزانية العسكرية خلال العامين الماضيين، وكذلك خفض أعداد القوات الأمريكية، ليصل عدد الجيش الأمريكي إلى عدد مماثل له خلال فترة الحرب العالمية الثانية؛ ومن ثم سوف يتم تسريح عدد كبير من القوات التي تحتاج إلى برامج إعادة دمج في الحياة المدنية.
خامساً: لاتزال هناك العديد من القضايا التي يمكن أن تؤثر على سلوك الولايات المتحدة ومواقفها في منطقة الشرق الأوسط عامة، ومنطقة الخليج على وجه خاص، وهو ما يمكن التعبير عنه فيما يلي:
تمدد الأنشطة الإرهابية في المنطقة ودرجة تأثيرها على المصالح الأمريكية، إذ يبقى الحديث عن حرب ممتدة ضد تنظيم "داعش" وغيره من تنظيمات الإرهاب في المنطقة مثار جدل داخلي، وهو ما يرتبط بشكل مباشر بالتأثير على أمن الولايات المتحدة وعلى مصالحها الأساسية في المنطقة.
لاتزال التحالفات العسكرية الأمريكية مع دول المنطقة سارية، وثمة صفقات أسلحة تعقد بين دول المنطقة وبين الولايات المتحدة، ومن المتوقع أن تتزايد هذه الصفقات خلال الفترة القادمة.
لا يتوقع أن تنسحب الولايات المتحدة من المنطقة لصالح القوى الأخرى، لاسيما مع دخول روسيا طرف فاعل في تفاعلاتها، كما لا يمكن أن تثق واشنطن تماماً في تعهدات طهران أو في دورها الإقليمي في الوقت القريب، ولهذا تحاول توفير ضمانات مختلفة لدول الخليج، في ظل الخشية من عدم تنفيذ الاتفاق النووي، أو تحول إيران إلى قوة معادية بالكلية على عكس ما هو متوقع.
سادساً: تتوقف توجهات السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط عامة، ومنطقة الخليج خاصةً، على طبيعة التطورات الداخلية في الولايات المتحدة، إذ من المتوقع أن يستمر الجدل حول دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وذلك في ظل وجود ما يمكن اعتباره حالة من "الاستقطاب الثنائي" بين الحزبين الكبيرين داخل البيت الأمريكي، وتحديداً فيما يخص طبيعة العلاقة المستقبلية مع إيران، إذ ربما يبدو "الديمقراطيون" أكثر اندفاعاً نحو تعزيز العلاقة مع طهران في حالة تطبيق "الاتفاق النووي"، بينما سوف يتحفز الجمهوريون تجاه خوض هذا المسار، خصوصاً إذا ما وصل رئيس من الحزب الجمهوري لرئاسة الولايات المتحدة في مطلع عام 2017.
وتؤكد الخلافات الحادثة داخل – وبين - دوائر صنع القرار الأمريكي بشأن التفاوض مع إيران بداية، ثم بشأن الاتفاق النووي ذاته بعد ذلك، خاصة بين وزارة الخارجية ووزارة الدفاع وأجهزة الاستخبارات، علاوة على الاختلافات بين الحزبين الرئيسيين، أن حالة "الغموض" هي ما تميز مستقبل العلاقات بين واشنطن وطهران.
ولهذا يمكن القول إن العلاقات الأمريكية ـ الإيرانية سوف تحتاج وقتاً لتتحول إلى نمط واضح من التعاون، لأن هذا يتطلب حواراً مشتركاً ومرحلة من بناء الثقة المتبادلة، في ظل تنفيذ الاتفاق النووي، وإن على دول المنطقة أن تراقب التطورات الداخلية في كل من الولايات المتحدة وإيران، وأن تضع سياسات للتأقلم مع أية تحولات غير متوقعة.